الثلاثاء، 25 ديسمبر 2012

مشاهد وتساؤلات 9


(1)
(91) حالة وفاة، و(708) عدد الإصابات البشرية ،  في (603) حادث مروري،  خلال شهر سبتمبر فقط  من العام الحالي، حسب إحصائيات شرطة عمان السلطانية.
أرقام مخيفة، وواقع مأساوي، وبرغم كل الجهود المبذولة على كافة المستويات في الدولة، إلا أن الأعداد في تزايد، والمشكلة ما زالت تراوح مكانها.ما الحل؟
(2)
وأخيراً انفض سامر انتخابات المجالس البلدية في دورتها الأولى، بعد أشهر من الحراك الاجتماعي والاقتصادي والفكري المرتبط بها. وعلى الرغم من تشاؤم البعض من جراء سطوة عاملي ( المال + القبيلة ) على نتائج تلك الانتخابات في عدد من الولايات، ومن ضوابط الترشيح التي حرمت هذه المجالس من نخب عديدة من الشباب المثقف المتخصص في المجالات المختلفة، ومن  ضعف التواجد النسائي كون المرأة شريكة الرجل ونصف المجتمع ودورها التطوعي لا يمكن تعويضه أو ملء فراغه، إلا أنني لدي تفاؤل كبير بالتجربة الحالية، وأرى فيها مقدمة لتجارب أكثر نضجاً في الدورات القادمة .
أدرك أن هذا التحول لن يأت بتلك السهولة، بل هو بحاجة لشيء من الحراك الفكري المتواصل، ومراجعة دقيقة للتجربة الحالية، ولبرامج انتخابية مستقبلية  متوافقة مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع، ولأشخاص لديهم رصيد من التأثير والرضا والتقدير في المجتمع. 
(3)
يحلم صديقي بوجود مساحات خضراء وسط الحي السكني الحديث الذي يقطنه، لتكون رئة ومتنفساً لسكان هذا الحي، كما يحلم بتوفير مساحات يتم استغلالها كملاعب رياضية، ومواقف سيارات، خاصة في ظل الحوادث التي نسمعها يومياً بسبب اضطرار بعض الصغار لاتخاذ الشوارع الفرعية مكاناً لممارسة هواياتهم الرياضية  .
 يبرر صديقي حلمه بأن كثير من هذه الأحياء هي عبارة عن مخططات سكنية حكومية، وبالتالي فإنها من المفترض أن تشتمل على كل هذه الأشياء، كما هو الحال في كثير من مدن العالم المختلفة، ونحن بالطبع لسنا أقل منهم تنظيماً.
نسخة مع التحية إلى أعضاء المجالس البلدية.
(4)
نهاية الأسبوع المنصرم قمت بالتوجه لأحد المجمعات التجارية كي أشتري نوعاً معيناً من (البسكويت) طلبته مني ابنتي كي تشارك به في حفلة مدرسية ينظمها فصلها الدراسي.
بينما أنا في طريقي لركن المحاسبة بعد أن  اشتريت النوع المطلوب اقترب مني أحد العاملين بالمجمع ليهمس لي  أنه بإمكاني شراء ضعف الكمية التي اشتريتها بنفس المبلغ الذي سأدفعه مقابل الكمية الحالية، وذلك من خلال عرض ترويجي ينظمه المجمع لعدد من البضائع والسلع الغذائية المختلفة.
عند توجهي للركن المخصص للبضائع الترويجية شدني تهافت عدد من المستهلكين على البضائع المعروضة، وأدهشتني العربات الممتلئة بأنواع مختلفة من هذه البضائع ربما لا يكون البعض بحاجة إليها كلها لولا سعرها المنخفض وكأنه بذلك قد حقق كسباً مالياً معين.
الهاجس الذي بداخلي أشار علي بأن (أغلط) وأنظر لتاريخ انتهاء صلاحية البضاعة، فإذا بي أفاجأ بأنها ستنتهي خلال بضعة أيام قادمة. يعني بالعربي أن من سيشتري مثل هذه البضاعة لن يستطع أن يستهلكها في المدة الاعتيادية لها  إلا إذا قام بتوزيعها على الجيران والأقارب والمحتاجين كون أن تاريخ انتهاء صلاحيتها لم يتبق عليه سوى بضعة أيام قليلة.
كم منا من يستطيع مقاومة إغراء العروض الترويجية التي تقوم بعض المحلات التجارية بتنظيمها، وكم منا من يحكم عقله بالسؤال عن الجدوى الاقتصادية لبيع كمية كبيرة من منتج معين بسعر زهيد، بل وكم منا من يهتم بالاطلاع على نوعية البضاعة المعروضة ومدى جودتها وتاريخ انتهاء صلاحيتها.
(5)
هالني التشويه الواضح الذي طال السوق القديم في مدينة صور، والذي كان لسنوات طويلة شاهداً على تاريخ ملاحي عريق ، فكم قافلة مرت من هنا، وكم مشتر قادته رجلاه للمرور بأزقة هذا السوق، وكم من الأحداث التي اختزنتها ذاكرة شوارعه الضيقة والحارات القريبة منه.
ما يؤلمك عندما تمر في حاراتنا وأسواقنا القديمة الإهمال و التشويه المتعمد الذي تراه، الشوارع مليئة بالعفن والرطوبة، والبيوت نصفها مهدم والآخر مرمم بشكل يشوه المنظر أكثر مما يعيد إليه جماله.
أين تكمن المشكلة؟ ألم يمر أحد من المسئولين بهذه الأسواق  والحارات ؟ وإذا كانوا قد مروا أفلا يعلمون قيمتها التاريخية وما قد تمثله من مخزون تاريخي مهم؟ ولماذا لا يهدأ للبعض بال حتى يزيلها ويقيم محلها مبان قبيحة الشكل لا تتوافق وتاريخ المكان من أجل مكسب مادي لا يتوازى وأهمية هذه الشواهد الحضارية.
 ترى ماذا سنقول للأجيال القادمة عندما سنحكي لهم عن تاريخ هذه الأماكن ؟   أولا يمكن التفكير في مشروع حضاري يحفظ تاريخ تلك الأماكن ويعيد لها رونقها؟
الخبر الذي قرأته مؤخراً عن انتهاء تنفيذ مشروع سوق صحار وفق طرز هندسية تمتزج فيها فنون العمارة العربية والإسلامية وفنون العمارة العمانية، وبأشكال مستوحاة من الأسواق التاريخية، يعطيني بارقة أمل في أن تمتد مظلة التطوير لتشمل باقي الأسواق والحارات والمباني التاريخية. أتمنى ألا يحدث ذلك بعد فوات الأوان، وبشرط أن تتغير منظومة العمل البلدي.
نسخة أخرى إلى أعضاء المجالس البلدية.

