الأربعاء، 30 سبتمبر 2015

"قل تعالوا إلى كلمة سواء"

"يحكي التّاريخ العماني أنّه في عام 275هـ قرّر القاضي موسى بن موسى أن الإمام الصلت بن مالك غير مؤهل ليستمر في منصبه لكهولته وشيخوخته فخرج إلى نزوى لعزله ومبايعة راشد بن النظر إماماً، الأمر الذي رفضه عدد من العلماء وأيّده آخرون ما لبثوا أن انقسموا إلى مدرستين فقهيتين، تلاه انقسام قبلي بين نزاريّة ويمنية، وكان من نتائج ذلك الانقسام تولي أئمّة ضعاف مقاليد الحكم، ثم غزو محمد بن نور لعمان تعصّباً لإحدى الفرقتين المنقسمتين، وإحداثه الفساد في البلاد، ثم تعرّضت عمان لغزوات عديدة من قبل القرامطة والعباسيون والبويهيون وبنو مكرم وغيرهم بسبب الانقسامات التي شرخت الصف العماني من جراء تداعيات عزل الامام الصلت وما تبعها من أحداث، وهو أمر تكرّر بعد ذلك في نهاية عهد دولة اليعاربة عندما انقسم العمانيّون على أساس قبليّ إلى هناويّة وغافريّة وما تلا ذلك من دخول الفرس عمان وسيطرتهم على عدد من المدن، وإحداثهم القتل والدّمار والخراب في أرجاء شتّى من الوطن العمانيّ ".

الأمر الذي دعاني إلى البدء بهذه المقدّمة واستحضار جانب من التّاريخ العماني هو حالة الإسهال التي انتابت مواقع التواصل الاجتماعيّ بمختلف أنواعها من واتساب وفيس بوك وتويتر وغيرها تجاه قضايا خارجيّة بعينها، بحيث انتهت كل الموضوعات والقضايا المجتمعيّة المهمّة ولم يعد لدينا من قضايا سوى مناقشة أمور خارجيّة عدّة ليس لنا في بعضها أيّ دور مباشر، أمّا الأخطر من هذا وذاك فهي حالة التخوين والاتهام بالميل للآخر والتي تحملها بعض هذه الرسائل والمنشورات بحيث أنّك اذا اختلفت معي في الطّرح فأنت بلا شك إمّا مذهبيّ، أو أنّك لا تحبّ بلدك، أو أنّ ولائك للآخر!! وهو أمر دخيل على مجتمع عرف بتسامحه وتماسكه وخلوّه على مدى سنوات طويلة جداً من أيّة نعرات دينيّة تكدّر صفوه وتهدّد تماسكه عدا الفتن القبليّة التي هدّدت هذا الاستقرار في بعض الفترات، والأسوأ من ذلك دخول أشخاص لا علاقة لهم البتّة بقضايا كهذه في المعمعة، بحيث أصبحوا في بؤرة دائرة الاستقطاب، وتبنّي بعض المثقّفين الذين يعوّل عليهم المساهمة في إصلاح المجتمع لبعض الآراء المنحازة سلفاً انطلاقاً من توجّهات فكريّة معيّنة متناسين أنّ دورهم هو محاولة الحدّ من ظواهر كهذه لا المساهمة فيها!!  

وللأسف فأمر كهذا يحزنني عندما أرى بعض أبناء بلدي يكيلون التهم لبعضهم البعض بعيداً عن أسلوب الحوار المشترك القائم على احترام كل طرف لآخر؛ وهذا الأمر لو تم التوسع فيه لربما يكون أول مسمار يهدّد وحدتنا وتكاتفنا ولحمتنا الوطنية؛ وهذا هو الدرس الذي فشلت فيه بعض الشعوب عندما وسّعوا نقاط اختلافهم على حساب مساحات اتّفاقهم؛ وجعلوا من أنفسهم فسطاطين تقوم غالبية أفكار نقاشهم على تحزّبات ضيّقة؛ ويستهلكون أوقاتهم في مناقشة قضايا قد لا تهم وطنهم كثيراً بل تقلّل من مساحة خدمته والارتقاء به.

أنا أرى وأعتقد جازماً أن الوطن مقدّم على كل شيء؛ فالدين لله والوطن للجميع؛ ويمكنني أن أمارس كافّة طقوسي في بيتي ومسجدي؛ ولكن عليّ أن أعي ان بني جلدتي من أبناء وطني هم الأقرب إليّ من أيّ طرف آخر؛ فأنا وهم تجمعنا هويّة مشتركة أساسها الوطن، والجغرافيا، والتاريخ المشترك، والموروث الثّقافي، والقيادة السياسيّة؛ وبدون تلاحمنا معاً فلن نرتقي بوطننا؛ وفي نفس الوقت لن يأتي الآخر الخارجي ليهيئ لنا وطناً بديلاً؛ فمصيري متعلق بوطني؛ وبأبنائه؛ ولا سبيل لنا إلا التعايش والوئام؛ والانطلاق من النقاط المشتركة التي تجمعنا كي نسهم في الحفاظ على مجتمعنا قويا متماسكا؛ ولنا في التاريخ والأحداث الجارية عبرة وعظة.

إنّني أرفض الطرفين: من يهاجم الآخرين لمجرد اختلاف فكريّ أو مذهبيّ وفي الوقت ذاته يصم مخالفينه في الرأي بالعمالة متناسياً أن الآخر قد ينطلق من نفس الفكر؛ وكذلك من يدافع عن سياسات دول أخرى لمجرد أنّه ينتمي لنفس مذهبها الفكري أو الديني، وكما أرفض من يؤيد هذه الدولة أو تلك في كل خطوة لمجرّد أنّها محسوبة على فكر معيّن، فأنا أرفض في الوقت ذاته من يهاجمها في كلّ ساعة لمجرد أنّها من فكر مختلف، فالاختلاف أو الاتفاق ينبغي أن يبنى على أسس علميّة بحتة لا علاقة لها بتاتاً بالاختلافات العرقية أو الطائفية أو المذهبيّة.

علينا التعامل مع القضايا المختلفة بشكل واقعي وعلميّ بعيداً عن عاطفتنا أو ميولنا الفكرية أو المذهبية، وعلينا أن نفرّق بين العمالة وضعف الوعي الفكري؛ فمواقع التواصل الاجتماعي ليست مقصورة على فئة فكرية بعينها؛ ويمكن أن تجد فيها الغثّ والسمين؛ كما أن هناك معرّفات وهميّة كثيرة خاصة تلك التي تنتحل أسماء شخصيات معروفة بهدف إحداث بلبلة مقصودة؛ فلا يفترض أن أعتقد أنّ من يحاورني هو بالضرورة على مستوى عال من الوعي والثقافة وتقبل الرأي والرأي الآخر.

كما أنّ بعض الردود قد ناتجة عن ضيق فكري معيّن؛ وقد يكون سببها تعصّب أو اعتقاد بأن الخطاب موجّه لهم خاصة لو كان يمس جوانب دينية معينة؛ وقد يكون سببه كذلك أن طارح الموضوع يتعمّد في منشوره أو تغريدته أو مقاله توجيه سهام نقده إلى طرف بعينه مما يوحي للطرف الآخر أن الهدف مما كتب هو النقد السلبي فقط.

اتهامات الخيانة أو العمالة هي اتهامات كبيرة واطلاقها لا يجب أن يأتي بهذه السهولة لمجرد أن ذلك الشخص له رأي مخالف، أو أنّه لا يتمتع باللياقة الفكرية العالية؛ أو لا يمتلك إمكانات النقاش؛ أو أن المنشور ذاته به استفزاز معين خاصة في ظلّ تعدّد المذاهب والأفكار السياسيّة وتعدد انتشارها.

