الأربعاء، 29 فبراير 2012

مواقف حياتيــة (23)


جريدة عمان - الخميس 1/3/2012
هذه مواقف حياتية نصادفها يومياً.. نعرضها ليس من باب النقد، ولكن من أجل أن تكون الرؤية أكثر جمالاً ووضوحاً.
(1)
  تفضل جلالة السلطان حفظه الله ووجه باعتماد مبلغ 40 أربعين مليون ريال عماني سنوياً  كإضافة، ليصبح المبلغ المخصص لدعم برنامج الإسكان الاجتماعي ثمانين مليون ريال عماني سنوياً في الخطة الخمسية الحالية ، وسوف يبدأ العمل بذلك اعتبارا من هذا العام 2012م.
تأتي هذه التوجيهات تأكيداً لمدى الاهتمام اللا محدود الذي يوليه جلالته حفظه الله بأهمية توفير المسكن المناسب للمواطن،  على اعتبار أن هذه المسألة صارت أحد مؤشرات ميزان التنمية البشرية،وأن توفير المسكن بالإضافة إلى خدمات التعليم والصحة يشكلون ثالوثاً اجتماعياً مهماً لا يجب التفريط في أحدها.
مازلت مصراً على وجود عشرات الحلول لتوفير المسكن المناسب، ليس فقط لأسر الضمان الاجتماعي، ولكن للشباب المقبل على الاستقرار الأسري، وغيرها من الفئات. يتطلب الأمر نية صادقة، واعترافاً بأهمية هذه القضية، وشيئاً من التفكير، وستتوالى كثير من المقترحات الإسكانية القابلة للتطبيق والتي لا مجال لحصرها هنا.
(2)
احتفلت الهيئة العامة للصناعات الحرفية قبل بضعة أيام بإعلان نتائج مسابقة (السلطان قابوس للإجادة الحرفية)، في مجالاتها المختلفة،وشهدت مشاركة عدد كبير من الحرفيين العمانيين من مختلف محافظات السلطنة، والذين سيتم تكريم الفائزين منهم في يوم  (الحرفي العماني) الذي يصادف الثالث من  مارس من كل عام، أي بعد يومين من الآن.
جهود ملموسة تقوم بها الهيئة في مجال الارتقاء بالنشاط الحرفي  كتقديم الدعم المادي لكثير من الحرفيين، وتوفير المواد الخام اللازمة لعدد من الصناعات الحرفية، وتجهيز الأماكن المناسبة لهم لممارسة حرفهم المختلفة، وكذلك تشجيعهم على المشاركة وتسويق منتجاتهم في المحافل الداخلية ولخارجية ، وإنشاء المراكز التدريبية التي يتم من خلال صقل خبرات ومهارات عدد من الشباب من الجنسين وتدريبه على يد خبراء محليين ودوليين، كي يكونوا قادرين بعد ذلك على فتح مشاريعهم الحرفية الخاصة بهم ، ولا نغفل  المتابعة الميدانية التي يقوم بها مسئولو الهيئة للمشاريع الحرفية المختلفة في محافظات السلطنة بمختلف ولاياتها وقراها.
مثل هذه الجهود المهمة، بالإضافة إلى العمل على إيجاد قوانين وتشريعات تحمي الحرف الأصيلة من منافسة  العمالة  الوافدة الرخيصة، والبضائع المقلدة المستوردة من الخارج،وكذلك الترويج والتسويق الجيد للمنتج العماني الحرفي في الأسواق والمعارض المحلية والدولية، وتوفير الأسواق الشعبية التي تجعل الحرفي العماني أكثر استقراراً ، ستنجح بلا شك في إعادة العشرات من الحرفيين المجيدين في المجالات المختلفة، والذين تدهورت أوضاعهم الاقتصادية، وهجر كثير منهم حرفته، وستفتح الباب أمام جيل قادم من الحرفيين سيغيرون من شكل الخارطة الاقتصادية للبلد في المرحلة القادمة بإذن الله.
وقتها لن نحتاج لاختلاق آلاف الوظائف الحكومية، و(حشر) الباحثين عن العمل فيها، مما يتسبب في خلق بطالة مقنعة في كثير من المؤسسات، وتراكم كمي  قد يضيف مزيداً من الروتين والبيروقراطية في ظل الحديث عن حكومة الكترونية.
 (3)
المستحيلات عند العرب قديماً (3)وهن: الغول، والعنقاء، والخل الوفي. وهناك مستحيلات أخرى يمكن أن نضيفها للقائمة لعل من بينها:الانتهاء من تنفيذ  مشروعي مبنى وزارة التربية والتعليم، وشارع وادي عدي – العامرات، وأن يمر يوم دون أن أرى صورة أحد المسئولين الذين في بالي تتصدر وسائل الإعلام المحلية  اليومية.
(4)
كثيراً ما تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة، وعدد من اللوحات الإعلانية المعلقة هنا وهناك  بإعلانات بنكية مستفزة من قبيل " ادخل السحب الكبير وقد تربح ربع مليون ريال"، أو "نصف مليون ريال لصاحب الحظ السعيد"، أو " فائز واحد فقط سيربح المليون"، أو " مع حساب .... ستتمكن من تحقيق كل أحلامك"،وهي إعلانات قد تثير الحنق في نفوس الكثيرين ممن اضطرتهم ظروفهم المختلفة إلى اللجوء لهذه المؤسسات من أجل الاقتراض نتيجة لأسباب كثيرة قد يكون من بينها وجود خلل معين في آلية تقديم بعض الخدمات الاجتماعية الحكومية  بشكل أكثر نجاعة ، وهم يرون الفوائد (المركبة) المترتبة على هذه القروض تذهب في جوائز بهذا الشكل المستفز.
بغض النظر عن مشروعية مثل هذه الجوائز دينياً، ولكن إذا كان هناك إصرار من قبل إدارات هذه المؤسسات على تقديمها،فألا يمكن أبداً أن تكون الجائزة هي إسقاط  نسب معينة من ديون عدد من العملاء، أم أن الجوائز هي لمن يملك الرصيد فقط.
لماذا الانحياز دائماً لمن يملك؟
(5)
أكثر من (20) محل تجميل نسائي رصدتهم عيناي في جولة مسائية لم تستغرق أكثر من نصف ساعة في بعض شوارع إحدى مدننا العمانية، وربما يتضاعف العدد لو أكملت جولتي في بقية الشوارع، وبالمناسبة أنا لا أتحدث عن العاصمة مسقط.
لماذا انتشر مثل هذا النوع من المحلات انتشار النار في الهشيم، وأصبحت من أفضل المشاريع التجارية نجاحاً وتحقيقاً للربح؟ هل هو إدراك البعض  بأهمية أن تكون في أفضل صورة أمام زوجها، وكأن ذلك لا يكون إلا بالتجمل والتأنق،  أم هي كالعادة مسايرة الموضة والتمدن والعصرنة وغيرها من المصطلحات العقيمة التي لا تعني سوى التقليد الأعمى، ومسايرة الركب، والثقافة السلبية، وغياب التربية الصحيحة القائمة على أسس الإسلام، وثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده الراسخة.
لست ضد هذا النوع من المحلات، وليس عيباً أن تستعين المرأة بها في بعض الحالات الضرورية التي تتطلب ذلك، اعتراضي فقط هو على إصرار البعض من نسائنا في الذهاب إليها بمناسبة أحياناً وبدون مناسبة غالباً، وفي أن لا يجد البعض حرجاً في أن ترتادها بعض البنات الفتيات القاصرات أو غير المتزوجات مع ما يشكله ذلك من تأثيرات سلبية كثيرة، وفي المخالفات الشرعية التي قد تغفل عنها بعض النساء من باب "إن الله غفور رحيم". 
سابقاً كنا نتباهى بالقول: ما بين كل مسجد ومسجد يوجد مسجد. يبدو أن هذه المقولة ستتغير في القريب العاجل إلى عبارة أخرى لها علاقة بهذه الفقرة الحالية.
 (6)
مما قاله شاعر المهجر إيليا أبو ماضي:
كن بلسماً إن صار دهرك أرقما
                              وحلاوة إن صار غيرك علقما
إن الحياة حبتك كلَّ كنوزها
                              لا تبخلنَّ على الحياة ببعض ما
أحسنْ وإن لم تجزَ حتى بالثنا
                              أيَّ الجزاء الغيثُ يبغي إن همى ؟
مَنْ ذا يكافئُ زهرةً فواحةً
                              أو من يثيبُ البلبل المترنما ؟
عُدّ الكرامَ المحسنين وقِسْهُمُ
                               بهما تجدْ هذينِ منهم أكرما