 (6)
شعرت بالحزن وأنا أقرأ خبر استبدال سفينة البحرية السلطانية العمانية شباب عمان بعد سنوات طويلة من الخدمة بسفينة شراعية أخرى لتكمل مشوارها التاريخي الطويل، فعلى مدى (35) عاماً شكلت السفينة "شباب عمان"  في وجداني ووجدان الكثير من شباب الوطن ملمحاً وطنياً مهماً، وشعاراً نفتخر به دائما من خلال متابعة أخبارها، ومن خلال شعار السلطنة المطبوع عليها والذي يميزها عن غيرها من بقية السفن.
فالسفينة التي بنيت  في إحدى موانئ اسكتلندا عام 1971، احتلت المرتبة الأولى بين سفن البحرية في المشاركات الخارجية، لكونها أكثر السفن مشاركة ومساهمة في الفعاليات الإقليمية والدولية، كما وتعد إحدى السفن الشراعية الخشبية القليلة كبيرة الحجم التي ما زالت صالحة للملاحة على مستوى العالم.
أبحرت  (شـباب عُـمان) منذ التحاقها بالخدمة عام 1977 إلى 4 قارات مارست خلالها أدواراً دبلوماسية وإعلامية، حاملة إلى دول العالم كافة رسائل أمن وسلام، وقد توجت مشاركاتها بالحصول على جـائزة الصـداقة الدولية أربع مرات: عام 1996 في روسيا، وعام 1997 في اليابان، وعام 2001 في الدنمارك، وعام 2005 في المملكة المتحدة.
أتمنى أن تلحق السفينة بالمتحف العسكري، أو أن يتم وضعها كمعلم تذكاري في أحد الميادين المهمة بالعاصمة، كي تتاح الفرصة لمن يرغب في زيارتها والتعرف على أدوارها المختلفة، وكونها معلماً حضارياً وثقافياً مهماً ساهم على مدى عقود في الترويج لثقافة السلطنة القائمة على السلام والتسامح والإخاء ونبذ العنف والتطرف.

الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

ليس دفاعاً.. ولكن


أطالع بين الفينة والأخرى عدداً من  الآراء والمقالات شديدة التشاؤم التي يبديها بعض من أبناء الوطن تجاه جهود الهيئة العامة لحماية المستهلك، لا تقف عند حدود النقد المباح، بل تتجاوز ذلك لتحكم بالفشل (المطلق) على أعمال موظفي الهيئة وجهودهم، محملة إياهم السبب في ارتفاع الأسعار، متهمة إياهم بأنهم يتقاضون الرواتب العالية مقابل لا شيء، آخذين على الهيئة قيامها بنشر أخبار الضبطيات والأحكام المختلفة على اعتبار أن ذلك جزءاً من عملهم.

