الأربعاء، 15 أغسطس 2012

مشاهد من وحي رمضان 3


(1)
"تفضل حضرة صاحب الجلالة فأصدر أوامره السامية بفتح ثلاثة فروع للهيئة العامة للأعمال الخيرية في كل من صلالة وصحار وصور وذلك بهدف توسيع نشاط وخدمات الهيئة". كما " أصدر جلالة السلطان توجيهاته السامية بإلغاء الدرجة الخامسة من جدول الدرجات والرواتب الوارد بقانون الخدمة المدنية، ومعالجة الآثار التي ترتبت عليها".
خبران مهمان  طالعتنا بهما وسائل الإعلام المحلية المختلفة خلال الأيام القليلة الماضية، وتؤكدان على مدى حرص واهتمام باني نهضة هذا الوطن باحتياجات المواطنين ، و انحيازه الدائم إليهم كما هو الحال في كل مراسيمه وأوامره وتوجيهاته حفظه الله، وعلى مدى البعد الإنساني المتمثل في كثير من الجوانب المجتمعية التي يوليها – رعاه الله - اهتمامه الشخصي الكبير كمجالات الثقافة والعمل التطوعي والتكافل الاجتماعي وغيرها من المجالات الإنسانية ضارباً مثلاً يحتذى به ، وأنموذجاً يقتدى به.
لن يبنى هذا الوطن  سوى بالتفافنا واقترابنا معاً قيادة وشعباً، وإيماننا بأهمية الشراكة المجتمعية، وأن الحوار العقلاني الهادف هو الوسيلة المثلى لحل مشاكلنا، والتغلب على المصاعب التي قد تواجهنا، وتحقيق آمالنا التي نرغب بها.

 (2)
"في إطار  متابعة الهيئة لكافة الاستعدادات لاستقبال عيد الفطر، والوقوف على مدى توافر السلع ومستويات الأسعار قام سعادة الدكتور رئيس الهيئة العامة لحماية المستهلك بزيارة تفقدية إلى سوق الموالح المركزي، وأصدر تعليماته إلى موظفي الهيئة بضرورة الحرص على استقرار الأسعار، وأهمية توافر السلع".
لو  ترك كل مسئول لدينا كرسيه الوثير، واقترب من  نبض الشارع، لاختفت كثير من المشكلات الوهمية، ولتطور العمل داخل مؤسسته بشكل ملحوظ، ولسدت كثير من الفجوات الحاصلة بين الطرفين.
 (3)
في ظل التنامي الكبير لأعداد المحلات التجارية الكبيرة ( الهايبر ماركت )، ومحلات الهدايا والتي تحمل في الغالب أسماءً غير عمانية، والتي غزت كثيراً من المدن والولايات،  ويملك معظمها عدد من المستثمرين الغير عمانيين ، ما هو مصير المحلات الصغيرة التي تعود ملكيتها إلى مواطنين عمانيين غامر كثير منهم بطلب التقاعد المبكر، وضحى بعضهم بمكافأة نهاية خدمته، أو باع أرضاً وحيدة يمتلكها، أو استدان من (طوب الأرض) كي يجد له مصدر دخل يعينه على مصاعب الحياة وتحدياتها المختلفة من خلال قيامه بفتح (بقالة) صغيرة، أو محل هدايا متواضع، أو منفذ لبيع الخضروات والفواكه، معتقداً أنه سيحظى برعاية واهتمام المسئول من خلال تشريعات اقتصادية توفر له الحماية، وتضمن له الاستمرارية في العمل، وعدم الخوف من تحديات المستقبل.
ترى كم من المحلات الصغيرة  أقفلت أبوابها أو عرضها أصحابها للبيع جراء عدم قدرتها على منافسة  تلك المحلات الكبيرة ، وهل سنشهد خلال الفترة القادمة طرحاً أوسع لمثل هذه القضية، وحلولاً مهمة تطمئن البقية؟

