"ارفعوا أيديكم عن الوطن"
لم تكن قضية ضبط الحلويات منتهية الصلاحية والتي تجاوزت
في أعدادها المليون وثمانمائة الف سلعة يتم إعادة تغيير تواريخ انتهائها وكتابة
تواريخ صلاحية جديدة ، سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة سابقة من الضبطيات التي لا
تقل خطورة وأهمية عنها، ولكنها لم تكن تجد الاهتمام الإعلامي والمجتمعي والنخبوي
والبرلماني الكافي وكأن الأمر لا يحتمل التفاتة متسائلة حول ماهية ما يحدث وأبعاد
ما سيكون، وكأن الأمر كذلك لا يتعدى في نظر البعض بضعة أسطر تحاول من خلالها هيئة
حماية المستهلك تلميع صورة سوداء تم رسمها لها قبيل أن تظهر للنور.
قبل هذه الضبطية كانت هناك أخبار من قبيل " ضبط 19 ألف
علبة ألبان مخالفة في مصنع لمنتجات الألبان تعمد ختم علب الألبان المعدة للتسويق
بتواريخ إنتاج لاحقة لتواريخ الانتاج الفعلية"، و"ضبط أكثر من 8 الاف كيلو
جرام من الاسماك غير الصالحة للاستهلاك، و"ضبط عامل في أحد محلات بيع الملابس
النسائية بحوزته أكثر من 70 زجاجه مشروبات كحولية يقوم بالترويج لها"، و"ضبط
مطعم يقوم بطهي سلع منتهية الصلاحية ويقدمها للمستهلكين دون علم المستهلك بذلك"،
و"اكتشاف كميات كبيرة من الاسفنج والملابس المستعملة يتم استخدامها لحشو الأثاث
وبيعه على أنه جديد"، و" قيام أحد بائعي الفواكه من العمالة الآسيوية ببيع
مجموعه من صناديق المانجو الغير مغطاة على ناصية أحد الشوارع، نصفها محشوة
بالأكياس"، و"ضبط أحد العمالة الوافدة التي تعمل في إحدى محطات الوقود الزيت
ذات الجودة العالية من العبوات المخصصة له بزيت أقل جوده ومن ثم بيعه للمستهلك"،
وعشرات الضبطيات التي لا يتسع المجال لعرضها هنا.
القاسم المشترك في هذه الضبطيات هو ملامستها المباشرة
لصحة وسلامة الإنسان المقيم على أرض هذا الوطن، وكذلك دور العمالة الوافدة في معظم
هذه الضبطيات وغيرها، الأمر الذي يطرح تساؤلات عدة حول التشريعات والقوانين
الحالية ومدى قدرتها على التصدي لمثل هذه القضايا، وكذلك دور بعض الجهات الحكومية
والتشريعية والخاصة تجاه هذه القضايا التي تمس المجتمع وسلامته، ولبعض هؤلاء أوجه
عدداً من الرسائل.
أصحاب السعادة المحترمين أعضاء البرلمان الذين فوضكم
الشعب ممثلاً عنه كي تبحثون له عن حياة أفضل ومستقبل أكثر إشراقاً من خلال قيامكم
بدور الرقابة، وممارستكم لسلطة التشريع، واستجواب المقصرين، بعد وعود براقة،
وبرامج انتخابية لا يأتيها الباطل عن يمينها أو شمالها، أين أنتم مما يحدث؟ هل
عجزت عبقريتكم التي تمكنت من (لحس) عقول الناخبين وابتزاز أصواتهم، عن استيعاب
الموقف بعد؟ أيعقل أن تكونوا غير قادرين حتى الآن على تمرير قانون مازال حبيس
الأدراج منذ سنة وأربعة أشهر، أو حتى سن تشريعات جديدة تكون قادرة على تأمين مستوى
أفضل من العيش الكريم والصحة والسلامة للمواطن.
يا غرفة تجارة وصناعة عمان. الوطن أهم من التاجر، وحماية
المستهلك شريك قبل أن تكون خصماً لدوداً، أعتقد أن الرسالة واضحة والمغزى لا يحتاج
لتبيان.
معشر التجار من الهوامير والصغار.. وطنكم أعطاكم الشيء
الكثير، فلا تبخلوا عليه بالقليل، نحن واياكم في مركب واحد، ونحن معاً من يستطيع
أن يوصله إلى بر الأمان، فلا تكونوا ثقباً في مركب هذا الوطن. خذوا ما تشاءون من
تسهيلات ومنح، ولكن.. امنحونا شيئاً من انسانيتكم، فنحن لا نستحق المرض، ولا نستحق
كذلك أن تأتون بمن يعبث في نسيج هذا الوطن فكرياً واجتماعياً لمجرد نظرة بعضكم أن حفنة
المال التي ستضاف إلى جيوبكم (المتخمة) هي أكثر أهمية من مواطن بسيط ينظر بعين
الحسرة لوافد جلبتموه كي يشاركه في رزقه، ولأمراض أصابته من جراء رغبة وافديكم في
الضحك علينا كما ضحكوا عليكم من قبل عندما أوهموكم أنهم أكثر إخلاصاً وصدقاً
ووفاءً وإنتاجية من أبناء جلدتكم، فكانت الضبطية الأخيرة وما سبقها دليلاً على
نيتهم ولا مبالاتهم.