ومع تقديري واحترامي لحرية الرأي وأهمية النقد والحوار في حل كثير من مشاكلنا وقضايانا المجتمعية، وأنه السبيل الأمثل لتحقيق كثير من الآمال والطموحات المختلفة التي نسعى إليها، إلا أنني آخذ على (بعض) تلك المقالات سوداويتها (القاتمة)، وعدم دقة كثير من المعلومات المطروحة، وتناقضها في بعض الأحيان، وعدم احتواءها على حلول أو رؤى أو نصائح أو توجيهات يمكن أن ترتقي بعمل الهيئة، وتساهم في تحقيقها للأهداف التي أنشأت من أجلها.

فهل الهيئة التي بدأت بعدد 22 موظفاً، وباشرت عملها الفعلي قبل نحو عام من الآن هي فاشلة بالفعل؟ وهل موظفوها الذين يتقاضون أعلى الرواتب (بحسب هذه المقالات) هم مجرد كمالة عدد لا غير؟ وهل القضايا والضبطيات والأحكام التي تنشر كل يوم هي مجرد (شو) إعلامي الهدف منه استعراض عضلات فارغة لا علاقة لها بالعمل الفعلي الذي يلامس المجتمع؟

لكي نجيب على هذا التساؤلات دعونا نتفق على أن عمل الهيئة يفترض أن  ينقسم إلى ثالوث متكامل بدونه لن تستطيع تحقيق أهدافها، وهذا الثالوث يتكون من جانب تشريعي، وآخر رقابي، وثالث توعوي. فهل الهيئة قامت بما يلزم في كل مجال من هذه المجالات الثلاثة؟

دعونا نبدأ بالجانب التشريعي وهو جانب مهم كون أن كثير من الممارسات التي تحدث بالسوق سببها عدم وجود تشريعات جادة تحد من عمليات الاحتكار، وتلزم التجار بضبط بعض ممارساتهم الخاطئة التي تؤثر سلباً على أوضاع السوق وبالتالي تأثر المستهلك بها.

وحسب علمي فقد عملت الهيئة على تأطير عدد من التشريعات المتعلقة بحماية المستهلك وتشجيع المنافسة ومنع الاحتكار المضر بمصالح المستهلكين، فقد تم الانتهاء من اقتراح تعديلات على قانون حماية المستهلك، وكذلك الانتهاء من إعداد ( قانون المنافسة ومنع الاحتكار)، وإقرارهما من قبل مجلس إدارة الهيئة، وإرسالهما إلى الجهات المعنية لإبداء رأيها فيهما ومراجعتهما تمهيداً لعرضهما على مجلسي الدولة والشورى.

كما بلغ عدد الأحكام القضائية خلال الستة أشهر الأولى من العام الجاري (142) حكماً قضائياً موزعة على مختلف محافظات السلطنة، كما حصلت الهيئة على عدد (21) أمر جزائي، واستردت غرامات مالية لصالح المستهلكين وصلت أكثر من  (42) ألف ريال عماني.

كما قامت الهيئة بإصدار (12) قراراً لصالح المستهلك تمثلت في حظر رفع أسعار عدد من السلع والخدمات، وحظر توريد أو استخدام عدد من المنتجات والمواد المضرة بالصحة.
كما إن قرار المدعي العام إنشاء دائرة خاصة بقضايا حماية المستهلك في الادعاء العام لهو دليل واضح على مدى الدور المهم الذي تقوم به الهيئة، وبلا شك سيعمل على توفير الحماية المتكاملة للمستهلكين.

نأتي إلى الجانب الثاني وهو الجانب الرقابي، فقد تم ضبط حوالي (17) ألف اسطوانة مقلدة وبرنامج مخالف لحقوق الحماية الفكرية، وجهاز حاسب آلي ، وضبط (64784) مخالفة خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام في محافظة مسقط لوحدها ناهيك عن المحافظات الأخرى.
وفي مجال الشكاوى بلغ عدد الشكاوى والبلاغات التي تلقتها الهيئة خلال النصف الأول من العام الجاري (12697) بلاغاً وشكوى، ولهذا الرقم دلالة مهمة تعكس مدى الثقة الكبيرة التي يوليها قطاع عريض من المجتمع لدور الهيئة برغم حداثة إنشائها.

