الثلاثاء، 26 أبريل 2016

مشاهد وتساؤلات (31)

(1)
في تمام الساعة الواحدة من ظهر يوم الأحد الفائت دخلت مبنى خدمات الشرطة بولاية العامرات كي أستخرج جواز سفر جديد لطفلتي الرضيعة، وأثناء تخليص المعاملة أخبرتني الموظفة أن بطاقتي الشخصيّة بحاجة إلى تحديث للبيانات، وأن عليّ تحديثها كي يتسنّى لها إنهاء الإجراءات اللازمة للحصول على الجواز، فانتقلت إلى المكتب الآخر لتحديث بيانات البطاقة، ثم ذهبت لاستلامها، وعدت بعدها إلى الموظّفة التي طلبت مني مرة أخرى العودة إلى المكتب السابق لتحديث بيانات شهادة ميلاد ابنتي، ثم العودة لاستكمال معاملة الجواز، وأخيراً الذهاب لاستلامه من المكان المخصّص لذلك.
في حوالي الساعة الواحدة وسبعة عشر دقيقة كنت قد خرجت من المبنى وأنا حاملاً معي جواز سفر ابنتي، وشهادة ميلادها، وبطاقتي الشخصيّة الجديدة بعد تحديث بياناتها!
شكراً لشرطة عمان السلطانيّة.
(2)
يوم الخميس 9 فبراير 2012 كتبت في مدوّنتي السطور الآتية:" فاعل خير يتبرع بمبلغ 50 مليون ريال عماني لبناء مستشفى تخصصي لطب الأطفال. خبر أعلنه معالي وزير الصحة، وتفاعلت معه عدد من مواقع الحوار الالكترونية المحلية، في ظل تعاطي إعلامي متواضع مع الخبر. لابد لخبر كهذا أن يأخذ حقه من التغطية الإعلامية، فبدون الشراكة المجتمعية الفاعلة لن نتمكن من تحقيق كل ما نصبو إليه، وعمان زاخرة بكثير من رجال الأعمال الذين أعطتهم البلد الشيء الكثير، وبالتالي فإن عليهم المساهمة الفاعلة والإيجابية في خدمة هذا الوطن، ليس فقط بدعم فريق كروي معين، أو رعاية حفل فني ساهر، وإنما بالالتفات إلى مجالات اجتماعية قد تكون أكثر أهمية، لعل من بينها إنشاء مراكز طبية أو تبني رعاية بعض مراكز الأيتام، أو تقديم منح دراسية لبعض الفئات المحتاجة".
كانت هذه السّطور قبل أكثر من أربع سنوات من الآن، وحتى الآن لا أعلم مصير هذا المستشفى، وإن كان قد تمّ بناءه أم لا، وما إن كان فاعل الخير قدّم مبلغ التبرّع أم لا.
هل من جهينة ما لتنبأني بالخبر اليقين!!
(3)
اتصل بي أحد أصدقائي من سكّان الخوير مستنجداً تكاد العبرة تخنق صوته" تصور!! الحديقة التي كانت متنفّساً لنا ولأسرنا سيتم تحويلها إلى فندق! كنا نجد في تلك الحديقة ملاذاً جميلاً لنا كلما ضاقت بنا حوائط بيوتنا، وكانت مكاناً مناسباً لممارسة رياضة المشي في ظلّ ازدحام الشوارع المحيطة بها بالمشاة والمركبات، وكان مشهداً مألوفاً أن تجد طفلاً يلعب هنا، وعاملاً بسيطاً غافياً هناك تحت ظل شجرة وارفة وهو يحلم بمستقبل تغرّب من أجله، وشيخاً كبيراً يتجوّل على كرسيه المتحرّك بينما حفيده يدفعه بكل حنان، وبعض الجارات من الحارة المجاورة قد تجمّعن في أحد أركانها يتبادلن فناجين قهوة العصر بينما أعينهنّ مثبّتة على أطفالهنّ المنتشرين هنا وهناك تميّز كل منهم ابتسامة طفولة بريئة. اعطني سبباً واحداً فقط لإزالتها في الوقت الذي يصرخ فيه العالم أجمع منادياً بضرورة الاهتمام بإنشاء المتنزّهات والمساحات الخضراء بعد أن تحوّلت المدن إلى كتل خرسانيّة قبيحة أصبح منظرها والتلوّث الناجم عنها سبباً لقائمة تطول من الأمراض المعروفة وغير المعروفة!"
قلت لك سابقاً يا صديقي، هم لا يجدون أيّة بقعة أخرى في عمان تصلح لإقامة الفنادق والنزل السياحيّة سوى في قلب العاصمة، فكل تلك الشواطئ البكر، والأودية الخضراء، والرمال الذهبيّة، والجبال الزاهية، ليست جديرة بالاستثمار فيها، وبالتالي وصول الخدمات لها، وتوطين أهلها، والمحافظة على الإرث الفكريّ الخاصّ بها، والحدّ من الهجرة الداخليّة وما يتبعها من ضغط على الموارد، ومشاكل اجتماعيّة واقتصاديّة وفكريّة متعدّدة!
صدقني يا صديقي.. لا مكان يصلح لإقامة الفنادق، والمجمّعات، والمتنزّهات، والأنشطة، والمشاريع سوى في العاصمة، وفي قلبها بالذات، ولا يهم إن يتم إزالة كل الحدائق الموجودة واستبدالها بكتل خرسانيّة سوداء ورماديّة. لا يهم.

