الأربعاء، 25 فبراير 2015

وجه من بلادي (1)

لطالما رأيته يعبر الشّارع القريب من بيتنا كلّ صباح ومساء لوحده أو برفقة أخيه الأكبر (عاجب) وكأنّهما توأمان ملتصقان لا يكادان يفترقان، في خطوات هادئة ومحفوظة لم أرها تتغيّر ولو لمرّة واحدة. يسلّمان على هذا، ويبتسمان لذاك في تواضع لم أر مثله في حياتي، وأنا أسأل نفسي في كلّ مرّة أراه فيها: إلى أين يذهب هذان الرّجلان كلّ صباح ومساء! ولماذا لم أرهما يوماً ما راكبين سيّارة! ولماذا كل هذا التواضع والسّلام الحقيقيّ في مشيتهما، حتى غدت هاتان الشخصيّتان بالنّسبة لصبيّ في مثل سنّي بمثابة أسطورة لا يمكن تناسيها بسهولة!.

طوال أكثر من ثلاثين عاماً قضاها (سعيد بن زعيل) موظّفاً في سلك التّربية والتّعليم لم يتغّيب يوماً واحداً عن العمل، ولم يحضر إجازة طبّيّة مضروبة من أجل التحايل على الدّوام، بل ولم يتأخّر مرّة عن موعد حضوره الصّباحيّ اليوميّ كأحد أوائل الموظّفين الذين يصلون إلى المؤسّسة على الرّغم من أنّ منزله يقع في ولاية أخرى تبعد عن مقرّ عمله بحوالي 30 كيلومترا، وعلى الرّغم من أنّه لا يمتلك سيّارة حكوميّة أو خاصّة أو باصاً يقلّه كلّ يوم مع زملائه الآخرين، لذا كان البعض يضبط ساعته على موعد حضوره وانصرافه!!

وعلى الرّغم من أنّه لا يمتلك حاسوباً شخصيّاً، ولم يأخذ دورة في ذلك، إلا أنّ سعيداً يحفظ ملفّات مؤسّسته وأرشيفها كما يحفظ أسماء أبنائه، فبمجرّد ذكر عنوان المعاملة أو تاريخها يأتي بها من وسط آلاف الملفّات المتراكمة، وكأنّ جهازاً حسّاساً قد ثبّت بمخّه، فمن أين لشخص أن يلمّ بكلّ تفاصيل عمله ما لم يعشقه ويخلص له ويرى أنّ في القيام بكلّ ما يتطلّبه رسالة وواجبا قد يحاسب عليه يوماً ما!.

وطوال سنوات عمله الطّويلة، وعلى الرّغم من إخلاصه الشّديد في العمل كحالة (استثنائيّة) تثير إعجاب من حوله ودهشتهم، إلا أنّه لم يتذمّر يوماً واحداً من طبيعة عمله، ولم يشتك من ضيق مكتبه، أو تأخّر ترقيته، أو عدم مساواته بآخرين سبقوه في الحصول على ترقية أو مكافأة أو علاوة استثنائيّة، ولم يتنقّل من مكتب لآخر يشتكي لهذا، ويذمّ في ذاك، ويندب حظّه السّيئ، بل إنّ الحالة الوحيدة التي يتكلّم فيها في حديث خارج عن العمل هو عند ترحيبه بالآخرين وسؤالهم عن (أخبارهم وعلومهم) عندما يحلّوا ضيوفاً على المؤسّسة، أو مراجعين لها، فشعاره دائماً "قليل من الكلام.. كثير من العمل"!

سعيد بن زعيل ربّما لم يسمع يوماً عن مصطلح (المواطنة)، ولم يدع مرّة إلى المشاركة في مؤتمر أو ندوة أو ورشة عمل تتعلّق بالحوار المجتمعي، أو الوئام الإنسانيّ، أو المواطنة الصّالحة، ولا يمتلك صفحات شخصيّة على مواقع التّواصل الاجتماعيّ يعرض فيها كلّ صباح (في ساعات عمله اليوميّة) صوره وهو ذاهب أو قادم من رحلة خارجيّة بعد أن مثّل عمان في مؤتمر هنا أو هناك، أو وهو يتصفّح كتاباً عن الطّريقة المثلى لبناء الأوطان، كما أنّه لم (ولن) يدعي يوماً كضيف شرف في أحد البرامج الإعلاميّة أو المجتمعيّة التي تنظّمها عشرات الجهات للحديث عن تجربته كرائد من روّاد العمل الوطني، أو كأنموذج مهم من نماذج العطاء، فدعوات كهذه لا تخصّص لأمثاله بل هي لأصحاب (الدشاديش) المكويّة بعناية، واللّحى المشذّبة بدقّة، والخناجر ذات القرون المستخرجة من عاج الفيل وقرون الغزلان!!.