إنّ وطننا بحاجة إلى كلّ ذرّة جهد، وكلّ طاقة لدينا. بحاجة إلى لحمتنا وتماسكنا. بحاجة إلى فكرنا ورؤيتنا كي نجعله في أفضل حال. فليس عيباً أن نختلف في تحليلنا ومقترحاتنا فيما يتعلّق بنظرتنا لسياساتنا الداخليّة في مختلف المجالات، وليس خطأ أن يأتي بعضنا بحلول ومقترحات قد تختلف مع الآخر، ولكن الخطأ كلّ الخطأ أن نشتّت جهودنا، ونفرّق قوانا وامكاناتنا في مناقشة قضايا قد تكون هامشيّة مقارنة بقضايانا المحلّيّة، فالوطن في أمسّ الحاجة إلينا اليوم أكثر من ذي قبل، والوطن هو الخطّ الأحمر بل هو الحزب والمذهب الوحيد الذي يستحقّ تعصّبنا أو دفاعنا من أجله، وهو الكيان الذي تذوب فيه جميع اختلافاتنا على شتّى أنواعها.

ما أأمله وأتمنّاه أن نهتم في منشوراتنا المختلفة بالتركيز على الجوانب التي تخدم مصالح مجتمعنا وتعزّز من وحدته؛ وترفع من شأنه، وتعالج قضاياه، وهناك كثير من القضايا المجتمعيّة التي تستحقّ وقتنا وفكرنا وإمكاناتنا، ولو اهتممنا بالشأن الخارجي أكثر من نظيره الداخلي فنحن نفتح على أنفسنا أبوابا عدة قد تدخلنا في متاهات يصعب الخروج منها، وما أأمله أكثر هو أن نعيد النظر في منظومتنا التعليميّة، وما تشكّله من مخرجات.

الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

أكل وخبز ..ومزاج


(1)

تخيّل عزيزي القارئ وأنت تجلس على ضفّة عين ماء تحيط بك المروج الخضراء وسط في جوّ خريفيّ غائم شبه ممطر، وقتها قد تفكّر في كوب شاي كي يجعل المزاج أكثر روقاناً وسلطنة، وحبّذا لو كان هذا الشاي من نوع (الكرك) الذي يفضّله كثير من الشّباب عن غيره.

إذاً ما بالك عزيزي القارئ لو كان هذا الشاي الكرك ممزوجاً بنوع معتبر من (التّمباك)، أو (الأفضل)، أو (البيرة)، أو كان الشّاي المستخدم معتّقاً منذ سنوات بعد أن انتهت فترة صلاحيّته، وما بالك إذاً لو أطلنا عمليّة التخيّل فنتوقّع أنّ الماء المستخدم في صنع هذا الشّاي هو ماء مجاري؟!!

تمباك وأفضل وبيرة وشاي فرط منتهي الصّلاحيّة ومياه مجاري لعمل كوب من الشّاي يعدّل مزاج سائح قطع مئات الكيلومترات، ودفع مئات أخرى من الريالات من أجل لحظة صفاء وسكون وسط طبيعة بكر لا تعرف سوى العطاء! أيّ خلطة سحريّة هذه، وأيّ عقل شيطانيّ هذا الذي توصّل إلى فكرة عجيبة كهذه؟!

ما ذكرته سابقاً ليس سيناريو لفيلم رديء، ولا قصّة ركيكة كتبها قاصّ مبتدئ، ولكنّها واقعة حقيقيّة حدثت في خريف هذا العام، والسّيناريو والإخراج وأدوار البطولة فيها كالعادة لمجموعة من العمالة الوافدة، ثم تأتي النّهاية على يد مفتّشي الهيئة العامّة لحماية المستهلك!

(2)

"وبسؤال العامل الوافد عن ظروف تصنيع الخبز أفاد بأنّه دخل السلطنة في وظيفة حلاق ولكنّه لم يمارس مهنة الحلاقة حيث عمل سابقاً في مهنة البناء ثم مارس مهنة صناعة الخبز بدون تصريح منذ ثمانية أشهر بالتعاون مع عمالة أخرى يتواجد بعضها خارج البلاد".

كان هذا جزءاً من خبر نشر قبل يومين يتحدّث عن ضبط حماية المستهلك لعمالة وافدة تصنع الخبز العماني في مكان غير مرخّص باستعمال أدوات قذرة ودون مراعاة اشتراطات الصحة والسلامة .

وتعود تفاصيل الواقعة إلى ورود معلومات عن قيام عمالة وافدة بتصنيع الخبز العماني في مزرعة نائية، وتمّ ضبط هذه العمالة وهي تقوم بعجن الطحين باستخدام أدوات قذرة وصواني صدئه مع تكاثر الحشرات والقوارض في مكان إعداد الخبز، إضافة إلى عدم وجود بيانات إيضاحية على الخبز الذي يتم إنتاجه، ومن ثمّ تسويقه على المستهلكين من خلال منافذ المزرعة.

لا أعلم إن كان هذا الحـــ... (عذراً، أقصد الخبّاز) قد استخدم الرغوة في عجن الدّقيق قبل خبزه، وهل ارتدى (المريلة) قبل قيامه بعمله، وهل عقّم الأدوات الصدئة أولاً قبل بدء العمل أم استخدم أخرى مكيّسة مجلوبة من الصين، وهل أسهمت خبرته كحلاق في تصنيع الخبز بأشكال و(قصّات) مختلفة لإغراء المشترين أم لا!!

(3)

"ضبطت إدارة حماية المستهلك بمحافظة ظفار محلاً تجاريًا يروّج ويبيع التبغ الممضوغ غير المدخن بطريقة غريبة مستغلاً عودة الطلبة إلى المدارس، حيث يقوم العامل الوافد بالمحل بإحداث تجاويف داخل الدفاتر ومن ثم يخبئ بداخلها لفائف التبغ ويقوم ببيعها بعد ذلك حيث تم ضبط أكثر من ٦٠٠ لفافة تبغ ممضوغ كانت في طريقها للتسويق للطلاب والمستهلكين".

أبنائنا الطلاب، فلذة أكبادنا، عماد مستقبلنا، بدلاً من أن يفتحوا دفاترهم كي يكتبوا عليها آمالهم وأحلامهم وتطلّعاتهم نحو مستقبل مشرق، فإنّهم قد يكتبون عليها حروفاً بطعم التّبغ، ويسطّرون رسومات بلون المضغة، ويحلّون معادلات بنكهة التمباك!!

للعلم، فقد سبق لحماية المستهلك أن ضبطت لفائف تبغ ممضوغ يتم تسويقها على شكل شطائر عبر إحلالها بدلا من مكونات الشّطيرة في الخبز وبيعها على تلك الهيئة تجنباً للمسائلة القانونية!!

(4)

" حماية المستهلك تضبط عامل وافد في أحد المراكز التجارية وهو يقوم ببيع وعرض أدوات تنظيف لدورات المياه موضح بملصقها الخارجي على أنها منظف أسنان مضاد للجراثيم".

ترى هل اعتقد مثل هذا العامل وغيره من بني جلدته أنّنا بأفكارنا وألسنتنا أصبحنا سيئين لدرجة أنّه لم تعد تنفع معنا المنظّفات الاعتياديّة؟! أم أنّ الأمر اختلط عليه فاعتقد أنّ أسناننا هي نوع من السّيراميك أو البورسلين مثلا!

