الثلاثاء، 21 فبراير 2012

لاشيء في حمص


جريدة الرؤية - الأربعاء 22/2/2012
العبارة السابقة ليست عنواناً لرواية عاطفية  ، ولا عنواناً لفيلم إثارة أمريكي، ولكنها الترجمة المعربة لعبارة (السيد) حسن نصر الله  في خطابه الأخير، عندما صرح مبتسماً"ما في شي بحمص"، ويبدو أنه لا عمل للسيد هذه الأيام سوى إلقاء الخطابات الثورية التي يوزع من خلالها شهادات بالوطنية لمن يشاء، وتهماً بالعمالة لمن يشاء، و ويحاول من خلالها إقناع ما تبقى لديه من جمهور بأنه يخوض معركة الأمة.

تذكرت هذه العبارة وأنا أطالع مقطعاً مؤلماً أرسله إلي صديق قاسي القلب اعتقد أنه بعمله هذا قد يرفع من نسبة المشاهدة في مدونته الشخصية، متناسياً ما قد يسببه مقطع كهذا من آلام لأشخاص كأمثالي  لديهم حساسية مفرطة تجاه أية مناظر تتعلق بدموع الأطفال، فما بالك بدمائهم .

يصور المقطع أطفالاً يصرخون من الألم بعد إصابتهم بقذائف أطلقها  الجيش (الأسدي) على منزلهم الذي يقطنونه في إحدى حارات حمص ، ويبين المقطع أحد هؤلاء الأطفال وقد اختفت معالم فمه وفكه وأسنانه ، بينما تحولت ساق  طفل آخر إلى  عجينة من اللحم والشعر والعظام، وأب يتضرع إلى الله أن ينتصر للمظلومين أمثالهم،بينما بدت الأم المكلومة  حائرة لا تدر ماذا تفعل وسط هول المنظر، وصياح  صغارها الذي يقطع نياط القلوب.

لم أتمالك نفسي من قسوة المنظر، أشياء كثيرة كانت بجواري مزقتها أو كسرتها ، وأشياء أخرى تمزقت بداخلي وتمزق معها قلبي المكلوم أساساً من جراء أحداث  سابقة مشابهة  ليس آخرها حرق بيت الطبيب المعتقل معن طايع، واستشهاد أطفاله الأربعة . وقتها فقط عرفت ماذا تعني ويلات الحروب وآلامها.

أطفال سوريا يقتلون كل يوم ، والسيد حسن يتحدث عن الأمر على أنه  " مثل العادة فيه شوية اطلاق نار وشوية اشتباكات "، يعني بالمختصر المفيد هو يقول لنا لا تهتموا بما يحدث في سوريا، الجيش والثوار يلعبون لعبة الشرطي والحرامي ، وليس هناك ما يثير القلق. أليس كذلك يا سيد الثوار؟ أليس كذلك يا من انكويت يوماً بنار فقدان الابن ؟أليس كذلك يا بطل المقاومة الأول في نظر الكثير من شباب الأمة الذين أحبوك يوماً بصدق دون أدنى اعتبار لجنسيتك أو لمذهبك،فقط كانوا يرون فيك أنموذجاً للمناضل الذي سيعيد لهم حقوقهم المسلوبة ، والذي سيشفي غليلهم تجاه عدو مستبد تمادى كثيراً ولم تردعه اعتراضات وتنديدات وشجب قادة الأمة على مدى عقود من الصراع .

أجبني سيدي بصراحة،لماذا تفتخر دوماً بأن معركتك الأساسية هي مع العدو الإسرائيلي؟ ولماذا تتحدث في كل خطاب عن المقاومة الشريفة لهذا الكيان؟ هل لمجرد أنهم يهود؟ لا أعتقد ذلك، فاليهودية ديانة سماوية لا يجوز أن نقاتل متبعيها لمجرد أنهم يهود. إذاً فأنت  كنت تقاتلهم لجرائمهم في حق الإنسانية، ولاغتصابهم حقوق الغير. أليس كذلك؟ إذاً  فما الفرق بين أطفال قانا وصبرا وشاتيلا، وأطفال حمص ودرعا وإدلب وحماه؟ أليسوا كلهم أطفال؟ أليس قتلهم أمراً بشعاً لا يتوافق مع تعاليم الشرائع السماوية، مهما كان جنس المقتول أو ديانته؟

يا سيدي: لماذا تكون الثورات مشروعة في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين، ومحرمة في سوريا؟ ما الذي يفرق سوريا عن تلك البلدان؟ هل هو الاستبداد السياسي في تلك الدول؟ ولكن عائلة الأسد تحكم منذ أكثر من أربعين عاماً ، وحزب البعث يمسك بمفاصل الدولة ويصادر حق غيره في إدارة شئون البلد، والرئيس في سوريا هو الحاكم بأمره.