د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

الثلاثاء، 28 فبراير 2012

شهادة عليــا.. للبيع


جريدة الرؤية - الأربعاء 29/2/2012
دخل علي غاضباً مزمجراً  لا يكاد يطيق نفسه ، ثم بادرني بدون مقدمات:أريد أن أعرض شهادتي العليا للبيع أو المبادلة بأي شيء مادي يمكن أن أستفيد منه . هل يمكن أن تساعدني كي أحقق هذا الغرض؟

استغربت للطلب، فما أعرفه أن (البعض) يلجأ لشراء الشهادة لا بيعها، فما بال صديقي يفكر في العكس ، وأنا الذي أعلم مدى التفاؤل الذي كان يحمله، والجهد الكبير الذي بذله كي يستكمل حلمه في الدراسة، وكنت قريباً من عوائق كثيرة صادفته في سبيل تحقيق ذلك الحلم، ولكن رغبته العارمة كانت حائط صد قوي لكثير من تلك المعوقات المختلفة.

سألته وأنا أدعوه للجلوس : هون عليك يا صديقي وقل لي ما الموضوع؟ فلربما استطعت مساعدتك.

أجابني بعد أن هدأ قليلاً:أنت تعلم جيداً معاناتنا نحو استكمال الدراسة، ابتداء من طرق كافة الأبواب لمحاولة الحصول على الموافقة بذلك، ثم تحمل التبعات المادية المتعددة المتمثلة في رسوم الدراسة ، وتذاكر السفر، وتكاليف المعيشة المختلفة، وغيرها،  إضافة إلى المعاناة الاجتماعية المتمثلة في البعد عن الأسرة والوطن ، وأثر ذلك على استقرارنا الأسري. برغم ذلك  فقد كانت رغباتنا، وطموحاتنا، وأحلامنا أقوى من كل ذلك.

قلت له: جميل هذا الإصرار والمثابرة، بالتأكيد نسيتم كل ذلك بعد تخرجكم وتحقيق حلمكم.

قال لي: للأسف يا صديقي. شخصياً أدركت متأخراً  أن كثيراً من تلك الأحلام والأمنيات كانت مجرد طيف حلم جميل سرعان ما تلاشت بمجرد انتهاء ذلك  الحلم، وها أنا يا صديقي بعد سنوات من التخرج لا فرق بيني وبين الكرسي الذي أجلس عليه. ربما يكون الكرسي مفيداً لمن سيأتي بعدي، بينما لا أعتقد أن هناك من يهتم بوجودي من عدمه، بل إنني أكاد أجزم أننا خلال فترة دراستنا كنا مجرد أرقام  منسية في كشوفات مؤسساتنا، وربما لم يهتم أحد بشكل جدي بماهية دراستينا، أو تخصصاتنا، أو موعد عودتنا، أو آلية الاستفادة مما درسناه.

          سألته: وهل من المفروض أن  يتم وضعكم في برج عالي، و أن يتم توزيعكم على الوظائف الإدارية العليا لمجرد حصولكم على شهادات عليا؟

رد علي بصوت مرتفع: ومن قال ذلك؟ لا نريد أكثر من أن يتم وضعنا في الوظائف التي تناسب تخصصاتنا، والتي يمكن أن نجد أنفسنا فيها، بحيث نشكل إضافة مهمة للمؤسسة التي نعمل بها، ولو لم تستطع المؤسسة تحقيق هذا المطلب لأسباب مختلفة فعلى الأقل يتم إشراكنا في اللجان والفعاليات المتعلقة بتلك الوظائف القريبة من تخصصاتنا، كي نشعر بوجودنا وإسهامنا الإيجابي، وفي نفس الوقت نكون أكثر صلة بما قمنا بدراسته.

