الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

أكل وخبز ..ومزاج


(1)

تخيّل عزيزي القارئ وأنت تجلس على ضفّة عين ماء تحيط بك المروج الخضراء وسط في جوّ خريفيّ غائم شبه ممطر، وقتها قد تفكّر في كوب شاي كي يجعل المزاج أكثر روقاناً وسلطنة، وحبّذا لو كان هذا الشاي من نوع (الكرك) الذي يفضّله كثير من الشّباب عن غيره.

إذاً ما بالك عزيزي القارئ لو كان هذا الشاي الكرك ممزوجاً بنوع معتبر من (التّمباك)، أو (الأفضل)، أو (البيرة)، أو كان الشّاي المستخدم معتّقاً منذ سنوات بعد أن انتهت فترة صلاحيّته، وما بالك إذاً لو أطلنا عمليّة التخيّل فنتوقّع أنّ الماء المستخدم في صنع هذا الشّاي هو ماء مجاري؟!!

تمباك وأفضل وبيرة وشاي فرط منتهي الصّلاحيّة ومياه مجاري لعمل كوب من الشّاي يعدّل مزاج سائح قطع مئات الكيلومترات، ودفع مئات أخرى من الريالات من أجل لحظة صفاء وسكون وسط طبيعة بكر لا تعرف سوى العطاء! أيّ خلطة سحريّة هذه، وأيّ عقل شيطانيّ هذا الذي توصّل إلى فكرة عجيبة كهذه؟!

ما ذكرته سابقاً ليس سيناريو لفيلم رديء، ولا قصّة ركيكة كتبها قاصّ مبتدئ، ولكنّها واقعة حقيقيّة حدثت في خريف هذا العام، والسّيناريو والإخراج وأدوار البطولة فيها كالعادة لمجموعة من العمالة الوافدة، ثم تأتي النّهاية على يد مفتّشي الهيئة العامّة لحماية المستهلك!

(2)

"وبسؤال العامل الوافد عن ظروف تصنيع الخبز أفاد بأنّه دخل السلطنة في وظيفة حلاق ولكنّه لم يمارس مهنة الحلاقة حيث عمل سابقاً في مهنة البناء ثم مارس مهنة صناعة الخبز بدون تصريح منذ ثمانية أشهر بالتعاون مع عمالة أخرى يتواجد بعضها خارج البلاد".

كان هذا جزءاً من خبر نشر قبل يومين يتحدّث عن ضبط حماية المستهلك لعمالة وافدة تصنع الخبز العماني في مكان غير مرخّص باستعمال أدوات قذرة ودون مراعاة اشتراطات الصحة والسلامة .

وتعود تفاصيل الواقعة إلى ورود معلومات عن قيام عمالة وافدة بتصنيع الخبز العماني في مزرعة نائية، وتمّ ضبط هذه العمالة وهي تقوم بعجن الطحين باستخدام أدوات قذرة وصواني صدئه مع تكاثر الحشرات والقوارض في مكان إعداد الخبز، إضافة إلى عدم وجود بيانات إيضاحية على الخبز الذي يتم إنتاجه، ومن ثمّ تسويقه على المستهلكين من خلال منافذ المزرعة.

لا أعلم إن كان هذا الحـــ... (عذراً، أقصد الخبّاز) قد استخدم الرغوة في عجن الدّقيق قبل خبزه، وهل ارتدى (المريلة) قبل قيامه بعمله، وهل عقّم الأدوات الصدئة أولاً قبل بدء العمل أم استخدم أخرى مكيّسة مجلوبة من الصين، وهل أسهمت خبرته كحلاق في تصنيع الخبز بأشكال و(قصّات) مختلفة لإغراء المشترين أم لا!!

