الاثنين، 28 يناير 2013

الأرض بتتكلم أوردو


"الأرض بتتكلم أوردو"

   تجدهم أمامك يعرضون عليك شراء كروت الشحن المدفعة وأنت توشك على استخدام آلة السحب الإلكترونية، ويزاحمونك قبل أن تهم بركوب سيارتك أو عند نزولك منها كي يقوموا بغسلها بأدوات أقل ما يمكن وصفها بأنها مقززة، ويطرقون بابك أحياناً عارضين عليك بضاعة صينية مضروبة في استجداء ملح كي تقوم بشرائها حتى ولو لم تكن بحاجة إليها، وتلمحهم منذ الصباح الباكر يتكدسون زرافات وفرادى بالقرب من بعض المنشآت التجارية وكأنهم في سوق نخاسة عارضين عليك أي عمل يستطيعون القيام به، وتتوه وسطهم مساء الجمع في الحمرية والجفنين وغيرها من المناطق التي تعتبر مناطق استراتيجية خاصة بهم يمارسون فيها حياتهم الخاصة بمختلف طقوسها، وتراهم ليلاً وسط الحارات السكنية فترتجف أوصالك لما يمكن أن يحدث لو مررت من جنبهم ليلاً والكهرباء مقطوعة مثلاً.

هذه فئة. أما الفئة الأخرى فتتمنى أحياناً أن تصبح صديقاً حميماً لأحدهم، أو أن يكرمك الله فتناسبهم بالنسب، أو أن يسعفك الحظ وتصبح جزءاً منهم، لما تستشعره من مميزات يحظون بها، ومن نعيم يعيشون فيه.

 إنها فئة أصحاب البشرات السمراء، والشوارب الكثيفة، والخواتم الذهبية، والهاتف الذكي المحمول والمعلق في جيب البنطلون، والسيارة الكورولا المستعملة سابقاً، والكامري والأفالون والمرسيدس والبي ام وكافة سيارات الدفع الرباعي الفخمة حالياً. هي الفئة التي تراها صباح ومساء كل جمعة في (اللولو) سابقاً، وفي عشرات  المجمعات التجارية الخاصة بهم وفي كل أيام الأسبوع حالياً بعد أن ضاقت جوانب اللولو بهم وبعرباتهم وأطفالهم ونساءهم وشيوخهم وعجائزهم كذلك، فأصبحت الحاجة ملحة لكي يكون لهم مركز تجاري كبير في كل حي يتجمعون به، وما أكثرها.

هي الفئة التي تظل فئة الشباب الجامعي و(الماجستيري) و(الدكتوراتي) القاطن في غرفة (خويرية) أو (غبروية) مظلمة الاركان، رطبة الجدران، تسأل نفسها كل صباح ومساء بهذا السؤال الأبدي الذي لا إجابة له: ما دمت أنا ابن البلد الذي أمضيت سنوات في عملي الحكومي وبمؤهلي العالي لا أستطيع توفير مبلغ يكفي لاستئجار ما هو أفضل من هذه الغرفة الكئيبة، فمن يسكن تلك البنايات الراقية التي تحيط ببنايتي العتيقة، ومن أين يأتي ساكنوها ( ذوي الجنسية اياها) بما يدفعونه مقابلها. بل أين يعمل هؤلاء وماهي طبيعة عملهم ومصادر دخلهم؟

هي الفئة التي لا تشعر بالحيرة عند الرغبة في تدريس أبنائها، أو شراء سيارة جديدة، أو صيانتها الدورية، أو عند القيام بفحوصات طبية معينة، أو الذهاب لتناول وجبة ما بصحبة العائلة أو الأصدقاء، أو حتى شراء المستلزمات الحياتية المختلفة، فأبناء الجلدة الذين (يكوشون) على مفاصل تلك الوظائف لا يقصرون بتاتاً في أن يجعلوهم أكثر راحة وسعادة من خلال الخدمات المناسبة، وأسواق اللولو وإخوانه من المراكز الأخرى عامرة حتى بالهواء الخاص بتلك الدولة تحديداً، فما بالك بالمستلزمات الأخرى.

وهي الفئة التي تتعمد مضايقتك في الشارع وأنت ذاهب في صباحك أو عائد في غدوك، وكأنهم لم يخلقوا سوى لهذا الشيء، فما بالك لو كان من يسوق السيارة هي أنثى من تلك الفصيلة. يا لحظك التعس وقتها.

