السبت، 17 سبتمبر 2011

دعاية انتخابية أم "شو" إعلامي


      جريدة الرؤية - السبت 17/9/2011م
 ما أن تعبر أحداً من شوارع السلطنة ، أو تدخل مدينة من مدنها إلا وتطالعك لوحات ضخمة عليها صوراً لبعض المترشحين، وعبارات من نوعية "مرشحكم نحو التغيير"، "صوتكم لمستقبل وطن"، "بكم يتقدم الوطن"، "بكم نصنع التغيير" " سأحقق مطالبكم مهما غلا الثمن" ، "هدفي إيصال صوتكم".
        وما إن تدخل مؤسسة ما، أو تتجول في مجمع تجاري معين،إلا وتجد من يأتيك ليوزع عليك مطبوعة أنيقة تحوي برنامجاً  انتخابياً تتباين محاوره ما بين سيادة دولة القانون، وتحقيق الكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية، وبين عمل أسابيع تراثية، أو تسوير مقبرة ما، أو عمل أعراس جماعية، وهذا الأمر يجعل صديقي سالم، وهو مواطن بسيط له شيء من الاهتمامات السياسية،  يتندر كثيراً عليها، فهو يرى أن  الواقعية تغيب عن كثير من هذه البرامج التي يبدو أنهم استعانوا في وضع بنودها ببعض المثقفين من معارفهم، أو من خلال الاطلاع على بعض التجارب الانتخابية لدول أخرى على مواقع الانترنت، فهي إما عبارة عن  شعارات أقرب إلى الشو الإعلامي منه عن التحقق على أرض الواقع، أو أنها أعمال يستطيع أبسط عضو في أصغر لجنة محلية أن يقوم بها.
     كما أن صديقي  يستغرب تلك الدعاية الكبيرة في الشوارع، وحجته في ذلك  أن المجتمع المحلي ليس بتلك الضخامة التي تجعل المرشحين يضطرون للإعلان عن أنفسهم، فكلنا "عيال قريـــــه..وكل يعرف خويـﱠﱠــــه" ، والمجتمع بلا شك سيستطيع أن  يفرز الشخصيات التي لها مساهماتها المجتمعية الواضحة و المعروفة على المستويات الفكرية والسياسية والاجتماعية.

       الأمر الايجابي المتعلق بكل تلك الدعاية الإعلانية من صور  ولوحات ومطبوعات مختلفة من وجهة نظر سالم ،هي أنها فتحت باب رزق لعشرات من الشباب الذي قام على تصميم كل ذلك، وهو يتمنى في داخله أن تتم الانتخابات مرة كل سنة كي تستفيد شرائح عديدة من المجتمع من كرم كثير من أولئك المرشحين، وتواصلهم الاجتماعي الغير معهود، ومن جهودهم الدءوبة للوقوف مع بعض الشرائح المجتمعية وتلبية مطالبهم، حتى لو كان ذلك من باب الدعاية الانتخابية لا غير.
أسئلة عديدة تتداعى تباعاً في ذهن سالم: ما هي رؤية كثير من المرشحين لواقع مجلس الشورى؟  وما مدى اقتناعهم بالرؤى والبرامج التي تضمنتها برامجهم؟ وهل تنطبق عليهم أبسط شروط الترشح الحقيقية والمتمثلة في وجود إمكانات وقدرات فكرية وسياسية واجتماعية تتناسب والدور الذي ينبغي أن يمارسه البرلمان؟
صديقي يرى أن المجلس ينبغي أن يلعب دوراً مهماً ومؤثراً في حياة المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية،  ويفترض فيه أن يحمل هموم شعب، ويناقش خططاً وبرامج تنموية مختلفة، ويشترك في سن قوانين قد تؤثر على وضع البلد من كافة النواحي، كما يضرب أمثلة على بلدان العالم المتقدمة والتي تلعب فيها البرلمانات دوراً واضحاً في الحياة السياسية والاجتماعية بها، حيث يتقدم المرشح متسلحاً بالعديد من الانجازات الخدمية المجتمعية ، ومجهزاً لبرنامج انتخابي واضح الملامح ودقيق الخطوات ، وقابلاً للتطبيق، ويكون ملتزماً بتطبيقه متى ما تحقق له النجاح، وأساس الانتخاب هناك هو البرنامج وليس الشخص.

ولكن سالم لا يعول كثيراً على المجلس  في وقته الحالي، فهو يرى أنه بتشريعاته الحالية لا يتيح الفرصة نحو إيجاد دور أكبر له يشعر به المواطن، ويجعله حريصاً على البحث عن مرشح حقيقي يستطيع أن يلبي له بعض مطالبه المجتمعية العامة، ولا يستطيع كذلك  أن يفرض رقابة حقيقية على أداء الحكومة في مختلف المجالات.

كما يرى أنه   ما زال هناك  الكثير من المرشحين لا يعون أهمية ومكانة دور البرلمان في المجتمع، والدليل هو  العدد الهائل من المرشحين في بلد لا يتجاوز عدد سكانه المليوني نسمه،وهذه الأسماء الكثيرة التي لم نسمع يوماً عن مشاركتها المجتمعية الواضحة، أو مساهماتها الفكرية المعروفة، وهذا التناقض الكوميدي المؤلم بين عدد سكان بعض الولايات، وبين عدد مرشحيها.

يعتقد سالم  كذلك أن عدداً لا بأس به من المرشحين هدفهم الأساسي هو الحصول على مكانة اجتماعية معينة، أو منصب كبير مستقبلاً  معتمدين على ضعف الوعي السياسي لدى قطاع مهم من المجتمع في بلد ما زالت فيه الثقافة القبلية، و"التربيطات" الاجتماعية متغلغلة بشكل واضح في عمق المجتمع.

وينتقد سالم شروط  العضوية الحالية والتي  تنحصر في المكانة والسمعة الحسنة في الولاية، أو كونه في  مستوى مقبول من الثقافة ، وأن يكون لدية خبره عملية مناسبة، ويرى أنها شروط  وهمية، ومن الصعب قياسها، وغير كافية كمعايير لضبط عملية الترشح، ووجودها من وجهة نظره هو دليل واضح على عدم رغبة الحكومة في إيجاد دور أكثر ايجابية وأهمية للمجلس في مرحلته الحالية.

برغم كل ذلك، إلا أن سالم مازال متفائلاً بغد أفضل، فهو يرى في دخول بعض الشباب المثقف معترك العملية السياسية وأفكارهم التي يحملونها أمراً ايجابياً يصب في مصلحة العملية الانتخابية مستقبلاً، كما أننا نمر كمجتمع بمرحلة مراهقة سياسية هي بحاجة إلى مزيد من الوقت كي تنضج وتتضح معالمها، وأن ما يحدث من حراك حالي متعلق بالانتخابات من حيث الحديث عن حملات دعائية، وبرامج انتخابية، ومؤتمرات جماهيرية برغم كثير من الملاحظات حولها، من شأنها أن تصب إيجاباً في مسيرة التغيير الذي ينبغي أن يشهده المجلس مستقبلاً، بالتزامن مع  سن تشريعات تعطي المجلس صلاحيات رقابية وتشريعية أكبر،و إيجاد توعية وثقافة سياسية مناسبة في المرحلة القادمة تتواكب مع تغيرات العصر ، وإعادة تقييم شروط الترشح لمجلس الشورى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.