(5)

"تمكنت حماية المستهلك من مداهمة محلّ تجاريّ يبيع سلع محظورة وسلع غير مطابقة للمواصفات القياسية، حيث تم ضبط عدد من زجاجات الخمر و(47) زجاجة كلونيا إضافة الى (146) كيس تبغ غير مدخن من نوع أفضل و(100) كيس تمباك مفلتر من نوع (MAHAK)".

خبر كهذا تكرّر كثيراً خلال السّنتين الأخيرتين، فمرّة يتم ضبط أشياء مماثلة في محلّ حلاقة، ومرّة في محلّ خياطة نسائيّة، وثالثة في محلّ مواد بناء لدرجة أنّني أتوقّع في المرّات القادمة أن أرى إعلانات من مثل " اشتر قماشاً واحصل على كحول معتّق"، أو " جرّب متعة الحلاقة معنا مع رشفات البيرة المنعشة"، أو " عدّل مزاجك واشتر لبيت أحلامك"!!

(6)

"تمكنت حماية المستهلك من ضبط عمالة وافدة تقوم باستخدام مقرّ سكنها لصنع عدد من أصناف الطعام دون مراعاة أدنى متطلبات الصحة والسلامة"

حتّى لو أعدّوه فوق سطح المنزل، أو استخدموا قدوراً وأدوات قذرة، وحتّى لو كان الزّيت معاد استخدامه، والأرز مخلوط، والقمح منتهي الصلاحيّة، وكان اللحم قد تم تجميعه من بقايا المسالخ، وكانت البطاطا مجلوبة من المرادم، وكان أغلب هؤلاء هم من الفلاحين والصّيادين القرويّين في بلدانهم ولا يفقهون في أمور الطّبخ سوى ما أفقهه في اللغة الصينيّة، وحتّى لو نشرت حماية المستهلك ألف ضبطيّة مشابهة، فسنظلّ نأكل من عند هؤلاء، وسنظلّ نصنع نفس الازدحام أمام هذه المطاعم والمقاهي دون أدنى مبالاة بماهيّة ونوعيّة وصلاحيّة ما نأكله برغم أنّ كثير منّا قد اشترك في زحام مشابه أمام (كاونتر) الهايبر ماركت كي يشتري راشن البيت الشهري!!

الخميس، 10 سبتمبر 2015

مشاهد وتساؤلات (29)

(1)

(مبادرة الشورى 8) هي عنوان نشرة المبادرة التوعويّة الخاصّة بتغطية انتخابات الدورة الثامنة من مجلس الشورى التي تتبنّاها وتصدرها الشبكة العمانيّة للمواطنة المسئولة، وهي شبكة تعنى بتعزيز المواطنة ورفع وعي المواطنين تحت إشراف الدكتور سيف بن ناصر المعمري والأستاذة زينب الغريبية.

تهتم النشرة التي تهدف إلى بناء إعلام برلماني متخصص، وتصدر مرّة كلّ اسبوعين من خلال حساب لها على موقع التواصل الاجتماعي تويتر ((mowatanah72 بتحليل واقع الانتخابات في السلطنة من خلال حصر أعداد المترشّحين في كلّ محافظة، ونوعهم، ودوافع ترشّحهم، ومسيرة ترشّح بعضهم سابقاً، وفرص نجاحهم، واستقصاء آراء عيّنة من المواطنين والمترشّحين في هذه المحافظات، وعمل المقارنات، ودراسة المؤثّرات الاجتماعيّة والاقتصاديّة على الفكر الانتخابي، وتستند إليها كثير من القنوات الإعلاميّة المحلّيّة بكافّة أنواعها.

هي دعوة لكل المهتمّين والمتابعين للاستفادة ممّا تعرضه المبادرة من تحليلات رصينة، ومعلومات مهمّة تتعلّق بواقع العمليّة الانتخابيّة في السلطنة.

(2)

وكأنّنا لا نتعلّم من أخطائنا بتاتاً، وكأنّنا لم نفق بعد من صدمة ترميم جامع نخل الأثري وغيره من الجوامع والمساجد المهمّة بما كانت تحويه من كتابات وشواهد أثريّة مهمّة ليفاجئنا الخبر بإزالة مسجد الحجرة في منطقة عيني بولاية الرستاق وإعادة بنائه، فهذا المعلم الأثري والصرح الديني الذي يعود تاريخ بنائه لأكثر من 300سنة، والذي يحتوي ككثير من مساجد عمان القديمة على كتابات تسرد تاريخ المنطقة، وتوثّق لبعض تفاصيلها، ولوح من الحجر كتب عليه تاريخ بناء المسجد، قد سوّي به الأرض، ولم أكن لأصدّق الخبر لولا أن رأيت الصور التي تناقلها البعض حول هذا الموضوع، ورأيت المعدّات وهي تزيل جدران المسجد وأركانه!!

ألا يوجد لدينا قانون أو تشريع يختص بحماية التراث المادّي يحفظ الشواهد التاريخيّة لدينا وينظّم آليّة التعامل معها؟! وهل تواصلت الجهة التي أشرفت على هدم المسجد وإعادة بناءه مع الجهات المسئولة عن التّراث والثّقافة لدينا قبل التفكير في هدمه؟! ثمّ ألم يكن بالإمكان إعادة الترميم دون الحاجة إلى إزالته؟! وهل تمّ الاحتفاظ بتلك الشواهد ونقلها إلى أحد المتاحف الوطنيّة خاصّة ونحن نتحدّث عن التطوّر الكبير في التكنولوجيا المستخدمة في أعمال الترميم والبناء!

أتمنى أن يصلني اتّصال أو بريد إلكترونيّ يطمئنني أنّ الأمور بخير، وأنّه قد حسب للأمر عدّته وتمّ نقل كافّة الشواهد والكتابات الموجودة بالمسجد إلى مكان مناسب لحفظها وعرضها والاستفادة منها. أقول أتمنى ذلك.

(3)

في (بعض) مؤسّساتنا الخدمية؛ لا تنقصنا الإمكانات المادية والبشرية، المشكلة أحياناً في المسئول الذي لا يعرف إدارة هذه الإمكانات بما يحقق الأهداف الموضوعة، ولو شعر كل مسؤول بأن هناك من ستتغير حياتهم للأفضل أو الأسوأ بفعل سياساته أو سياسات مؤسّسته لتغيرت أشياء كثيرة لدينا.

ترى كم من مسؤول يستحضر المواطن البسيط في أقصى قرية نائيّة قبل أن يفكّر في إصدار قرار معيّن؟! وكم من مسئول ما زال يعيش في جلباب من سبقه دون رغبة في تفصيل جلباب جديد يحسّن من صورته أمام الآخرين؟!!

وفي المقابل فهناك من المسئولين من يغيّر شكل مؤسّسته وينقلها إلى آفاق أبعد من خلال حسن إدارته، وابتعاده عن المركزيّة، واستخدام سياسة التفويض، والبحث عن حلول وسياسات غير تقليديّة، وتقمّص دور المواطن قبل التفكير في سنّ أي قرار أو اتّخاذ أيّ سياسة.

(4)

إذا حسبنا تكلفة بناء بيت متكامل الخدمات بـ(30)ألف ريال على سبيل المثال؛ فـ(30) مليون ريال كافية سنويًا لبناء (1000) بيت.

عدا بناء منازل مستقلّة يمكن للحكومة أن تبني (بلوكّات) سكنية للشباب في كل ولاية بنظام الشقق الواسعة أو الفلل متوسّطة الحجم على أن تتاح للبيع أو التأجير بأسعار مناسبة تخصم من راتب المواطن، ويمكن كذلك ضخّ مبالغ سنوية ببنك الإسكان كي يتمكن من تقديم قروض سكنية سريعة بنسب فائدة متدنية، وبطريقة أسرع ممّا هي عليه الآن.

