الخميس، 29 سبتمبر 2011

مواقف حياتيــة (2)


جريدة عمان - الخميس - 29/9/2011
هذه مواقف حياتية نصادفها يومياً.. نعرضها ليس من باب النقد، ولكن من أجل أن تكون الرؤية أكثر جمالاً ووضوحاً.
(1)
قادتني الصدفة لحضور محاضرة نظمها صندوق تقاعد موظفي الخدمة المدنية، وتناولت التعريف بقانون معاشات ومكافآت ما بعد الخدمة،  كانت المحاضرة مهمة ومفيدة، وتعرفت من خلالها إلى الكثير من المعلومات المتعلقة  بالقوانين المتعلقة بما بعد الخدمة. المحاضرة تأتي في إطار سلسلة من المحاضرات التي يقدمها الصندوق، وتستهدف  موظفي المؤسسات الحكومية التابعة للخدمة المدنية.
كان الحضور قليلاً ولا يتوازى مع أهمية العنوان بالرغم من أن مجالسنا ولقاءاتنا الخاصة لا تخلو من  اجتهادات شخصية وفتاوي  مختلفة حول هذا الموضوع.
(2)
بدأ العام الدراسي ومازال العديد من المدارس تعاني من نقص في تشكيلات المعلمين، وعدم اكتمال الطواقم الإدارية والتدريسية، إضافة إلى نواقص مختلفة في جوانب  الكتب الدراسية، والأثاث المدرسي، والحافلات المدرسية.
هل المشكلة في التخطيط، أم في سوء التخطيط؟
(3)
يحلم صديقي بوجود مساحات خضراء وسط الحي السكني الحديث الذي يقطنه، لتكون رئة ومتنفساً لسكان هذا الحي، كما يحلم بتوفير مساحات يتم استغلالها كملاعب رياضية، ومواقف سيارات، خاصة في ظل الحوادث التي نسمعها يومياً بسبب اضطرار بعض الصغار لاتخاذ الشوارع الفرعية مكاناً لممارسة هواياتهم الرياضية  . يبرر صديقي حلمه بأن كثير من هذه الأحياء هي عبارة عن مخططات سكنية حكومية، وبالتالي فإنها من المفترض أن تشتمل على كل هذه الأشياء، كما هو الحال في كثير من مدن العالم المختلفة، ونحن بالطبع لسنا أقل منهم تنظيماً.
يبدو أننا نحتاج إلى فرع لبلدية مسقط في كل ولاية  يا صديقي.
 (4)
متى سنرى المذكرات الخاصة بالعديد من الشخصيات العمانية التي أثرت البلد بعطاءاتها في مختلف الجوانب السياسية والثقافية والاجتماعية المختلفة على مدى سنوات طويلة.
ليس شرطاً أن تكون هذه الشخصية مشهورة وذات وضع اجتماعي أو اقتصادي معين. قد يكون  قبطاناً أو بحاراً أفنى عمره في مجال الملاحة البحرية، وقد يكون شيخ قبيلة عاصر كثيراً من الأحداث السياسية والاجتماعية المختلفة، وقد يكون رجل علم أو مثقف بارز في أحد فروع الثقافة، فالبلد بحاجة إلى عصارة التجربة الحياتية لهؤلاء، والأجيال القادمة بحاجة كذلك.
السؤال يوجـه إلى الجهات المختصة بالإعلام والثقافة، والقائمين على دور النشر المختلفة، والباحثين، وإلى أسر هذه الشخصيات كذلك.
 (5)
عندما يذهب أحدنا إلى مؤسسة ما، فإنه يخرج بعدد من الملاحظات المتنوعة تجاه أداء هذه المؤسسة، الغريب أننا نتحدث كثيراً في مجالسنا ولقاءاتنا عن هذه الملاحظات، سلبية كانت أم ايجابية،  برغم وجود صندوق شكاوي ومقترحات في معظم هذه المؤسسات.
هل المشكلة فينا أم في الصندوق؟
(6)
يحدث أن تدخل محلاً تجارياً معيناً لشراء سلعة ما فتجدها  بسعر معين، ثم تذهب لشراء نفس السلعة من محل آخر ، فتفاجأ أنها بسعر مختلف. هذا الأمر يتكرر في كثير من المحلات داخل المدينة  الواحدة ، أو حتى بين المدن المختلفة، ولا يقتصر على سلع معينة، بالرغم من أن قيمة إيجار المحلات قد تكون متقاربة كثيراً، كما أن مصادر البضاعة قد تكون نفسها في أغلب الأحيان.
متى سنرى تسعيرة موحدة ، ومتى نرى تطبيقاً لقوانين رادعة تحد من بعض التجاوزات التي يقوم بها أصحاب هذه المحلات.
(7)
يسألني ابني ذو العشر سنوات : هل نذهب إلى المدرسة للتعليم أم للتعذيب؟ أجبته مندهشاً: للتعليم طبعاً. لماذا هذا السؤال الغريب يا بني؟ رد علي: جرب أن تحمل حقيبتي، وستعرف مغزى سؤالي.
فلنتق الله في "ظهور "أبنائنا.
(8)