ما بين الفئتين السابقتين تلح تساؤلات مبعثرة أترك اجاباتها مفتوحة علني أجد يوماً  من يتكرم علي بها، ومن هذه التساؤلات: كيف دخلت تلك المجاميع الكبيرة من العمالة البسيطة التي نكاد نتعثر فيها يومياً والذين لا يعمل كثير منهم في تخصصاته التي أتى من أجلها؟ ومن أين أتت الوافدات المختلفات الجنسية والتي أصبحت شوارع بعض أحياء العاصمة مرتعاً لهن، وما هو عملهن الحقيقي؟ وإذا كان الوضع القانوني لكثير من هؤلاء العمال لا تشوبه شائبه فلماذا لا نجدهم في مؤسساتهم التي أتوا من أجلها. وهل كل الذين نراهم في المجمعات التجارية وفي السيارات الفخمة وفي المجمعات السكنية الراقية هم بالفعل إضافة اقتصادية حقيقية للبلد؟ وهل يعملون مثلاً في تخصصات نادرة لا يستطيع ابن البلد أن يقوم بها أم أن الأمر لا يعدو في كونه (لوبي) منظم يتحكم في إدارة المؤسسات والشركات، ويأتي بمن يريد من المقربين، ويضع له ما يريد من المميزات الخيالية المختلفة.

والتساؤلات الأهم من ذلك: أين الجانب الأخلاقي لدى بعض رجال الأعمال العمانيين أصحاب المؤسسات التجارية والشركات من هذه القضية؟ وهل الربح وحده هو المعيار المهم لديهم؟ وهل الدولة ومؤسسات المجتمع على وعي كامل بمدى المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والفكرية التي خلفها – وسيخلفها – وجود هؤلاء جميعاً بهذه الطريقة؟ وماهي الحلول المثلى لمواجهتها؟

لست عنصرياً ولا متعصباً وأؤمن في حق الإنسان في العيش الكريم والبحث عن رزقه أينما كان، بل إن أهلنا جابوا العالم بحثاً عن لقمة العيش الكريمة، ولست كذلك ضيق الأفق في نظرتي الاقتصادية، وأقدر دور بعضهم في تحريك دفة العجلة الاقتصادية طوال سنوات النهضة المباركة، وجهودهم في بناء البلد عمرانيا واقتصادياً، ولا أقصد بكلامي تلك العقول التي دخلت البلد من خلال الطرق الشرعية المكفولة، وفي ظل الحاجة الحقيقية لوجودها، فهؤلاء لهم كل الاحترام والتقدير على كل الجهود التي أسهموا بها في بناء الوطن، ولكن من أقصدهم هم فئة أخرى دخلت بطرق ملتوية، ساهم في بعضها عدد من أبناء الوطن أنفسهم ممن غرهم الربح السهل السريع، فأتوا بالعشرات تحت كفالة مؤسساتهم ثم قاموا بتسريحهم مقابل مبالغ مالية متفق عليها، فاضطر هؤلاء إلى القبول بأعمال لا تتناسب مع تلك التي أتوا لأجلها، ودفعتهم (مافيا) مكونة من أبناء جلدتهم السابقين إلى العمل في أي مجال من أجل التمكن من سداد القروض الباهظة التي استدانوها كي يتمكنوا من السفر وتوفير لقمة العيش الكريمة، إذا فلا عجب أن أجد على بطاقة أحد ممن عرض علي تنظيف سيارتي بتلك الرقعة البالية أن وظيفته في البطاقة هي فني لحام مثلا، وقس على ذلك كثيراً من الأمثلة.

 وعندما يشير صاحب الجلالة في لقائه بشيوخ ورشداء محافظتي الداخلية والوسطى إلى أن العمالة الوافدة أصبحت في ازدياد، وزادت أكثر ما يجب، وأن نسبتها تجاوزت 33%، وهي النسبة التي كانت الحكومة تخطط لها، وأن نسبة تحويلاتها السنوية تتجاوز الدخل الرسمي المعروف للدولة، فإن في هذا تأكيداً واضحاً لا يقبل الشك حول مدى خطورة الوضع، وأهمية وضع الحلول المناسبة له.