ولو خصصت الحكومة مبلغ (200) مليون ريال سنوياً كمثال على هيئة قروض ومنح لقطاع الإسكان فهذا كفيل بحل مشكلة توفير السكن المناسب.

الحلول السابقة ستحل إشكالات إسكانية عديدة من بينهاارتفاع أسعار الأراضي والبيوت السكنية الحالية وعدم تناسبها مع دخل شريحة كبيرة من المواطنين ووضعهم الاقتصادي.

الحلول السّابقة تحتاج كذلك إلى إدراك كبير لأهمّيّة توافر المسكن المناسب كثالوث اجتماعي لا يقل أهمّيّة عن المدرسة والمركز الصّحّي، وتحتاج أيضاً إلى إعادة النظر في الخدمات الاسكانيّة المقدّمة بحيث نتجاوز مسألة حصرها في تخطيط الأراضي ومسحها وتوزيعها، وقضايا التمديدات وغيرها فهذه أمور ينبغي أن تكون من مسئوليّة المجالس البلديّة لا وزارة الإسكان!

 (5)

في صفحته بموقع التواصل الإجتماعي (تويتر) كتب الدكتور حيدر اللواتي هذه العبارة المهمّة: " تجنب شخصنة الاختلاف، فان اختلفت مع رأيٍ، انتقد الرأي دون التعدي على الاشخاص ".

عبارة مهمّة يحتاج كثير من كتّابنا ومثقّفينا إلى قراءتها وتأمّلها بشكل دقيق في ظلّ التّراشق الفكريّ واتّهامات التخلّف والتطرّف والانحياز المتبادلة بين الفرق الفكريّة المختلفة والتي تصل أحياناً لدرجة الشّخصنة دون أن تبقى في إطار الاختلاف الاعتيادي، وكأنّهم جمهور كرة في أحد مدرّجات الدرجة الثالثة.

متى سيعي البعض أنّه لا أحد يحتكر الحقيقة، وأنّ ما يؤمن به اليوم قد يكتشف خطأه غداً، وأنّ ما يراه هو صحيح قد يراه الآخر خطأ، وأنّ كثيراً من الأفكار والنظريّات السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة قد أتى بها أصحابها ومنظّريها في الأساس لمحاولة إصلاح المجتمع، وأنّ هذه النظريات والأفكار تجمعها كثير من الروابط المشتركة التي قد تغيب عن أذهانهم عند بدء السجال والعراك الفكريّ، وكما أنّ من حقّك أن تضع تصوّراتك وآراءك حول المواقف المختلفة، فإن للآخر نفس الحقّ تماماً في ذلك، وأنّه باتّهامه للآخر بالتطرّف والتحجّر والدّعشنة فإنّه بفعله هذا يقع في نفس دائرة الاتّهام!

مشاهد وتساؤلات (28)

(1)

"قام مجلس المناقصات في العام 2009 بطرح مناقصة رقم 299/2009 والخاصة بمشروع تطوير الواجهة البحرية لشاطئ الأشخرة، وتم إلغاء المناقصة قانونيًا بسبب ظهور مشكلة الحيازات".

"في فبراير من العام 2014 قامت وزارة السياحة مرة ثانية بإعادة طرح مناقصة مشروع تطوير الواجهة البحرية بشاطئ الأشخرة ورقمها 3/2014، وذلك بعد تسوية موضوع الأرض المخصصة للمشروع نهائيا العام الماضي وإنهاء المسح واستخراج الملكية واستكمال الإجراءات ذات الصلة، إلا أنه تمّ إلغاء المناقصة لمخالفتها المادة37  من قانون المناقصات الصادر بالمرسوم السلطاني السامي رقم 36/2008 حيث تقتضي المادة بإعادة طرح المناقصة إذا ورد عطاء وحيد فقط ولو كان مستوفيا الشروط".

" قال مختصون بوزارة السياحة أن الوزارة بصدد إعداد مستند جديد لمناقصة مشروع تطوير الواجهة البحريّة بشاطئ الأشخرة، وإعادة طرح المناقصة في نهاية العام الجاري 2014، وذلك بعد تأخر تنفيذ المشروع لعدة سنوات لأسباب متعلقة بالحيازات في بعض أجزاء الأرض المخصصة للمشروع، بحسب جريدة عمان".

"في تصريح لجريدة عمان توقعت وزارة السّياحة أن يبدأ المشروع خلال النصف الثاني من العام الجاري 2015، حيث ستتولّى تنفيذه الشركة العمانيّة للتنمية السياحيّة (عمران)".

الرفاق حائرون، قلقون، متشكّكون، يتهامسون، يتسائلون: هل سيرى هذا المشروع النّور، أم أنّ هناك لعنة أو تعويذة ما تحول دون تنفيذه؟! وما هو آخر كلام في الموضوع؟!

(2)

تعطّلت ثلاجة المنزل فقضيت ساعتين بأكملهما أبحث عن محل لتصليح الأجهزة الكهربائيّة في العامرات حتّى عثرت على محل وحيد منزو بين محلات تصليح المركبات، وبعد أن استجديته للذهاب معي كي يرى العطل الحاصل قال لي: إذا كان (الكمبريسر) هو العطلان فستدفع ستين ريالاً، وإذا كان العطل يتعلّق بأسباب أخرى بسيطة فستدفع ثلاثين ريالاً. حاولت أن أفتح فمي كي أقول شيئاً، فقاطعني بقوله: إذا لم يعجبك السّعر فاذهب لغيري.

كنت أعرف يقيناً أنّي لن أذهب لغيره لأنّ (عمبر أخو بلال) كما يقول المثل العماني، وكنت أعرف كذلك أنّني سأدفع الستّين ريالاّ صاغراّ لأن العطل غالباّ سيكون في (الكمبريسر) حتى لو كان هذا الأخير سليماّ ولا يعاني من أيّة مشاكل، ولكنّه الردّ الخالد الذي نسمعه من قبل أصحاب هذه المحلات، وإذا كنت شاطراً فأثبت العكس! وكنت أعلم أيضاً أنّها ستعمل لبضعة أيّام ثم ستعطل مرّة أخرى لأنّه هكذا ينبغي أن يكون المشهد بالنسبة لهؤلاء، ومرّة أخرى إذا كان لديك حلّ آخر فافعله!!

ويظلّ السؤال الخالد الذي يطرح للمرة المليون: هل أتى هذا العامل وأمثاله من بلدانهم مؤهّلين فنّيّاً للعمل بمثل هذه المهن أم إنّهم تعلموا (الحسانة) هنا؟! وهل تحتاج مثل هذه المهن إلى خبرات وإمكانات لا يستطيع غيرهم العمل بها؟! وأين هي الكوادر المتنوعة التي تخرّجها معاهد التدريب المهني وكلّيّات التقنية سنويّاً عن أعمال وأنشطة كهذه خاصّة وأنّها أنشطة تدرّ ربحاً وفيراً في الغالب؟! وكم عدد الحلاقين أو النجّارين أو الحدّادين أو الخيّاطين الذين  استطعنا خلال خمسة وأربعين عاماً من عمر النهضة أن نؤهّلهم لسوق العمل؟!

أين المشكلة بالضبط؟! في الاعلام والمناهج التي لم تستطع إقناع شريحة من الشباب بأهميّة أعمال كهذه كمصدر رزق مناسب يمكن تطويره والتوسّع فيه مستقبلاً؟ في الدعم الذي يذهب جزء منه لأعمال وأنشطة أراها ثانويّة كمحلات التجميل وتنسيق الزهور وإعداد البخور؟ أم في التشريعات التي يمكن أن تحمي الحرفي والعامل العماني من منافسة هؤلاء؟!