من أجمل ما قاله سلطان العاشقين ابن الفارض:
عذّب بما شئتَ غيرَ البُعدِ عنكَ تجدْ 
                  
أوفى محِبّ بما يُرضيكَ مُبْتَهجِ
وخُذْ بقيّةَ ما أبقَيتَ من رمَقٍ 
                  
لا خيرَ في الحبّ إن أبقى على المُهجِ
مَن لي بإتلاف روحي في هوَى رَشَإٍ 
                  
حُلْوِ الشمائل بالأرواحِ مُمتَزِجِ
مَن ماتَ فيه غَراماً عاشَ مُرْتَقِياً 
                  
ما بينَ أهلِ الهوَى في أرفع الدّرَجِ
مُحَجَّبٌ لو سَرى في مِثلِ طُرَّتِهِ 
                  
أغنَتْهُ غُرّتُهُ الغَرّا عن السُّرُجِ

الثلاثاء، 27 سبتمبر 2011

الاثنين، 26 سبتمبر 2011

ساعة..في حضرة أبي فاطمة


جريدة الرؤية - الاثنين - 26/9/2011م
التقيته صدفة بعد سنوات من آخر جلسة جمعتنا معاً وفي نفس المكان، ترى هل هي الأقدار التي ساقتني إلى هذا المكان لألتقيه بعد كل هذه السنين ؟ لا أتذكر كم مضى من الوقت على آخر لقاء لنا، ربما أربع سنوات، وربما أكثر.نفس الملامح ، وذات الابتسامة الواثقة باستثناء بعض (الشيب) على رأسه وأجزاء من لحيته. انه أبو فاطمة صديق الجلسة القديم ، وأبرز أركانها، تلك الجلسة التي كانت تضم عدداً من الأشخاص متعددي الأفكار، ولطالما شهدت كثيراً من النقاشات الفكرية المختلفة.
ولمن لا يعرف أبو فاطمة فهو  موظف سابق في عدد من  المؤسسات الحكومية والخاصة، وعلى "باب الله" حالياً بعد تقاعده منذ سنوات عديدة، وبرغم تعليمه البسيط لظروف المجتمع وقتها، إلا أنه كان حريصاً على تثقيف نفسه ، كما أن التجارب الحياتية العديدة التي خاضها أكسبته حكمة وحنكة ودراية بكثير من الأمور والقضايا.
 فرحت كثيراً بالصدفة الجميلة التي جمعتنا أخيراً، فحديثه اللبق، وإنصاته الجيد، وحواره المتواصل، وتحليله البسيط للأحداث ، كانت من الصفات التي أتذكرها عنه منذ آخر جلسة جمعتنا معاً.
 كانت طاولتنا تقابل  لوحة أنيقة لأحد المرشحين لانتخابات مجلس الشورى في الجانب الآخر من الشارع، فهمهم أبو فاطمة في خفوت: ليتهم يهتمون بخدمة مجتمعهم بقدر اهتمامهم بحسن تصميم لوحاتهم، وأناقة صورهم الشخصية المعلقة عليها.
أنت نفسك كما عهدتك يا صديقي، لم تتغير، نفس سرعة البديهة، وسرعة التعليق،  بمناسبة الحديث عن انتخابات مجلس الشورى، قل لي من سترشح في هذه الانتخابات؟
أجابني: لن أرشح أحداً. سألته: لماذا هذه السلبية، لم أعهدك هكذا؟ أجابني: لست سلبياً ولكني لا أجد في كثير من المترشحين من أعتقد بأنه أفضل مني كي أرشحه، أنسيت أنني خدمت الوطن أكثر من 20 عاماً في مجالات كثيرة.  لابد لي من أن اقتنع بالمرشح أولاً كي أختاره،  وإلا لماذا كل هذا الحرص على وضع الصور في كل ركن ماداموا يعتقدوا في أنفسهم أنهم الأفضل والأجدر؟ ثانياً يا أخي لمَ  أرهق نفسي بالاختيار وأنا أعلم أن المقاعد في أغلبيتها محسومة؟ محسومة لصالح من يا أبا فاطمة؟ لصالح ذوي الخبرة والمال والنفوذ بالطبع.
سألته: ما هذا التشاؤم ، أنسيت أن  هناك بعض الشباب المثقف المتحمس الطامح لإحداث تغيير في منظومة العمل البرلماني ، ولهم مؤيديهم ومريديهم؟أجابني: مع تقديري  لأشخاص هؤلاء وفكرهم ، وهناك بالفعل أسماء تستحق التحية،  إلا أنه قد لا يكفي الصوت المفوه، والحماس الكبير، فالانتخابات لعبة معقدة لها أساليبها وخباياها، وكثير من المنتخـِبين قد لا تشغلهم العملية الانتخابية حالياً بالشكل الذي يجعلهم يبدون اهتماماً جدياً بها وبعملية اختيار المرشح المناسب.
والحل يا أبا فاطمة؟قال: الحلول كثيرة ، خذ معك مثلاً خطوة تشكيل المجالس البلدية في الولايات وجعل عضويتها عن طريق الانتخاب ، فليدخل كل هؤلاء المترشحين  في تنافس على مقاعد هذه المجالس، خاصة أن كثير من محاور برامجهم تركز على أعمال خدمية بلدية تتعلق بولاياتهم، ولننتظر فيما بعد مدى قدرتهم على تحقيق هذه البرامج أو على الأقل جزء منها.وقتها ستكون بروفة جادة واختباراً حقيقياً،  حتى عندما تأتي انتخابات مجلس الشورى القادمة يكون المجتمع على وعي وإدراك بالمرشح المناسب لتمثيل الولاية، وذلك من خلال بصمته الواضحة في ولايته.
سألته: ولم لا ترشح نفسك إذاً؟ أجابني: رحم الله إمرءاً عرف قدر نفسه، حصولي على بعض الشهادات، أو مشاركتي في بعض الأعمال التطوعية البسيطة، أو امتلاكي لبعض المال ليس هو المعيار الوحيد للترشح. يا أخي هذه مسئولية وأمانة، وعندما سأقتنع يوماً بأن إمكاناتي ستسمح  بتنفيذ ما أتعهد به أمام الناس، فسيكون لكل حادث حديث.
فجأة مر أمامنا أحد العمالة الآسيوية يقود دراجته الهوائية، واضعاً حقيبته التي تحوي (عـدة الشغل) في السلــة ، فعلـــﱠــق أبو فاطمة: أنظر لهذا العامل، إنه ذاهب لتصليح (حنفية)ماء، أو تثبيت (طبق) هوائي، أو تغيير (لمبة) نور، ومعظمها أعمال بسيطة وليست بحاجة لتلك الخبرة العميقة، ولن يقل ما يتقاضاه هذا العامل عن (بضعة ) ريالات عمانية في أقل من ساعة من الزمن، فكم سيتقاضى في اليوم الواحد لو  قام بالعمل في أكثر من مكان؟
ثم أشار إلى مجموعة من الشباب كانوا جالسين في طاولة قريبة منا يعبثون بهواتفهم النقالة: أين هؤلاء عن مثل هذه الأعمال، بدلاً من الشكوى من البطالة، والضغط على الحكومة لتوفير الوظائف  لهم؟للأسف انشغل كثير من هؤلاء الشباب وأمثالهم بتوافه الأمور واعتبروها مجالاً للتنافس بينهم،دون وعي أو إدراك منهم بأن المباهاة والتنافس الحقيقي هو في مدى جودة العمل والإنتاج، وفي قدرتهم على تطوير إمكاناتهم الذاتية، لا التباهي بأمور مادية قد تتغير أهميتها بتغير الزمن.
سألته: سمعت أنك قد رفعت دعوى على ( فلان) المسئول الكبير لأنه رفض مقابلتك، لماذا تقحم نفسك في المشاكل؟ أنت مواطن على (قد) حالك. فرد علي بعصبية: لم يؤخرنا سوى سلبيتك هذه، يعطل الموظف معاملتنا فلا نرد عليه خوفا من الدخول في مشاكل ، ننتظر المسئول الكبير على بابه شهوراً ، فنكتم حسرتنا في داخلنا،  يخالفنا رجل الشرطة لسبب بسيط، فلا نفكر في مجرد النقاش معه .ترى كم من الحقوق أهدرناها لمجرد أننا لا نعي أهمية هذه الحقوق، وأنها حقوق مكتسبة لدينا، وليست منــة من أحد. يا صديقي لو التزم كل فرد منا في المجتمع بمعرفة حقوقه وواجباته ، لتغيرت كثير من الأمور، وربما كان هذا الأمر هو السبب الرئيس في تقدم كثير من الشعوب وتفوقها.
فجأة رن هاتفي مذكراً بعمل ضروري لا بد لي من إنجازه، حارماً إياي من جلسة  ممتعة مع شخص رائع بحجم أبي فاطمة، ترى كم سيمضي من الوقت كي تتكرر مثل هذه الجلسة مرة أخرى مع هذه الشخصية الجميلة، وهل ستتحقق رؤاه بخصوص المجلس؟ بالتأكيد ستكشف عنها الأيام القادمة، وربما نناقشها يوماً ما في حضرته.