وإذا كنا قد قرأنا يوماً أخباراً على شاكلة ثلاثة آسيويين يقتلون زميلاً لهم بإحدى الولايات، وعامل زراعي يمارس مهنة الصيدلة، وبائع آسيوي يبيع المشروبات الكحولية بمحل ملابس نسائية، وجزار آسيوي يحاول ذبح ثور ميت، وعامل في محل يبيع سلع منتهية الصلاحية، وآسيوي يبيع هواتف نقاله مقلدة موهما المستهلكين بأنها أصلية، وغيرها من هذه الحوادث المشابهة، فلا نريد أن نصحو يوماً على جرائم أكثر خطورة، وأشد ضرراً، وأصعب حلاً.
رفقاً بمجتمعنا.

الاثنين، 21 يناير 2013

كشة عموري .. وأشياء أخرى


(1)
 تنطلق خلال أيام البطولة الكروية للدارسين في الخارج في دورتها السادسة، بمشاركة عدد من الفرق تمثل الجمعيات والأندية الطلابية العمانية في الخارج، بالإضافة إلى بعض الفرق الخليجية كضيوف شرف.

وهي تعد أكبر من كونها بطولة كرة قدم فحسب، بل هي تجمع طلابي عماني فريد، وتظاهرة رياضية شبابية مميزة، استطاعت لأعوام عدة أن تجمع بين مختلف شرائح الشباب العمانيين الدراسين في الخارج، في احتفالية رياضية جميلة، يكسوها روح الإخاء والمحبة، وتعلوها الندية والمنافسة الشريفة.

وقد هدفت البطولة التي نظمتها لأول مرة جمعية الطلبة العمانيين الدارسين في نيوزيلاند، ثم شُكلت فيما بعد لجنة رئيسية مستقلة خاصة بها، إلى تحقيق أهداف عدة كتحقيق التواصل الاجتماعي وتعزيز روح الأخوّة والألفة بين مختلف شرائح الطلاب الدارسين في الخارج، وتوظيف الجانب الرياضي في تعزيز الاجتماع الثقافي بين شباب السلطنة الدارسين خارج السلطنة، وربط الدارسين في الخارج  بزملائهم الدارسين داخل السلطنة مما يعزز قنوات التواصل وينمّي جسور التبادل الفكري فيما بينهم، ورفع مستوى رياضة كرة القدم للصالات في السلطنة، وصقل واكتشاف مواهب الشباب العماني الرياضية، والثقافية، والفنية، والتنظيمية، بالإضافة إلى تكريم عدد من الشخصيات الرياضية التي ساهمت في تأسيس الكرة العمانية وذلك لتأصيل روح التقدير للذين يساهمون في العمل الوطني المخلص. 
وحققت البطولة على مدى سنوات تنظيمها العديد النجاحات لعل من أبرزها :اكتشاف مجموعة من المواهب العمانية الشابة ذات مستقبل واعد في كرة القدم للصالات فقد تم ضم عدد من لاعبي البطولة في دوري المحترفين في نيوزيلاند، كما ساعدت البطولة عدداً من الأندية العمانية  في اكتشاف مجموعة من المواهب الكروية الفذة مما تم التعاقد مع بعض لاعبي البطولة للعب مع هذه الأندية، بالإضافة إلى الدور الاجتماعي المهم للدورة من خلال رعاية عدد من الفعاليات الثقافية والاجتماعية والتطوعية في السلطنة وذلك بالتعاون معها  في بث الوعي والتعريف بها والإسهام المباشر في المشاركة في جميع فعالياتها .

وللنجاح الكبير الذي حققته البطولة على مسار محطاتها السابقة، فقد أدى ذلك إلى مطالبة البعض من الطلاب الخليجيين الدارسين في الخارج  بتنظيم بطولة رسمية خليجية على غرار هذه البطولة لتجمع بين منتخبات الدارسين في الخارج من مختلف دول الخليج بعد نجاح التجربة العمانية في لم شمل العمانيين الدارسين في الخارج تحت مظلة هذه البطولة، وهذا نجاح وانجاز يحسب للقائمين على تنظيم هذه البطولة.
تحية للشباب القائمين على تنظيم هذه البطولة ومزيداً من التوفيق والنجاح.

(2)
ما ان انتهت المباراة النهائية لبطولة كأس الخليج في دورتها الحادية والعشرين والتي جمعت بين منتخبي الإمارات والعراق، وانتهت بفوز المنتخب الأبيض بكأس البطولة بعد مباراة شهدت تألقاً ملفتاً للاعب عمر عبد الرحمن (عموري)، نتج عنه هدف  خرافي، وفواصل جميلة من الأداء المهاري، إلا وتوالت على هاتفي عدد كبير من رسائل (الواتساب) المختلفة التي تتناول جوانب هامشية معينة من شخصية هذا اللاعب حديث البطولة.

