الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

من وحي انتخابات المجالس البلدية


(1)
أيام قليلة وسينطلق عرس ديمقراطي جديد يتمثل في انتخابات المجالس البلدية لأول مرة على مستوى السلطنة، وهي تجربة جديدة ومهمة، ونقلة سياسية واجتماعية أخرى من النقلات التي شهدها المجتمع في الآونة الأخيرة، والتي سيترتب عليها العديد من الإيجابيات المجتمعية المتنوعة سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، كما أنها يمكن أن تسهم في إيجاد شراكة حقيقية بين المجتمع والحكومة، وذلك من خلال اشتراك الطرفين في تخطيط وتنفيذ المشاريع المختلفة، إضافة لدورها في ترسيخ المسئولية الاجتماعية للأفراد، وذلك من خلال إحساسهم بأنهم سيتمكنون من المشاركة الفعلية في بناء مجتمعهم المحلي.
ما سأذكره في الفقرات اللاحقة من ملاحظات لا يقلل من أهمية هذه التجربة، بقدر ما يهدف إلى الرغبة في تطويرها والارتقاء بها، بحيث تؤدي دورها الإيجابي التي أوجدت من أجله

(2)
وبما أننا نعقد كثيراً من الآمال على هذه المجالس البلدية المرتقبة في ترسيخ المسئولية الاجتماعية للمجتمع، وإضفاء حراك حقيقي في مجال العمل البلدي والذي يشهد انتقادات عديدة لا يسع المجال هنا لاستعراضها، لذا أتمنى من القائمين على أمر هذه المجالس أهمية الدراسة الدقيقة المتأنية للتجربة الأولى من دورة هذه المجالس، والاستماع لكافة الملاحظات المتعلقة بهذه التجربة، بأمل تطويرها في الدورات القادمة بحيث تحقق التغيير المجتمعي المنشود، وتقوم بدورها الحقيقي كشريك للحكومة في تنفيذ المشاريع المجتمعية المختلفة.


(3)
وبرأيي الشخصي فإن وجود مجلس بلدي في كل ولاية وليس المحافظة بأسرها، به ممثلون لقرى وأحياء تلك الولاية، يتم انتخابهم من أبناء هذه القرى والأحياء ، وتعيين البعض من ذوي الخبرة والاهتمام، يتوزعون على لجان مختلفة تشمل كثيراً من المناحي المجتمعية كاللجان الاجتماعية، والثقافية، والتربوية، والمالية، والبيئية، والتخطيط وغيرها، من شأنه أن يلقي حجراً كبيراً في بحيرة العمل البلدي الراكدة، ويساهم في تغيير كثير من المفاهيم المجتمعية المغلوطة أو المغيبة تجاه نوعية وآلية العمل البلدي، وبالتالي يحمل معه عملاً مجتمعياً يختلف عن سابقه، ويسهم في شمولية التنمية لكافة أرجاء تلك الولاية.
أتمنى أن تحمل الدورات اللاحقة مثل هذا التوجه خاصة في ظل غياب كثير من العقول والكوادر المؤهلة عن الترشح لعضوية هذه المجالس بسبب ارتباطهم الوظيفي، وبسبب ما تعانيه بعض الأحياء والقرى من تدني مستوى بعض الخدمات بسبب عدم وجود ممثل لها يسهم في إيصال صوتها، ويضعها على خارطة الخدمات البلدية المختلفة.

(4)
ترى هل هناك فرق بين الترشح لعضوية مجلس الشوري، والترشح لعضوية المجالس البلدية، وهل هناك بالفعل شيء من الجهل وعدم التفريق بين أدوار هذه المجالس وعملها لدى البعض من المترشحين والناخبين، أم أن العملية لا تعدو كونها هي ذاتها مع بعض الاختلافات البسيطة.
أقول هذا الكلام بسبب البرامج المتشابهة بطريقة (الكوبي بيست) التي قرأتها سابقا ًفي ذروة الاستعداد لانتخابات مجلس الشورى، والتي أعيد قراءتها حالياً مع تغيير طفيف يكاد يشمل اسم المترشح، ورقمه الانتخابي، وهاتفه، وعنوان الفعالية.

(5)
على مسافة أمتار من منطقة تجمع مياه الأمطار في أحد شوارع المدينة جلس أحد المترشحين لعضوية المجلس البلدي في المقهى القريب من المكان يتحدث بكل زهو عن مشروعه الانتخابي.
المترشح أسهب كثيراً خلال تلك الجلسة في الحديث عن خطط وبرامج سوف يكتسح بها بقية المترشحين، ليس أقلها المطالبة بإنشاء بمجمع تجاري ضخم أسوة بمجمعات العاصمة، وكالعادة تجميل الشوارع وإنشاء الحدائق والمتنزهات والاهتمام بالصيادين والمزارعين، وبقية طقم العبارات الذي نسمعه كلما اقترب موعد إجراء انتخابات برلمانية.
الغريب أن البرنامج المتخم بكثير من التفاصيل والأحلام لم يأت من قريب أو بعيد على سيرة المياه المتجمعة في الشارع القريب كظاهرة قبيحة تتكون بعد كل رشة مطر تهطل على المدينة، والتي لا يحتاج لإزالتها سوى دراسة وضع شوارع المدينة، وتحديد مناطق تجمع هذه المياه، والتعامل معها خلال فترة زمنية وجيزة وفق خطة واضحة المعالم .
التغيير الحقيقي يأتي من خلال معالجة السلبيات البسيطة قبل التفكير في الأحلام الكبيرة.