الخميس، 22 سبتمبر 2011

المواطن بين الحقوق والواجبات


جريدة عمان
كشفت الأحداث الأخيرة التي مرت بها السلطنة من حراك سياسي واجتماعي ، عن العديد من الأمور المهمة والتي تتعلق بثقافة المجتمع، ولعل من أهمها مدى معرفة المواطن بحقوقه وواجباته والتي نص عليها النظام الأساسي للدولة، وقوانين حقوق الإنسان، حيث أوضحت هذه الأحداث عن جهل لدى شريحة من المجتمع تجاه هذا الأمر، وقد يكون هذا الجهل بسبب اللامبالاة من قبل البعض ، أو بسبب ضعف دور التوعية  من قبل المؤسسات المنوط بها هذا الدور.
واكتشف البعض متأخراً أن كثيراً من الأمور والأحداث  المتعلقة به شخصياً، أو بالمجتمع بشكل عام، ما كانت لتحدث لو كان هناك وعي أكبر بكثير من الحقوق والواجبات المتعلقة بتنظيم العلاقة بين الدولة والأفراد.
وبدأ العديد من الأشخاص في سرد الكثير من القصص والأحداث التي حصلت لهم، كان المواطن يتنازل فيها عن أبسط حاجاته بسبب جهله بقانون معين، أو بسبب خوفه من مسئول ما، أو بسبب اعتقاد الطرف الآخر سواء كان مسئولاً أو موظفاً عادياً بأن هذا المواطن جاهل بحقوقه، لذا ..وبسبب ذلك فقد انتشرت بعض التصرفات والممارسات الاجتماعية والاقتصادية التي أضرت بالبلد وبالمجتمع.
 
لذا .. فمن المهم أن تكون لدى المواطن معرفة بالحقوق والواجبات، وعلى أن تكون لديه شيء من الثقافة القانونية..وعلى أن يتشكل لديه الوعي بأهمية المسئولية، وكيف أن وجوده في هذا المجتمع مرتبط بحقوق عليه أن يبحث عنها، وأن عليه كذلك كثير من الواجبات تجاه هذا الوطن، وهو مسئول كل المسئولية عن الالتزام بهذه الواجبات ومحاولة القيام بها، وأنه متى ما أردنا أن نتعايش في سلام ، فعلى كل منا أن يلتزم بحقوقه وواجباته،
فكم من الحقوق أهدرت لمجرد أن الأشخاص لا يعون أهمية هذه الحقوق، وأنها حقوق مكتسبة لديهم..
وفي المقابل كم من المصالح تعطلت  لمجرد أن نفس الأشخاص لا يعون أهمية الالتزام بالواجبات المنوطة بهم.

          وبرأيي أنه قد حان الوقت كي يعي أفراد المجتمع بما لهم وما عليهم تجاه بلدهم، وذلك من خلال وسائل عدة تتشارك في تنفيذها مؤسسات عدة، وتتدرج هذه الوسائل ابتداء من النشء الصغير، وحتى المسئول الكبير،تركز على كافة الفئات دون استثناء.
        ولعل من بين هذه الوسائل  وجود  وثيقة تربوية  تشتمل على  حقوق الطلاب وواجباتهم في المدارس، وألا تقتصر هذه الوثيقة على كيفية قبول الطلبة وتسجيلهم، وآلية انتقال الطلبة، والزي المدرسي، وقواعد الانضباط الطلابي والسلوكي، والانتظام المدرسي فقط  ، بل تتعداها لتشتمل على حقوق الطالب الدينية والأخلاقية، والوطنية والاجتماعية، واحتياجاته الشخصية، وحقوقه المدرسية والتربوية،  وكذلك مسئولياته تجاه دينه ونفسه ووطنه ومجتمعه، ومسئولياته تجاه قيادته، وبيئته المدرسية، ، ومن المهم أن يكون لدى الطالب وولي الأمر نسخة من هذه الوثيقة، كي يطلع عليها ويهتم بمعرفة حقوقه، ومحاولة القيام بواجباته، وكي يتعود على المسئولية ، حيث إن تفعيل المواطنة (الحقة) يأتي من خلال  البدء بالنشء، وتعويدهم على أن يكون لهم رأي وفكر في كل ما يحيط بهم، علهم يصلون يوماً ما إلى أعلى درجات المواطنة، وهي المواطنة السياسية وهي الهدف المنشود في الوقت الحالي.
         كذلك فمن المهم  وجود مناهج تعنى بالتربية الوطنية أو المدنية يتعرف الطالب من خلالها على مكونات النظام الأساسي للدولة، ويطلع على آلية العلاقة بينه وبين بلده، وعلى الحقوق والواجبات المتبادلة بينهما، وتساهم هذه المناهج في إعادة تشكيل وعيه وثقافته السياسية والاجتماعية، وأن ترتبط هذه المناهج بأنشطة تزيد من مدى إدراك الطالب لما يدرسه من جوانب نظرية، وذلك من خلال تحليل قوانين ونصوص تشريعية مثلاً، أو القيام  بزيارات لمؤسسات حكومية ذات علاقة والاطلاع على قوانينها وتشريعاتها، وكذلك من خلال حلقات النقاش وإبداء الرأي حول قضية ما تهم الطالب ومجتمعه.
      كما أن على وسائل الإعلام المختلفة دور كبير في التوعية بهذه الحقوق والواجبات، وذلك من خلال منظومة متكاملة من البرامج توزع بشكل متوازن على وسائل الإعلام الحكومية المرئية والمسموعة والمقرية، يشترك في إعدادها وتقديمها نخبة من  المتخصصين في النواحي القانونية،وتركز على الحوار، وتشرك المواطن فيها  من خلال اللقاءات المباشرة  أو المسجلة.
         كما أن على مؤسسات الدولة المختلفة بذل جهود أكبر في سبيل التوعية القانونية للموظفين المنتسبين إلى هذه المؤسسات، فمازال هناك كثير من الموظفين لا يفقهون في كثير من الأمور القانونية المتعلقة بعملهم، كالإجازات وأنواعها مثلاً،إضافة إلى بعض الممارسات الخاطئة فيما يتعلق بأمن المعلومات وسريتها، أو آلية التعامل مع المراجعين وغيرها من الممارسات.  
       وهنا أضع مقترح تبني برنامج وطني يركز على نشر ثقافة المواطنة بين أفراد المجتمع، ويشترك في الإشراف على وضع هيكلة هذا البرنامج وأهدافه وآليات تنفيذه عدد من المختصين من الوزارات المعنية كوزارة التربية والتعليم، ووزارة الإعلام، ووزارة التنمية الاجتماعية، ووزارة الشئون القانونية وغيرها، وكذلك عدد من الباحثين والمتخصصين في قضايا المواطنة في مؤسسات التعليم العالي وغيرها، ويقوم هذا البرنامج بتنفيذ العديد من الأنشطة والفعاليات المتنوعة التي من شأنها النهوض "بثقافة المواطنة " في السلطنة، من خلال زيادة تفعيلها في المناهج الدراسية، وتنفيذ البرامج الإعلامية المصاحبة ، وتبني المسابقات المتعلقة بتنفيذ مشروعات طلابية أو مجتمعية لها علاقة مباشرة بالمجتمع، ودعم المشروعات المجيدة منها، وطباعة النشرات التوعوية المتعلقة بالحقوق والواجبات السياسية والاجتماعية، وغيرها من الأنشطة التي لا مجال هنا لحصرها.
ختاماً..متى ما أردنا مواطنة صالحة حقيقية ...فعلينا أن نعي بأهمية معرفة الحقوق والواجبات..ولو التزم كل فرد منا في المجتمع بمعرفة حقوقه وواجباته ، لتغيرت كثير من الأمور...وربما كان هذا الأمر  هو السبب الرئيس في تقدم كثير من الشعوب وتفوقها.
 