وإذا أتينا إلى المجال الثالث المهم وهو الجانب التوعوي سنجد أن الهيئة قد قامت بنشر ما يقارب من (15) ألف مطوية توعوية في مختلف المجالات التي تهم المستهلك، كما تقوم من خلال الصحف المحلية اليومية بإصدار صفحة أسبوعية خاصة تعرض المناشط والفعاليات وبرامج التوعية التي تقوم بها، وأهم القرارات التي تتعلق بالمستهلك، وملحق شهري بعنوان (أين تتسوق)، كما يتم إصدار دورية ربع سنوية تحمل مسمى (المستهلك) تحتوي على العديد من الموضوعات والأنشطة والبرامج والفعاليات والضبطيات والأحكام التي تتعلق بالهيئة، إضافة إلى وسائل التواصل الإلكتروني كموقع الهيئة الرسمي، وصفحة الهيئة في مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك، تويتر)، ونافذة الهيئة في موقع (سبلة عمان)اللاتي يعتبرن من أبرز قنوات التواصل بين الهيئة والمستهلكين، وتمكن المستهلك من التعرف على آخر جهود الهيئة، وكذلك إبداء رأيه أو مقترحاته حول هذه الجهود وآلية تطويرها.

وفي مجال نظم المعلومات فقد تم تطبيق نظام معرفة الأسعار ومتابعة الأخبار وإرسال الشكاوي والبلاغات عن طريق الجهاز الكفي، كما سيتم تطبيق نظام من خلال الهواتف الذكية يتيح للمستهلك متابعة الأخبار والقرارات وإرسال الشكاوى والبلاغات وعرض لأسعار أكثر من 1000 سلعة مختلفة ومقارنة مستويات أسعارها .

كل هذه الجهود تأتي في ظل تحديات كبيرة تواجه الهيئة يكمن بعضها في ضعف الموازنات المعتمدة للبرامج التوعوية، وحاجة قانون حماية المستهلك إلى المزيد من القوة ووجود العقوبات الرادعة لكل المتلاعبين، وقلة عدد الكوادر الميدانية حيث أن عدد الأخصائيين والمفتشين لا يتناسب مع العدد الكبير جداً من المحلات التجارية والتي يبلغ عددها مئات الآلاف على مساحات ممتدة في كل أرجاء الوطن، إضافة إلى تحديات تتعلق بالمستهلك نفسه ومدى امتلاكه للوعي الاستهلاكي المناسب، كعدم اقتناعه باستخدام البديل الآخر من السلع في حالة ارتفاع سعر السلعة التي تعود شرائها سابقاً، والتهافت الكبير على الأسواق في المناسبات المختلفة ونهاية كل شهر مع عدم وضع أولويات شراء محددة، والانسياق وراء الإعلانات المضللة تحت دعوى توفير بعض المبالغ، والتساهل في حقوقه الأساسية كحق أخذ الفاتورة أو طلب شهادة الضمان على بعض السلع، واللجوء لشراء السلع الرديئة أو المقلدة أو المعاد بيعها بدعوى رخص سعرها.

إن حماية المستهلك هي عمل مجتمعي متكامل، تسهم تشريعات نوابنا، وبرامجنا الإعلامية، ومناهجنا وأنشطتنا التربوية، وكتابات مثقفينا، وفعاليات جمعياتنا المحلية، وخطباء مساجدنا في تحقيقه، وإذا اعتقدنا أن الهيئة( لوحدها) هي المنوطة بهذا العمل فلن نحقق ما نصبو إليه في ظل ثقافة استهلاكية سلبية وتحديات اقتصادية عالمية ومحلية مختلفة.

أختم مقالي باستعراض بعض الشهادات التي ذكرها عدد من مسئولي حماية المستهلك بدول مجلس التعاون في ختام أول اجتماع للجنة حماية المستهلك في دول مجلس التعاون الخليجي: "هي بالفعل تجربة زاخرة... ولا أستطيع سوى الإشادة والإفادة منها". "نحن مبهورون من الجهود الضخمة والبناءة التي ضختها الهيئة العامة لحماية المستهلك في فترة وجيزة منذ افتتاحها ونحن بلا شك استفدنا كثيرا من التجربة العمانية ونحاول الأخذ ببعض الأفكار"." إن النموذج الذي قدمته الهيئة العامة لحماية المستهلك لجيرانها هو نموذج يحتذى ويستحق التكرار في باقي دول مجلس التعاون الخليجي وبالمنطقة"" .