وإلى متى سنظلّ رهن تحكّم هؤلاء واستغلالهم لنا، وإساءتهم لنا من خلال أساليبهم الاستفزازيّة الاحتكارية؟!!

(3)

في ظل ما أقرأه وأتابعه من أخبار وقرارات حول رفع رسوم بعض الخدمات الحكوميّة والتي يرى فيها (البعض) وسيلة للحدّ من عجز الميزانيّة في ظلّ انخفاض أسعار المصدر (الأوّل) الذي نعتمد عليه في دخلنا القوميّ وهو النّفط، فبرأيي أنه من المهم إعادة النّظر في الملفّ الاقتصادي للسلطنة، فإذا كان القائمين عليه لم يستطيعوا خلال الفترة الماضية أن يوجدوا حلول بديلة لتنويع مصادر الدّخل، ولم يستفيدوا من الأزمات السّابقة، ولم يقدّموا مقترحات اقتصاديّة مناسبة قائمة على الاستفادة من تجارب الدول الأخرى التي قد تكون ظروف بعضها وإمكانيّاتها أسوأ من ظروفنا فهل سيستطيعون اليوم ايجاد هذه الحلول والبدائل؟!

إنّ زيادة الرّسوم، أو وقف العلاوات، أو ايقاف التوظيف، أو تخفيض ميزانيّات الوزارات والمؤسّسات والهيئات الحكوميّة، أو التقشّف في بند التغذية الخاص بالتدريب أو غيرها من الاجراءات المشابهة ليست بالحل المثالي أو الناجع للأزمة الاقتصادية وعجز الموازنة، بل هي حلول مؤقّتة وغير عمليّة، وجزء من الحل يأتي من خلال مراجعة ملفّات مهمّة كملفّ التعليم ومدى توازي جودة المخرجات مع المبالغ الكبيرة المخصّصة لهذا القطاع في الميزانيّة العامّة للدولة، ومراجعة ملف اختيارات الأشخاص الذي يشغلون المناصب العليا في بعض المؤسّسات والشركات الحكوميّة والصناديق، وهل أتى (بعض) هؤلاء بالكفاءة أم بالباراشوت من منطلق (القريب من العين..)! والاستفادة من الإرث الحضاري للسلطنة، والموقع الجغرافي، وتنوّع البيئة التضاريسيّة والجغرافيّة في إيجاد مصادر دخل بديلة، فبلد تتنوّع فيها مفردات الطبيعة من جبال وسهول ووديان وصحاري، وتتباين فيها الأقاليم المناخيّة من مناخ متوسّطي وصحراوي وموسمي، وتتنوّع فيها شواهد التّراث المادّي من حارات وقلاع وحصون وبيوت أثريّة وحرف متنوّعة، عدا مفردات التراث الثقافي من فنون وفلكلور وأنماط أكل ومعيشة. كل هذه الأمور تشكّل في بعض البلدان مصادر دخل مهمّة بينما غالبيّة هذه الأشياء مهملة لدينا عدا بعض الأمور الشكليّة التي تنمّ عن لا مبالاة رهيبة بها.

من يعيد قراءة التاريخ العماني سيجد أنّ الموقع الحضاري والجغرافي للسلطنة بالاضافة إلى العامل البشري المتمثّل في حبّ العماني للمغامرة، وتحمّله للصعاب، وتآلفه مع ابن جلدته الآخر كانت من أهم العوامل التي ساعدت على قيام حضارة عمانيّة تشهد لها الآفاق، فمتى سيحين الأوان لمراجعة هذا الإرث ومحاولة الاستفادة منه مع مزجه بقدرات وإمكانيّات الشباب العماني الذي يجب أن يؤهّل تعليميّاً عصريّاً بشكل حقيقي، ولا نريد في كلّ مرّة أن نذكّر بنماذج لدول نجحت في ذلك من مثل اليابان وكوريا وماليزيا وسنغافورة وغيرها.

كم من قرية كانت منتجة تعطّل انتاجها! وكم من حرفي ترك مهنة أهله وأجداده وذهب إلى مسقط يبحث عن وظيفة حكوميّة! وكم من إمرأة كانت يوماً ما تساهم في الانتاج المحلّي ولو بمهن بسيطة تحولت الآن إلى من يبحث عمّن يعيلها لأن الدّعم أخطأ طريقها! كم من أمثال هؤلاء في مجتمعنا كان يمكن بشيء من التخطيط الجيّد أن يصبحوا رافداً للاقتصاد فأصبحوا عبئاً عليه؟!

الثلاثاء، 1 سبتمبر 2015

مشاهد وتساؤلات (27)

(1)
بحسب تصريح وزارة الداخليّة بجريدة عمان في عددها الصادر صباح الثلاثاء 25 أغسطس الجاري، فإن هناك "مؤشرات ايجابيّة غير مسبوقة هذه المرّة من خلال ارتفاع عدد الناخبين في هذه الدورة بمعدّل (100) ألف ناخب، ووجود تجاوب (واضح) من قبل المواطنين بعد إعلان أسماء الناخبين".
ومع تقديري لتصريحات كهذه، ومع ايماني بأن التجارب المتوالية هي وسيلتنا للوصول إلى وعي انتخابي ناجح، إلا أن السؤال الذي يجول بخاطري: هل ارتفاع أعداد الناخبين مؤشر (حقيقي) لنجاح العمليّة الانتخابيّة، وهل هناك استطلاعات رأي مستقلّة تؤكّد هذا التجاوب الواضح من قبل المواطنين مع العمليّة الانتخابيّة، أم هي تصريحات كالتي تقال قبل كلّ عمليّة انتخابيّة، وقبل افتتاح أيّ مشروع جديد؟!

(2)
بحسب احصائية نشرتها صحيفة (البد) الالكترونيّة فإن هناك حوالي (62.461)مواطن يعملون بالقطاع الخاص يتقاضون رواتب ما بين (350-400) ريال عماني.

وماذا عن آلاف العمالة الوافدة التي نراها في الشوارع تركب أفخم السيارات؟! ماذا عن من نلاحظهم من هذه العمالة في المجمّعات وهم يسوقون أمامهم العربات المكدّسة؟! ماذا عن من تمتلئ بهم الحدائق والمطاعم الفخمة؟! أين يعمل هؤلاء؟ وما هو حجم رواتبهم؟ وهل وظائفهم حسّاسة ومهمّة وبحاجة لخبرات استثنائيّة لا يستطيع العماني شغلها؟!

وهل مبلغ 400 ريال كاف لتأسيس أسرة في ظلّ عدم وجود صناديق زواج، وسياسات إسكان واضحة، وبيئة اقتصاديّة موازية، وتكافل مجتمعي ضعيف؟!!

(3)
في كل مرّة أزور فيها أحد موانئ الصّيد لدينا، أو تقع عيني على مركب صيد ما ألاحظ أن معظم هذه المراكب إن لم تكن جميعها ليست محلّيّة الصّنع، بل مستوردة أو مصنّعة في إحدى ورش بناء المراكب في بعض الدول المجاورة.

والسّؤال المهم: ما الذي يمنع أن تكون لدينا ورش لتصنيع هذه المراكب خاصّة وأنّها ليست بالصناعة التي تحتاج إلى خبرات وأدوات ومواد غير تقليديّة، مع الأخذ في الحسبان كوننا بلد ذات باع طويل في صناعة السّفن، ويوجد لدينا عشرات الورش وعشرات الحرفيّين الذين هم الآن بلا عمل بعد أن أقفلت ورشهم لأسباب غير معلومة!!