سعيد بن زعيل هو مواطن حقيقيّ آمن أنّ المواطنة الحقيقيّة تكمن في التعايش بسلام مع الآخرين، وفي كفّ الأذى عنهم، وعدم التّدخلّ في شؤونهم، وفي تأدية العمل بصدق وإخلاص دون انتظار لمقابل، وفي تربية أبنائه التربية الصّالحة بحيث يكونوا إضافة لا عبئاً على هذا الوطن! لذا يندر أن تذهب إلى أيّ عزاء يقام داخل الولاية أو الولايات القريبة دون أن تراهما حاضران في آخر الصّف دون انتظار لمن يقرّبهما لوسطه، ويندر أن تذهب لتأدية صلاة الجمعة في جامع الولاية الأثريّ دون أن تلمحهما في الصّفّ الأوّل من المصلّين، ويستحيل أن تجد من يشتكي (ولو مجرّد الشكوى) من أنّ ابناً لهما قد تعدّى على آخرين بلفظ أو بجملة أو بتصرّف خارج، فهم السّلام ذاته مجسّداً على الأرض بحسن أخلاقهم وتعاملهم مع الآخرين.

لا أعلم الغيبيّات، وأؤمن بأنّ الله وحده هو من يملك أمر الثواب والعقاب، ولكن إن قدّر للبعض أن يدخلوا الجنّة دون حساب فسيكون سعيد وأخوه (عاجب) من ضمن هؤلاء بلا شك!.

الاثنين، 23 فبراير 2015

يا سائق السّيّارة


 (1)

صباح الأحد الماضي قطعت المسافة من بيتي في العامرات إلى مقرّ عملي في الغبرة في حوالي ساعة وربع، وهي المسافة التي كنت أقطعها في العادة في حوالي نصف ساعة، يعني نفس المدّة التي أقطعها في الطريق إلى صور التي تبعد حوالي 170 كم!!

في مرّات سابقة اقترحت عدّة حلول منها الجادّ ومنها السّاخر، فقد اقترحت الابتعاد عن المركزيّة، وتوزيع الخدمات على كافّة المحافظات بحيث لا نخلق قاهرة جديدة، وبحيث نحدّ من الهجرة الدّاخليّة بحجّة أنّ معظم الخدمات المهمّة تتوافر في العاصمة فقط، وعندما لم يجد هذا المقترح آذاناً صاغية اقترحت أن تقفل مسقط على ساكنيها الحاليّين لحين الانتهاء من مشاريع الطرق المختلفة، ولحين إعادة التخطيط من جديد.

   هذه المرّة أقترح على المؤسّسات الحكوميّة تخصيص حافلات خاصّة بنقل موظّفيها من وإلى المؤسّسة، أو انشاء مرافق سكنيّة ملحقة بمقارّ هذه المؤسّسات كي يتمكّن الموظّف من مباشرة عمله في التّوقيت المناسب، وكي نحدّ من زيادة الإصابة بأمراض الضغط والتجهّم والعبوس وضيق الصّدر التي يمكن أن تصيب الكثيرين في ظلّ توالي هجرات بشريّة داخليّة وخارجيّة إلى مسقط، وفي ظلّ اعتبار امتلاك السّيّارة حقّاً مكتسباً لكلّ طفل وشابّ وفتاة وعجوز ووافد ووافدة!!

(2)

تناولت كتب الأدب والتراث العربي كثيراً من أخبار الثّقلاء، بل وخصّصت لهم فصولاً كثيرة، وبرزت أسماء عديدة في عالم الثّقلاء والمزعجين يمكن أن تعود إلى أخبارهم في تلك الكتب.