قلت له وأنا أغمزه بابتسامه : ولكن بالتأكيد تمت تسوية أوضاعكم المادية، وحصلتم على تعديل وضع يتناسب وأهمية الشهادة التي حصلتم عليها.
رد علي وهو يتنهد: ليت  ذلك قد حدث بالفعل، كنا سنشعر أن تلك المعاناة أتت بفائدة، على الأقل  سنستفيد من هذا التعديل في سداد الديون المتراكمة بسبب رسوم الدراسة والمعيشة .للأسف يا صديقي فقد اصطدمت طموحاتنا في تعديل أوضاعنا المادية بعشرات الإعاقات المختلفة، ليس أقلها اللوائح الوظيفية البالية التي أكل منها الدهر حتى أصيب بالتخمة.

قلت له: حاول أن تعذر المسئولين قليلاً، فلربما يكون حجم مشاغلهم، وكبر حجم المؤسسة، وتشعب إداراتها وأقسامها، هو السبب في ما تشعر به، ولكني أعتقد أنهم ليسوا بغافلين عن دراساتكم وبحوثكم، وبالتأكيد هناك من يستفيد منها في أروقة هذه المؤسسات.

رد غاضباً: وما الذي يجعلك متأكداً هكذا ؟ للأسف كثير من هذه الدراسات هي حبيسة الأرفف والأدراج، وتنتظر من ينفض عنها غبار الإهمال، بالرغم من أنها تناقش قضايا مهمة، وتمس موضوعات تهم الدولة في مختلف مجالاتها، وقد توفر  جلب الخبراء الخارجيين.أنا شخصياً منذ تخرجي حتى الآن لم يسألني أحداً كان عن عنوان دراستي، فما بالك بمحتواها؟

سألته : تقوم بعض الجهات في الدولة من فترة لأخرى بتكريم عدد من المثقفين والمجيدين ، وقد يصل الأمر إلى تقديم مبالغ مجزية، فلا تقل لي أيضاً أنه يتم استثناءكم من هذا التكريم؟

أجابني  بتهكم: لسنا شعراء أو كتاب قصة قصيرة كي يتم تكريمنا، فهؤلاء هم الشريحة المثقفة في البلد في نظر بعض المسئولين، وقد تفوق قيمة إحدى قصائد النفاق  الاجتماعي،كافة المصروفات التي قمنا بدفعها طوال سنوات دراستنا، مع تقديري واحترامي لهذه الفئة فأنا لا أقصدهم جميعاً .

     قاطعته متجاهلاً  سخريته المؤلمة: ولكن لا تنكر أن هناك العشرات من حملة الشهادات العليا ممن تبوءوا مناصب مهمة في الدولة، فلم كل هذا التشاؤم والنظرة السوداوية؟

رد علي بقوله: لا أنكر ذلك بتاتاً، وهي خطوة مهمة تحسب للحكومة، ولكن معظم هؤلاء هم إما أساتذة جامعيين أو مسئولين كبار أكملوا دراساتهم بعد وصولهم إلى مراتب وظيفية عليا في مؤسساتهم، أو أصحاب وضع اجتماعي مميز، بينما أنا أتحدث عن العشرات المتناثرين في مؤسسات الدولة الحكومية المختلفة ، ولا يلقون نفس النوع من المعاملة. جرب مرة  يا صاحبي أن تراقب  اثنين من حملة الدكتوراه في نفس التخصص ومن نفس الجامعة، أحدهم أستاذ جامعي والآخر موظف حكومي، وقارن بين وضعهما المادي والاجتماعي، وانظر كذلك إلى مدى تعامل الآخرين مع كل منهما، وقتها قد تشعر بكل ما أحس به وأقوله لك الآن.عموماً سأتركك الآن وفكر جيداً فيما قلته لك، وإن وجدت من يقبل بعرضي فلا تنس إخباري.

تركني صاحبي بينما تزاحمت عشرات التساؤلات في داخلي: هل كان حديث صاحبي واقعياً أم به شيء من المبالغة؟وهل هناك ما يبرر حنقه وغضبه؟ وهل  يوجد بالفعل عشرات الكفاءات العلمية  المتناثرة في أروقة مكاتب المؤسسات الحكومية المختلفة؟وهل هناك  معايير وأسس واضحة تحدد آليات الترقيات المادية والوظيفية، أم أن هوى المسئول ومزاجيته يلعبان دوراً في ذلك؟ ولماذا لا تكون هناك مكاتب فنيه ملحقة بهذه المؤسسات مهمتها متابعة أوضاع الدارسين من أبناء المؤسسة، والتنسيق مع الإدارات التي لها علاقة بتخصصات البعض بحيث يتم الاستفادة من هذه الكوادر فور تخرجها، وإدراجها في روزنامة خطط تلك الإدارات ؟ ولماذا (نبجل) الخبير الأجنبي ، ونضن بما نملكه على ابن البلد وكأننا نؤكد مقولة (زامر الحي لا يطرب)،ولماذا ترغب كثير من الكفاءات في الهجرة أو الانتقال إلى مؤسسات أخرى داخل البلد،ولماذا لا تكون لدينا أياماً للعلم نكرم من خلالها  العلم والعلماء في مختلف المجالات، ولماذا، ولماذا،ولماذا؟
أسئلة كثيرة دارت في بالي، وستبقى، علها تجد يوماً من يجيب عليها.


د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

الخميس، 23 فبراير 2012

نزول مشجع سوري على ارض الملعب يرفع علم الاستقلال.

مواقف حياتيــة (22)