(4)
في ظلّ سيطرة الوافدين على نسبة كبيرة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومع تخيّلنا لحجم الدخل الذي تدرّه هذه المشاريع عليهم في ظلّ ركون (البعض) من المواطنين إلى الحصول على الفتات من خلال قيامه بكفالة هؤلاء، واستخدام اسمه كواجهة قانونيّة لأعمالهم، وفي ظلّ توجّه العديد من الدول المجاورة لإعادة النظر في قانون (الكفيل) لأسباب انسانيّة واقتصاديّة مختلفة، فالسؤال المهم هنا: لماذا لا يسمح للمستثمر الأجنبي بممارسة عمله في ضوء النهار مقابل أن يدفع ضريبة معيّنة لخزينة الدولة بغض النظر عن نسبة العائد، وبالتالي يحافظ على حقوقه المالية والقانونية، ويدرّ على الدولة عائداً مناسباً يسهم في تنويع مصادر دخلها، وفي نفس الوقت  تسهم في الحدّ من انتشار ظاهرة التجارة المستترة والمنتفعين من وراءها!
حتى الآن، وبرغم سيطرة الوافدين على كثير من المشاريع والمؤسسات الاقتصادية بالسلطنة بعيداً عن اللافتات العريضة التي تزيّن مداخل تلك المؤسسات والتي تحمل أسماء عمانيّة، إلا أن كثيراً من هؤلاء التجّار والمستثمرين ما زالوا يشعرون بالخوف والقلق خوفاً من أيّة تصرّف قد يقوم به الكفيل، وبالتالي يقومون بتحويل كل (بيسة) يحصلون عليها إلى الخارج!
من المهم أن يشعر المستثمر بالأمان، وهو في كل الأحوال سيكون موجوداً  بالقرب من استثماراته صغيرة كانت أم كبيرة، ولن يغامر بتركها، فلنجعله يتوسّع في استثماراته، وبالتالي عائداً أكبر لخزينة الدولة.


الثلاثاء، 5 أبريل 2016

مشاهــد وتساؤلات (30)

(1)

أثلج صدري الخبر الذي طالعته في بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي حول عقد اتفاقيّة بين بلديّة مسقط وإحدى الشركات لاستثمار أرض البلديّة بالخوير لبناء فندق ومنتزه عصري، ذلك أنّ الخوير مكان رائع لإقامة الفنادق أو المجمّعات تجاريّة أو المتنزّهات، فالمنطقة هادئة وبعيدة عن قلب المدينة حيث الازدحام والتكدّس، ومشاريع كهذه لن تسهم بتاتاً في ارباك الحركة المروريّة، أو حدوث اختناق سكّاني!

جميل أن يتم التفكير في نقل المشاريع من الأطراف للقلب، فإلى متى يستمر التركيز على المحافظات التي تشبّعت من الخدمات والمشاريع الاقتصاديّة والسياحيّة والخدميّة، وإهمال العاصمة التي قد تفرّغ من سكّانها نتيجة هجرتهم الداخليّة بحثاً عن فرص عمل وخدمات في المحافظات الأخرى!

آن الأوان للالتفات إلى العاصمة، وكفانا اهتماماً بالمحافظات!!

(2)

عندما تم الإعلان عن رغبة الحكومة في تعديل أسعار بيع المنتجات النفطيّة، ومع عدم وجود تفاصيل كافية تتعلّق بآليّة تطبيق القرار، ساد القلق أوساط كثير من الشرائح المجتمعيّة، فلم يكن التفكير وقتها في ارتفاع أسعار الوقود الخاص بالسيّارات الخاصّة فقط، بل امتد القلق ليشمل التخوّف من ردّة فعل قطاعات اقتصاديّة مهمّة كسيّارات نقل المياه، وسيارات الأجرة، وسيارات توزيع الغاز، وماذا لو قام هؤلاء برفع أسعار خدماتهم بشكل مبالغ فيه!

مشكلة هذه القطاعات أنّها قطاعات غير منظّمة، بمعنى أنّه لا يوجد كيان قانوني ينظّم آليّة عملها، أو يتحدّث باسمها، أو يطالب بحقوق العاملين بها، وبالتالي من الصعوبة التحكّم في ردّة فعل العاملين بها تجاه أيّة أزمة أو قضيّة اقتصاديّة قد تحدث مستقبلاً، وهو أمر لاحظناه سابقاً في مواقف مختلفة كردّة فعل بعض أصحاب صهاريج نقل المياه في تعاطيهم مع أزمات انقطاع المياه عن بعض الأحياء والولايات، وقيامهم برفع الأسعار بشكل جزافي لدرجة أنّهم هدّدوا بالتوقّف عن تزويد أصحاب تلك المناطق بالمياه في حالة وجود أيّ تدخّل حكومي يلزمهم بسعر معين!