تجاهلت هذه الرسائل مهارة اللاعب الكروية، وأغفلت أهمية الانجاز الذي حققه وسعادة الملايين به، وأهملت العوامل التي أدت إلى صقل شخصيته الفذة وظهوره بهذا المستوى الرائع، وتجاوزت الدروس المستفادة مما حدث، وركزت على أشياء هامشية تكشف ضحالة فكر واضحة لدى البعض، ولا مبالاة غريبة لديهم، كالسخرية من (كشة) اللاعب الغريبة، أو الحديث عن أصله العماني أحياناً، واليمني في أحيان أخرى، وكأن كشته أو أصله هو من قاده إلى تحقيق الإنجاز في وقت خرج لاعبون آخرون أكثر هنداماً ووجاهة من الادوار الأولى بخفي حنين جالبين الأسى والهم وأمراض أخرى عديدة لجمهور عريض ينتظر منهم ما يوازي الذي يقدم إليهم من أموال ومكافئات واهتمام إعلامي قد تكفي لفتح عشرات المشاريع الصغيرة لشباب آخرين من نفس الوطن.

متى سنتعلم التفريق بين الشكل والمضمون، ومتى سيكون معيار حكمنا على الأشخاص هو مقدار الجهد والعطاء والإنجاز الذي يحققونه لا أشكالهم أو أصلهم أو لونهم.

(3)
بعد أداء باهت لا يكاد يخفى على أي متابع بسيط من الوهلة الأولى، خرج الأحمر العماني من الدور الأول بنقطة يتيمة، وبدأنا بعدها – كعادتنا دائما عند حدوث أي مشكلة – في الصراخ والمطالبة بالمحاسبة من خلال شن حملة شرسة على الاتحاد العماني لكرة القدم، ومطالبة أعضاءه بتقديم استقالاتهم، بل وصل الأمر إلى أبعد من ذلك ألا وهو دعوة مجلس الشورى إلى استجواب رئيس الاتحاد، وكل هذه الزوبعة بسبب خروج المنتخب من الدور الأول، وهي زوبعة ستأخذ مدتها الزمنية ثم ستتلاشى وكأن شيئاً لم يحدث.
هل كان كل ذلك سيحدث لو لم يخرج المنتخب من الدور الأول، وهل اختصرنا كل مشاكل الرياضة لدينا في مسألة الفريق الأول بحيث لم تعد لدينا أية مشاكل أو قضايا رياضيه سواه، وهل الحكم على مدى نجاح اتحاد أي لعبة معينة هو من خلال انجاز فريق بعينه أم من خلال منظومة متكاملة تشمل أهدافاً وخطط تستهدف كافة عناصر المنظومة من لاعبين ومدربين وإداريين وإعلام وملاعب وجمهور وإعلام رياضي وتسويق مناسب، واعتناء بالنشء، وتوفير أماكن ممارسة اللعبة على أوسع مستوى وغيرها.

هل الرياضة لدينا بخير أم أنها تعاني من أزمة حقيقية. وهل نعتني بالرياضة لمجرد أن نسد خانة في بند الخطط الحكومية المختلفة أم ايماناً حقيقياً بأهمية الرياضة ودورها المجتمعي، ورغبة في صناعة البطل الرياضي الذي يمثل السلطنة في مختلف المحافل، ويكون سفيراً ايجابياً لها يجعل صدى اسمها يتكرر في آذان وأذهان المتابعين. وهل الأندية والاتحادات والمؤسسات الرياضية المختلفة تقوم بالدور المطلوب في هذا المجال أم أنها مخصصة للعبة أو اثنتين، ولعدد محدود من الأفراد. وهل هناك اقبال مجتمعي حقيقي على العمل الرياضي التطوعي، أم أن الأمر لا يستقطب سوى بعض الباحثين عن شو إعلامي، وعن بضعة سفريات هنا وهناك لم تستطع جيوبهم أن تحققها.
باختصار.. هل الرياضة من أولويات الحكومة؟

(4)
محمد بن عامر المالكي . بطل السلطنة والعرب وآسيا في مسابقة الجري 400 م، وثامن العالم في أولمبياد لوس انجلوس 1984  في انجاز عماني لم يتكرر بعدها برغم مضي حوالي 20 عاماً. هل هناك من لا يزال يتذكر هذا البطل أم طوته صفحة النسيان كما طوت أشياء كثيرة جميلة.