هل بسبب الفساد؟ ولكن رامي مخلوف وعائلته،  ورجال الأعمال المقربين من الرئيس وعائلته والحزب يسيطرون على ثروات الدولة ومؤسساتها الاقتصادية، والرئيس وعائلته لديهم أرصدة تقدر بملايين الدولارات في عدد من البنوك الخارجية، برغم أن نظام الدولة جمهوري، وبرغم أن راتب الرئيس محدد ولن يصل إلى 1% مما يملكه الرئيس حتى لو ظل رئيساً لمدة 100 عام. فمن أين أتى هو وعائلته بكل تلك الملايين؟

هل هي القبضة الأمنية والقمع ؟ ولكن المعتقلات السورية يضرب بها المثل في اختراع أساليب التعذيب المتعددة، لدرجة أن من يتم اعتقاله يتمنى الموت بدلاً من اعتقاله ولو لساعة، ولعلك سمعت بنكتة الحمار الذي قبض عليه الأمن السياسي في سوريا، واضطر تحت وطأة التعذيب إل الاعتراف بأنه من الإخوان المسلمين.

أعلم يا سيدي حسن أنك صرحت يوماً بأن "المبدأ الذي على أساسه نأخذ مواقفنا ونبادر ونتحالف، ونقوّم سلوكنا على أساسه، ومن خلاله ننظر إلى الآخرين (هو) أن نسأل ما هو موقفهم من القدس وفلسطين والمشروع الصهيوني وكيف يتصرفون إزاء هذا الموقف"؟

ولكنهم لم يفعلوا شيئاً يا سيدي .لقد نكسونا في 1967، وفرطوا في القنيطرة والجولان، ولم يطلقوا أية رصاصة حتى الآن تجاهها،  وراقبوا الطائرات الإسرائيلية وهي تعربد من فترة لأخرى فوق سماء دمشق ، وعلى مشارف القصر الجمهوري دون أن يجرءوا على الرد أو اتخاذ موقف مضاد، وحاولوا التفاوض من تحت الطاولة كي يأخذوا الفتات ولكن دون جدوى. فعن أية ممانعة تتحدث يا سيدي؟ وهل الممانعة تجيز لهم سلب حريات الآخرين ومصادرة حقوقهم الفكرية ؟

يا سيد حسن: من حقك أن تؤيد النظام السوري كما تشاء، قلها صراحة إنك تتبع مصلحتك ومصلحة حزبك. قل إن تأييدك للنظام ليس لأنه نظام جيد، ولكن لأن لعبة السياسة ودهاليزها المعقدة تستدعي ذلك، ولكن ليس من حقك أن تستهين بدماء الأطفال والناس التي تقتل كل يوم  لمجرد أنهم يختلفون معك سياسياً ومذهبياً.

نعم يا سيد حسن ،حمص "ولعانه" كما استهزأت بها في خطابك الأخير ، وستظل ولعانة حتى تنال حريتها وكرامتها المسلوبة منذ عقود أربعة.

يا سيد حسن:إن كان من "حسين" في هذا العصر فهو  حمزة الخطيب وعشرات الأطفال الذين قتلوا بدم بارد، ، وفي سورية اليوم عشرات من "كربلاء" وملايين من "الحسين" يرددون منذ عام "هيهات منّا الذلة" دون خضوع، وسينتصر الشعب السوري عاجلاً أم آجلاً، ليس لأن أمريكا وقطر والجزيرة والعربية تريد ذلك، ولكن لأنها إرادة شعب، وإذا الشعب يوماً أراد الحياة فأنت تعلم جيدا ماذا سيحصل.

يا سيدي عد إلى قواعدك التي عرفناك منها. ارجع لنا السيد حسن نصر الله المناضل الحقيقي، ورجل الحرية والسلام. عد إلينا في أقرب وقت، فلقد اشتقنا إلى بطل كان هنا يوما ما، وكان يدعى حسن نصر الله.

د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.