وفي شوارعنا يمكن أن تلحظ نماذج من هؤلاء الثّقلاء الذين قد يتجاوزوا بثقل دمّهم وتصرّفاتهم السّمجة ما قام به كثير ممّن وردت أسماؤهم في أخبار الثّقلاء، ولعلّ من بين هذه النّماذج ذاك الذي تلحظه وأنت واقف في إحدى إشارات المرور صباحاً في طريقك للعمل، فبرغم الزّحمة الشديدة، والبطء المتناهي في الحركة، وبرغم أنّ صاحبنا يقف في حارة تسمح له بالذهاب للاتجاه الذي يرغب فيه، إلا أنّ أخينا يصرّ على الوقوف في منتصف المسافة بين حارتين متجاورتين مانعاً السيارات التي تقف خلفه من الحركة، بحيث تفوتهم الإشارة الخضراء، بسبب رغبته الساديّة في الانتقال للحارة المجاورة وتعذيب الآخرين، على الرّغم من أنّ الحارة التي يقف فيها تؤدّي لنفس المسار، ولكنه ثقل الدّم، والرغبة في رفع ضغط دم الآخرين منذ الصّباح الباكر!!

النّوع الآخر من الثّقلاء السّمجين الذين يمكن أن تراهم في شوارعنا هم من النوع الذي تكاد تقسم وأنت ترى ما يقومون به من تصرّف أنّهم قد وقّعوا بعد ولادتهم مباشرة على وثائق تجبرهم على القيادة طوال حياتهم بأقصى سرعة يمكن أن تصل إليها السّيارة التي يقودونها دون مراعاة لأيّة ظروف أخرى، فمثلاً لو كان صاحبنا يرغب في الانحراف يميناً أو يساراً نحو أحد المخارج التي تؤدّي إلى المكان الذي يريده، فهو لا يقوم بتهدئة السّرعة قبلها بمائة أو مائتي متر مثلاً وأخذ المسار الذي يؤدّي إلى ذلك المخرج كما يفعل بقيّة البشر، بل يستمر في سرعته الجنونيّة في المسار الذي يسلكه، ثم يلتفّ فجأة على شكل نص دائرة ليمرق من أمامك باتّجاه المخرج الذي يقع في المسار الأخير من الشّارع!!  

(3)

كلّ صباح، ورغبة في التخلّص من حالات الضغط والانفلات العصبي التي تسبّبها الزحمة الخانقة، وتراكم المركبات، وأعمال الإشغالات على الطّريق، أتسّلى بمراقبة السّيّارات التي تمرّ بجواري، والتي تكاد معظمها تشترك في خاصّيّة مهمّة ألا وهي خلوّها من ركّاب آخرين عدا سائقها، وأحياناً ابن أو ابنة يتم ايصالهم إلى مدارسهم القريبة، كما أن كثيراً من هذه السّيّارات هي من النّوع العائلي الكبير برغم عدم وجود ركّاب آخرين بها!

ترى هل امتلاك السّيّارة غاية أم وسيلة! وهل نقوم بتحديد نوع وطراز وسعة السيّارة التي نقوم بشرائها على أساس الحاجة الفعليّة أم لمجرّد التباهي الغير مبرر! ولماذا لا يشترك الزوجين، أو مجموعة من الأصدقاء أو الجيران في الذهاب إلى أعمالهم الصباحيّة في سيّارات محدّدة بدلاً من تباهي كلّ فرد منهم بسيّارته!!

وهل يمكن أن نقابل في المستقبل أناساً محترمين وهم يقرؤون جريدة الصّباح في إحدى وسائل المواصلات العامّة، أو واقفين في محطّة الباصات ينتظرون وصول أحدها، دون خجل أو خوف من أن يراهم أحد معارفهم فيقلّل من شأنهم، أو ينظر لهم نظرة دونية لمجرّد عدم وجود سيّارة فخمة بحوزتهم!!

(4)

يحدث أن تكون جالساً في أمان الله تتناول طعامك في أحد المطاعم، أو تقضي حوائجك في محل ما، وفجأة  يطلق أحدهم بوق سيارته بشكل هيستيري قد يصيبك بالصمم المؤقت، ويجعلك تكره المكان وقد تضطر لتركه، وكأنّه لا يوجد في المكان بشر غيره يحق لهم قضاء حوائجهم أو الاستمتاع بأوقاتهم في هدوء!!

