"الأرض
بتتكلم أوردو"
تجدهم أمامك يعرضون عليك شراء كروت الشحن المدفعة وأنت
توشك على استخدام آلة السحب الإلكترونية، ويزاحمونك قبل أن تهم بركوب سيارتك أو
عند نزولك منها كي يقوموا بغسلها بأدوات أقل ما يمكن وصفها بأنها مقززة، ويطرقون
بابك أحياناً عارضين عليك بضاعة صينية مضروبة في استجداء ملح كي تقوم بشرائها حتى
ولو لم تكن بحاجة إليها، وتلمحهم منذ الصباح الباكر يتكدسون زرافات وفرادى بالقرب
من بعض المنشآت التجارية وكأنهم في سوق نخاسة عارضين عليك أي عمل يستطيعون القيام
به، وتتوه وسطهم مساء الجمع في الحمرية والجفنين وغيرها من المناطق التي تعتبر
مناطق استراتيجية خاصة بهم يمارسون فيها حياتهم الخاصة بمختلف طقوسها، وتراهم
ليلاً وسط الحارات السكنية فترتجف أوصالك لما يمكن أن يحدث لو مررت من جنبهم ليلاً
والكهرباء مقطوعة مثلاً.
هذه فئة. أما الفئة الأخرى فتتمنى أحياناً أن تصبح
صديقاً حميماً لأحدهم، أو أن يكرمك الله فتناسبهم بالنسب، أو أن يسعفك الحظ وتصبح
جزءاً منهم، لما تستشعره من مميزات يحظون بها، ومن نعيم يعيشون فيه.
إنها فئة أصحاب
البشرات السمراء، والشوارب الكثيفة، والخواتم الذهبية، والهاتف الذكي المحمول
والمعلق في جيب البنطلون، والسيارة الكورولا المستعملة سابقاً، والكامري والأفالون
والمرسيدس والبي ام وكافة سيارات الدفع الرباعي الفخمة حالياً. هي الفئة التي
تراها صباح ومساء كل جمعة في (اللولو) سابقاً، وفي عشرات المجمعات التجارية الخاصة بهم وفي كل أيام
الأسبوع حالياً بعد أن ضاقت جوانب اللولو بهم وبعرباتهم وأطفالهم ونساءهم وشيوخهم
وعجائزهم كذلك، فأصبحت الحاجة ملحة لكي يكون لهم مركز تجاري كبير في كل حي يتجمعون
به، وما أكثرها.
هي الفئة التي تظل فئة الشباب الجامعي و(الماجستيري)
و(الدكتوراتي) القاطن في غرفة (خويرية) أو (غبروية) مظلمة الاركان، رطبة الجدران،
تسأل نفسها كل صباح ومساء بهذا السؤال الأبدي الذي لا إجابة له: ما دمت أنا ابن
البلد الذي أمضيت سنوات في عملي الحكومي وبمؤهلي العالي لا أستطيع توفير مبلغ يكفي
لاستئجار ما هو أفضل من هذه الغرفة الكئيبة، فمن يسكن تلك البنايات الراقية التي
تحيط ببنايتي العتيقة، ومن أين يأتي ساكنوها ( ذوي الجنسية اياها) بما يدفعونه
مقابلها. بل أين يعمل هؤلاء وماهي طبيعة عملهم ومصادر دخلهم؟
هي الفئة التي لا تشعر بالحيرة عند الرغبة في تدريس
أبنائها، أو شراء سيارة جديدة، أو صيانتها الدورية، أو عند القيام بفحوصات طبية
معينة، أو الذهاب لتناول وجبة ما بصحبة العائلة أو الأصدقاء، أو حتى شراء
المستلزمات الحياتية المختلفة، فأبناء الجلدة الذين (يكوشون) على مفاصل تلك
الوظائف لا يقصرون بتاتاً في أن يجعلوهم أكثر راحة وسعادة من خلال الخدمات
المناسبة، وأسواق اللولو وإخوانه من المراكز الأخرى عامرة حتى بالهواء الخاص بتلك
الدولة تحديداً، فما بالك بالمستلزمات الأخرى.
وهي الفئة التي تتعمد مضايقتك في الشارع وأنت ذاهب في
صباحك أو عائد في غدوك، وكأنهم لم يخلقوا سوى لهذا الشيء، فما بالك لو كان من يسوق
السيارة هي أنثى من تلك الفصيلة. يا لحظك التعس وقتها.