"اللي يعوزه البيت..يحرم على الجامع"


جريدة الرؤية - الأربعاء 21/9/2011
سعيد مواطن بسيط   تكمن مشكلته في أنه عندما يخرج من بيته باتجاه سوق المدينة لشراء كيلو من اللحم المحلي، فإنه غالباً لا يجده، ويتطلب حصوله عليه شراء رأس كامل من الغنم المحلي يوم الخميس حيث يأتي بعض مربي الأغنام المحلية لبيعه، كما أنه عند مروره على معظم محلات بيع اللحوم في مدينته الكبيرة فإن اللحوم المستوردة المتوافرة تكاد تكون محدودة، وبعضها لا توجد إلا في محل أو اثنين فقط، وكثيراً ما يتغير طعم بعضها بفعل طول مدة تجميدها، وبرغم كل ذلك فإن ميزانية سعيد لا تحتمل الأسعار المبالغ فيها التي تقترب من الريالات الثلاث لأرخص كيلو لحم.
     يتذكر سعيد تأنيب أخاه الكبير له قبل حوالي سنوات عشر من الآن ، عندما اشترى رأساً من الغنم المحلي بسعر (21 )ريالاً ، حيث كانت لديه مناسبة اجتماعية معينة، وسبب التأنيب هو أن السعر الحقيقي وقتها لا يتجاوز (  18 ) ريالاً في أسوأ الأحوال.
  وقتها.. لم يكن موضوع "اللحم" ضمن الموضوعات المطروحة بكثرة للنقاش المجتمعي، ذلك أنه كان بأنواعه المحلي والمستورد  متوافراً في الأسواق بحيث لم يكن ليشكل أزمة ما، وكان من المعتاد أن يكون وجبة رئيسة في كثير من الرحلات والولائم و"الطلعات" الشبابية والعائلية نهاية كل أسبوع.
   اليوم  يبدي سعيد دهشته واستغرابه مما يراه ، فرأس الغنم المحلي ذو الستة أشهر الذي اشتراه قبل عشر سنوات ب21 ريالاً أصبح سعره في حدود ( 60 )ريال، هذا إذا وجدته أساساً بعد أن تطرق بيوت كثيرة، وتزور حظائر مختلفة،  ورأس الغنم المستورد الذي كان سعره وقتها في حدود (14) ريالاً، أصبح يقترب الآن من (45) ريال.
    وأصبح سعيد بين هذا وذاك يضرب أخماساً بأسداس ، ويبعث التساؤلات التي هي بحاجة إلى إجابات شافية، وحلول حقيقية، فهو لم يعد أمامه سوى البقوليات ليتخذها "إداماً"  في غدائه ، بعد الارتفاع الجنوني في أسعار اللحوم والدواجن والأسماك، وقلة المعروض منها، وسط حالة من الاستغراب المصحوبة بالدهشة العارمة من قبل المجتمع، فهل يعقل لمجتمع صغير ذا نمو سكاني محدود أن يتحدث عن مشكلة غذاء في بلد لديه من الموارد الطبيعية ما يكفيه لتجاوز مثل هذه القضايا، والتركيز على قضايا مجتمعية أكثر أهمية.
  مازالت علامات التعجب والاستفهام لا تفارق أفواه سعيد وغيره من المواطنين، فما الذي يجعل سعر رأس الغنم المحلي والمستورد  يتضاعف 3 مرات؟ هل هي الزيادة الهائلة في عدد السكان وبالتالي ازدياد الطلب؟ بالقطع لا، فزيادة عدد السكان لا تتوازى بتاتاً - كما يعتقد سعيد-  مع هذه الزيادة "البشعة" في أسعار اللحوم.
كما أن سعيد لا يرى في ارتفاع أسعار الأعلاف وتأثيرها على ارتفاع الأسعار مبرراً رئيساً ، فما كان يلاحظه في مجتمعه المحلي أن الماشية تعتمد في طعامها على بقايا الأكل المنزلي، وعلى التمور المحلية، وعلى الحشائش المرتبطة بزراعة النخيل، إضافة إلى المراعي الطبيعية. صحيح أن هناك من مربي الماشية من يعتمد على الأعلاف المستوردة، ولكن بالإمكان البحث عن مصادر أخرى لإطعام الماشية خاصة مع وجود رقعة زراعية لا بأس بها، ومع وجود قرى كثيرة تعتمد على الزراعة وتربية الماشية بالتوازي.
يتحدث سعيد عن عمليات التصدير الغير منظمة والتي تلعب دوراً كبيراً في قلة المتاح من الماشية في الأسواق ، وارتفاع سعرها، و قد سمع كثيراً عن تجار تخصصوا في شراء رؤوس  الأغنام المحلية ممن لم يتجاوز عمرها 5 أشهر بغرض التصدير والبيع في أسواق بعض الدول المجاورة، لاستخدامها في إطعام إبل السباق هناك، حيث يتم رمي اللحم، والإبقاء على العظام التي  تدق بعد سلقها لعمل (حساء) مخصوص لها. سعيد يذكر المسئولين بالمثل القائل"اللي يعوزه البيت يحرم على الجامع " ، والمثل واضح وشارح لنفسه.
     يتساءل سعيد كذلك: إذا كانت أسواق مدينتي الكبيرة تعاني من قلة المعروض من اللحوم ومحدودية تنوعها،  فما بالنا بالكثير من القرى المتناثرة في أرجاء السلطنة، فباستثناء بعض أسواق المناسبات في الولايات، وبعض المجازر ، فإن معظم سكان هذه القرى يحصلون على اللحوم إما بشرائها من الولايات القريبة، أو من خلال الحظائر الأهلية، وهذه الحظائر لا تتوافر فيها الضمانات الصحية الكافية، كما أن الأسعار تعتمد على مزاج صاحب الحظيرة وليس على قائمة أسعار محددة تصدر من قبل جهات مسئولة.
    يستغرب سعيد كذلك تواجد أنواع محددة من اللحوم المستوردة ذات مصادر ثابتة، فباستثناء اللحوم الصومالية أو الهندية أو الاسترالية ، أو الباكستانية، والنيوزيلندية أحياناً، فانك لا تجد أنواعاً أخرى خاصة من الدول العربية أو الإسلامية المشهورة بوفرة الإنتاج ورخص الأسعار، وغالبية هذه اللحوم تكون مجمدة وغير طازجة، ومع ذلك فان سعر الكيلو لا يقل عن 3 ريالات عمانية، بينما  يذكر أنه شاهد في الأسواق المصرية  على سبيل المثال عشرات الأنواع من اللحوم المستوردة من دول كثيرة، وغالباً لا يزيد سعر الكيلو عن ريال عماني.ويقترح:لماذا لا نرى اتفاقيات لتوريد رؤوس الماشية أو اللحوم  المذبوحة من دول تربطنا بها علاقات جيدة كإيران أو السودان ومصر أو السعودية مثلاً، مع عدم التركيز على توفير هذه اللحوم بالمجمعات الكبرى فقط.
يتحدث سعيد عن أمله في خطوات كثيرة تجعله هو وأمثاله من الطبقة المتوسطة وما دونها يحصلون على اللحم وغيره من السلع الأساسية بطرق ميسرة تتناسب وظروفهم الاقتصادية ، لعل من بينها تشريع القوانين الخاصة بتنظيم عمليات الاستيراد والتصدير، ومحاربة الاحتكار، وتشجيع الأهالي على عودة نظام الحظائر المنزلية التي كانت تحقق شيئاً من الاكتفاء المنزلي، وتشجيع زراعة جزء من الرقعة الزراعية بأنواع معينة من العلف مع تقديم الدعم المادي الكافي للمزارعين، وتشجيع مشروعات تسمين العجول والأبقار، وتنظيم برامج الأسرة المنتجة، ونشر التوعية حول قضايا ثقافة الاستهلاك، والتعاون مع الجهات المنوطة بحماية المستهلك.
يرمي سعيد الكرة في ملعب المسئولين المختصين ..فماذا هم فاعلون بها؟