(4)
في ظلّ الانقطاع المتكرر للمياه عن عدد من المحافظات، وفي ظل زيادة عدد السكّان وقلّة المخزون المائي، أو قلّة الاستثمارات للاستفادة من هذا المخزون، وفي ظلّ ضعف انتاجيّة القطاع الزراعي والحيواني والاعتماد الدائم على الاستيراد الخارجي مع كل التحدّيات المحيطة به، فلماذا لا تتوجّه الحكومة إلى الاستثمار في الاستفادة من تحلية مياه البحر لغرض الشرب والاستخدامات المنزليّة وأغراض الزّراعة في ظلّ التطوّر الذي طرأ على هذه الصناعة، وفي ظلّ وجود العديد من الشركات العالميّة المتخصّصة في هذا المجال، وفي ظلّ وجود تجارب دوليّة ناجحة استفادت من مياه البحر في الأغراض المختلفة!

وقد يقول قائل: ولكن هذا النوع من الاستثمار مكلّف من الناحية الاقتصادية؟ أتّفق أنّه قد يكون مكلّفاً، ولكن لو وضعت خطط وجدوى اقتصاديّة صحيحة وواضحة للاستفادة منه استفادة حقيقيّة فقد يحقق فوائد كبيرة على المدى البعيد، فلو حسبنا فاتورة دعم الدولة لقطاع المياه، ولو حسبنا كذلك المبالغ التي تدفع لاستيراد اللحوم والخضروات والفواكه من الدول الأخرى، ولو أضفنا إلى هذا وذاك الخسائر المختلفة التي قد تنشأ عن الانقطاعات المتكرّرة للمياه، لوجدنا أن مشروعاً كهذا قد يضيف الكثير للنشاط الاقتصاديّ لدينا، وقد يسهم في تنوّع مصادر الدخل، وقد يعيد قطاع مهم للمشاركة في عجلة الحياة الاقتصاديّة وأقصد به قطاع الزراعة وتربية الحيوانات، عدا ضمان مورد الحياة المهم وهو الماء.
أمر كهذا ينطبق كذلك على الاستفادة من الطّاقة الشمسيّة في توليد الطّاقة.

(5)
في ظلّ اللّغط الكبير الذي يصاحب مقالات وآراء بعض كتّاب الرأي في وسائل الإعلام المختلفة، والامتعاض من بعض الكتابات التي تمسّ الرأي العام المحلّي بحجّة أنّها لا تعبّر عن جموع الأغلبية يأتي التساؤل الآتي: هل المفروض أن يعبّر الكاتب عمّا يدور في نفسه ويراه الأصحّ والأجدى من وجهة نظره وبالتالي يتقبّل المجتمع هذا الرأي ويفنّده ويردّ عليه إن لم يتقبّله، أم أنّ الكاتب ملزم بالكتابة عمّا يريده الجمهور حتّى لو اختلف فكره عمّا يطرحه؟!

وهل يحقّ لي كقارئ أن أوجّه انتقاداً سلبيّاً معيّناً لكاتب معيّن وأكيل الاتّهامات له لمجرّد أنّ رأيه لم يعجبني أو يمثّلني، أم أعتبر أنّ ما كتب هو مجرّد رأي يمثّل صاحبه لا غير، وبالتالي فهو ليس تصريحاً حكوميّاً يؤخذ به، أو بيان صادر عن جهة ما يمثّل رأيها وسياستها، ويمكن لي أو لغيري أن يردّ عليه ويوضّح وجهة النظر الأخرى.
وفي الوقت ذاته هل يكتفي الكاتب بكتابة ما يراه دون دراسة وإدراك كامل بكافّة الجوانب التي تحيط بما كتب، ومدى استفادة المجتمع أو تضرّره من ذلك، أم يكتب لأنّه يرى أنّ له الحق في أي شيء يكتبه حتى ولو كان ما يكتبه معاكساً لتطلّعات الجمهور؟!

باختصار.. هل نكتب لأن"الجمهور عاوز كدا"، أم نكتب لأنّنا نرى أنّ الأمر هكذا!!




مشاهد وتساؤلات (26)

(1)
في ظلّ ما نراه من تجريف يومي لتراثنا المادّيّ من قلاع وحصون وحارات وبيوت ومحلات قديمة، ترى هل يوجد لدينا قوانين وتشريعات تتعلق بالحفاظ على هذا التّراث، وحمايته من يد العبث، كقوانين المنفعة العامة مثلا؟!
إذا كانت لدينا مثل هذه التشريعات فلماذا إذاً كلّ هذا العبث بتلك الشّواهد؟! ولماذا لا يهتم أحد بمدى تطبيقها؟! وإذا لم تكن لدينا أيّة تشريعات في هذا المجال فالسؤال هو: ألم يحن الوقت لسنّها وتشريعها؟! وهل هناك عضو شورى، أو مجلس بلدي، أو جمعيّة، أو صحفي، أو مثقّف واحد اهتم بشيء كهذا، أم أنّنا جميعاً نشترك في هذه اللامبالاة الغريبة في وقت تحرص فيه كثير من الدول والجمعيّات المهتمّة بالتاريخ والآثار على الاهتمام بهذا الأمر، على اعتبار قيمته الحضاريّة والعلميّة والاقتصاديّة، ويمكن بضغطة زر أن نستعرض العشرات من هذه التشريعات التي تهدف إلى الحفاظ على هذا التاريخ، والاستفادة الكاملة منه.

ومع أنّنا من أكثر الناس الذين نسافر في مهمّات رسميّة لسبب أو بدونه، ومع أنّه لا يكاد يمرّ شهر أو اثنين دون قيامنا بتنظيم ملتقيات فكريّة خارجيّة هنا وهناك، ومع أنّ معظمنا يقوم بالتقاط الصّور المختلفة له وهو يحتسي الشّاي في هذا المقهى الأثري، أو يشرب قهوة المساء في ذلك المطعم الذي تجاوز عمره مئات السنين، أو يبيت ليلته في ذلك (الخان) القديم، أو يشتري كتبه من تلك المكتبة التراثيّة إلا أنّنا في الوقت ذاته أبعد الناس عن الاستفادة ممّا وصل إليه الآخرين في هذا المجال، ونصرّ إصراراً عجيباً على السّكوت عن طمس وهدم مثل هذه الشّواهد التي يمكن أن تشكّل فارقاّ فكريّاً واقتصاديّاً بالنسبة لنا، وتفتح أبواب رزق للكثيرين، وتعزّز من مجالات التواصل الاجتماعيّ مع الآخرين من خلال البعثات العلميّة والإعلاميّة والسياحيّة المختلفة، وفي الوقت ذاته نحافظ على آثارنا من الضياع.