الثلاثاء، 8 يناير 2013

مشاهد وتساؤلات 11


(1)
احتفلت شرطة عمان السلطانية قبل أيام بيومها السنوي الذي يصادف الخامس من يناير من كل عام.
جهود كبيرة وجبارة يبذلها هذا الجهاز المهم في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار، والتصدي لكل ما من شأنه تكدير صفو الأمن في بلد السلام والأمان والتسامح.
 مهما كتبت فلن أستطع أن أحصي الجهود التي يقوم  بها هذا الجهاز. يكفي فقط أن أشير إلى أن تعاملهم الإنساني الراقي في كثير من المواقف، واحترامهم لإنسانية الفرد وآدميته، هي من الأمور التي تفتقدها العديد من الدول، حتى المتقدمة منها.
كل التحية إلى الأعين الساهرة في كل بقعة من أرجاء الوطن.

(2)
"وسط درجات برودة بالغة القسوة ولمدة استغرقت 17 ساعة. حماية المستهلك بالداخلية تضبط أكثر من 8 آلاف كيلو جرام من الأسماك ( منتهية الصلاحية ) في شركة بنزوى".
خبر صحفي عادي جداً لا يستحق النقاش الإعلامي والمجتمعي المستفيض حول جوانبه وأبعاده الصحية والاجتماعية والاقتصادية، ولا أن تتناوله وسائل الإعلام المختلفة وكتابات المثقفين وأصحاب الزوايا الصحفية بالرأي والتحليل، ولا أن يتم الإشادة بمن قام بهذا الجهد الكبير في سبيل مجتمع أكثر صحة وسلامة.
ماذا يمكن أن يحدث لو لم يتم ضبط هذه الكمية؟ لاشيء. فقط قد يموت البعض، وقد يصاب البعض الآخر بالتسمم، وستحفظ عناية الله البقية ممن يوقعهم حظهم العاثر في كمين شراء هذه السلعة الفاسدة.
لاشيء يستحق الاهتمام. الأمر عادي.

 (3)
وقع بين يدي العدد التجريبي الثاني من مجلة الأطفال الرائعة (أيوب)، والتي تصدرها مؤسسة المعالم للإعلام والنشر، ويرأس تحريرها الأستاذ عبد الله العيسري.

المجلة تخاطب الأطفال من سن الرابعة وحتى العاشرة، وتهدف إلى بناء طفل منظم يمارس الخماسية اليومية (عبادة – علم – عمل – لعب – نوم)، وتحاول استثارة الطفل القارئ للبحث عن المعرفة وذلك من خلال مواد متنوعة تشتمل على القصص المصورة الهادفة، والمواقف السلوكية، والأنشطة العملية، والأناشيد التربوية، والرسومات الجميلة المعبرة، وكل ذلك في قالب إخراجي جميل يشد القارئ ويحفزه على المطالعة لآخر صفحة.

كما تحتوي المجلة على قرص مرفق يحوي قصصاً باللغة العربية الفصحى، تهدف إلى مساعدة الأطفال على معرفة كيفية تعليم اللغة بالممارسة.

في ظل حديثنا عن أهمية وجود أدب للطفل العماني، يخاطب ميوله واهتماماته، ويعزز لديه الجوانب الإيجابية، ويسعى إلى غرس الهوية الوطنية لديه بمختلف أبعادها، من خلال  كمسرح العرائس، والرسوم الكارتونية المصورة، ومجلات الأطفال الهادفة، والدراما التلفزيونية، تأتي هذه المجلة كبارقة أمل، وكمقدمة لحراك ثقافي مستقبلي في هذا المجال نأمل أن يتطور ويزدهر.
تحية تقدير إلى طاقم مجلة (أيوب).

 (4)
ذهلت عندما أخبرني محاسب تلك المدرسة الصغيرة الخاصة الواقعة في أطراف العاصمة مسقط بأن رسوم الدراسة للفصل الثاني فقط (450) ريالاً عمانيا للطالب الواحد.

تبدأ الحكاية عندما قررت نقل ابني من مدرسته الخاصة بصور إلى إحدى المدارس في مسقط، وذلك بسبب ظروف عملي التي جعلتني أتخذ قراراً بجلب عائلتي الصغيرة للعيش معي في العاصمة.