ما بين الفئتين السابقتين تلح تساؤلات مبعثرة أترك
اجاباتها مفتوحة علني أجد يوماً من يتكرم
علي بها، ومن هذه التساؤلات: كيف دخلت تلك المجاميع الكبيرة من العمالة البسيطة
التي نكاد نتعثر فيها يومياً والذين لا يعمل كثير منهم في تخصصاته التي أتى من أجلها؟
ومن أين أتت الوافدات المختلفات الجنسية والتي أصبحت شوارع بعض أحياء العاصمة
مرتعاً لهن، وما هو عملهن الحقيقي؟ وإذا كان الوضع القانوني لكثير من هؤلاء العمال
لا تشوبه شائبه فلماذا لا نجدهم في مؤسساتهم التي أتوا من أجلها. وهل كل الذين
نراهم في المجمعات التجارية وفي السيارات الفخمة وفي المجمعات السكنية الراقية هم
بالفعل إضافة اقتصادية حقيقية للبلد؟ وهل يعملون مثلاً في تخصصات نادرة لا يستطيع
ابن البلد أن يقوم بها أم أن الأمر لا يعدو في كونه (لوبي) منظم يتحكم في إدارة
المؤسسات والشركات، ويأتي بمن يريد من المقربين، ويضع له ما يريد من المميزات
الخيالية المختلفة.
والتساؤلات الأهم من ذلك: أين الجانب الأخلاقي لدى بعض رجال
الأعمال العمانيين أصحاب المؤسسات التجارية والشركات من هذه القضية؟ وهل الربح
وحده هو المعيار المهم لديهم؟ وهل الدولة ومؤسسات المجتمع على وعي كامل بمدى
المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والفكرية التي خلفها – وسيخلفها – وجود هؤلاء
جميعاً بهذه الطريقة؟ وماهي الحلول المثلى لمواجهتها؟
لست عنصرياً ولا متعصباً وأؤمن في حق الإنسان في العيش
الكريم والبحث عن رزقه أينما كان، بل إن أهلنا جابوا العالم بحثاً عن لقمة العيش
الكريمة، ولست كذلك ضيق الأفق في نظرتي الاقتصادية، وأقدر دور بعضهم في تحريك دفة
العجلة الاقتصادية طوال سنوات النهضة المباركة، وجهودهم في بناء البلد عمرانيا
واقتصادياً، ولا أقصد بكلامي تلك العقول التي دخلت البلد من خلال الطرق الشرعية
المكفولة، وفي ظل الحاجة الحقيقية لوجودها، فهؤلاء لهم كل الاحترام والتقدير على
كل الجهود التي أسهموا بها في بناء الوطن، ولكن من أقصدهم هم فئة أخرى دخلت بطرق
ملتوية، ساهم في بعضها عدد من أبناء الوطن أنفسهم ممن غرهم الربح السهل السريع،
فأتوا بالعشرات تحت كفالة مؤسساتهم ثم قاموا بتسريحهم مقابل مبالغ مالية متفق
عليها، فاضطر هؤلاء إلى القبول بأعمال لا تتناسب مع تلك التي أتوا لأجلها، ودفعتهم
(مافيا) مكونة من أبناء جلدتهم السابقين إلى العمل في أي مجال من أجل التمكن من
سداد القروض الباهظة التي استدانوها كي يتمكنوا من السفر وتوفير لقمة العيش
الكريمة، إذا فلا عجب أن أجد على بطاقة أحد ممن عرض علي تنظيف سيارتي بتلك الرقعة
البالية أن وظيفته في البطاقة هي فني لحام مثلا، وقس على ذلك كثيراً من الأمثلة.
وعندما يشير
صاحب الجلالة في لقائه بشيوخ ورشداء محافظتي الداخلية والوسطى إلى أن العمالة
الوافدة أصبحت في ازدياد، وزادت أكثر ما يجب، وأن نسبتها تجاوزت 33%، وهي النسبة
التي كانت الحكومة تخطط لها، وأن نسبة تحويلاتها السنوية تتجاوز الدخل الرسمي
المعروف للدولة، فإن في هذا تأكيداً واضحاً لا يقبل الشك حول مدى خطورة الوضع،
وأهمية وضع الحلول المناسبة له.
وإذا كنا قد قرأنا يوماً أخباراً على شاكلة ثلاثة آسيويين
يقتلون زميلاً لهم بإحدى الولايات، وعامل زراعي يمارس مهنة الصيدلة، وبائع آسيوي يبيع
المشروبات الكحولية بمحل ملابس نسائية، وجزار آسيوي يحاول ذبح ثور ميت، وعامل في محل
يبيع سلع منتهية الصلاحية، وآسيوي يبيع هواتف نقاله مقلدة موهما المستهلكين بأنها أصلية،
وغيرها من هذه الحوادث المشابهة، فلا نريد أن نصحو يوماً على جرائم أكثر خطورة،
وأشد ضرراً، وأصعب حلاً.
رفقاً بمجتمعنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.