جريدة عمان - الخميس 23/2/2012م
هذه مواقف حياتية نصادفها يومياً.. نعرضها ليس من باب النقد، ولكن من أجل أن تكون الرؤية أكثر جمالاً ووضوحاً.
(1)
"لنفتح نقاشًا هنا حول الإعلام العماني وأملي أن يقوم كل من يشارك هنا بطرح ما يراه بحرية مسئولة عادلة تدل على الرأي المتقصي للحق والحقيقة والبناء".
تصدرت هذه الكلمات الصفحة الشخصية لمعالي رئيس الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك)، وهو نداء يدل على رغبة جدية، وحرص كبير من قبل معاليه على التطوير الشامل والإصلاح المؤسسي الذي يعتمد على رأي المجتمع كشريك مهم في هذه العملية، كونه المعني بالخدمة، والأقدر على نقدها وبيان جوانب الإجادة والنقص فيها.
لو  ترك كل مسئول كرسيه الوثير، واقترب من  نبض الشارع، لاختفت كثير من المشكلات، ولتطور العمل داخل المؤسسة بشكل ملحوظ، ولسدت كثيراً من الفجوات الحاصلة بين الطرفين.
ختم معاليه ندائه بهذه العبارة: "أعد بدراسة كل مقترح بناء دراسة متأنية والاستفادة القصوى منه في بناء استراتيجياتنا وتنفيذها".
تحية تقدير لكل مسئول يضع المجتمع نصب عينه في عملية البناء والتطوير والتحديث.
 (2)
في محاولة لإعادة الوهج والأهمية للسبلة العمانية والتي كانت تمثل لدى العمانيين مصدراً مهماً من مصادر الأخبار والتواصل الاجتماعي، ومركزاً لصنع كثير من القرارات ، ينفذ نادي الاتفاق مشروعاً ثقافياً تحت مسمى       (سبلة الاثنين)، وذلك  كل اثنين من نهاية كل شهر  ، حيث يتم من خلالها دعوة أحد الضيوف المتخصصين في المجالات الحياتية المختلفة، أو المجيدين في مجالات الفكر والثقافة للحديث حول عدد من الموضوعات التي تهم المجتمع.
     آخر فعاليات السبلة كانت تدشين برنامج (نبض المجتمع)، والذي تقوم فكرته  على تنفيذ برامج لتثقيف أفراد المجتمع وتبصيره بقضايا وشؤون الوطن وكذلك إتاحة الفرصة بلقاء المسئولين في الدولة لطرح رؤاهم وأفكارهم والاستماع إلى وجهات نظرهم في القضايا المختلفة، ومد  جسور التواصل بين المواطن والمسئول ، بالإضافة إلى ترسيخ أهمية الحوار وجعله منبرا للتواصل بين صناع القرار والمجتمع. وقد بدأت أولى فعالياته باستضافة سعادة الشيخ رئيس مجلس الشورى. 
بهكذا أفكار سينهض المجتمع، وستضيق الفجوة، وسيشعر المسئول بأن هناك من يرقب عمله، وينتظر منه الجديد. لابد من الشراكة المجتمعية،  فبدون مبادرات المجتمع الايجابية، ستكون خطواتنا قصيرة، وسيصبح تقدمنا محدوداً.

(3)
"يمنع منعاً باتاً وقوف السيارات المعروضة للبيع في هذا المكان، ومن يخالف ذلك سوف يعرض نفسه للمسائلة القانونية".عبارة قرأتها على لوحة معدنية ضخمة تابعة لإحدى الجهات الحكومية معلقة في أحد مواقف السيارات العامة في مدينتي.
برغم التحذير والتهديد بالمسائلة القانونية، إلا أن  عشرات السيارات قد تحدت كل ذلك، من خلال وقوفها الدائم لأشهر طويلة لدرجة تراكم الغبار والأتربة عليها، ومن خلال  عبارة " للبيع" المكتوبة على جوانبها بخط عريض يكاد يراه الأعور.
الغريب أن موقف السيارات هذا لا يكاد يبعد سوى أمتار قليلة عن بوابة الجهة الحكومية المسئولة عن هذا الموضوع.
(4)
في تصريحه الأخير لإحدى الصحف المحلية اليومية كشف سعادة وكيل وزارة التراث والثقافة  عن  عديد من المشاريع الثقافية  لعل من بينها إنشاء (5 ) مراكز ثقافية ستكون جاهزة في عام 2015 في ربوع السلطنة، وكذلك إنشاء مجمع عمان الثقافي الذي سيضم عدداً من القاعات والمباني الثقافية المختلفة.
مشاريع مهمة تشكر عليها الوزارة، وخطوات ضرورية  بحــــت أصوات الكثيرين وهم ينادون بها.
ولكن أين نصيب القرية العمانية يا سعادة الوكيل؟ الصغار والشباب والكبار في قرانا لا يكادون يجدون ما يشغلون به أوقاتهم  سوى بعض المناشط المدرسية، واجتهادات شخصية من قبل جهات مجتمعية مختلفة، في ظل غياب شبه كامل لدور الوزارة والوزارات الأخرى المناط بها قضايا التوعية والتأهيل ورعاية الشباب فكرياً واجتماعياً.
يا سعادة الشيخ: أبناؤكم في القرى والولايات الأخرى أيضاً متلهفون لهكذا مشاريع، وأعتقد أنه قد آن الأوان كي نلتفت إليهم، فدور المدرسة لوحده سيكون قاصراً في ظل عدم وجود مراكز ثقافية ورياضيه واجتماعية تعزز من دورها، وتسهم في صقل المهارات والملكات المختلفة لهذه الفئات.
يا سعادة الوكيل: لا تتأخروا عن الاهتمام بهم، وإلا فهناك من هو جاهز كي يلعب دور البديل.
 (5)
الأستاذ والشاعر والباحث في الفلكلور عبد القادر بن محمد  الجيلاني يرقد على فراش المرض  بعد رحلة طويلة مع الإجادة والإبداع، تشهد عليها كثير من مدارس السلطنة التي عمل بها منذ بداية النهضة المباركة، في وقت اتسم بقلة الإمكانات، وصعوبة التنقل بين أرجاء المدينة الواحدة، فما بالكم بالانتقال من منطقة لأخرى، وتؤكدها عشرات القصائد والأناشيد المغناة في كثير من المناسبات الوطنية والمجتمعية، ومثلها من البرامج الإعلامية المختلفة التي ساهمت شخصيتنا من خلالها في التعريف بجوانب مختلفة من الثقافة العمانية في مجال الأدب الشعبي، والفنون المغناة، والعادات العمانية المختلفة، ويشهد عليها كذلك  أجيال عديدة ما زالت تذكر له دوره في صقل مواهبها المختلفة، ويكفي أن شاعرنا كان حريصاً على تقديم موهبة شعرية جديدة في كل أمسية يشارك فيها.
دعواتكم للأستاذ عبد القادر الجيلاني بالشفاء والعافية، وأن يتجاوز محنته، ويعود إلينا طاقة مبدعة كما عهدناه على مدى سنوات طويلة.
(6)
مما قاله البحتري:
أَغِيبُ عَنكَ بوُدٍّ لا يُغَيِّرُهُ
                          نَأْيُ المَحَلِّ ولاَ صَرْفٌ مِنَ الزَّمَنِ
فَإِنْ أَعِشْ فَلَعَلَّ الدَّهْرَ يَجْمعُنَا
                           وَإِنْ أَمُتْ فَبِطُولِ الشَّوقِ والحَزَنِ
عْتَلُّ بِالشُّغْلِ عَنَّا مَا تُلِمُّ بِنَا
                           الشُّغْلُ للقَلْبِ لَيْسَ الشُّغْلُ لِلبَدَنِ
قَدْ حَسَّنَ اللهُ في عَيْنَيَّ ما صَنَعَتْ
                           حَتَّى أَرَى حَسَناً ما لَيْسَ بالحَسَنِ