 من خلال هذه القوانين والتشريعات يمكن لنا أن نحدد نوعية التعامل مع هذه الشّواهد حسب أقدميتها، أو أهميتها التاريخية، أو قيمتها الفنية، أو مدى قابليتها للترميم، فليس كل أثر يصلح لأن يكون معلماً تاريخياً يمكن ترميمه ، وهنا يمكن التفاهم مع أصحاب هذه البيوت أو الورثة لتوضيح أهمية هذه البيوت، ورغبة الدولة في الاستفادة منها، كي تكون مراكز إشعاع ثقافي يمكن أن يضيف الشيء الكثير لتاريخ البلد، مع تقديم التعويض المناسب لأصحابها، كما يمكن لأصحاب البيوت أو حتى المحلات التي لا تشكل أهمية تاريخية كبرى بحسب تصنيفنا لها أن يحتفظوا بها أو يسكنوها، بعد أن يتم ترميمها بالشكل الملائم الذي لا يشوه جمالية تلك البيوت، ولا يقلل من تناسقها، وبالتالي يحفظ تاريخ المدينة والبلد بشكل عام.
(2)
في كلّ صيف أسمع كلاماً كثيراً وشكاوى متعدّدة من قبل عدد من الأصدقاء الذين لم تسمح لهم ظروفهم بقضاء بضعة أيّام جميلة خارج البلد، أو الذهاب إلى صلالة، فاتجهوا إلى الأشخرة كبديل سياحي ربّما لقربها المكانيّ، وربّما لعدم ارتفاع تكلفة الذّهاب إليها، ولما يسمعوه عن جوّها الجميل وانخفاض درجات الحرارة، ثم يتفاجئون بضعف الخدمات السياحيّة من قلّة أماكن الإيواء، وعدم توافر دورات المياة، أو المطاعم المناسبة، أو الاستراحات التي يمكن أن يقضوا بها سويعات قليلة قبل عودتهم، فيتركونها عائدين إلى ولاياتهم وقراهم متحسّرين على ذلك الجو الاستثنائي الذي لم يتم تهيئة الظروف المناسبة للاستفادة منه، ولكي يكون بديلا اقتصاديّاً رخيصاً مقارنة بتكلفة السّفر ومخاطره إلى أماكن أخرى في داخل وخارج السلطنة.

وهنا أطرح رأيي وتصوّري الذي طرحته من قبل عشرات المرّات دون أن يلتفت إليه أحد سوى بإبداء التذمّر من النّقد دون تجاوز هذا التذمّر إلى ابتكار حلول أكثر نجاعة وفائدة، فبرأيي أن أفضل حلّ لهذه الإشكاليّة هو وجود جهاز إداري أو بلدي مستقل خاص بالنيابة، وفصلها عن بلدية جعلان بني بوعلي، وذلك لتواضع الإمكانات، وضعف الرغبة في التجديد والتطوير، ففي ظلّ الإمكانات المتواضعة لقطاع البلديّات الاقليميّة، وفي ظلّ البروقراطيّة السّائدة، وفي ظلّ عدم تفعيل صلاحيات المجالس البلديّة وكذلك عدم الاختيار المناسب لبعض الأعضاء فإن حركة السياحة في الأشخرة وغيرها من الأماكن السياحيّة الجميلة في السلطنة لن تحرّك ساكناً، وستظلّ على حالها كما هي الآن، فلماذا لا نجرّب أن نأخذ الأشخرة كنموذج تجريبي من خلال ايجاد جهاز اداري مستقل ماليّاً وإداريّاً يتبع مكتب وزير البلديّات مباشرة، وتخصص له ميزانيّة سنويّة تغطّي مشاريع البنية التحتيّة المطلوبة، ويمكن ادخال المستثمر الداخلي أو الخارجي كشريك في عمليّة التنمية من خلال تخصيص أراضي للاستثمار وفق شروط معيّنة، ويمكن بعد ذلك تقييم التجربة، ودراسة مدى امكانيّة تطبيقها في أماكن أخرى بشرط توافر كافّة الظروف المناسبة لنجاح التجربة. 

لو بيدي الأمر لقمت بتطوير مصنع السفن الحالي، وتجميل الواجهة العمرانية ابتداء من ميناء الصيد الجديد، وحتى ساحل الاستراحات، وإنشاء كورنيش عصري، واستزراع بعض أشجار المناطق الموسمية كالنارجيل النارجيل و(الفافاي) التي يتناسب جو النيابة مع نموها على امتداد الكورنيش، مع تخصيص مكان لوجود أسواق حرفية وشعبية تنهض بالسياحة، وتربط الحاضر بالماضي، وتوجد مصادر دخل لعدد من الحرفيين،إضافة لإحياء كثير من الفنون العمانية المغناة التي تشتهر بها النيابة كرافد مهم من روافد الحركة السياحية والثقافية.
تحقيق أمر كهذا ليس من الأمور المستحيلة وهناك مدن سياحيّة عربيّة وعالميّة كثيرة تطورت بفضل تجارب مقترحات كهذه.

(3)
أكثر من (300) مقال كتبتها خلال مسيرتي المتواضعة في عالم الكتابة تناول معظمها قضايا مجتمعيّة يهم كثير منها المؤسّسات الخدميّة الحكوميّة بالسلطنة كالتعليم، والصّحّة، والاسكان، والقوى العاملة، والزراعة والثروة السمكيّة، والتّجارة وغيرها.

وعلى الرغم من كل تلك المقالات التي حرصت على أن تحمل نقداً وحلولاً في الوقت ذاته إلا أنّي تمنّيت ولو لمرّة واحدة أن يرفع أحدهم هاتفه ليناقشني في قضيّة ما كتبتها تخصّ مؤسّسته، أو حتّى ليصحّح لي معلومة، أو ليضيف لي أخرى، وباستثناء جهتين هما الهيئة العامّة لحماية المستهلك، والمركز الوطني للاحصاء الذي تكّرم رئيسه مشكوراً بدعوتي لحضور اجتماع تم من خلاله عرض ملامح عمل المركز، فإن البقيّة لم يفعلوا مع علمي اليقين بأن دوائر الاعلام في معظم المؤسسات تقوم برفع الاخبار والمقالات التي تهم المؤسسة للمسئولين يوماً بيوم.

لا أدّعي أني كاتب مهم، ولكن ما أكتبه ينشر في صحف يوميّة لها قيمتها الفكريّة، وما نكتبه من نقد يتكرر كل يوم في عديد من الممارسات دون أن يقول لنا أحد إن كان ما نكتبه صحيحاً أم لا، أو أين الصواب، إنّني وغيري من الكتّاب لا نكتب لمجرّد النقد، ولكن لكي يكون هذا الوطن أكثر جمالاً وروعة من خلال تحقيق الشراكة المجتمعيّة، وتعاون المجتمع بكافّة أفراده في التوصّل إلى الحلول المفيدة، والتصدّي للتحدّيات المشتركة، وبدون التواصل بين الطرفين: الكاتب والمؤسّسة فلن تحقق كثير من كتاباتنا الفائدة المرجوّة.


مشاهد وتساؤلات (25)

(1)
وأنا أتصفّح كتاب "ذاكرة عمان" الصّادر عن مؤسّسة عمان للصحافة والنّشر، والذي يوثّق لتاريخ الصّحافة العمانيّة عبر الفترة من 1970-2001 من خلال أربعة مراحل مهمّة، لفت انتباهي عدد من الأسماء الصحفيّة المهمّة التي ساهمت في صنع هذه المسيرة خلال مراحل التأسيس المختلفة أمثال أمين أبو الشّعر، وسليمان القضاة، وأحمد بن سالم آل جمعة،  ومحمّد ناجي عمايره، وحمود بن سالم السيابي، وسعيد بن سالم النعماني، وسعود السالمي، ومسلّم الجعفري أسماء أخرى عديدة لا يتّسع المقال لسردها بعضهم ما زال يعيش بيننا، وبعضهم انتقل إلى رحمة الله.

والسّؤال المهم : أين هذه الأسماء من عمليّات التوثيق والتكريم تجاه ما قدّموه لمسيرة الصحافة العمانيّة؟! وهل نالوا من التّكريم ما يستحقّون تجاه ما قدّموه من جهود؟! وهل يمكن أن نرى مسابقة أو ندوة او قاعة صحفيّة تحمل اسم أحدهم؟

تساؤلي لا يحمل الاستنكار بقدر ما يحمل التّذكير بجهودهم مع ثقتي الكبيرة بحرص الجهات المعنيّة على أمر كهذا، كما أنّه لا يوجّه لمؤسّسة بعينها بل هو أمر يعني المؤسّسات الصحفيّة، وجمعيّة الصحفيّين، وكلّيّات الإعلام، والباحثين كذلك.