 (4)
ما إن أتابع مسلسلاً إذاعياً محلياً إلا وأفاجأ بحرص القائمين على كثير من هذه المسلسلات  على  حشر الشخصية البدوية ضمن أحداث المسلسل، حتى لو كان هذا المسلسل يناقش قضية أخرى لا تستدعي أحداثها وجود مثل هذه الشخصية، وذلك  من خلال دور أصبح ثابتاً في هذه المسلسلات، ويذهب غالباً إلى ممثل بعينه، يحمل أسماء غريبة قد لا تمت للبيئة البدوية الحقيقية بصلة كنعيجان  أو فليحان  أو محيميد، وأسماء أخرى لم تستطع ذاكرتي حفظها برغم تكرارها اليومي، وكأنه حرام على البدوي العماني أن يكون اسمه عبد الله أو محمد أو أحمد أو غيرها من الأسماء  المعتادة، ويزيد القائمين على مثل هذه المسلسلات في فضلهم وتكرمهم علينا فيجعلون الممثل يتكرم علينا كل خمس ثواني بأن يعتزي بأنه (صاحب الركاب) كي يذكرنا بأنه بدوي، وكأن البدوي شخصية خيالية هبطت من إحدى الكواكب القريبة، لا تلك التي نعرفها بحكم معايشتنا لها.
هل نهتم في مسلسلاتنا بالفكرة والمضمون ، أم بالمؤثرات التي نعتقد أنها ستضفي شيئاً من الفكاهة حتى لو لم تكن لها علاقة بفكرة المسلسل، أم أنه لا توجد أساساً فكرة واضحة تم بناء سيناريو المسلسل على أساسه؟.
ما زالت مسلسلاتنا الإذاعية هي ذاتها لم يتغير إطارها ومضمونها، ومازالت موسيقاها هي نفس الموسيقى كما عهدناها، ومازال أبطالها هم أنفسهم مع تغيير في بعض الأسماء، ومازال المخرجين والمؤلفين هم ذاتهم . هل الأمر أصبح نوع من التقليد أو الواجب الذي ينبغي أن نقوم به؟ وهل بالفعل يرى البعض في  كتابة سيناريوهات هذه المسلسلات أو القيام بأدوار شخصياتها أو إخراجها نوع من (السبوبة) المالية بغض النظر عن مستواها أو مدى تطورها؟
(5)
في عصر أحد أيام الشهر الفضيل، وبينما كنت أقلب مؤشر القنوات الخاص بجهاز التلفزيون استرعى انتباهي مشهداً خطيراً ينبغي التوقف معه  في أحد مسلسلات الأطفال الشهيرة والتي يحرص كثير من أبنائنا على متابعتها.
يدور المشهد حول ذهاب عدد من شخصيات ذلك المسلسل إلى امرأة ترتدي تاجاً يشع منه نور ساطع، وتحمل عصاً يتلألأ فيها عدد من النجوم الصغيرة ، ينادونها بلقب "الأم الطبيعة " ويطلبون منها أن تنزل الثلج ، وتوقف جريان النهر الذي يهدد قريتهم، فتضرب "الأم الطبيعة" بعصاها وتتمتم ببعض الكلمات فيتحقق كل ما طلبوه.باختصار هي تؤدي دور (الرب) في ذلك المسلسل الغربي المترجم إلى العربية والذي تعرضه كثير من الفضائيات العربية.
كما أذكر أن ابني سألني يوماً بعد أن تكرر أمامه مشهد القط "جيري" وهو يموت عشرات المرات في كل حلقة ثم يقوم وكأن لم يكن شيئاً : أبي .. يعني لو طعنت أختي بالسكين ، فهل ستموت ؟.
ومازلت أتذكر مشهداً عالقاً بذاكرتي منذ الطفولة  في مسلسل أطفال آخر مترجم يتناول أحد رجال الشرطة وهو يطارد عدد من اللصوص على ظهر جمل ، ثم يتوقف  في إحدى محطات تعبئة الوقود كي يقوم بتعبئة الجمل بالبترول، ومن ثم يواصل مشوار المطاردة .
أين إعلامنا العربي من هذا الغزو الفكري الذي يتعرض له أطفالنا، ويؤثر على سلوكياتهم وانتماءاتهم الدينية         و الوطنية ، ومتى ستكون لنا برامجنا الهادفة التي تخاطب الطفل، وتنمي اهتماماته، وتشبع ميوله، وتكون بديلاً اختيارياً عن تلك البرامج المدبلجة أو المترجمة، والتي لم يتم إعدادها أو توجيهها عبثاً.
هل سنرى يوماً ما برامج أطفال بمستوى"افتح يا سمسم"، أو "المناهل" مثلاً.