الثلاثاء، 11 ديسمبر 2012

مشاهد وتساؤلات 8


(1)
انقطعت المياه عن عدد من أحياء العاصمة مسقط لمدة 3 أيام، فارتبكت حركة الحياة فيها، وعاش سكانها في (حيص بيص) لا يدرون شيئاً عما سيحدث في قادم الأيام، ولا يعلمون تحديداً متى ستعود (المياه إلى مجاريها).
مشهد كهذا تكرر أكثر من مرة في الآونة الأخيرة، فقد حدث قبل سنتين من الآن أن انقطعت الكهرباء عن ولايات جعلان الثلاث لمدة يومين مما اضطر بعض سكانها إلى استئجار نزل فندقية في بعض الولايات المجاورة، ويحدث أحيناً أن تتوقف حركة السير في بعض الطرق لساعات بسبب جنوح شاحنة معينة وقيامها بسد الشارع، وغيرها من المواقف المشابهة.
أن تنقطع خدمة مهمة كالماء أو الكهرباء لمدة يوم أو أكثر فهذه ظاهرة ينبغي التوقف معها بحزم وشفافية، وعلى الجهات المسئولة أن تتحمل المسئولية الكاملة  مهما كانت المبررات، وعلينا ألا نكرر نفس الخطأ الأبدي وهو أن ننتظر وقوع المشكلة ثم نبدأ في البحث عن حلول وقتية لها.
تحدث مثل هذه المواقف في الأيام العادية، فماذا نحن فاعلون أوقات الأزمات الطارئة لا قدر الله؟ يبدو أننا بحاجة إلى إعادة النظر في ثقافة (إدارة الأزمة).

 (2)
حوالي أربعين هدفاً وضعها أحد المترشحين لعضوية المجلس البلدي في برنامجه الانتخابي الذي قام بتوزيعه في الفترة الأخيرة.
بغض النظر عن عمومية معظم هذه الأهداف وعدم قبولها للتطبيق أو القياس أو التقييم، وبغض النظر عن أنها لم تتطرق إلى الجوانب الثقافية والفكرية والاجتماعية التي تعاني من قصور واضح في الاهتمام بها تفعيلها، إلا أن ما أتمناه من المترشحين لعضوية هذه المجالس أن يركزوا على أهداف محددة بعينها تتناسب مع إمكاناتهم وخبراتهم الفكرية والعملية والمجتمعية، وتكون قابلة للتطبيق، فلو تبنى كل مترشح فائز فكرة أو اثنتان كل سنة وسعى لتحقيقها، فهذا أفضل من وضع عشرات الأهداف لمجرد الرغبة في استثارة عواطف الناخبين، ودفعهم إلى ترشيحه مع علمه باستحالة تحقيق تلك كل الأهداف.

 (3)
انطلقت بالأمس فعاليات المؤتمر الدولي " الدور العماني في الشرق الأفريقي" والذي تنظمه جامعة السلطان قابوس ممثلة بمركز الدراسات العمانية وبالتعاون مع هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية.
المؤتمر يهدف إلى تسليط الضوء على الحضور العماني في الشرق الأفريقي، وجهود العمانيين في صنع حضارته، بينما تناقش محاوره قضايا عدة كالهجرات العمانية إلى شرق أفريقيا، ودور العمانيين في طرد المستعمر البرتغالي من هناك، ودورهم كذلك في تأسيس الإمبراطورية العمانية، وجهودهم في نشر الإسلام واللغة، ودراسة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للعمانيين في شرق أفريقيا، والجوانب الأدبية واللغوية المتعلقة بهذا التواصل، وغيرها من القضايا الأخرى ذات العلاقة.

مؤتمر كهذا يجب أن ينال الاهتمام الإعلامي الكافي، وأن يسلط الضوء على فعالياته وبرامجه بشكل يجعل أكبر شريحة من المجتمع تتفاعل مع أهدافه ونتائج أوراق عمله، في ظل الحديث عن تقصيرنا في حق جوانب كثيرة من تاريخنا الحضاري الضارب في الأعماق، وفي ظل جهل من قبل شرائح طلابية وشبابية بمدى الدور الكبير الذي لعبه أجدادهم في نشر الحضارة العربية الإسلامية بمختلف تجلياتها الفكرية والاجتماعية والاقتصادية في أنحاء مختلفة من الشرق الأفريقي والآسيوي.

(4)
يوم الأحد الماضي احتفل العالم بـ"اليوم العالمي لحقوق الإنسان" الذي يصادف العاشر من ديسمبر من كل عام، واحتفلت السلطنة به من خلال تخصيص صفحات صحفية تضمنت حوارات مع أعضاء اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، تحدثوا من خلالها عن أهمية اليوم، وعن حقوق الإنسان، والحريات التي كفلها القانون، وكرامة الفرد، وغيرها من الجمل والعبارات التي تصب في ذات الجانب.