د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com







الثلاثاء، 21 فبراير 2012

شريف شحادة والناشط وليد الحسين في الاتجاه المعاكس

لاشيء في حمص


جريدة الرؤية - الأربعاء 22/2/2012
العبارة السابقة ليست عنواناً لرواية عاطفية  ، ولا عنواناً لفيلم إثارة أمريكي، ولكنها الترجمة المعربة لعبارة (السيد) حسن نصر الله  في خطابه الأخير، عندما صرح مبتسماً"ما في شي بحمص"، ويبدو أنه لا عمل للسيد هذه الأيام سوى إلقاء الخطابات الثورية التي يوزع من خلالها شهادات بالوطنية لمن يشاء، وتهماً بالعمالة لمن يشاء، و ويحاول من خلالها إقناع ما تبقى لديه من جمهور بأنه يخوض معركة الأمة.

تذكرت هذه العبارة وأنا أطالع مقطعاً مؤلماً أرسله إلي صديق قاسي القلب اعتقد أنه بعمله هذا قد يرفع من نسبة المشاهدة في مدونته الشخصية، متناسياً ما قد يسببه مقطع كهذا من آلام لأشخاص كأمثالي  لديهم حساسية مفرطة تجاه أية مناظر تتعلق بدموع الأطفال، فما بالك بدمائهم .

يصور المقطع أطفالاً يصرخون من الألم بعد إصابتهم بقذائف أطلقها  الجيش (الأسدي) على منزلهم الذي يقطنونه في إحدى حارات حمص ، ويبين المقطع أحد هؤلاء الأطفال وقد اختفت معالم فمه وفكه وأسنانه ، بينما تحولت ساق  طفل آخر إلى  عجينة من اللحم والشعر والعظام، وأب يتضرع إلى الله أن ينتصر للمظلومين أمثالهم،بينما بدت الأم المكلومة  حائرة لا تدر ماذا تفعل وسط هول المنظر، وصياح  صغارها الذي يقطع نياط القلوب.

لم أتمالك نفسي من قسوة المنظر، أشياء كثيرة كانت بجواري مزقتها أو كسرتها ، وأشياء أخرى تمزقت بداخلي وتمزق معها قلبي المكلوم أساساً من جراء أحداث  سابقة مشابهة  ليس آخرها حرق بيت الطبيب المعتقل معن طايع، واستشهاد أطفاله الأربعة . وقتها فقط عرفت ماذا تعني ويلات الحروب وآلامها.

أطفال سوريا يقتلون كل يوم ، والسيد حسن يتحدث عن الأمر على أنه  " مثل العادة فيه شوية اطلاق نار وشوية اشتباكات "، يعني بالمختصر المفيد هو يقول لنا لا تهتموا بما يحدث في سوريا، الجيش والثوار يلعبون لعبة الشرطي والحرامي ، وليس هناك ما يثير القلق. أليس كذلك يا سيد الثوار؟ أليس كذلك يا من انكويت يوماً بنار فقدان الابن ؟أليس كذلك يا بطل المقاومة الأول في نظر الكثير من شباب الأمة الذين أحبوك يوماً بصدق دون أدنى اعتبار لجنسيتك أو لمذهبك،فقط كانوا يرون فيك أنموذجاً للمناضل الذي سيعيد لهم حقوقهم المسلوبة ، والذي سيشفي غليلهم تجاه عدو مستبد تمادى كثيراً ولم تردعه اعتراضات وتنديدات وشجب قادة الأمة على مدى عقود من الصراع .

أجبني سيدي بصراحة،لماذا تفتخر دوماً بأن معركتك الأساسية هي مع العدو الإسرائيلي؟ ولماذا تتحدث في كل خطاب عن المقاومة الشريفة لهذا الكيان؟ هل لمجرد أنهم يهود؟ لا أعتقد ذلك، فاليهودية ديانة سماوية لا يجوز أن نقاتل متبعيها لمجرد أنهم يهود. إذاً فأنت  كنت تقاتلهم لجرائمهم في حق الإنسانية، ولاغتصابهم حقوق الغير. أليس كذلك؟ إذاً  فما الفرق بين أطفال قانا وصبرا وشاتيلا، وأطفال حمص ودرعا وإدلب وحماه؟ أليسوا كلهم أطفال؟ أليس قتلهم أمراً بشعاً لا يتوافق مع تعاليم الشرائع السماوية، مهما كان جنس المقتول أو ديانته؟

يا سيدي: لماذا تكون الثورات مشروعة في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين، ومحرمة في سوريا؟ ما الذي يفرق سوريا عن تلك البلدان؟ هل هو الاستبداد السياسي في تلك الدول؟ ولكن عائلة الأسد تحكم منذ أكثر من أربعين عاماً ، وحزب البعث يمسك بمفاصل الدولة ويصادر حق غيره في إدارة شئون البلد، والرئيس في سوريا هو الحاكم بأمره.

هل بسبب الفساد؟ ولكن رامي مخلوف وعائلته،  ورجال الأعمال المقربين من الرئيس وعائلته والحزب يسيطرون على ثروات الدولة ومؤسساتها الاقتصادية، والرئيس وعائلته لديهم أرصدة تقدر بملايين الدولارات في عدد من البنوك الخارجية، برغم أن نظام الدولة جمهوري، وبرغم أن راتب الرئيس محدد ولن يصل إلى 1% مما يملكه الرئيس حتى لو ظل رئيساً لمدة 100 عام. فمن أين أتى هو وعائلته بكل تلك الملايين؟

هل هي القبضة الأمنية والقمع ؟ ولكن المعتقلات السورية يضرب بها المثل في اختراع أساليب التعذيب المتعددة، لدرجة أن من يتم اعتقاله يتمنى الموت بدلاً من اعتقاله ولو لساعة، ولعلك سمعت بنكتة الحمار الذي قبض عليه الأمن السياسي في سوريا، واضطر تحت وطأة التعذيب إل الاعتراف بأنه من الإخوان المسلمين.