(6)
"الهبطة"، "العرسية"، " الفوالة"، " العازي"، "العيد فرحة"، " مبارك يا عيد مبارك"، "حمدان الوطني"، "صفاء أبو السعود"،  " المسدس البلاستيكي بطلقاته الحمراء اللون"،.
أيام قليلة ونتذكر كل هذه الأشياء الجميلة وغيرها من الذكريات التي ارتسخت في ذاكرة الكثيرين من جيلنا بكل بساطته وعفويته..  كل عيد وأنتم بخير.


الأربعاء، 8 أغسطس 2012

مشاهد من وحي رمضان (2)


 (1)
ما إن يأتي الشهر الكريم إلا وتحل معه نفحات كثيرة لعل من بينها قيام عدد من المؤسسات الحكومية والرياضية والاجتماعية والأهلية بتنظيم مجموعة من الفعاليات والأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية المتنوعة كالمسابقات الثقافية (س.ج)، وخماسيات كرة القدم، ومهرجانات الإنشاد، عدا عن الندوات والمحاضرات والخيم الرمضانية المفتوحة، في ظل تهافت قطاعات كبيرة من المجتمع للاستفادة من هذه المناشط المتنوعة والتي يمتاز كثير منها بحسن التنظيم، وتظافر الجهود لإنجاحها، وبالتالي تحقيقها لكثير من الأهداف المرتبطة بها.
ومع كل التقدير لتلك الجهود المبذولة إلا أن السؤال الأزلي الذي أطرحه وطرحه قبلي كثيرون: لماذا تقتصر تلك المناشط على هذا الشهر الفضيل، بينما تكاد تختفي في بقية أيام العام؟ وأين هي الكوادر والإمكانات التي أسهمت في تنظيم هذه الفعاليات طوال أيام الشهر الكريم؟

 (2)
أمس الأول صادف يوم السابع عشر من رمضان، والذي ارتبط بحدث إسلامي عظيم، ألا وهو ذكرى موقعة بدر الكبرى، والتي شهدت انتصار المسلمين بقيادة الرسول الكريم على الكفار في أول مواجهة كبرى بينهم.
  ترى هل تذكرنا هذه المناسبة وغيرها من المناسبات الإسلامية المهمة؟ وهل قرأنا عن بطولات المسلمين وتضحياتهم بها؟ وهل استنتجنا العبر من عوامل الانتصار المهم الذي حققه المسلمون في هذه الموقعة،  أم  أننا كنا مشغولين بمتابعة أمور أهم  كملاحقة إسهال المسلسلات وبرامج المسابقات التي تبثها المحطات التلفزيونية المختلفة؟ وتجربة وصفات جديدة من المأكولات والأطعمة الرمضانية؟
من المهم أن نستعيد هذه المناسبات والأحداث العظيمة في تاريخ الأمة، ففيها الكثير من الدروس والعبر التي نحن بحاجة ماسة إليها في وقتنا الحاضر.

(3)
قال لي : أتمنى أن تكون كل أيام السنة رمضان، فبالإضافة إلى روحانيته ونفحاته الإيمانية الجميلة، فهو بالنسبة لي شهر التوفير وتنظيم أحوالي المادية التي قد تتعثر في بعض شهور السنة الأخرى، هل لك أن تتصور إنني  اعتدت كل عام أن أوفر حوالي  ربع مرتبي خلال هذا الشهر الفضيل؟
قلت له: كيف ذلك وكثير من الناس يقولون عكس ذلك، بل ويشتكون من المصروفات الرهيبة التي تلاحقهم خلاله.أجاب: في رمضان يقتصر الطعام على وجبتين رئيسيتين هما الإفطار والسحور، وبما إن معظم مكونات الوجبات الغذائية الرمضانية من أرز وطحين وسكر وزيت وغيرها هي في الأساس متوفرة في البيت لأننا نستخدمها طوال أيام السنة،  فإن ذهابي إلى الأسواق والمجمعات التجارية يقتصر على استكمال نواقص تلك السلع، وشراء بعض المستلزمات الغذائية الأخرى التي يقتصر تناولها على  هذا الشهر فقط، وهي مستلزمات يمكن أن تعد على أصابع اليد، وإذا أضفنا إلى ذلك قلة الارتباطات العملية والاجتماعية خلال نهار رمضان الطويل، والاستعاضة عنها بتنظيم الوقت المنزلي من حيث القراءة أو ممارسة أنشطة فكرية متنوعة، والرغبة كذلك في استغلال هذا الشهر في تنظيم برنامج رياضي صحي  فيمكن أن تستنتج سبب هذا التوفير.
لم أخبر محدثي عن النصف ساعة التي قضيتها منتظراً دوري في الطابور الطويل كي أصل إلى (كاونتر) المحاسبة في أحد المجمعات التجارية الكبيرة، قبل ليلتين من دخول الشهر الكريم، متأملاً العربات المتراصة جنبي، والمحملة بكل ألوان الطيف من مشتريات متنوعة، ولم أحدثه عن ما يفعله البعض من تغيير سنوي لأثاث بيوتهم مع حلول هذا الشهر، ولا عن الملابس الجديدة التي تقوم بعض النساء بتفصيلها احتفاء به، وكأن الشهر قد تحول إلى ساحة مباهاة واستعراض إمكانات اجتماعية في شهر تقوم حكمته على أساس الشعور بالآخر والإحساس بمعاناته.