لا أخفي عليكم أنني شخصياً حتى الآن لا أعلم بالضبط الدور الذي تقوم به اللجنة، ولا ماهية التعريف بحقوق الإنسان، فهل المقصود بعمل اللجنة هو متابعة أحوال المسجونين على ذمم قضايا جنائية سياسية أو حرية رأي مثلاً فقط، أم تتعداها لتشمل أعمالاً مجتمعية مختلفة تتناول حق الأفراد العاديين في الحصول على فرصة التعليم أو العمل أو المأوى المناسب وغيرها من الحقوق؟ وهل هناك إلمام واهتمام مجتمعي حقيقي بدور هذه اللجنة، وهل قامت اللجنة بالتعريف الكافي عن أدوارها وأعمالها المنوطة بها بشكل يجعل المجتمع يشعر بها ويلجأ إليها في كثير من القضايا التي تواجهه.
مجرد أسئلة خطرت على بالي، وقد تخطر على بال البعض كذلك.
  
 (5)
إنشاء (صندوق الزواج )هو من المطالب الاجتماعية المهمة التي كثر الحديث حولها في الفترة الأخيرة، خاصة بعد دخول كثير من المظاهر الاجتماعية السلبية المتعلقة بالزواج، من بينها الارتفاع غير المبرر في المهور، وإصرار البعض على تنظيم حفل الزواج في أرقى القاعات، وتجهيز (بوفيهات) الطعام التي لا تتناسب والمائدة العمانية المتعارف عليها في مثل هذه المناسبات، وشهر العسل ، و(الشنطة) التي لا تقل قيمتها عن (1000) ريال، وغيرها من المظاهر المستوردة، في ظل الحديث عن غلاء المعيشة، وارتفاع تكلفة البناء، وقيمة الإيجارات العقارية، مما جعل بعض الشباب يعزف – ولو مؤقتاً – عن الزواج.

 يمكن تفعيل هذا الصندوق  بشكل جيد على مستوى كل ولاية أو محافظة، من خلال وجود لجنة محلية تشرف على تفعيله، أو أن تتبناه المجالس البلدية القادمة، مع وجود مشاركة مجتمعية في تمويله، من خلال بعض رجال الأعمال، ومؤسسات القطاع الخاص، ومن خلال إشراف عام من قبل وزارة التنمية الاجتماعية، مع وضع الأسس والمعايير التي تنظم عمله،ومراعاة الالتزام بالعادات العمانية الأصيلة في المظاهر المتعلقة بالزواج.

 سيساهم هذا الصندوق في تشجيع الشباب على الانخراط في الزواج، وزيادة الوعي الأسري بقواعد تكوين الأسرة السليمة، والعمل على تحقيق الاستقرار الأسري في المجتمع.



(6)

كان لي شرف المشاركة في مهرجان الشعر العماني الثامن الذي تختتم فعالياته صباح اليوم في ولاية صحار، وذلك بتقديم ورقة عمل عبارة عن إضاءة فكرية حول سيرة الشاعر الراحل سعيد بن عبد الله الفارسي (ولد وزير).

ماقام به المسئولون عن تنظيم المهرجان ابتداء من سعادة الوكيل حمد بن هلال المعمري، ومدير المهرجان المهندس عاصم السعيدي ، وأعضاء لجان المهرجان المختلفة، كان مذهلاً ورائعاً بحق. قمة في التعامل، ورقي في التواصل، ونكران ذات عجيبة في سبيل إنجاح هذه الفعالية المهمة التي تنظم كل سنتين، وتشتمل على عديد من الفعاليات الفكرية والأدبية التي تضيف الكثير إلى المشهد الثقافي في السلطنة، وتحتفي بأسماء مهمة أسهمت في هذا المجال، وتفتح نقاشات فكرية لقضايا أدبية مهمة.

المهرجان نجح قبل أن يبدأ، وسيستمر نجاحه المستقبلي في ظل حرص القائمين عليه على تطويره والارتقاء ببرامجه وفعالياته.
شكراً لكم أيها الرائعون.  

د. محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

من وحي انتخابات المجالس البلدية


(1)
أيام قليلة وسينطلق عرس ديمقراطي جديد يتمثل في انتخابات المجالس البلدية لأول مرة على مستوى السلطنة، وهي تجربة جديدة ومهمة، ونقلة سياسية واجتماعية أخرى من النقلات التي شهدها المجتمع في الآونة الأخيرة، والتي سيترتب عليها العديد من الإيجابيات المجتمعية المتنوعة سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، كما أنها يمكن أن تسهم في إيجاد شراكة حقيقية بين المجتمع والحكومة، وذلك من خلال اشتراك الطرفين في تخطيط وتنفيذ المشاريع المختلفة، إضافة لدورها في ترسيخ المسئولية الاجتماعية للأفراد، وذلك من خلال إحساسهم بأنهم سيتمكنون من المشاركة الفعلية في بناء مجتمعهم المحلي.
ما سأذكره في الفقرات اللاحقة من ملاحظات لا يقلل من أهمية هذه التجربة، بقدر ما يهدف إلى الرغبة في تطويرها والارتقاء بها، بحيث تؤدي دورها الإيجابي التي أوجدت من أجله

(2)
وبما أننا نعقد كثيراً من الآمال على هذه المجالس البلدية المرتقبة في ترسيخ المسئولية الاجتماعية للمجتمع، وإضفاء حراك حقيقي في مجال العمل البلدي والذي يشهد انتقادات عديدة لا يسع المجال هنا لاستعراضها، لذا أتمنى من القائمين على أمر هذه المجالس أهمية الدراسة الدقيقة المتأنية للتجربة الأولى من دورة هذه المجالس، والاستماع لكافة الملاحظات المتعلقة بهذه التجربة، بأمل تطويرها في الدورات القادمة بحيث تحقق التغيير المجتمعي المنشود، وتقوم بدورها الحقيقي كشريك للحكومة في تنفيذ المشاريع المجتمعية المختلفة.


(3)
وبرأيي الشخصي فإن وجود مجلس بلدي في كل ولاية وليس المحافظة بأسرها، به ممثلون لقرى وأحياء تلك الولاية، يتم انتخابهم من أبناء هذه القرى والأحياء ، وتعيين البعض من ذوي الخبرة والاهتمام، يتوزعون على لجان مختلفة تشمل كثيراً من المناحي المجتمعية كاللجان الاجتماعية، والثقافية، والتربوية، والمالية، والبيئية، والتخطيط وغيرها، من شأنه أن يلقي حجراً كبيراً في بحيرة العمل البلدي الراكدة، ويساهم في تغيير كثير من المفاهيم المجتمعية المغلوطة أو المغيبة تجاه نوعية وآلية العمل البلدي، وبالتالي يحمل معه عملاً مجتمعياً يختلف عن سابقه، ويسهم في شمولية التنمية لكافة أرجاء تلك الولاية.
أتمنى أن تحمل الدورات اللاحقة مثل هذا التوجه خاصة في ظل غياب كثير من العقول والكوادر المؤهلة عن الترشح لعضوية هذه المجالس بسبب ارتباطهم الوظيفي، وبسبب ما تعانيه بعض الأحياء والقرى من تدني مستوى بعض الخدمات بسبب عدم وجود ممثل لها يسهم في إيصال صوتها، ويضعها على خارطة الخدمات البلدية المختلفة.

(4)
ترى هل هناك فرق بين الترشح لعضوية مجلس الشوري، والترشح لعضوية المجالس البلدية، وهل هناك بالفعل شيء من الجهل وعدم التفريق بين أدوار هذه المجالس وعملها لدى البعض من المترشحين والناخبين، أم أن العملية لا تعدو كونها هي ذاتها مع بعض الاختلافات البسيطة.
أقول هذا الكلام بسبب البرامج المتشابهة بطريقة (الكوبي بيست) التي قرأتها سابقا ًفي ذروة الاستعداد لانتخابات مجلس الشورى، والتي أعيد قراءتها حالياً مع تغيير طفيف يكاد يشمل اسم المترشح، ورقمه الانتخابي، وهاتفه، وعنوان الفعالية.

(5)
على مسافة أمتار من منطقة تجمع مياه الأمطار في أحد شوارع المدينة جلس أحد المترشحين لعضوية المجلس البلدي في المقهى القريب من المكان يتحدث بكل زهو عن مشروعه الانتخابي.
المترشح أسهب كثيراً خلال تلك الجلسة في الحديث عن خطط وبرامج سوف يكتسح بها بقية المترشحين، ليس أقلها المطالبة بإنشاء بمجمع تجاري ضخم أسوة بمجمعات العاصمة، وكالعادة تجميل الشوارع وإنشاء الحدائق والمتنزهات والاهتمام بالصيادين والمزارعين، وبقية طقم العبارات الذي نسمعه كلما اقترب موعد إجراء انتخابات برلمانية.
الغريب أن البرنامج المتخم بكثير من التفاصيل والأحلام لم يأت من قريب أو بعيد على سيرة المياه المتجمعة في الشارع القريب كظاهرة قبيحة تتكون بعد كل رشة مطر تهطل على المدينة، والتي لا يحتاج لإزالتها سوى دراسة وضع شوارع المدينة، وتحديد مناطق تجمع هذه المياه، والتعامل معها خلال فترة زمنية وجيزة وفق خطة واضحة المعالم .
التغيير الحقيقي يأتي من خلال معالجة السلبيات البسيطة قبل التفكير في الأحلام الكبيرة.