أعلم يا سيدي حسن أنك صرحت يوماً بأن "المبدأ الذي على أساسه نأخذ مواقفنا ونبادر ونتحالف، ونقوّم سلوكنا على أساسه، ومن خلاله ننظر إلى الآخرين (هو) أن نسأل ما هو موقفهم من القدس وفلسطين والمشروع الصهيوني وكيف يتصرفون إزاء هذا الموقف"؟

ولكنهم لم يفعلوا شيئاً يا سيدي .لقد نكسونا في 1967، وفرطوا في القنيطرة والجولان، ولم يطلقوا أية رصاصة حتى الآن تجاهها،  وراقبوا الطائرات الإسرائيلية وهي تعربد من فترة لأخرى فوق سماء دمشق ، وعلى مشارف القصر الجمهوري دون أن يجرءوا على الرد أو اتخاذ موقف مضاد، وحاولوا التفاوض من تحت الطاولة كي يأخذوا الفتات ولكن دون جدوى. فعن أية ممانعة تتحدث يا سيدي؟ وهل الممانعة تجيز لهم سلب حريات الآخرين ومصادرة حقوقهم الفكرية ؟

يا سيد حسن: من حقك أن تؤيد النظام السوري كما تشاء، قلها صراحة إنك تتبع مصلحتك ومصلحة حزبك. قل إن تأييدك للنظام ليس لأنه نظام جيد، ولكن لأن لعبة السياسة ودهاليزها المعقدة تستدعي ذلك، ولكن ليس من حقك أن تستهين بدماء الأطفال والناس التي تقتل كل يوم  لمجرد أنهم يختلفون معك سياسياً ومذهبياً.

نعم يا سيد حسن ،حمص "ولعانه" كما استهزأت بها في خطابك الأخير ، وستظل ولعانة حتى تنال حريتها وكرامتها المسلوبة منذ عقود أربعة.

يا سيد حسن:إن كان من "حسين" في هذا العصر فهو  حمزة الخطيب وعشرات الأطفال الذين قتلوا بدم بارد، ، وفي سورية اليوم عشرات من "كربلاء" وملايين من "الحسين" يرددون منذ عام "هيهات منّا الذلة" دون خضوع، وسينتصر الشعب السوري عاجلاً أم آجلاً، ليس لأن أمريكا وقطر والجزيرة والعربية تريد ذلك، ولكن لأنها إرادة شعب، وإذا الشعب يوماً أراد الحياة فأنت تعلم جيدا ماذا سيحصل.

يا سيدي عد إلى قواعدك التي عرفناك منها. ارجع لنا السيد حسن نصر الله المناضل الحقيقي، ورجل الحرية والسلام. عد إلينا في أقرب وقت، فلقد اشتقنا إلى بطل كان هنا يوما ما، وكان يدعى حسن نصر الله.

د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com


الأربعاء، 15 فبراير 2012

مواقف حياتيــة (21)