(3)

"ضبطت إدارة حماية المستهلك بمحافظة ظفار محلاً تجاريًا يروّج ويبيع التبغ الممضوغ غير المدخن بطريقة غريبة مستغلاً عودة الطلبة إلى المدارس، حيث يقوم العامل الوافد بالمحل بإحداث تجاويف داخل الدفاتر ومن ثم يخبئ بداخلها لفائف التبغ ويقوم ببيعها بعد ذلك حيث تم ضبط أكثر من ٦٠٠ لفافة تبغ ممضوغ كانت في طريقها للتسويق للطلاب والمستهلكين".

أبنائنا الطلاب، فلذة أكبادنا، عماد مستقبلنا، بدلاً من أن يفتحوا دفاترهم كي يكتبوا عليها آمالهم وأحلامهم وتطلّعاتهم نحو مستقبل مشرق، فإنّهم قد يكتبون عليها حروفاً بطعم التّبغ، ويسطّرون رسومات بلون المضغة، ويحلّون معادلات بنكهة التمباك!!

للعلم، فقد سبق لحماية المستهلك أن ضبطت لفائف تبغ ممضوغ يتم تسويقها على شكل شطائر عبر إحلالها بدلا من مكونات الشّطيرة في الخبز وبيعها على تلك الهيئة تجنباً للمسائلة القانونية!!

(4)

" حماية المستهلك تضبط عامل وافد في أحد المراكز التجارية وهو يقوم ببيع وعرض أدوات تنظيف لدورات المياه موضح بملصقها الخارجي على أنها منظف أسنان مضاد للجراثيم".

ترى هل اعتقد مثل هذا العامل وغيره من بني جلدته أنّنا بأفكارنا وألسنتنا أصبحنا سيئين لدرجة أنّه لم تعد تنفع معنا المنظّفات الاعتياديّة؟! أم أنّ الأمر اختلط عليه فاعتقد أنّ أسناننا هي نوع من السّيراميك أو البورسلين مثلا!

(5)

"تمكنت حماية المستهلك من مداهمة محلّ تجاريّ يبيع سلع محظورة وسلع غير مطابقة للمواصفات القياسية، حيث تم ضبط عدد من زجاجات الخمر و(47) زجاجة كلونيا إضافة الى (146) كيس تبغ غير مدخن من نوع أفضل و(100) كيس تمباك مفلتر من نوع (MAHAK)".

خبر كهذا تكرّر كثيراً خلال السّنتين الأخيرتين، فمرّة يتم ضبط أشياء مماثلة في محلّ حلاقة، ومرّة في محلّ خياطة نسائيّة، وثالثة في محلّ مواد بناء لدرجة أنّني أتوقّع في المرّات القادمة أن أرى إعلانات من مثل " اشتر قماشاً واحصل على كحول معتّق"، أو " جرّب متعة الحلاقة معنا مع رشفات البيرة المنعشة"، أو " عدّل مزاجك واشتر لبيت أحلامك"!!

(6)

"تمكنت حماية المستهلك من ضبط عمالة وافدة تقوم باستخدام مقرّ سكنها لصنع عدد من أصناف الطعام دون مراعاة أدنى متطلبات الصحة والسلامة"

حتّى لو أعدّوه فوق سطح المنزل، أو استخدموا قدوراً وأدوات قذرة، وحتّى لو كان الزّيت معاد استخدامه، والأرز مخلوط، والقمح منتهي الصلاحيّة، وكان اللحم قد تم تجميعه من بقايا المسالخ، وكانت البطاطا مجلوبة من المرادم، وكان أغلب هؤلاء هم من الفلاحين والصّيادين القرويّين في بلدانهم ولا يفقهون في أمور الطّبخ سوى ما أفقهه في اللغة الصينيّة، وحتّى لو نشرت حماية المستهلك ألف ضبطيّة مشابهة، فسنظلّ نأكل من عند هؤلاء، وسنظلّ نصنع نفس الازدحام أمام هذه المطاعم والمقاهي دون أدنى مبالاة بماهيّة ونوعيّة وصلاحيّة ما نأكله برغم أنّ كثير منّا قد اشترك في زحام مشابه أمام (كاونتر) الهايبر ماركت كي يشتري راشن البيت الشهري!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.