أيها الإعلام المحلي بمختلف أطيافه.. ستجد في الضبطيات
اليومية المختلفة عشرات القضايا التي تصلح كمواد إعلامية متنوعة يمكن من خلالها أن
تقوم بدورك المطلوب في مجال التوعية والتثقيف والإرشاد، فلا تنتظر المشكلة كي تقع،
ثم تصنع منها مادة إعلامية تحقق مزيداً من السبق الإعلامي أو زيادة عدد المتابعين،
فالقضية أكثر عمقاً وأهمية من مجرد سبق إعلامي.
خطباء مساجدنا. لقد مللنا خطب عذاب القبر والثعبان الأقرع،
نريد موضوعات تلامس واقع مجتمعنا، وتجعلنا نصحو من اغفاءة النوم التي تنتابنا عند
سماعنا لخطبكم تلك.
أيها المفكرين والمثقفين والنخبويين الأشاوس الذين تنظرون
للوطن على أنه بقعة داكنة السواد لا مكان فيها للإجادة أو الابداع أو البذل
والتضحية. ليس بالنقد الأسود وحده تصلح البلد، وإنما بتقديم المقترحات والملاحظات
كذلك، وإذا كانت هناك جهات لم تراوح مكانها منذ أمد، فهناك أخرى تجاوزت مراحل عدة
في سبيل العمل المخلص والجاد، فلنقف مع كل خطوة ايجابية، ولنبارك كل جهد مشكور، ولنكن
شركاء لا خصوم، فبدون أفكاركم لن ينهض البلد، وبدون رأيكم لن يتقدم كثيراً.
أيها الوافد. وطننا الجميل عرف على امتداد تاريخه
الحضاري الطويل باستقباله للغريب، واحتضانه لكل من يريد الخير له، وفي كتب التاريخ
والأدب التي لا تعرفونها وصف أهلنا بصفات من بينها النخوة والكرم وحسن استقبال
الغريب وإغاثة الملهوف. نقدر لكم دوركم في بناء هذا الوطن في بعض مراحله، لذا
فوطننا يفتح أبوابه لكم ما دمتم رسل خير وسلام. كونوا إضافة لهذا البلد المضياف لا
نقمة عليه، أفيدوا البلد بما تملكونه من خبرات ومهارات قد لا يمتلكها بعض أبناءه،
لكن لا تعتقدوا يوماً أن بإمكانكم الضحك علينا أو اعتبارنا قطيعاً من السذج لمجرد
أننا شعب ودود عطوف يساعد الغريب ويمد إليه يديه، أو لمجرد أن (بعض) أبناء جلدتنا
لا يعرف قيمة هذا الوطن كما نعرفه نحن البقية، أو لمجرد أن قوانيننا ما زالت قاصرة
عن مجابهة (تغول) بعضكم. سوف لن تستمروا طويلاً في محاولاتكم، ولن يكون مجتمعنا
مرتعاً لتجاربكم، فتماسكنا كشعب، ووعينا لما يحدث من حولنا، واعترافنا بالقصور
الحادث، ووجود جهات تعي دورها الحقيقي، كل ذلك من شأنه أن يوجد حلولاً أكثر نجاعة
وقدرة على كبح جماح نظرتكم إلى الوطن على أنه بلد " الفرص الممتنعة السهولة".
أخيراً.. هيئة حماية المستهلك. سوف لن تغردي وحيدة بعد
الآن في مجابهة القضايا التي تمس صحة وسلامة أبناء المجتمع، واقتصاده، فالمجتمع قد
أدرك الآن مدى الدور (الجبار) الذي تقومين به، وأن الأمر يتجاوز بمراحل مجرد الشو
الإعلامي كما كان يصفه بذلك بعض (المتحذلقين)، وما كون القضية الأخيرة حديث
المجالس المحلية بتعددها إلا دليلاً واضحاً على مدى المتابعة والاهتمام، ومؤشر
امتنان جلي نتمنى أن يبشر مستقبلاً بمزيد من الشراكة الناجحة في سبيل تخليص الوطن
من كثير من الآفات التي تهدد أمنه وسلامته الصحية والغذائية والفكرية كذلك.
أختم مقالي بخبر طريف ومحزن في آن واحد، فقد تم ضبط شخص من
الجنسية الأسيوية يعمل جزارا في احدى الملاحم حاول ذبح ثور ميت في أحد الاماكن المخصصة
للذبح بولاية إبراء.
د. محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.