 (6)
من خلال تصفحي لبعض البرامج الانتخابية التي وقعت في يدي حاولت البحث عن بعض الخدمات والأدوار التي توقعت أنها مهمة وملحة، والتي تمنيت (ومازلت) أن تلقى بعضاً من الاهتمام الحقيقي الجاد من قبل كل من يعتقد أنه يرغب في خدمة المجتمع، ولعل من بين هذه الخدمات على سبيل المثال لا الحصر: إنشاء ملاعب رياضية في كل حارة سكنية بدلاً من لجوء بعض الفتيان إلى مواقف السيارات وأرصفة الشوارع، اقتراح خطط للاهتمام بالموروثات والشواهد التاريخية والثقافية للمدينة كالفنون المغناة، والحرف المختلفة، والمعالم الأثرية، والاستفادة من البيوت الأثرية القديمة بتحويلها إلى مزارات أو مؤسسات ثقافية وسياحية مختلفة، واقتراح وتنفيذ بعض الحلول العملية التي يمكن من خلالها أن تكون المدينة أكثر نظافة وأقل تلوثاً، وتحويل بعض الأماكن البيئية إلى متنزهات طبيعية أو أماكن تخييم، وتوحيد نمط العمران بما يضيف بعداً جمالياً للحي السكني، ومن ثم المدينة بشكل عام، والاهتمام بالجوانب الثقافية المتمثل في إنشاء المكتبات العامة، وإقامة المهرجانات الثقافية، ومعارض الكتاب، والندوات الفكرية المتنوعة، والاهتمام بالمشاريع الاجتماعية التطوعية التي تعزز الانتماء والولاء لدى فئات المجتمع المختلفة.
كل هذه الأفكار التي يعتقد البعض أنها ترهات أحلام يمكن أن تتحقق بكثير من الطرق المختلفة، والتي قد لا يكلف بعضها الشيء الكثير في وجود القطاع الخاص ومساهماته المجتمعية. تحقيقها في حاجة فقط لفكر منظم، وتخطيط دقيق، وإرادة قوية لا تعرف الكلل.

(7)
كانت مبادرة رائعة ، تلك التي قام بها فريق (أيادي الخير) بولاية جعلان بني بو علي، في سبيل توعية سكان الولاية بأهمية المشاركة في انتخابات المجالس البلدية، مع الحرص على اختيار المرشح الأكفأ بغض النظر عن وضعه القبلي أو المادي.
تتلخص فكرة المبادرة في عمل مناظرات بين كل أربعة مترشحين على حدة في كل مرة، بحيث يقوم من يدير الحوار بطرح عدة محاور تتعلق بالعمل البلدي وطرحها على المترشحين، بحيث يجيب كل واحد منهم على الأسئلة المتعلقة بخططه في هذا المحور في ظرف وقت محدد، قبل الانتقال إلى المحور الآخر وهكذا، ثم تتاح الفرصة للحضور بطرح أسئلتهم واستفساراتهم على المترشحين.
أهمية المبادرة تكمن في أنها تسعى إلى ترسيخ فكرة المناظرات العلنية كأسلوب حديث من أساليب الحوار والتواصل بين أفراد المجتمع، كما أنها تساهم في كشف  الإمكانات الفكرية والعملية الحقيقية لدى كل مترشح، وبالتالي يمكن للحضور المفاضلة والاختيار بين هؤلاء المترشحين من خلال قدرتهم على التسويق والطرح الجيد لبرامجهم الانتخابية.

(8)
وبما أن الكل قد كتب على لوحته الدعائية أن هدفه خدمة المجتمع، وأنه جزء من الآخرين، وأن فكره وامكاناته ملك لهم ، لذا أهمس لهم بأن خدمة المجتمع لا ترتبط بزمان أو مكان محدد، وأن فشل بعضكم لا يعني تخليه عن هذا الدور المهم وانتظار الدورات اللاحقة للبحث عن عبارات أكثر (دغدغة) للمشاعر، وأدق ملامسة للعواطف. المجتمع بحاجة إليكم في كل حين فكونوا قريبين منه، ولا تبخلوا عليه بأفكاركم النيرة، ومشاعرك الجياشة وخططكم المهمة التي أتت في برامجكم الانتخابية.