ماذا سيحدث لو أوقف هذا الشخص سيارته ونزل ليأخذ الغرض الذي يريده! ألن يكون ذلك دليلاً على تواضعه ومدى احترامه للآخرين!!

على أمثال هؤلاء أن يعوا أنّ حريتهم تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين.

 (5)

يحدث أن تقود سيّارتك في شارع فرعيّ مظلم لا تتجاوز سرعة القيادة فيه 60 كم، ثم يمرق بجوارك صاروخ على هيئة سيّارة، ضارباً صاحبها بعرض الحائط قواعد المرور، والسّرعة المقرّرة، والسّيّارات القادمة من الاتّجاه الآخر، وكل ما له علاقة باحترام البشر، ليتوقّف في النّهاية أمام أحد المقاهي وكأنّ شيئاً لم يحدث!!

عادي.

 


د. محمد بن حمد العريمي

Mh.oraimi@hotmail.com

الأربعاء، 11 فبراير 2015

همّوم صيّاد


هي مجموعة رسائل أتتني من عدد من الشّباب الذين يعملون في مجال صيد الأسماك، أنقلها كما أتتني تاركاً التعليق على مدى دقّة المعلومات الواردة بها للجهات المختصّة، مع الإشارة إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها تلك الجهات في الارتقاء بالقطاع السمكي في السلطنة.

(1)

"أعمل في مجال صيد الأسماك منذ حوالي 15 عاماً، وأملك سفينتي صيد رغبت في بيع إحداهما إلى أحد الأشخاص بسبب ظروف ماليّة واجهتني، ولسداد بعض المستلزمات المترتّبة على فوائد القروض المتعلّقة بهما.

كان النّظام السّابق يسمح بعمليّة بيع وشراء سفن الصّيد بين محافظات السلطنة المختلفة، بحيث يمكن لمشتر من صلالة مثلاً أن يشتري سفينة صيد من الأشخرة بمجرّد إحضاره رسالة عدم ممانعة من الدائرة التي يتبعها في محافظته إلى الدائرة التي قد سجّل بها السفينة المراد شراءه في الأشخرة، ومن ثمّ يتم نقل قيد المركب أو السّفينة إلى دائرة الثروة السّمكيّة بصلالة بعد التأكّد من استيفاء كافّة الشروط المتعلّقة بعمليّة البيع.

تغيّر القانون السّابق، وأصبح محظوراً على الصيّاد بيع سفينته إلا في حدود الدائرة التي يتبعها، بحجّة اكتفاء بعض المحافظات من سفن الصّيد، وبالتالي لم أعد قادراً على القيام بعمليّة البيع، حيث أنّ المشتري الذي اتّفقت معه على عمليّة البيع والشّراء يقطن في محافظة أخرى، كما أنّني لم أجد في الدائرة التي أتبعها من يقبل بالشّراء حسب المبلغ الذي وضعته مستغلّين حاجتي الماسّة إليه، وعدم وجود مشترين!

قابلنا كلّ المسئولين في الوزارة المعنيّة، وطلبنا منهم النّظر في هذا القانون، ولم نحصل منهم سوى على الوعود! أوليس من الأفضل وضع معايير تضبط عمليّة البيع والشّراء بين المحافظات بدلاً من المنع القاطع!!" 

(2)

" في عام 2000 قدّمت طلباً للحصول على قارب صيد كدعم من الجهة المعنيّة، وفي عام 2007 وبعد أن طال انتظاري للدعم قمت بشراء مركب صيد صغير من خلال قروض حصلت عليها بطرق شخصيّة أملاً في تحسين أوضاعي الاقتصاديّة، وأخيراً في عام 2008 أتى دوري للحصول على القارب، ولكن يا فرحة ما تمّت، فقد تمّ رفض الطّلب بعد أن علم المسئولين بوجود مركب لديّ، وبحجّة أنّني أصبحت من ملاك السفن مع أنّي كنت ولا أزال صيّاد سمك!