الأربعاء، 21 سبتمبر 2011

مواقف حياتيــة

جريدة عمان - الخميس 22/9/2011
كنت في أحد المراكز الصحية المتوزعة على مساحة السلطنة الشاسعة.ساعة كاملة مضت وأنا أرقب الجهد الصادق المبذول من قبل طاقم المركز. ما أسمعه عن تردي الخدمات الصحية في كثير من الدول يجعلني أشعر بالفخر تجاه ما يقدمه هؤلاء وغيرهم من الجنود المجهولين.
أحياناً نرهق أعيننا بالنظر من النوافذ الضيقة. وبقدر ما ننتقد للمصلحة العامة فإنه يلزم علينا ألا نبخس كافة الجهود المبذولة لتقديم الخدمات المختلفة للمواطنين. شكراً لكل من يبذل حبة عرق من أجل الوطن.
*   *   *
سعادة الشيخ الدكتور رئيس الهيئة العامة لحماية المستهلك: يعلق عليكم المجتمع آمالاً عريضة في تحقيق الاستقرار لأسعار السلع المختلفة، والحد من التجاوزات الكثيرة التي يمارسها بعض التجار ، وبلا شك فإن افتتاح الهيئة لتسعة فروع لها في محافظات ومناطق السلطنة في فترة وجيزة منذ إنشاء الهيئة يعتبر انجازاً مهماً يحسب لكم، ويجعل المواطن البسيط يتفاءل كثيراً بما سيتحقق من جهود مستقبلية. المهمة صعبة وأنتم أهل لها.
حماية المستهلك عملية مشتركة بين الحكومة والمواطن، وبدون جهود أحد الطرفين لن تتحقق الأهداف المرجوة.
*   *   *
بعض الإعلانات التجارية الإذاعية تمتاز بالسماجة وثقل الدم. أحد الإعلانات يتحدث عن انتهاء مشكلة المواطن السكنية، وقدرته (أخيراً)على بناء منزل العمر، وذلك من خلال العرض (الخيالي) الذي يقدمه هذا البنك من خلال فوائده البسيطة، وإعلان آخر يبدو فيه أحد المواطنين محتاراً في اختيار الجامعة التي يدرس بها، وبمجرد أن يعدد له صديقه مزايا إحدى الجامعات من خلال رسومها المناسبة (لم يحدد مقدارها)، وتوافر سكن للطالبات   (ما علاقته به)، إلا وتزول الحيرة ، ويتخذ المواطن قراره دون تردد.فلنكثر من الإعلانات دامها ستساهم في حل مشاكلنا بهذه البساطة.
هل أصبح المواطن ساذجاً إلى هذا الحد في نظر البعض ؟

السبت، 17 سبتمبر 2011

دعاية انتخابية أم "شو" إعلامي


      جريدة الرؤية - السبت 17/9/2011م
 ما أن تعبر أحداً من شوارع السلطنة ، أو تدخل مدينة من مدنها إلا وتطالعك لوحات ضخمة عليها صوراً لبعض المترشحين، وعبارات من نوعية "مرشحكم نحو التغيير"، "صوتكم لمستقبل وطن"، "بكم يتقدم الوطن"، "بكم نصنع التغيير" " سأحقق مطالبكم مهما غلا الثمن" ، "هدفي إيصال صوتكم".
        وما إن تدخل مؤسسة ما، أو تتجول في مجمع تجاري معين،إلا وتجد من يأتيك ليوزع عليك مطبوعة أنيقة تحوي برنامجاً  انتخابياً تتباين محاوره ما بين سيادة دولة القانون، وتحقيق الكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية، وبين عمل أسابيع تراثية، أو تسوير مقبرة ما، أو عمل أعراس جماعية، وهذا الأمر يجعل صديقي سالم، وهو مواطن بسيط له شيء من الاهتمامات السياسية،  يتندر كثيراً عليها، فهو يرى أن  الواقعية تغيب عن كثير من هذه البرامج التي يبدو أنهم استعانوا في وضع بنودها ببعض المثقفين من معارفهم، أو من خلال الاطلاع على بعض التجارب الانتخابية لدول أخرى على مواقع الانترنت، فهي إما عبارة عن  شعارات أقرب إلى الشو الإعلامي منه عن التحقق على أرض الواقع، أو أنها أعمال يستطيع أبسط عضو في أصغر لجنة محلية أن يقوم بها.
     كما أن صديقي  يستغرب تلك الدعاية الكبيرة في الشوارع، وحجته في ذلك  أن المجتمع المحلي ليس بتلك الضخامة التي تجعل المرشحين يضطرون للإعلان عن أنفسهم، فكلنا "عيال قريـــــه..وكل يعرف خويـﱠﱠــــه" ، والمجتمع بلا شك سيستطيع أن  يفرز الشخصيات التي لها مساهماتها المجتمعية الواضحة و المعروفة على المستويات الفكرية والسياسية والاجتماعية.