هذه مواقف حياتية نصادفها يومياً.. نعرضها ليس من باب النقد، ولكن من أجل أن تكون الرؤية أكثر جمالاً ووضوحاً.
(1)
أثلج صدري الخبر الذي قرأته في بعض وسائل الإعلام المحلية حول تدشين ( صندوق التكافل الاجتماعي ) في  بديه، وهو  مؤسسة أهلية تطوعية اجتماعية يشرف عليها مكتب والي بدية،
و يهدف  إلى توطيد وغرس قيم ومفهوم التكافل الاجتماعي والتطوع في عقول الناشئة ، وبث القيم الدينية والإنسانية لتأصيل وتعميق قيمة التكافل الاجتماعي وتشجيعها والحث عليها ، ومساعدة الأسر المعسرة المستحقة من خلال تبني وتنفيذ كل ما يعمل على إيجاد تلك المساعدة ، ووضع البرامج الخاصة بسرعة تقديم المساعدات للأسر المنكوبة أثناء الكوارث الطبيعية ، وتقديم تلك المساعدات وفق الإمكانيات المتاحة، إضافة إلى مساهمته في المشاريع الاجتماعية والخيرية بالولاية كالزواج الجماعي وغيرها، والتعاون والتواصل مع صناديق التكافل الاجتماعي الأخرى الرسمية والأهلية .
التكافل الاجتماعي قيمة إنسانية نبيلة وعادة حضارية راقية، لذا فمن المهم على الجهات الحكومية المعنية تسليط الضوء على هذه التجربة من خلال الدراسة الوافية لها، والوقوف على نتائجها المجتمعية،ودعمها إن أمكن، كي تكون أنموذجاً يمكن لجهات ومجتمعات محلية أخرى الاستفادة منها. 
مجتمعنا زاخر بكثير من الأفكار والمبادرات المجتمعية المهمة. فقط هي تحتاج إلى مزيد من تسليط الضوء عليها، وتقديمها للآخرين كي يكون هناك تبادل للأفكار والمشاريع.
(2)
"تكريم عدد من حفظة القرآن الكريم"، و" تكريم الفريق الأول بنادي صور"، و" تكريم عدد من المغسلين والمكفنين"، و ندوة السلامة المرورية "حديث المجالس"، وندوة " التواصل بين الأسرة والمدرسة والبيت"، و"تكريم عدد من التربويين المتقاعدين"،  و الحلقة النقاشية حول " تطوير كرة القدم العمانية"، وتسيير حملة إلى الديار المقدسة لأداء العمرة لعدد (50) شاباً، هي نماذج من الفعاليات المجتمعية التي أقامها   (مجلس صور العام )في ظرف  عام واحد فقط، وهي فعاليات يمكن أن نلحظ من خلال عناوينها التنوع الفكري، وعدم اقتصارها على موضوع واحد، كما أنها تسلط الضوء على عدد من القضايا المجتمعية المهمة ،وتعزز من  آليات التواصل بين المواطن والمسئول، وتبشر بأدوار مجتمعية جديدة يمكن أن تقوم بها المجالس العامة كجزء من منظومة  الشراكة المجتمعية، وتجسيداً للعمل التطوعي.
أتمنى أن يغري تنظيم مجلس صور العام لمثل هذه الفعاليات، المجالس الأخرى داخل الولاية وخارجها نحو تبني إقامة أنشطة مماثلة، مما يعود بالنفع على المجتمع.
شكراً للشيخ ناصر بن خميس بن سليم الغيلاني صاحب المجلس، وجعله الله في ميزان حسناتك.
 (3)
يحدث أن تكون جالساً في أمان الله تتناول طعامك في أحد المطاعم، أو تقضي حوائجك في محل ما، وفجأة  يطلق أحدهم بوق سيارته بشكل هيستيري قد يصيبك بالصمم المؤقت، ويجعلك تكره المكان وقد تضطر لتركه،  وكأنه لا يوجد في المكان بشر غيره يحق لهم قضاء حوائجهم أو الاستمتاع بأوقاتهم في هدوء. 
ماذا سيحدث لو أوقف هذا الشخص سيارته ونزل ليأخذ الغرض الذي  التي يريده؟بالعكس، سيكون ذلك دليلاً على تواضعه ومدى احترامه للآخرين.
على أمثال هؤلاء أن يعوا أن حريتهم تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين.
فعلاً..الإحساس نعمة.
(4)
في أحد الليالي كنت أقود سيارتي في شارع فرعي مظلم  لا تتجاوز سرعة القيادة فيه (60) كم، وكانت هناك مجموعة من السيارات قادمة من الاتجاه الآخر، وفجأة شعرت بصاروخ يمرق  من جواري بسرعة البرق، ضارباً عرض الحائط بقواعد المرور، والسرعة المقررة، والسيارة القادمة من الاتجاه الآخر، ولولا لطف الله لحدثت مجزرة بشرية.
بعد تجاوزي لمرحلة الذهول تتبعت تلك السيارة ، فإذا بصاحبها يتوقف أمام أحد المقاهي وكأن شيئاً لم يحدث.
عادي.. موقف تراه كل يوم.
 (5)
كتبت قبل فترة عن الوضع (المزري ) الذي تعانيه قلعة آل حموده في جعلان بني بو علي، وحذرت وقتها من أن القلعة معرضة للانهيار في أقرب وقت مالم تسارع الجهات المعنية إلى محاولة ترميم ما تبقى منها.
ما حذرت منه قد تحقق للأسف، فلم يتبق من هذا المعلم الأثري المهم سوى بضعة جدران تقاوم السقوط، وأنصاف غرف هنا وهناك، وبعض أساسات جدران الأسوار المحيطة بها، وحيوانات سائبة وجدت أخيراً ملجأً مناسباً تقيم فيه.
هذه القلعة ليست مجرد مباني قديمة، بل هي عبارة عن مدينة متكاملة  تمثل رمزاً تاريخياً مهماً لأبناء الولاية، ومعلماً تراثياً هاماً ، لا يمكن لأية جهة كانت أن تملك حق الرفض تجاه محاولات ترميمها، تحت دعاوي واهية لا تعبر إلا عن التخلف الفكري، وعدم الانتباه إلى أهمية مثل هذه الشواهد كتراث مادي ثقافي.
أستغرب التجاهل الذي تبديه وزارة التراث والثقافة على مدى سنوات عديدة تجاه المطالبات المتكررة بترميم القلعة، فبقانون منفعة واحد يمكن أن تؤول القلعة إلى الوزارة كي تباشر أعمال ترميم ما تبقى من أحجار وجص وطين متناثر هنا وهناك.
إذا لم تكن هناك أية نية لترميمها فمن الأولى تسويتها بالأرض، لأن رؤيتها بالمنظر الحالي يثير الحزن والألم في نفوس كثير من السكان الذين يمرون بجوارها صباح مساء ويتذكرون معلماً كان شامخاً هنا في يوم من الأيام، ويحكون عنه للقاصي والداني عند سردهم لمعالم ولايتهم.
بالمناسبة..أين أعضاء مجلس الشورى ممثلي الولاية عن هذا الموضوع؟
 (6)
مما قاله المتنبئ:
يرَى الْْجُبَنَـاءُ أنَّ الْعَجْزَ عَقْلٌ
                              وَتِلْكَ خَدِيعَةُ الطَّبْعِ اللَّئيمِ

وَكُلُّ شَجَاعةٍ فِي الْمَرْءِ تُغْنِي
                             وَلا مِثْلَ الشَّجَاعَةِ فِي الْحَكِيمِ

وَكَمْ مِّنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا
                           وَآفَتُـهُ مِنَ الْفَهْمِ السَّقِيمِ

وَلَكِنْ تَأْخُـذُ الآذَانُ مِنْهُ
                          عَلَى قَـدَرِ القَرَائِحِ والعُلُـومِ
د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com






رفقــاً بالوطن


        جريدة الرؤية - الأربعاء 15/2/2012م
 في كل مرة أتصفح فيها بعض منتديات الحوار السياسية المحلية ، أو أطالع عدداً من الصفحات الشخصية لفئة من المثقفين العمانيين في مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر، إلا وألاحظ أن معظم الآراء الفكرية المتعلقة بأوضاع البلد تكاد تنقسم إلى فريقين متعارضين، فريق يرفع شعارات براقة كالحرية والعدالة والديمقراطية، وتغلب عليه النظرة السوداوية المتشائمة، وتكاد تشعر مع كتاباتهم أنك تعيش في دولة أخرى غير التي تعرفها، وفي  ظل نظام قمعي مستبد. وفريق آخر يرى في الفريق السابق أنهم مجرد خفافيش ظلام، وناكرين لجميل الدولة التي أعطتهم كل شيء، فقابلوا معروفها بالجحود، وقد تصل الأمور لديهم إلى حد التخوين أو اتهامهم بالإلحاد أو تبني أفكار خارجية، في ظل تراجع الفكر الوسطي الهادف.

           برأيي أنه من حق أي شخص أن يختار الفكر السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي الذي  يراه مناسباً، ومن حقه كذلك أن يمارس الطقوس الفكرية والاجتماعية التي يعتقد بجدواها،فهذه حرية شخصية مكفولة له،  ولكن هل من حقه أن يصر على تطبيق هذا الفكر الذي يؤمن به؟ وهل بالضرورة أن تكون كل فكرة أو تجربة  صالحة للتطبيق في مجتمع قد تختلف تركيبته السياسية والاجتماعية والفكرية عن البلد الذي نشأت فيه تلك التجربة؟ وهل يعني عدم تطبيق هذه الأفكار أن ننظر إلى الدولة بنظرة سوداوية، وأن ننسف كل ما تحقق من منجزات يشهد عليها العالم بأسره ؟

         وبرأيي كذلك أنه لا توجد حرية أو ديمقراطية مثالية، ولا يمكن أن نشير إلى بلد بعينه على أنه مثال للحرية والديمقراطية والعدالة الكاملة، ولو استعرضنا تجربة أي دولة من تلك الدول التي تدعي تطبيق الديمقراطية الحقيقية لوجدنا كثيراً من المتناقضات التي قد تتعارض والشعارات التي يتحدث عنها مسئولي تلك الدول.