هل كان عليّ الانتظار إلى ما لانهاية من أجل الحصول على الدّعم!! وهل لو كانت هناك مدّة محدّدة ومعروفة سلفاً كنت سأضطرّ وقتها لشراء السفينة!! أنا صيّاد ولا أعرف حرفة أخرى غير صيد السّمك، ولا يوجد لديّ دخل آخر للإنفاق منه سواها، ولا توجد لديّ رفاهيّة الانتظار، فرزقنا يرتبط بعد مشيئة الله بممارستنا للعمل، وأيّ توقّف يعني انقطاع الرزق الذي تنتظره أفواه والتزامات مختلفة"

(3)

" أنا صيّاد أملك رخصة صيد تعرّضت لإصابة بليغة في رجلي أثناء مزاولتي لحرفتي، وظللت بالمستشفى لفترة طويلة، والآن أنا عاجز عن العمل بسبب الاصابة مع أنّي لم أبلغ الثلاثين من العمر بعد. لماذا لا يكون هناك صندوق ترعاه الوزارة أو تسهّل للصيّادين إنشاءه بالتعاون مع الجهات المعنيّة، ويقدّم من خلاله الدّعم المادّي والقانوني والفنّي والاجتماعي للصيّاد أسوة بالنّقابات والجمعيّات الخاصّة بالمهن المختلفة في كثير من دول العالم، وماذا يفعل الصيّاد عندما يتعرّض لإصابة تعيقه كلّيّاً أو جزئيّاً عن العمل، أو يصل إلى سنّ لا يستطيع من خلاله مزاولة حرفته التي قد تكون مصدر رزقه الوحيد! لماذا لا يتم تفعيل مثل هذا الصندوق كي يقدّم العون اللازم للصّيّاد في ظروف كهذه، وهل يعلم كثير من الصّيّادين عن نظام التأمينات الاجتماعيّة شيئاً!!"

(4)

التقيته ذات يوم بعد سنوات عديدة منذ آخر لقاء جمعنا. سألته عن البحر وأحواله فأخبرني أنّه ترك العمل به منذ سنتين واتّجه للعمل في أحد حقول النّفط البعيدة، وعندما رأى استغرابي واستنكاري قال لي: كان البحر مصدر رزقنا نحن وأهلنا، وبفضله تمكّنت من الزّواج وبناء منزلي الصغير، ولكنّه الآن لم يعد كذلك بعد أنا حاربتنا في رزقنا العمالة الوافدة الغير مدرّبة في الأساس على أعمال الصّيد والتي أصبحت تمتلك أساطيل من القوارب الصّغيرة، وتقوم بالصّيد في وضح النّهار وأنصاف اللّيالي كذلك غير عابئين بالتّشريعات والقوانين التي تمنع عملهم في القوارب الصغيرة، وغير مهتمّين بالأضرار التي يمكن أن تسبّبها عمليّات الصّيد الجائر التي يمارسونها في كثير من الأحيان على الثروة البحريّة، في ظلّ تستّر بعض الأهالي على وجودهم، وضعف عمليّات المراقبة، وكثيرة هي الشّكاوي التي قمنا بتقديمها دون أدنى فائدة، لهذا تركت العمل في البحر كما ترى باحثاً عن مصدر رزق آخر في مكان بعيد عن قريتي التي لم أفارقها يوماً قبل ذلك"

 (5)

" ننتظر نحن الصيّادين مواسم صيد بعض أنواع السّمك كالتّونة بفارغ الصّبر كي نحقّق عائداً مادّيّاً مجزياً يعوّضنا الخسائر التي نتكبّدها في بعض المواسم الأخرى، أو جرّاء انقطاعنا عن العمل لأسباب صحّيّة أو متعلّقة بالطّقس أو المناسبات الاجتماعيّة المختلفة، ولكن فوجئنا بقرار حظر تصدير بعض هذه الأنواع إلى الخارج مع السّماح باستيراد أنواع خارجيّة أقلّ جودة من نفس الأصناف، مّما جعل كثير من المستهلكين يتّجهون لشراء تلك الأنواع بسبب انخفاض أسعارها على حساب الجودة، الأمر الذي يجعلنا نضطر لبيعها بأسعار منخفضة فلا نطول بلح الشام ولا عنب اليمن، فلا نحن قادرون على تصديرها للاستفادة من أسعارها المرتفعة في الأسواق الخارجيّة، ولا نحن باستطاعتنا بيعها محلّيّاً بسعر مناسب بسبب منافسة الأنواع المستوردة، والأدهى من ذلك أن الاتهامات تلاحقنا في أنّنا السّبب في ارتفاع أسعار الأسماك في الأسواق المحلّيّة متناسين دور تجّار التجزئة الذين يشترونها بأسعار منخفضة ويعيدوا بيعها بأسعار فلكيّة في ظلّ عدم تفعيل بورصة الأسماك، أو مراقبة أسعار البيع المتداولة.  