       الأمر الايجابي المتعلق بكل تلك الدعاية الإعلانية من صور  ولوحات ومطبوعات مختلفة من وجهة نظر سالم ،هي أنها فتحت باب رزق لعشرات من الشباب الذي قام على تصميم كل ذلك، وهو يتمنى في داخله أن تتم الانتخابات مرة كل سنة كي تستفيد شرائح عديدة من المجتمع من كرم كثير من أولئك المرشحين، وتواصلهم الاجتماعي الغير معهود، ومن جهودهم الدءوبة للوقوف مع بعض الشرائح المجتمعية وتلبية مطالبهم، حتى لو كان ذلك من باب الدعاية الانتخابية لا غير.
أسئلة عديدة تتداعى تباعاً في ذهن سالم: ما هي رؤية كثير من المرشحين لواقع مجلس الشورى؟  وما مدى اقتناعهم بالرؤى والبرامج التي تضمنتها برامجهم؟ وهل تنطبق عليهم أبسط شروط الترشح الحقيقية والمتمثلة في وجود إمكانات وقدرات فكرية وسياسية واجتماعية تتناسب والدور الذي ينبغي أن يمارسه البرلمان؟
صديقي يرى أن المجلس ينبغي أن يلعب دوراً مهماً ومؤثراً في حياة المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية،  ويفترض فيه أن يحمل هموم شعب، ويناقش خططاً وبرامج تنموية مختلفة، ويشترك في سن قوانين قد تؤثر على وضع البلد من كافة النواحي، كما يضرب أمثلة على بلدان العالم المتقدمة والتي تلعب فيها البرلمانات دوراً واضحاً في الحياة السياسية والاجتماعية بها، حيث يتقدم المرشح متسلحاً بالعديد من الانجازات الخدمية المجتمعية ، ومجهزاً لبرنامج انتخابي واضح الملامح ودقيق الخطوات ، وقابلاً للتطبيق، ويكون ملتزماً بتطبيقه متى ما تحقق له النجاح، وأساس الانتخاب هناك هو البرنامج وليس الشخص.

ولكن سالم لا يعول كثيراً على المجلس  في وقته الحالي، فهو يرى أنه بتشريعاته الحالية لا يتيح الفرصة نحو إيجاد دور أكبر له يشعر به المواطن، ويجعله حريصاً على البحث عن مرشح حقيقي يستطيع أن يلبي له بعض مطالبه المجتمعية العامة، ولا يستطيع كذلك  أن يفرض رقابة حقيقية على أداء الحكومة في مختلف المجالات.

كما يرى أنه   ما زال هناك  الكثير من المرشحين لا يعون أهمية ومكانة دور البرلمان في المجتمع، والدليل هو  العدد الهائل من المرشحين في بلد لا يتجاوز عدد سكانه المليوني نسمه،وهذه الأسماء الكثيرة التي لم نسمع يوماً عن مشاركتها المجتمعية الواضحة، أو مساهماتها الفكرية المعروفة، وهذا التناقض الكوميدي المؤلم بين عدد سكان بعض الولايات، وبين عدد مرشحيها.

يعتقد سالم  كذلك أن عدداً لا بأس به من المرشحين هدفهم الأساسي هو الحصول على مكانة اجتماعية معينة، أو منصب كبير مستقبلاً  معتمدين على ضعف الوعي السياسي لدى قطاع مهم من المجتمع في بلد ما زالت فيه الثقافة القبلية، و"التربيطات" الاجتماعية متغلغلة بشكل واضح في عمق المجتمع.

وينتقد سالم شروط  العضوية الحالية والتي  تنحصر في المكانة والسمعة الحسنة في الولاية، أو كونه في  مستوى مقبول من الثقافة ، وأن يكون لدية خبره عملية مناسبة، ويرى أنها شروط  وهمية، ومن الصعب قياسها، وغير كافية كمعايير لضبط عملية الترشح، ووجودها من وجهة نظره هو دليل واضح على عدم رغبة الحكومة في إيجاد دور أكثر ايجابية وأهمية للمجلس في مرحلته الحالية.

برغم كل ذلك، إلا أن سالم مازال متفائلاً بغد أفضل، فهو يرى في دخول بعض الشباب المثقف معترك العملية السياسية وأفكارهم التي يحملونها أمراً ايجابياً يصب في مصلحة العملية الانتخابية مستقبلاً، كما أننا نمر كمجتمع بمرحلة مراهقة سياسية هي بحاجة إلى مزيد من الوقت كي تنضج وتتضح معالمها، وأن ما يحدث من حراك حالي متعلق بالانتخابات من حيث الحديث عن حملات دعائية، وبرامج انتخابية، ومؤتمرات جماهيرية برغم كثير من الملاحظات حولها، من شأنها أن تصب إيجاباً في مسيرة التغيير الذي ينبغي أن يشهده المجلس مستقبلاً، بالتزامن مع  سن تشريعات تعطي المجلس صلاحيات رقابية وتشريعية أكبر،و إيجاد توعية وثقافة سياسية مناسبة في المرحلة القادمة تتواكب مع تغيرات العصر ، وإعادة تقييم شروط الترشح لمجلس الشورى.

الخميس، 15 سبتمبر 2011

القطاع السمكي بين الواقع والمأمول

عندما كنا صغارا درسنا في مناهج الدراسات الاجتماعية أن السلطنة تحتل المركز الثاني عربياً في إنتاج الأسماك، وكان هذا كافياً لكي نشعر نحن الصغار – وقتها- بالفخر والاعتزاز. لم يكن يدور في خلدنا أنه سيأتي اليوم الذي نستورد فيه الأسماك من الدول المجاورة، وأنه سيصبح فيه كيلو السمك في بلدنا أغلى من أوقية الذهب، وكيف يحدث ذلك في بلد يتجاوز طول سواحلها (3000) كم، وفي دولة اعتاد سكانها أن يروا السمك يوزع بالمجان على البحر من قبل الصيادين.