كانت رسوم دراسة ابني طوال عام دراسي كامل في مدرسته التي تتكون من طابقين، وتحوي على ملعب ثلاثي لممارسة الألعاب الرياضية المختلفة، وآخر لكرة القدم، وقاعات علمية متعددة الأغراض، ووسائل نقل حديثة، وأنشطة تربوية متنوعة، (300) ريال فقط، بينما تبلغ هذه الرسوم في المدرسة الجديدة التي قال لي أحد أصدقائي أنها تعد من أرخص المدارس، والتي لا يتجاوز حجم منشآتها جناحاً في المدرسة السابقة، 3 أضعاف الرسوم السابقة.
هل هي ضريبة العيش في العاصمة؟ ربما 

 (5)

قبل أيام وبينما كنت أتابع مباراة المنتخب الوطني مع شقيقه البحريني في أحد مقاهي الخوير العديدة، إذ دخل إلى المقهى فتى لا يتجاوز الخامسة عشر من عمره، رث الثياب، مستكين الهيئة، يحمل في يديه مجموعة أوراق قام بتوزيعها على طاولات المقهى العامرة بالرواد من مختلف الجنسيات، وتحوي في طياتها طلب مساعدة مالية كونه أكبر إخوانه بعد وفاة العائل الوحيد للأسرة مخلفاً وراءه(كومة) أطفال، وديون ثقيلة لا تستطيع الأسرة تحمل تبعاتها.

إما أن القصة حقيقية وواقعية وهنا أضع علامة استفهام كبيرة حول مدى ترابط المجتمع العماني الذي عرف على امتداد تاريخه الحضاري بالتكافل الاجتماعي والتعاضد الأسري والمجتمعي، وعلامة استفهام أكبر حول الخطط والبرامج الاجتماعية الحكومية والخاصة والمجتمعية في هذا المجال.
وقد لا تعدو الواقعة في كونها إحدى حلقات مسلسل التسول الذي انتشر في الآونة الأخيرة، والذي أصبح يأخذ أشكالاً عدة كالشاب الذي يريد ريالاً لأنه نسى محفظته في البلد ولا يستطيع دفع أجرة العودة، والإعلانات التي يتم وضعها في الأماكن العامة وتتصدرها أرقام حسابات عدة، وتتحدث عن  فتيات مصابات بأمراض عجزت مستشفيات العالم عن علاجها، والسيدات اللواتي يقفن أمام أبواب البنوك ويشتكين مر الشكوى من ظروف الحياة لمختلفة، وغيرها من المظاهر التي في غالبيتها مستوردة من مجتمعات عربية تكثر فيها مثل هذه الظواهر.
ولا تقتصر هذه المظاهر على العمانيين فقط بل رأينا في الفترة الأخيرة أشكالاً مشابهة لمظاهر تسول مختلفة يمارسها بعض الوافدين وهذا شأن سأتناوله مستقبلاً بشيء من التفصيل.

إذا ما استثنينا الأسباب المتعلقة بضعف بعض القيم المجتمعية التي تركز على التعاون والتكافل، فإنه بالإمكان الاستفادة من كثير من أفراد هذه الفئة، وتحويلهم إلى منتجين حقيقيين، وذلك من خلال الاهتمام ببرامج التنمية الاجتماعية المناسبة، ومشاريع القرى المنتجة، وقوانين التأمينات الاجتماعية، خاصة أن بعضهم كانوا أصحاب حرف متنوعة، وفجأة لم يجدوا من يهتم بهم أو بإنتاجهم، إضافة إلى وضع قوانين حازمة لمكافحة التسول الذي قد يراه البعض وسيلة كسب سهلة في وسط مجتمع عاطفي جبل على مساعدة الغير دون السؤال عن مدى استحقاقه للمساعدة من عدمها.

(6)
الأسبوع الفائت صادف ذكرى سقوط مملكة غرناطة آخر معقل للمسلمين في الأندلس في أيدي النصارى القشتاليين عام 1492م.
ترى كم منا التفت إلى هذه الذكرى أو اهتم بها أساساً، وهل سمع بعضنا أصلاً بالأندلس المفقود وغرناطة وقصر الحمراء وبقايا مجد عتيق للمسلمين هناك، وهل بكى البعض الآخر تأثراً بما حدث للمسلمين هناك من (محاكم تفتيش) رهيبة، كبكائهم على هزيمة فريقهم المفضل أمام منافسه في (الكلاسيكو)، أو كتأثرهم بضياع فرصة خطيرة لنجمهم المحبوب؟ وماذا تعني لنا أسماء كعبد الرحمن الداخل والناصر وزرياب وابن رشد وابن حزم وابن زهر وابن جبير وابن عباد وابن زيدون، في مقابل أسماء كميسي وجوارديولا وتشافي وانيستا وكاسياس  ومورينهو وغيرهم؟

د. محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

الثلاثاء، 1 يناير 2013

مشاهد وتساؤلات 10


(1)
في بيانه الأخير أمام مجلس الشورى تحدث معالي وزير السياحة عن كثير من القضايا المتعلقة بالقطاع السياحي في السلطنة وآلية تفعيله والارتقاء به، والتحديات التي تواجهه.
من بين النقاط (العديدة) التي استوقفتني في هذا البيان:  قيام الوزارة بتوجيه المستثمرين المحليين والأجانب نحو الاستثمار في محافظات السلطنة الأخرى غير مسقط في ضوء المقومات والإمكانات السياحية المتنوعة في تلك الأماكن.
وبالرغم من ذلك فمازالت كثير من المواقع السياحية غير مستغلة، ومازالت عديد من المحافظات والولايات لا تسمع عن السياحة إلا اسمها، فلا نزل إيوائية مناسبة، ولا مطاعم أو متنزهات أو خدمات تفي بالغرض، ولا استغلال جيد للشواهد الأثرية كالبيوت القديمة والقلاع والحصون وغيرها. فأين الخلل؟ هل في المستثمر ذاته، أم في التشريعات والقوانين المتعلقة بتنظيم العمل السياحي، أم في الترويج الجيد للإمكانات الموجودة، أم في ضعف تكاملية الأدوار وازدواجيتها وتضاربها أحياناً بين المؤسسات الخدمية المختلفة؟
كما تناول البيان تضاعف عدد المنشآت السياحية الإيوائية وعدد الشقق والغرف الفندقية بنسبة تجاوزت (100%) خلال العشر سنوات الأخيرة.
والسؤال هنا: ألا يفترض مع تضاعف أعداد النزل الإيوائية أن تقل الأسعار، وأن تكون في متناول الطبقة المتوسطة على الأقل، وأن يحظى السائح العماني بمميزات خاصة عند رغبته في الاستفادة من خدمات تلك النزل كما هو الحال بالنسبة لمواطني كثير من الدول الأخرى.
ما يحدث هو العكس تماماً.. ومازلنا بحاجة ملحة وجادة إلى (صناعة) السياحة.

(2)
ومادمنا في السياحة فقد شدني الإعلان الذي قامت وزارة السياحة بنشره في عدد من وسائل الإعلام المحلية المختلفة حول التوجه لتطوير الواجهة البحرية بشاطئ الأشخرة، وهو أمر كتبت عنه شخصياً أكثر من مرة من خلال هذا المنبر ومنابر إعلامية أخرى نظراً لأهمية المنطقة من الناحية السياحية، وتوافر كثير من العوامل المساعدة لازدهار الحركة السياحية بها.
ومع تقديري وامتناني لهذا الجهد الجميل والمهم للوزارة، ودوره المستقبلي في إنعاش الحركة السياحية وما سيترتب عليها من أنشطة اقتصادية وثقافية وفنية مختلفة ، إلا أن ما أتمناه من الوزارة الموقرة أن تحرص جيداً على دراسة واقع المنطقة من الناحية الجغرافية والاجتماعية قبل البدء في عملية التطوير، وأن تستمع إلى ملاحظات بعض أبناء المنطقة حول أية مقترحات يرونها، وأن يتم الاستفادة في عملية التطوير من نماذج ناجحة لمدن سياحية عالمية تتشابه ظروفها الجغرافية مع الأشخرة، وأن تتاح الفرصة للفنان العماني كي يسهم في تصميم واجهات سياحية مستوحاة من بيئة المنطقة يمكن أن يستفاد منها في عملية التطوير.