ما أتمنّاه مستقبلاً أن يتم انشاء كيانات قانونيّة خاصّة بهذه القطاعات كأن تنشأ جمعيّة لكل قطاع، أو أن يكون لها شعب معيّنة تابعة لغرفة التجارة والصّناعة، بحيث تجد الحكومة في حالة رغبتها بإحداث بعض الإصلاحات الاقتصادية، أو تحرير أسعار بعض الخدمات والسلع مستقبلاً أن تجد من تتفاوض معه، بحيث يلتزم البقيّة ببنود الاتّفاق بعد سماع آرائهم ومطالبهم، كما أن من شأن هذه الجمعيّات أو الشّعب أن تقوم بالعديد من الخدمات المختلفة لمنتسبيها من العاملين في هذه القطاعات كخدمات التأمينات الاجتماعية، والاستشارات القانونيّة، واطلاعهم على المستجدّات الاقتصاديّة أو التشريعيّة المتعلقة بعمل قطاعاتهم، وغيرها من الخدمات التي تجعلها أكثر تنظيماً، وتجعل شرائح المجتمع الأخرى أكثر اطمئناناً. 

 (3)

في ظلّ حديثنا عن الرغبة في توفير الطّاقة، والحديث الدائر أحياناً عن احتماليّة رفع أسعارها نتيجة الهدر الكبير في استخدامها، وانخفاض عوائد أسعار النفط، وارتفاع فاتورة الدعم الحكومي للطاقة وخلافه، أقترح (من ضمن عدّة مقترحات في هذا الشأن) أن يصدر قرار يلزم المؤسّسات والمحلات التجاريّة المختلفة بغلق أبوابها ليلاً في ساعة محدّدة كالثامنة مساءً مثلاً على أن يستثنى من القرار بعض المؤسّسات التي يحتاج المجتمع إلى خدماتها طيلة الوقت كالصيدليّات المناوبة، والمطاعم، ومحلات التجزئة في محطّات الوقود.

قرار كهذا مطبّق في كثير من الدول الرأسماليّة قبل النامية، وهو يوفّر بالإضافة إلى تقليل العبء  الوظيفي على أعداد كبيرة من العمالة التي تعمل لساعات طويلة في اليوم دون أوقات راحة كافية، قدراً كبيراً من الطّاقة المدعومة المهدرة في تشغيل وإنارة عدد كبير من الأجهزة والمعدّات وأضواء الإنارة وغيرها.

الفكرة قد تجد معارضة كبيرة في البداية من قبل شرائح مجتمعيّة عديدة كونهم قد تعوّدوا على أن تفتح هذه المؤسّسات أبوابها أغلب الوقت، ولكن يمكن للمجتمع بمرور الوقت أن يتقبّل الفكرة خاصّة لو لجأ إلى تنظيم جدوله اليومي ومواعيد تسوّقه، ويمكن له أن يحصل على الاحتياجات الكماليّة أو الثانويّة طوال أوقات الصباح والمساء، أو يؤجّل شراؤها للغد لو لم يتمكّن من ذلك في يوم بعينه لظرف ما، أما الأساسيّات فهناك منافذ تسويقيّة توفّرها طوال اليوم.

لماذا لا نجرّب تطبيق الفكرة!

(4)

 في زيارتي الأخيرة لتركيا وقبلها لدول أخرى، كنت ألاحظ عند زيارتي للمعالم الأثريّة المختلفة من مساجد، وكنائس، ومدارس، وقلاع، وغيرها من المعالم وجود اسم المهندس الذي قام بتصميم هذا الممعلم وبناءه، وحفظت لنا كتب التاريخ أسماء العديد من المعماريّين البارزين في هذا المجال على المستوى العالمي والإسلامي والعربي.

ولكن الأمر مختلف بالنسبة للتاريخ العماني، فتكاد لا تجد ذكراً لمهندس أو معماريّ على الرغم من كثرة المعالم المتنوّعة التي خلّفتها الحضارة العمانيّة عبر العصور إلا في إشارات متناثرة هنا وهناك. ترى هل فينا من لديه أيّة معلومات عمّن قام بوضع تصميم قلعة نزوى، أو تنفيذ خارطة حصن جبرين، أو بناء جامع نخل، أو شقّ فلج الملكي أو دارس أو السمدي! ولماذا تجاهلت أغلب كتب التاريخ العماني أسماء هؤلاء الأعلام في الوقت التي ركّزت فيه على أسماء الأئمّة والحكّام الذين تم في عهدهم بناء هذه المعالم وغيرها!!