إذا كان السّمك مهمّاً كسلعة غذائيّة فلماذا لا يمنع تصدير اللحوم العمانيّة، وأصناف ومنتجات غذائيّة محلّيّة أخرى لا تقل أهمّيّة عن السمك!!"

د. محمد بن حمد العريمي

Mh.oraimi@hotmail.com

 

 

مشاهد وتساؤلات (21)


(1)

ممثّلة في الهيئة العامّة لحماية المستهلك السلطنة تفوزبجائزة القمّة العالمية كأفضل تطبيق حكومي للهواتف المحمولة على مستوى العالم 2014م.

ليست الجائزة الأولى التي تحقّقها الهيئة خلال مسيرتها الزمنيّة القصيرة، فقد سبقتها جوائز أخرى على المستوى العالمي حيث اختيرت من قبل المنظمة العالمية للمستهلكين ضمن أفضل خمسة إنتصارات تحققت للمستهلكين على مستوى العالم في عام2013م، كما فازت بجائزة منظّمة الصّحّة العالميّة ضمن أفضل ست هيئات وأفراد بالشرق الأوسط في مجال مكافحة التبغ.

عطفاً على ما سبق يظلّ السؤال الحائر:كيف لهيئة تحقق أرفع الجوائز العالمية كل يوم؛ ولا تفوز محلّيّاًفي نفس فئة المسابقة!!

بعيداً عن السّؤال السّابق أذكّر القارئ الكريم مرّة أخرى بأهمّيّة تحميل تطبيق المستهلك الالكتروني، حيث سيجد فيه الكثير من الأشياء التي تهمّه، والتي توفّر عليه عناء البحث والاستفسار كمعرفة آخر أخبار الهيئة من ضبطيّات، أو أحكام، أو استدعاءات، أو استرجاعات، أو قرارات، وكذلك معرفة أسعار السّلع الاستهلاكيّة في معظم المراكز التجاريّة الكبيرة في كافّة المحافظات بحيث يتمكّن من المقارنة بين أسعار السّلع المختلفة والمفاضلة في ما بينها، كما أنّ التطبيق يتيح للمستهلك التواصل مع الهيئة من حيث معرفة آليّة تقديم شكوى أو استفسار أو ملاحظة أو اقتراح معيّن بما يحقّق سهولة التواصل بين الطّرفين، والاستفادة من الملاحظات والتجارب المختلفة التي تعزّز العمل في مجال حماية المستهلك، وتحقّق الشّراكة المجتمعيّة المطلوبة.


(2)

"دروس خصوصيّة للطلاب في مادة....." إعلان أطالعه كلّ يومعلى واجهةكثير من المحلات والمكتبات وأبواب المساجد، بل وفي لوحات الاعلانات الموجودة بالمحلات الكبيرة في ولايات محافظة مسقط، بل وفي المدن الكبرى بالسّلطنة.

كثيراً من مداد الحبر قد سال في التحذير من خطورة استشراء مثل هذه الظاهرة السلبية، وكثيراً من المقالات الفكرية قد دبجت في هذا الموضوع، وكثيراً من الدّراسات قد أجريت. يبدو أن التهاون في اتخاذ الإجراءات الرّادعة قد أغرى البعض نحو الظّهور العلني والترويج لبضاعته، بل إن بعضهم يأتي مخصوصاً لأجلها متخفّياً تحت ستار العمل بوظائف وهميّة لمجرّد الحصول على سند قانوني للمكوث في البلد.

لابد من وقفة مجتمعيّة تجاه هذه الظاهرة الدخيلة التي أصبحت واقعاً معاشا للأسف.