كثير من التساؤلات الذي أطرحها كما يطرحها الكثيرين ممن اكتووا بنار ارتفاع أسعار الأسماك في الأسواق العمانية: ما الأسباب التي أدت إلى قلة المعروض من السمك، وارتفاع أسعاره؟ وهل فعلاً هناك قلة في الإنتاج أم أن هناك أسباباً خفية تتعلق بهذا الموضوع؟

ليس الحسد هو السبب في ارتفاع سعر الأسماك وقلة المعروض منه، كما قال أحد الصيادين بعد أن عجز عن إيجاد تفسير منطقي لذلك، كما أنني لست مقتنعاً بأن زيادة عدد سكان السلطنة وكذلك المقيمين والسواح، أو أن زيادة وعي المستهلك بأهمية القيمة الغذائية للأسماك، وارتفاع أسعار أدوات الصيد والقوارب وقطع الغيار، كما صرح بذلك معالي وزير الزراعة والثروة السمكية، هي السبب الرئيس في ذلك الارتفاع.نعم، قد تكون أسباب مؤثرة، ولكن لا يمكن أن نعتبرها الأسباب الأهم وراء هذه الظاهرة، فعدد السكان في السلطنة يكاد يكون ثابتاً، ولم يرتفع فجأة بذلك المؤشر الهائل ، كما أن المستهلك لم يصح فجأة من النوم ليشعر أن السمك مفيد غذائياً، فالعمانيون اعتادوا منذ الأزل أن يكون السمك في مقدمة وجباتهم الغذائية ، وبالنسبة لارتفاع أسعار أدوات الصيد ، فالصيادين لا يقومون بتغيير قوارب صيدهم كل يوم، كما إن الارتفاع في أسعار المحروقات ليس وليد اللحظة، بل مضت سنوات على ذلك.

إذاً علينا أن نبحث عن أسباب أكثر منطقية لتبرير الارتفاع المبالغ فيه في أسعار الأسماك، بدلاً من الحديث عن مبررات غير واقعية قد تطرح كمسكنات تلهي الرأي العام.
ومن بين الأسباب المباشرة يمكننا أن نركز على عمليات التصدير العشوائية إلى السوق الخارجي، حيث كانت الصادرات تقترب إلى 50% من ناتج الأسماك، بحسب المصادر الرسمية، وترتفع النسبة إلى أكثر من ذلك بحسب المصادر المتداولة، وبالتالي أدى ذلك إلى قلة المعروض من الأسماك في السوق المحلي، وارتفاع أسعارها بشكل خيالي.

وأصبح الشارع يتداول قصصاً وأخباراً عن مزادات تحدث ليلاً لبيع السمك العماني في أسواق بعض الدول المجاورة، وآخرين يتحدثون عن شحنات من أجود الأسماك تعبر مطار مسقط الدولي بشكل يومي إلى وجهات مختلفة من أسواق العالم.
أذكر أنني عندما كنت أذهب لزيارة إحدى مصانع السمك في جعلان، كنت أندهش بالأنواع العديدة والوفيرة من السمك، ولكن ما إن أذهب لأقرب سوق لبيع الأسماك إلا واۥفاجأ بقلة المعروض وارتفاع سعره. وتظل التساؤلات تتوالى في هاجسي : أين ذهبت كل تلك الكميات التي رأيتها قبل قليل؟؟

وعندما يصرح معالي الوزير بأن "الطلب على الأسماك العمانية قد زاد في الفترة الأخيرة وخاصة من الدول المجاورة وطبيعي أن ترتفع الأسعار محلياً"، فأنا أتساءل : كيف يتم السماح بالتصدير مادام أن السوق العماني لم يستكف من المنتوج؟ أليس من الأولى أن يكون السمك في متناول المواطن العماني وبسعر يتناسب ومستوى دخله، بدلاً من السماح بالتصدير الخارجي؟

وبالرغم من اتخاذ الوزارة قراراً بحظر خمسة أصناف من أنواع الأسماك (السهوة ، الهامور ، الكنعد ، الصال ، الشعري) وهي أصناف مرغوبة في السوق المحلي ، إلا أن هذه الأصناف وغيرها ما زالت إما غير متوافرة بشكل كاف، أو أن سعرها مرتفع بشكل خيالي، فالسهوة مثلاً ما زال معدل سعرها في مدينة تشتهر بإنتاج الأسماك كصور يتراوح ما بين 6-9 ريالات، و"الصال" الذي كان أعلى سعر لها لا يتجاوز نصف ريال، نجده الآن يفوق الريال ونصف وسط حالة استغراب ودهشة من قبل العارفين بأنواع الأسماك العمانية، ويبرز هنا تساؤل مهم: هل بالفعل هناك تطبيق حقيقي لقرار حظر التصدير أم أنه يأتي من قبيل الشو الإعلامي؟

من بين الأسباب كذلك ضعف مراقبة الأسعار، فلا توجد تسعيرة موحدة يمكن أن تتفاوت أحياناً بحسب حالة السوق، بل ما نلاحظه أن بعض التجار يتحكمون في الأسعار وفق أهواء شخصية بحتة، طلباً للربح المبالغ فيه، ربما لاعتقادهم بأنه ليست هناك جهة يمكنها أن تراقبهم أو تفرض عليهم قوانين ولوائح معينة عليهم أن يلتزموا بها. جرب أن تتنقل بين 3 ولايات ساحلية متقاربة وستفاجأ بأن سعر أي صنف من الأسماك يختلف من قرية أو ولاية لأخرى، وغالباً ما ستجد تفاوتاً كبيراً في الأسعار، برغم تقارب حجم الكميات المنتجة، وتشابه الظروف المؤثرة على عملية الصيد في هذه الولايات أو القرى.
ولعلي هنا أطرح بعض المقترحات التي أرى أنها من الممكن أن تسهم في الارتقاء بالقطاع السمكي في السلطنة، وتجعله قطاعاً أكثر حيوية، وقد تحد من بعض المشكلات المتعلقة به.

ولعل من بين هذه المقترحات أهمية وجود جمعية للصيادين من شأنها أن تعبر عن هموم الصياد العماني، وتسهم في تقديم الدعم المادي والمعنوي بمختلف أشكاله، وتتعاون مع الوزارة المعنية في إصدار لوائح وقوانين وتشريعات من شأنها أن تنظم كافة العمليات المتعلقة بالقطاع السمكي من تحديد مواسم صيد، والقضاء على عمليات التلاعب في الأسعار ،وتنظيم آلية التصدير،وغيرها من القضايا المهمة التي تتناول واقع الصياد العماني.

ومن المهم كذلك مراجعة خريطة موانئ ومواقع الصيد في السلطنة من حيث مدى اكتمال البنية التحتية بها، فمازالت كثير من القرى الساحلية المشهورة بصيد الأسماك تعاني من عدم توافر أبسط الإمكانات التي توفر للصياد البيئة المناسبة لعملية الصيد.