 (4)
وبمناسبة الشعور بالآخر والإحساس به،  ما رأيكم  لو فكر كل منا أن يتذكر جاراً أو إنساناً محتاجاً  يعرفه، فيجود عليه بمبلغ بسيط، أو يقدم له بعض المساعدات العينية الضرورية التي قد تعينه على بعض مصاعب الحياة.
ويمكن لنا كذلك أن نتذكر إخوة لنا في بلدان عربية وإسلامية مختلفة ابتلاهم الله بكثير من المحن خاصة ونحن نتابع ما  يحدث في سوريا أو اليمن أو بورما أو الصومال على سبيل المثال، وحجم المعاناة التي يشعرون بها، والمناظر المأساوية التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة في الوقت الذي لا يكاد بعضنا يطيق مشقة انقطاع التيار الكهربائي لمدة عشر دقائق، أو توقف تدفق الماء لثواني معدودة، ولا يكاد يتحمل صراخ طفله طالباً حليبه المفضل الذي قد يستغرق إعداده دقيقة واحدة فقط.
إن "بلال" عامل البناء السوري البسيط الذي يعيل أربعة من الأطفال،  والذي فقد إحدى رجليه مؤخراً بسبب الأحداث هناك، و"عبده" الطفل اليمني الذي لم يكمل الستة أشهر من عمره ويعاني من نقص شديد في التغذية  حتى ليكاد لا تفرق بينه وبين الهيكل العظمي، و"محمد" الصبي الروهينجي في بورما الذي فقد والديه نتيجة حرق بيتهم من قبل بعض المتطرفين، و"فاطمة" العجوز الصومالية التي خسرت كل ما تبقى لها من رؤوس غنم هزيلة بسبب المجاعة والقحط، هم في أمس الحاجة إليك وينتظرون إحساسك بهم في أقرب وقتك، فقد يقربك شعورك بمعاناتهم إلى الله أكثر مما سيقربك إليه "ناجي عطا الله وفرقته"، أو "البرشا" الذي تستعد لتجديد بطاقتك المشفرة من أجل عيون لاعبيه، أو "الجالاكسي3" الذي تفكر في شراءه مع أن آخر جهاز قمت بشرائه لم يمض عليه سوى شهرين.
الأمر لا يكلف سوى الرغبة أولاً، ومبلغ بسيط قد لا يتجاوز (5-10) ريالات، وهو مبلغ قد نصرفه يومياً في أمور ربما تكون أقل أهمية.

(5)
في إحدى صلوات الفجر في يوم من أيام هذا الشهر الفضيل، وبينما كان الإمام يقرأ دعاء القنوت بصوته العذب ويدعو لأهل سوريا بأن يفرج الله كربتهم، ويعينهم على محنتهم، أجهش ذلك الشاب السوري بالبكاء وعلا صوته بالنحيب.
لا أظن أن ذلك الشاب إخوانياً أو  من أتباع (العرعور)، ولا أعتقد أن له علاقة بأمريكا أو تركيا أو  قطر، وربما لم يسمع عن "الامبريالية" أو "المؤامرة الكونية" أو "خطة تقسيم المنطقة". هو فقط يعرف بلده أكثر مما يعرفها أصحاب "الجريدة" إياها، وبعض مدعي العروبة والقومية والممانعة وبقية مصطلحات الطقم التي تقال معاً .