(3)
غابت القضايا المتعلقة بحماية المستهلك وتوعيته وتثقيفه عن كثير من برامج المترشحين للمجالس البلدية، كما غابت (صراحة) عن اختصاصات المجالس البلدية، وأخيراً غابت حماية المستهلك عن تشكيلة المجالس البلدية للمحافظات.
 يأخذ الأمر بعدين (ربما) لا ثالث لهما: إما أن قضايا حماية المستهلك وتوعيته ليست بتلك الأهمية التي تتطلب الإشارة إليها في البرامج الانتخابية المختلفة، أو تعيين ممثل لها في هذه المجالس، وإما أنها عمل خاص بهيئة حماية المستهلك فقط لا علاقة للمجتمع به، بينما يتفرغ (بعضنا) لتوجيه الانتقادات المتوالية التي تتناول التقصير في حماية المستهلك، وكأننا لسنا جزءاً من مجتمع نشكل فيه الأب والابن والأم والمعلم والباحث والكاتب والقانوني والصحفي والتاجر والبرلماني والواعظ والخطيب والمسئول، ولكل منا مسئولياته وجهوده الخاصة تجاه هذه القضية.
دعونا (نفترض) أن الهيئة العامة لحماية المستهلك  لا تقوم بأي عمل (بتاتاً) في مجال حماية المستهلك، إذاً أين أدوارنا نحن المجتمعية في هذا المجال؟ أين تشريعات نوابنا في مواجهة الاحتكار؟ أين كتابات مثقفينا في توعية الناس بأسس التسوق السليمة؟ أين خطب أئمتنا في مجال نبذ الغش والاحتكار؟ أين؟ أين؟ أين؟
(4)
"في إطار المتابعة الدائمة للأسواق والعمل على ضبط المخالفات قام مأمورو الضبطية القضائية بالهيئة العامة لحماية المستهلك بمداهمة أحد محلات بيع الأعشاب الطبيعية ومستحضرات التجميل في ولاية السيب، حيث تمكنوا من ضبط كميات كبيرة من الكبسولات والمقويات الجنسية، والمستحضرات التي لا تحوي على بيانات إيضاحية عن المنتج وكميات أخرى كثيرة من الكريمات" .
مثل هذا الخبر لا ينشر للمرة الأولى، والسؤال الملح: كيف دخلت مثل هذه البضائع من المنافذ الحدودية.

(5)
أعلنت وزارة الأوقاف والشئون الدينية عن رغبتها في شغل (4500) من الوظائف المختلفة في القطاع الديني (الوعظ والإرشاد – تدريس القرآن الكريم – إمامة المصلين والخطابة) خلال الفترة القادمة.
في ظل الحديث عن أهمية ترسيخ الهوية الوطنية والقومية والإسلامية في ضوء تحديات العولمة والانفجار المعلوماتي الهائل في مختلف المجالات، أتمنى أن يقوم هؤلاء بجهود كبيرة في هذا المجال من خلال تأهيلهم التأهيل الفكري الثقافي والاجتماعي المناسب بحيث يتعدوا الأدوار الروتينية التي اعتدناها لبعض من يشغلوا مثل هذه الوظائف المهمة إلى أدوار أكثر تفاعلية تقوم على تغيير الخطاب الوعظي والإرشادي والخطابي بحيث يتواكب وقضايا المجتمع الفعلية، وترسيخ ثقافة التسامح والتعايش الايجابي والحوار واحترام الآخر. 

(6)
كثيراً ما نلقي باللوم على بعض الجهات التنفيذية، ونتهمها بالتقصير تجاه قضايا البيئة المحلية المختلفة، ولكنا نتناسى أن هناك دوراً تشاركياً مجتمعياً مهماً يجب أن نلعبه نحو المواطنين تجاه هذه القضايا، فدور الحكومة لن يكتمل بدون وجود دور فاعل من قبل أفراد المجتمع.
ما يقوم به البعض من لا مبالاة تجاه الاهتمام بنظافة البيئة المحلية، أو عدم الحفاظ على أنماط الحياة الفطرية، أو ضعف التقبل للتوجيهات البلدية المختلفة بشأن التعاطي مع بعض الجوانب البلدية والطبيعية، من شأنه أن يشوه الصورة الجميلة التي نتمنى أن تكون عليها بيئتنا، وسوف يقلل من كافة الجهود المبذولة من قبل الأطراف الأخرى، حكومية كانت أم مجتمعية.
لو قام كل منا بالاهتمام بنظافة المنطقة المحيطة بمنزله ولو لمرة في الأسبوع لأصبح لمجتمعنا شأن آخر، فما بالنا بكثير من الأعمال المجتمعية التطوعية التي هي في انتظارنا للقيام بها، وإذا لم تكن لدينا القدرة على فعل ذلك، فلنكف فقط عن أي سلوك قد يضير بالبيئة.