(2)
من بين الأسئلة التي لم أجد إجابة شافية أو مقنعة لها حتّى الآن رغم قيامي بطرحه على العديد من المختصّين ممّن يعنيهم الأمر هو نسبة 3% التي يدفعها المواطن كرسوم لبعض الخدمات الإسكانيّة كشراء أرض أو منزل خاصّة إذا كان الهدف من شراء هذه الأرض أو المنزل هو الاستقرار الأسري وليس لغرض الاستثمار!

لا مشكلة لديّ في دفع رسوم إداريّة معقولة مقابل بعض الخدمات التي تقدّمها الجهة المعنيّة بمجال الإسكان والتي لا تشكّل عبئاً كبيراً على كاهل المواطن، ولكن المشكلة تكمن في قيمة الرّسوم العالية التي ترتبط بالحصول على عقار ما مقابل مبلغ كبير، وبالتالي ترتفع قيمة النسبة المقررة عليه، فلنتخيّل أنّ مواطناً ما أراد أن يشتري أرضاً أو منزلاً جاهزاً يأويه وأسرته في مسقط أو إحدى المدن الكبرى في ظلّ ارتفاع مبالغ الإيجارات للشقق والمنازل، ولنفترض أنّ هذا المواطن قام بأخذ قرض بنكيّ لا تقلّ قيمته عن سبعين أو ثمانين أو مائة ألف ريال مقابل الحصول على الأرض أو المنزل الجاهز في ظلّ غلاء المعروض واضطراره للسكن في تلك المدن لظروف مختلفة، فمن أين سيأتي بمبلغ الرّسوم التي سيدفعها للوزارة المعنيّة للحصول على تلك الأرض أو المنزل خاصّة وأنّ القرض الذي سيحصل عليه سيذهب مقابل قيمة الحصول على العقار فقط وليس لأغراض أخرى، فهل سيتحمّل ارهاقاً مادّيّاً آخر لا يقل عن ألفين أو ثلاثة آلاف ريال كي يدفعها مقابل تلك الرسوم؟! ناهيك عن المبالغ الأخرى التي سيدفعها مقابل رسوم الوساطة العقاريّة للمكتب الوسيط، أو لتأثيث المنزل الجديد!!

أوليست الجهة المعنيّة بالاسكان هي جهة حكوميّة ينبغي أن تقدّم التسهيلات التي تجعل المواطن يحصل على منزله بطرق أكثر سهولة ويسراً من خلال برامج كثيرة سبق لنا طرحها عشرات المرات؟ وهل تقدّم هذه الجهة للمواطن خيارات أخرى تجعله يبتعد قدر الإمكان عن اقتراض المبالغ الكبيرة من أجل الحصول على منزل أو قطعة أرض خاصّة عند انتقاله للسكنى في مدينة أخرى لظروف العمل مثلاً؟ بل أوليس بطء بعض الخدمات مثل القروض الميسّرة، أو عدم وجود برامج اسكانيّة مرنة ومحافظ اسكانيّة وطرح وحدات اسكانيّة للتملّك من ضمن الأسباب التي تؤدّي إلى ارتفاع أسعار العقارات لدينا؟! ثم ألا يمكن أن نفترض أن تلك الأرض أو ذلك المنزل الذي يرغب المواطن في شرائه قد تم دفع الرسوم الإسكانيّة المقرّرة عليه مسبقاً إذا ما علمنا أن بعض الأراضي والمنازل قد تنتقل ملكيّتها بين أكثر من مشتري وفي كل مرة يتم دفع الرسوم المتعلّقة بها!!

هل الأمر يتعلّق بتشريعات قديمة آن الأوان لإعادة النظر فيها، أم أننا بحاجة لإعادة النظر في قطاع الإسكان الحكومي بشكل عام بحيث يتحاوز أدواره الحاليّة إلى أدوار أكثر واقعيّة وملائمة لحياة الناس، وبحيث لا ينحصر في تخطيط وتوزيع الأراضي السكنيّة وهي المهمّة التي ينبغي أن تقوم بها المجالس البلديّة في المحافظات!!

(3)
وسط الجدل الدائر حول مجلس الشّورى ووضعه وأدواره المجتمعيّة أحاول استقراء بعض الأمور المتعلّقة به، ونظرة المجتمع إليه فإنّ من بين النّقاط التي تلفت انتباهي هي الخلط الدائم لدى شريحة مجتمعيّة كبيرة بين أدوار مجلس الشّورى وأدوار المجالس البلديّة، وهو خلط يقع فيه كذلك كثير من المترشّحين أنفسهم لهذا المجلس، بحيث تحمل برامجهم الانتخابيّة أعمالاً ومشروعات هي من صميم أعمال المجالس البلديّة.

ما زلت أحلم بمترشّحين ينادون ببرامج انتخابيّة واضحة ومحدّدة يمكن تنفيذها وقياسها بدلاً من البرامج الوهميّة الفضفاضة التي يتم وضعها إما بسبب جهل لأدوار المجلس الحقيقيّة، أو لدغدغة مشاعر الكتل الانتخابيّة للحصول على أصواتهم.

ماذا لو تبنّى أحدهم قضيّة التراث المادّي بالسلطنة من حيث المحافظة عليه والاستفادة منه من خلال مراجعة التشريعات الحاليّة، واقتراح تشريعات جديدة تهدف إلى الحفاظ عليه واستغلاله الاستغلال الأمثل، وماذا لو تبنّى آخر قضيّة التعليم، وركّز برنامج ثالث على الاسكان، ورابع لقضايا الشباب، وخامس للسياحة، وسادس، وهكذا بحيث تكون القضية المتبنّاة من قبلهم هي شغلهم الشاغل طوال مدة الدورة البرلمانيّة!!

للمجلس دورين مهمّين هما التشريع والرّقابة، وبدون مراجعة التشريعات الحاليّة المتعلّقة بالخدمات المقدّمة للمجتمع ومحاولة اقتراح تشريعات أكثر حداثة وملائمة وبالتالي أكثر تسهيلاً لحياة الناس، وبدون القيام بأعمال الرقابة المطلوبة على أداء الحكومة في ظل الصلاحيّات المعطاة لهؤلاء الأعضاء والتي من بينها الحصول على نسخ من التقرير السنوي لجهاز الرقابة، ونسخ من مشاريع الوزارات الخدميّة، فلن يحقق المجلس اهدافه المرجوّة، ولن يشعر النّاس بأهميّة المجلس بالنّسبة لهم.


ولمن يخلط بين مفهومي الدولة والحكومة وبالتالي يعترض على (صراخ) بعض الأعضاء، أو (تجرأهم) على مناقشة بعض الوزراء، وهو طرح بدأ يكثر خلال هذه الأيام أقول له إن مصطلح الدولة أوسع من مصطلح الحكومة، فما الحكومة إلا سلطة ضمن ثلاث سلطات مستقلّة لا (تغوّل) لأحدها على الأخرى: تشريعيّة، وتنفيذيّة، وقضائيّة، فعضو الشورى، والوزير، والقاضي كل منهم يمثّل سلطة مستقلة، وتكامل أدوار هذه السلطات هو من يضمن انسيابيّة الأداء، وإذا كانت هناك من معايير خاطئة يراها البعض عند القيام بانتخاب أعضاء مجلس الشورى المناسبين فالأمر يتم علاجه بمزيد من التوعية والتّثقيف بأهمّيّة الاختيار المجتمعي المناسب لهؤلاء كي يقوموا بالأدوار المأمولة منهم مستقبلاً بعيداً عن متلازمتي المال والقبيلة.