د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

الأربعاء، 1 أغسطس 2012

مشاهد من وحي رمضان

هي مشاهد كنت قد دونتها قبل عام من الآن، وأجدها  تتكرر كما كانت، قد يكون بعضها سلبياً يحتاج إلى وقفة متأنية، وقد يحمل الآخر الكثير من الإيجابية حتى لو ارتبط حدوثه برمضان،  ولكنها تبقى مظاهر جميلة ينبغي تشجيعها والحث عليها.

(1)
صلاة الفجر في أحد المساجد. المسجد ممتلئ برواده من مختلف الأعمار، وصوت قراءة القرآن يعلو على بقية الأصوات، الصبيان لهم حضورهم، إما  وحدهم أو برفقة آبائهم ،  وعجوز تسعيني يدخل المسجد متكئاً على يد أحد أحفاده. برغم ظروفه الصحية وكبر سنه، وبرغم عدم استطاعته الصلاة واقفاً، إلا أنه مصر على تسجيل حضوره الروحاني  اليومي، ربما لأن خير الأعمال الخواتيم ، وربما لكي يقدم لأولئك الصغار درساً في أهمية المحافظة على الصلاة باعتبارها ركن الدين قد يستفيدون منه في حياتهم اليومية وصلتهم بربهم.

(2)
بعد أيام قليلة يستعد أحد أقاربي للذهاب إلى الأراضي المقدسة لأداء العمرة.قد تكون المرة الثالثة التي يؤدي فيها هذه المناسك خلال هذا العام، كما أنه قد اعتاد تأديتها سنوياً في أيام الشهر الفضيل، وهناك الكثيرون ممن يحذون حذوه.
لن نختلف على أن تأدية العمرة هو  مطلب وحلم للكثيرين، وبالذات في مثل هذه الأيام المباركة، فبالإضافة إلى الأجر الكبير، فهناك الأجواء الروحانية الجميلة، وحالة الصفاء الفكري التي يعيشها المعتمر بالقرب من تلك المشاعر المقدسة، ولكن لنتخيل لو قرر أحد ممن اعتادوا الذهاب المتكرر إلى العمرة ، ألا يذهب هذه المرة، وأن يتبرع بمصاريف الرحلة كاملة لعائلة أو اثنتين من العائلات المعسرة، خاصة وأن هناك كثير من الأسر تعاني من تكالب الظروف الاقتصادية عليها، فما بالكم بتوالي مناسبات رمضان وعيد الفطر والعودة إلى المدارس تباعاً؟
أعتقد أن المولى- سبحانه وتعالى-  لن يحرمه أجر العمرة، وسيجزيه خير الجزاء عن تفريجه لكربة بعض إخوانه من المسلمين، وسيكون أكثر ايجابية ونفعاً للمجتمع.

 (3)
قبل المغرب بدقائق. صحون المساجد ممتلئة بعدد كبير من الصائمين، البعض يتوضأ، والآخر يقرأ القرآن، والثالث يتوجه إلى الله بالدعاء، أصناف الوجبات المختلفة تتوالى على المكان، سواء من البيوت القريبة، أو من صندوق وقف بعض المساجد، أو من تبرعات المحسنين طالبي الأجر والثواب، يرفع الأذان فيشترك الكل في الإفطار في حميمية عجيبة، دون تفرقة بين لون أو جنسية .
صورة  رائعة ومعبرة لمظهر من مظاهر التكافل الاجتماعي تتضح بشكل جلي خلال أيام الشهر الفضيل، وتؤكد على وجود استعداد فطري لدى الكثيرين للمساهمة  في الأعمال الخيرية بمختلف أشكالها، بشرط أن توجد الجهة التي تنظم هذا الأمر بشكل جدي ومناسب ومدروس.

(4)
الساعة العاشرة ليلاً. موعد عرض البرنامج التراثي المحلي (أماسي) لمقدمه المجيد الشاعر والصديق سالم البدوي. البرنامج جميل بفكرته ، ويقدم نماذج لبعض الفنون العمانية المغناة، ويتوقف عند محطات مهمة من الأسماء البارزة على مستوى الشعر الشعبي في السلطنة، كما يزيح الستار عن شخصيات أخرى ربما لم تصل إليها آلة الإعلام المحلية في فترات سابقة،ويحسب لمقدم البرنامج قدرته على أن يجعل  العديد من الشخصيات التي استضافها البرنامج أن يتفاعلوا بشكل جيد معه، و"يتجلوا" في استعراض إمكاناتهم المختلفة ، ولعل ذلك يعود إلى خبرته السابقة من خلال مشاركته كضيف أو كمقدم في  العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية الناجحة والقريبة من المتلقي. 
باختصار. يعد البرنامج وجبة رمضانية خفيفة ، وإضافة مهمة للخريطة البرامجية لتلفزيون سلطنة عمان في شهر رمضان المبارك، والدليل استمراره لأكثر من دورة رمضانية.