         ودولة مثل الهند وهي من أعرق الديمقراطيات في العالم، قد يتأخر فيها تنفيذ مشروع طريق خدمي معين في قرية نائية لمجرد أن أحد السكان المتأثرة بيوتهم بهذا المشروع لا يود التنازل عن نصف متر من أجل تنفيذ هذا المشروع، وقد يمارس حقه الديمقراطي في تعطيل تنفيذ المشروع،وبالتالي تظل القضية لسنوات في أروقة المحاكم،  وفي نفس الوقت فإن دولاً كالصين وسنغافورة وهي دول حققت تقدماً ونمواً كبيراً في كثير من المجالات، قد لا تصنف كدول ذات تجارب ديمقراطية رائدة.

نعم. أنا مع حرية الإعلام، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية ، وغيرها من الأفكار و الشعارات الجميلة، ولكنني في الوقت ذاته مع الحرية المسئولة، والطرح الواقعي الذي يتوافق وظروف البلد، وليست الحرية المفتوحة التي قد تتحول إلى عبث، وفي نفس الوقت فأنا أشعر بأن كثيراً من هذه الأفكار متوافرة في مجتمعنا، فمجالسنا اليومية، ومواقعنا الحوارية الالكترونية، وصفحاتنا الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي تشهد طرح كثير من الأفكار والقضايا التي قد تؤدي إلى المجهول في دول نعتقد أنها أكثر قدماً في تجربتها الديمقراطية، وتجربتنا البرلمانية تشهد تطوراً ملحوظاً، وليس ذنب الحكومة أننا لا نحسن اختيار بعض الأعضاء ، وإعلامنا يشهد حرية رأي لا بأس بها  يشيد بها  كثير ممن  يتعاطون  مع وسائله المختلفة، ولم نسمع يوماً عن تعسف أمني، أو حالات سحل أو تعذيب أو امتهان لكرامة المواطن كتلك التي نسمع بها في كثير من الدول الأخرى، وإنسانية سلطان البلاد وحكمته وعطفه وتسامحه يتحدث عنها العالم بأسره،  والخدمات المجتمعية المختلفة تكاد تصل إلى كل قرية في ظل محدودية إمكانات وموارد الدولة ، وما يقابلها من اتساع رقعة السلطنة، وتنوع تضاريسها، وتوزع سكانها بين عدد كبير من المدن والقرى، مما يتطلب إيصال كافة الخدمات لكل مواطن مهما كان عدد السكان في كل تجمع.

       نعم يوجد هناك قصور في بعض الخدمات، نعم توجد أخطاء في بعض جوانب التطبيق، نعم يوجد بطء  في التنمية البشرية، نعم توجد أشياء كثيرة بحاجة إلى وقفة متأنية،ولكن هذا الأمر لا يستدعي أن نشحذ طاقاتنا لتوجيه كافة الاتهامات إلى الدولة بالتقصير . لا يعني وجود قصور في مرفق معين، أو عدم اكتمال مشروع فكري معين، أن نسلط سهام النقد الجارح للدولة ورموزها، ونلغي تجربة حضارية جميلة تم بذل الكثير من الجهد في ترسيخ أركانها.

           كما أن على أفراد الفريق الثاني أن يعوا أن كل من انتقد وضعاً سياسياً أو ثقافياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً ما، أو نادى بإصلاح سياسة حكومية معينة، فليس بالضرورة أن يكون خفاش ظلام، أو ناكراً للمعروف، كما أن الارتياح المادي أو الوظيفي أو المجتمعي لدى بعض أفراد هذا الفريق لا يعني بالضرورة أن الأمور كلها تمام، فبرغم كل ما تم إنجازه إلا أن هناك كثيراً من القضايا المجتمعية التي تستدعي توقفنا عندها، وهناك من الممارسات الخاطئة لدى بعض المسئولين ما يتطلب تصدينا لها، ولا يعني حجم المنجزات أن نظل طوال الوقت نتغنى بها ونمجدها دون الإشارة إلى أية هفوات أو أخطاء قد ترتكب،  فإن نقاط الماء قد تثقب الصخر إذا تكاثفت، فلا نريد للأخطاء الصغيرة أن تتجمع كي تشكل تحدياً قد نعجز عن التصدي له إلا بتضحيات.

 كما أن المطالبة بتغيير بعض الممارسات أو السياسات أمر يفرضه حب الوطن، فهذا الوطن هو ملك الجميع، وهذا الأمر يحتم علينا أن نخلق مساحة لمراجعة بعض السياسات، وتقييم بعض الممارسات، كي يبقى الوطن أكثر قوة وتماسكاً، فلم تعد الظروف هي ذاتها، ولم تعد التحديات هي نفسها.

أتفهم غيرة كثير من الأقلام الشريفة على وطنهم، وحرصهم على أن يكون أكثر جمالاً ونقاء، ولا أدعي أنني أكثر منهم وطنية، ولكني مع سيادة الطرح الوسطي ، والنقد الهادف البناء، فبالطرح الهادئ الواعي، والاختيار  المناسب للأطروحات والقضايا يمكن أن نسهم في حل كثير من قضايانا، وأن نحقق ما نصبو إليه من نواقص تتعلق بالتجربة السياسية، والعدالة الاجتماعية والحرية الإعلامية، والتوزيع العادل للخدمات، فالصوت العالي ليس هو الوسيلة المناسبة دائماً لتحقيق كل ذلك.

نحن في وطن يحتاج تكاتفنا وتعاوننا في الدفع بعربته بسلاسة كي لا تخرج عن القضبان، وطن لا يحتمل أن نغامر به، أو أن نتعامل معه باعتباره شيئاً وهمياً نجرب عليه أفكارنا، وطن لا يحتمل مزيداً من التشتت بقدر ما يحتاج إلى التعدد والتنوع وإقامة جسور التواصل بين كافة الاتجاهات مهما تباعدت المسافات.

د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com