 (6)
من خلال تصفحي لبعض البرامج الانتخابية التي وقعت في يدي حاولت البحث عن بعض الخدمات والأدوار التي توقعت أنها مهمة وملحة، والتي تمنيت (ومازلت) أن تلقى بعضاً من الاهتمام الحقيقي الجاد من قبل كل من يعتقد أنه يرغب في خدمة المجتمع، ولعل من بين هذه الخدمات على سبيل المثال لا الحصر: إنشاء ملاعب رياضية في كل حارة سكنية بدلاً من لجوء بعض الفتيان إلى مواقف السيارات وأرصفة الشوارع، اقتراح خطط للاهتمام بالموروثات والشواهد التاريخية والثقافية للمدينة كالفنون المغناة، والحرف المختلفة، والمعالم الأثرية، والاستفادة من البيوت الأثرية القديمة بتحويلها إلى مزارات أو مؤسسات ثقافية وسياحية مختلفة، واقتراح وتنفيذ بعض الحلول العملية التي يمكن من خلالها أن تكون المدينة أكثر نظافة وأقل تلوثاً، وتحويل بعض الأماكن البيئية إلى متنزهات طبيعية أو أماكن تخييم، وتوحيد نمط العمران بما يضيف بعداً جمالياً للحي السكني، ومن ثم المدينة بشكل عام، والاهتمام بالجوانب الثقافية المتمثل في إنشاء المكتبات العامة، وإقامة المهرجانات الثقافية، ومعارض الكتاب، والندوات الفكرية المتنوعة، والاهتمام بالمشاريع الاجتماعية التطوعية التي تعزز الانتماء والولاء لدى فئات المجتمع المختلفة.
كل هذه الأفكار التي يعتقد البعض أنها ترهات أحلام يمكن أن تتحقق بكثير من الطرق المختلفة، والتي قد لا يكلف بعضها الشيء الكثير في وجود القطاع الخاص ومساهماته المجتمعية. تحقيقها في حاجة فقط لفكر منظم، وتخطيط دقيق، وإرادة قوية لا تعرف الكلل.

(7)
كانت مبادرة رائعة ، تلك التي قام بها فريق (أيادي الخير) بولاية جعلان بني بو علي، في سبيل توعية سكان الولاية بأهمية المشاركة في انتخابات المجالس البلدية، مع الحرص على اختيار المرشح الأكفأ بغض النظر عن وضعه القبلي أو المادي.
تتلخص فكرة المبادرة في عمل مناظرات بين كل أربعة مترشحين على حدة في كل مرة، بحيث يقوم من يدير الحوار بطرح عدة محاور تتعلق بالعمل البلدي وطرحها على المترشحين، بحيث يجيب كل واحد منهم على الأسئلة المتعلقة بخططه في هذا المحور في ظرف وقت محدد، قبل الانتقال إلى المحور الآخر وهكذا، ثم تتاح الفرصة للحضور بطرح أسئلتهم واستفساراتهم على المترشحين.
أهمية المبادرة تكمن في أنها تسعى إلى ترسيخ فكرة المناظرات العلنية كأسلوب حديث من أساليب الحوار والتواصل بين أفراد المجتمع، كما أنها تساهم في كشف  الإمكانات الفكرية والعملية الحقيقية لدى كل مترشح، وبالتالي يمكن للحضور المفاضلة والاختيار بين هؤلاء المترشحين من خلال قدرتهم على التسويق والطرح الجيد لبرامجهم الانتخابية.

(8)
وبما أن الكل قد كتب على لوحته الدعائية أن هدفه خدمة المجتمع، وأنه جزء من الآخرين، وأن فكره وامكاناته ملك لهم ، لذا أهمس لهم بأن خدمة المجتمع لا ترتبط بزمان أو مكان محدد، وأن فشل بعضكم لا يعني تخليه عن هذا الدور المهم وانتظار الدورات اللاحقة للبحث عن عبارات أكثر (دغدغة) للمشاعر، وأدق ملامسة للعواطف. المجتمع بحاجة إليكم في كل حين فكونوا قريبين منه، ولا تبخلوا عليه بأفكاركم النيرة، ومشاعرك الجياشة وخططكم المهمة التي أتت في برامجكم الانتخابية.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.