(3)

في كتابه نهضة الأعيان يصف السّالمي جعلان بقوله"..وقلّما تجد فيهم مريضاً أو أعوراً أو أعمى إلا نادراً لصحّة هواء بلادهم، فهواء جعلان طريّ نقيّ قد غربلته الأشجار، ونسيمها عليل، ولا يسكن إلا قليلاً، وبه نداوة، ولا تطرقها الشّمال الضّارّة إلا نادراً، وقد أحاطت بها الأشجار الطّويلة من الغاف والأثل وغيرها، فهي تغربل الهواء وتنقّيه فيخرج طريّاً نقيّا".

ترى هل يعلم القائمون على أمر البيئة والسّياحة والحياة الفطريّة بالسّلطنة المعلومة العلميّة السّابقة التي اكتشفها أجدادنا قبل مئات السّنين، والمتعلّقة بدور الأشجار الطبيعيّة في تنقية الهواء وتصفيته!! وإذا كانوا يعلمون فلماذا يسمحوا بأن تحلّ شجيرات طفيليّة كالمسكيت محلّ أشجار الغاف والسّمر التي بدأت في التّناقص بحيث تكاد تتلاشى بعد سنوات قليلة من الآن! ولماذا يسمحوا بأن تغطّي العزب (الغير شرعيّة) مساحات كبيرة من هذه الأودية! ولماذا يسمحوا بنقل الرّمال منها! ولماذا يسمحوا باستحواذ البعض على مساحات منها وتحويلها إلى كتل اسمنتيّة قبيحة!

إذا كانوا يعلمون فتلك مصيبة،أمّا إذا لم يكونوا كذلكفالمصيبة جلل!!

(4)

مازالت ذاكرتي تحتفظ بتفاصيل حوار أجريته يوماً ما معصاحب ورشة حدادة تجاوز السّبعين من عمره، وأذكر أنّني سألته يومها عن نصيحته لشباب المستقبل، فقال لي: لا أنصحهم بشيئ، فأنا بعد خمسين سنة من العمل المتواصل في هذه الحرفة، لا أجد في هذه الورشة اليوم ما يسدّ رمقي بعد أن نافستني العمالة الوافدة، وما حرصي على وجودي اليومي بها إلا لكي أمنع نفسي من البكاء على ماض رحل، ولكي يجد رفاقي الآخرين مكاناً يواسون فيه أنفسهم، بعد سنوات طوال من العمل المتواصل في مختلف المجالات.

ترى كم من حرفيّ عماني يشتكي من نفس الهمّ!!

(5)

في كلّ صباح أفتح فيه بريدي الالكتروني أجد رسالة أو اثنتين من النّادي الثّقافي بالسّلطنة بها دعوة لحضور فعاليّة فكريّة ما، أو خبراً عن فعاليّة سابقة أو لاحقة ضمن مناشط النّادي، أو أخباراً متنوّعة عن أبرز الفعاليّات الثقافيّة على الساحة المحلّية.

ما يميّز الفعاليّات التي ينظّمها النادي هو تنوّعها الفكريّ بحيث لا تقتصر على نشاط ثقافي بعينه، أو على نمط معيّن من الأنشطة، واستمراريّتها بحيث لا يكاد يمرّ أسبوع دون أن تكون هناك فعاليّة قائمة، كذلك قيام النّادي بالتّعاون مع جهات ثقافيّة داخل أو خارج السلطنة في تنظيم فعاليّات مشتركة.

كما أنّ فكرة القائمة البريديّة الالكترونيّة هي فكرة رائعة في حدّ ذاتها في ظلّ التسارع الهائل في مجال التكنولوجيا والإعلام البديل، حيث تجعل الكثير من المهتمّين بمجالات الثّقافة المختلفة على تواصل دائم مع أنشطة النّادي وفعاليّاته، وبالتّالي فرص أكثر لحضور مثل هذه الفعاليّات، أو على الأقل إخبار المحيطين عنها.

شكراً للقائمين على أمر النّادي الثّقافي، ومزيد من العطاء الذي يصبّفي نهر العمل الثقافي بالسّلطنة.

د.محمد بن حمد العريمي

Mh.oraimi@hotmail.com