هاتفني مستاءاً…
كان في نبرات صوته شيء من الألم… وكثير من الغضب…
أرجأت مقاطعتي له ..كي يكمل كل ما بوده أن يقوله.
تحدث عن كثرة الأعباء الملقاة على عاتقه.. وعن قليل الثواب الذي يجده.
عدد لي بعضاً من أعباءه العملية..وكيف أنه يقوم بعمل قد لا يستطيع الآخرين عمله بمفردهم.
وختم كلامه بأمنيات التقاعد أو الانتقال إلى عمل آخر … أو حتى الموت.
سألته سؤالاً واحدا بعد أن انتهى من الفضفضة والبوح بكل ما كان يود قوله.
هل تحب الأعمال التي تقوم بها؟؟؟؟؟
أم أنك تقوم بها كأي عمل روتيني كتب عليك أن تقوم به؟؟؟
لم أجد في إجابته ما يدل على حبه له.. بل يحاول القيام بها حالها كحال بقية الأعباء.
سألته مرة أخرى:
لم لا تحاول أن تحب ما تقوم به؟؟؟
لم لاتبحث عن رابطة ما تجمعك بما تقوم به من عمل؟؟؟
انتهى حواري مع صاحبي بعدما انهالت علي عبارات السخط..واتهامي بادعاء المثالية..وأنني أبحث عن مدينة فاضلة.
* * *
حوار كهذا يتكرر كثيرا بيننا في حياتنا العملية...
وكثير منا كان حاله كحال صديقي .....
وشكوانا من كثرة الأعباء ...أو من سوء تنظيم العمل.... أو من عدم المساواة الوظيفية ..تتكرر كثيراً.
كلنا ذلك الرجل..
نعم...نعترف بأننا بشر لنا من قدرة التحمل الشيء المحدود.
نعم.... نحن في النهاية كتلة عواطف ومشاعر قد تتحرك يمنة ويسرة.
نعم...نقر بأن القصور موجود في كافة جوانب الحياة التي تنظم علاقاتنا ببعض.
ولكن يبقى السؤال :
هل تذمرنا .. وشكوانا ...وتضايقنا قد يفيد؟؟؟؟
أم انه سيضيف حجراً ثقيلا لشوال الأحجار الملقاة على كواهلنا؟؟؟؟
هل فكر أحدنا أن يرتبط بعلاقة حب مع ما يعمله؟؟؟
هل حاولنا أن ننظر للعمل الذي بين يدينا على أنه شيء جميل ينبغي علينا فعله؟؟
هل وضعنا حالة تحد مع أنفسنا كي ننجز هذا العمل أو ذاك بمستوى ينال رضانا؟؟؟؟
إن الذي يمكث الساعات الطوال في مرسمه ...أو حقله... أو معمله....أو مطبخه ..لا يحس بتلك الساعات ..بل انه لا يحس بالوقت إطلاقاً....لأنه أوجد حالة من العشق مع ما يفعله.
ان تعاملنا مع أي عمل على انه عبء فلن ننجز أي عمل.
أو سننجزه ..ولكن بشيء من عدم الدقة أو الرضا.
كل شيء بالدنيا بإمكاننا ترويضه...حتى الوقت...وحتى العمل الذي نراه صعباً.
بشرط..أن تتوافر حالة من التوافق بيننا وبينه.
بإمكاننا أن نجد شيئا جميلاً في أقبح الأشياء...
إن من يدرس في مدرسة نائية بعيدة صعبة الطريق بإمكانه أن يجد عشرات الأشياء الجميلة التي يقنع بها نفسه أن هذا الوقت المحسوب من عمره لا يذهب عبثا.
بإمكانه أن يجعل مسافة الطريق جميلة ...بقراءة كتاب...أو بسرد قصة جميلة..أو بتأمل في الطريق..أو باختبار وتعديل بعض أساليبه في الحوار والعلاقات الاجتماعية مع غيره.
بإمكانه أن يبدأ في وضع طوبة في مشروع خيري جميل قد يخدم أبناء تلك القرية سواء في المدرسة أم خارجها.
بإمكانه أن يتعلم التنظيم المالي وتدبير الأمور.
بإمكانه أن يضيف جديداً إلى طلاب تلك المدرسة أو القرية البعيدة خاصة فيما يتعلق بمظاهر اجتماعية أو صحية أو ثقافية قد يراها ناقصة في هذا المجتمع وتتوافر في مجتمعه الأصلي.
وقتها....لن يشعر أن تلك السنوات التي قضاها في ذلك المكان كانت صعبة أو ضائعة...
بل سيحس بأنه أنجز أشياء مهمة جميلة قد يتذكرها ..أو يذكرها به الآخرين يوما ما.
كذلك الحال بالنسبة للموظف أو المسئول الذي يتعامل مع العشرات يوميا..أو يطلب منه انجاز مشاريع أو تخليص أوراق.
أبسط الأشياء أن نضع خطة أسبوعية أو شهرية نقيس فيها مدى تقدمنا في أمور كثيرة..
فعلاقاتنا اليومية مع الناس في إطار العمل بإمكانها أن تقيس لدينا مدى التطور الحادث في سلوكياتنا الشخصية...
مدى رضانا عن حوارنا مع الآخرين..أو قدرتنا على كبت الغضب...أو استقامة لغتنا الحوارية..
وقس على ذلك كثير من الأمور الحياتية.....
باختصار شديد...
نحن وحدنا من باستطاعته أن يجعل ما حوله جميلا ....
ونحن وحدنا فقط نستطع أن نستمتع بما نفعله ..أو أن نكرهه
أتمنى ألا أكون مثاليا أكثر من المطلوب.
وان كان التفاؤل المبالغ فيه أفضل من التشاؤم حتى وان كان قليلا.
وقديما قال كونفوشيوس الصيني"لئن تشعل شمعة ..خير لك من أن تلعن الظلام"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.