و من الضروري أن تشمل مظلة التأمينات الاجتماعية الصياد العماني، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أهمية هذه الحرفة، وعدد المزاولين لها، ذلك أن كثيراً من الصيادين يعانون بشدة عند تعرضهم لأي عائق من شأنه أن يمنعه عن مزاولة المهنة، وبعضهم يصبح عالة على المجتمع،فيمكن بالتعاون مع جمعية الصيادين العمانية "في حالة وجودها"، أن يتم إصدار تشريع معين في هذا الشأن، ويمكن تقديم التوعية الكافية للصياد حول أهمية هذه الخطوة كونها ستشكل ضماناً مستقبلياً لهم في حالة عدم قدرتهم على مزاولة المهنة لأسباب محددة متفق عليها.

كما أن القروض التي يقدمها بنك التنمية العماني للصيادين بحاجة إلى مراجعة شاملة، فبعضهم يتقدم بطلب قرض بحجة القيام بمشروع سمكي معين، ولكن يتم استغلال هذا القرض لأغراض أخرى شخصية لا تمت بصلة للهدف الرئيس من القيام بطلبه، وبالتالي يؤثر على الهدف المنشود من إنشاء البنك.
ومن المهم التوسع في الصناعات القائمة على المنتجات البحرية المتنوعة،بحيث تتناسب ومدى تنوع الثروات الكبير الذي تتمتع به البحار العمانية، وهذه الخطوة من شأنها أن تسهم في توفير فرص عمل متنوعة لعدد من الشباب العماني. بالمناسبة...أين هي شركة الأسماك العمانية؟
كما أن إعادة النظر في الأدوات المستخدمة في عملية الصيد لهي خطوة مهمة نحو تطوير قطاع الإنتاج ، فكثير من هذه الأدوات قد لا تتوافق والتطور الهائل الحاصل في مجال الإنتاج السمكي، وقطاع لا بأس به من الصيادين قد لا يملكون الإمكانات المادية التي يستطيعون من خلالها توفير هذه الأدوات.
كما أن المؤسسات المعنية بالعلوم البحرية في السلطنة سواء كانت تابعة للوزارة المعنية أم تابعة لمؤسسات علمية عليا، بحاجة إلى مزيد من التفعيل فيما يتعلق بالبحوث والدراسات الميدانية، وأهمية الأخذ بالتوصيات الصادرة عن المؤتمرات والورش المتعددة، وضرورة أن يستفيد الصياد العماني من نتائج هذه البحوث والدراسات.

ويبقى التنسيق مع الهيئة العامة لحماية المستهلك وبعض الجهات الأخرى ذات الصلة، حول إيجاد آلية لمراقبة السوق ومنع التجار من الرفع المتعمد للأسعار، وتشديد الرقابة على حركة بيع المنتجات البحرية، أمراً ملحاً ومطلباً ضرورياً تتطلبه الظروف الراهنة التي تعيشها الأسواق العمانية .

يعتبر القطاع السمكي من القطاعات المهمة في خريطة الاقتصاد العماني، من حيث حجم الموارد، وعدد العاملين به، لذا فان الاهتمام الحقيقي بهذا القطاع، ومراجعة كافة الأمور المتعلقة بتطويره، من شأنه أن يعطي بعداً أكبر، وأهمية كبرى لمدى مساهمة هذا القطاع وتأثيره الاقتصادي والاجتماعي.

الأربعاء، 14 سبتمبر 2011

فضفضـــه

انقطعت الكهرباء عن ولايات جعلان الثلاث لمدة يومين، فارتبكت حركة الحياة فيها، وعاش الأهالي في "حيص بيص" لا يدرون شيئاً عما سيحدث في قادم الأيام.هذا الارتباك الحياتي يتكرر لدينا في بعض المناسبات كقدوم رمضان، أو الأعياد، أو عند إشاعة بعض الأخبار المتعلقة بحدوث كارثة طبيعية ما. يبدو أن لدينا أزمة في القدرة على إدارة الأزمة.
* * *
أحدهم يسأل صاحبه الدكتور: ما أهمية حصولك على شهادة الدكتوراه؟ يرد عليه صاحبه: تجعل الناس تناديك يا "دكتور"، يسأله مرة أخرى: وماذا عن استفادة المجتمع من شهادتك؟ يجيبه: يا عمي كبر مخك، وهل هناك من يهتم؟
* * *
يحدث أن تدخل مطعماً يقدر دخله اليومي بمئات الريالات، فتجد أن الملح مثلاً موضوع في علبة حليب، أو أن زجاج الطاولة مكسور منذ عدة أشهر، أو أن الصابون المستخدم في غسيل الأيدي من أردأ الأنواع.ما تبرير كل ذلك؟ هل هي الرغبة في تحقيق المكسب بأقل التكاليف؟أم هو الاستخفاف بمشاعر الزبائن؟ أم كليهما؟
* * *
عندما كنا صغارا درسنا في مناهجنا أن عمان تحتل المركز الثاني عربيا في إنتاج الأسماك، وكان هذا كافيا لكي نشعر وقتها بالفخر والاعتزاز. لم يكن يدور في خلدنا أنه سيأتي اليوم الذي نستورد فيه الأسماك من الدول المجاورة، وأنه سيصبح فيه كيلو السمك في بلدنا أغلى من أوقية الذهب، وكيف يحدث ذلك ونحن الذين اعتدنا أن نرى السمك يوزع بالمجان على البحر من قبل الصيادين.
* * *
علي فرزات الرسام السوري المبدع.مازالت ذاكرتنا تحفظ رسوماته مذ كنا صغاراً نقرأ مجلة الأطفال الشهيرة ماجد. لو كسروا أصابعه فلن يستطيعوا كسر مخيلته وإبداعه.ستبقى رسوماته وسيذهب الجناة إلى مزبلة التاريخ.
* * *
" قولي "أحبك" يا أسطورة ولدت..
منها اللغات، وكل الغيم والشجر
مازال جسمك ضوءاً سائلاً هبطت..
أشياء زينته من شرفة القمر
ماذا أسميك؟ بحراً؟ غابةً؟ لغةً؟
ما عدت أعرف حد الماء يا جزري
عيناك وحدهما حلمي ومعجزتي..
لولا عيونك هذي الأرض لم تدرِ"
دعوة للاستمتاع بالشعر العربي الفصيح.شكراً لك شاعرنا الجميل عبد الله العريمي.

الاثنين، 12 سبتمبر 2011

من وين .. ومنين ومتى بالله ذكرني ..

جيتك أنا فليلة شتا .. تهزني ريح الشمال .. تهزني

محتاج أنا لبسمة وشال .. محتاج لك ..

تركتني لبرد الطريق وأنا على بابك

أتذكر إنّك قلت لي .. بالله وش جابك ..

ودعتني قبل السلام .. وهذا ترى كلّ الكلام

اللي بقى بينك وبيني .. تخيّل