(5)
الساعة الواحدة ليلاً وبينما أقود سيارتي في الشارع الرئيسي لمدينتي  كدت أن أتعرض لحادث فظيع لولا ستر الله، والسبب كرة طائشة ركلها أحدهم بينما كان يلعب مع عدد من رفاقه الذين تتراوح أعمارهم بين العاشرة والخامسة عشر، في ساحة أحد المواقف المجاورة للشارع.
ترى لماذا يتخذ كثير من الصبية في هذا الشهر الفضيل وغيره من الشهور، ساحات بعض المساجد، والشوارع الفرعية كأماكن لممارسة هواياتهم المختلفة؟  هل هو التخطيط السيئ للحارات السكنية والذي لا يخصص أماكن مهيأة لممارسة الهوايات والأنشطة المختلفة؟ أم هو عدم وجود مراكز شبابية رياضية وثقافية توفر ممارسة هذه الأنشطة؟ وهل لغياب دور الأندية الحقيقي في هذا المجال، واقتصارها على ألعاب محددة ولأفراد بعينهم أثر  في ذلك؟ربما.

(6)
قد تجدهم يستقبلونك على الباب عند دخولك لفرع البنك الذي تتعامل معه، وقد يستوقفونك عند دخولك بعض المحلات التجارية الكبرى، ويمكن أن  يلاحقك بعضهم بعد انتهائك من استخدام إحدى آلات السحب المصرفي، وربما يعترضون طريق سيارتك عند رغبتك في تعبئة الوقود.
إنهم فئة من المجتمع ارتضت لنفسها طريق التسول كأسهل الطرق للكسب. ربما لا يكونون بتلك الكثرة، ولكنهم يتزايدون من عام لآخر، ويستغلون طيبة البعض، ورغبة البعض الآخر في نيل الثواب، ولامبالاة بعض ثالث.
ترى أين تكمن أسباب هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمع عرف طوال تاريخه بالتكافل الاجتماعي، وبأنفة أفراده وعزة أنفسهم وتعففهم عن السؤال؟
إذا ما استثنينا الأسباب المتعلقة بضعف بعض القيم المجتمعية التي تركز على التعاون والتكافل، فإنه بالإمكان  الاستفادة من كثير من أفراد هذه الفئة، وتحويلهم إلى منتجين حقيقيين، وذلك من خلال الاهتمام ببرامج التنمية الاجتماعية المناسبة، ومشاريع القرى المنتجة، وقوانين التأمينات الاجتماعية، خاصة أن بعضهم كانوا أصحاب حرف متنوعة، وفجأة لم يجدوا من يهتم بهم أو بإنتاجهم.جرب أن تحاور سيدة خمسينية في العمر تجدها في الأيام القادمة على باب أي بنك تمر بالقرب منه، في غالب الأحيان ستجد لديها تاريخاً طويلاً في العطاء الحرفي.هي فقط تريد من يشعرها بأنها من الممكن أن تنفق على عائلة بأكملها من خلال حرفتها.

(7)
بعد أن تابعنا الزحف المجتمعي المكثف على الأسواق والمجمعات التجارية المختلفة قبل بداية الشهر المبارك بشكل ينبئك أن البلد مقدمة على مجاعة رهيبة، أو كارثة طبيعية، ها نحن نستعد لمتابعة  مشهد مماثل. إنه زحف نسائي تجاه الأسواق في النصف الثاني من رمضان، وكل ذلك من أجل بعض الملابس والكماليات التي غالباً ما تنتهي صلاحية استخدامها بانتهاء أيام العيد.ملايين الريالات ستحول وجهتها خلال الأيام القادمة إلى بعض الدول الآسيوية، ولا عزاء لجيوب الأزواج.
للمرة المليون: أين هي الخياطة العمانية؟؟