جريدة الرؤية - الأربعاء 21/9/2011
سعيد مواطن بسيط تكمن مشكلته في أنه عندما يخرج من بيته باتجاه سوق المدينة لشراء كيلو من اللحم المحلي، فإنه غالباً لا يجده، ويتطلب حصوله عليه شراء رأس كامل من الغنم المحلي يوم الخميس حيث يأتي بعض مربي الأغنام المحلية لبيعه، كما أنه عند مروره على معظم محلات بيع اللحوم في مدينته الكبيرة فإن اللحوم المستوردة المتوافرة تكاد تكون محدودة، وبعضها لا توجد إلا في محل أو اثنين فقط، وكثيراً ما يتغير طعم بعضها بفعل طول مدة تجميدها، وبرغم كل ذلك فإن ميزانية سعيد لا تحتمل الأسعار المبالغ فيها التي تقترب من الريالات الثلاث لأرخص كيلو لحم.
يتذكر سعيد تأنيب أخاه الكبير له قبل حوالي سنوات عشر من الآن ، عندما اشترى رأساً من الغنم المحلي بسعر (21 )ريالاً ، حيث كانت لديه مناسبة اجتماعية معينة، وسبب التأنيب هو أن السعر الحقيقي وقتها لا يتجاوز ( 18 ) ريالاً في أسوأ الأحوال.
وقتها.. لم يكن موضوع "اللحم" ضمن الموضوعات المطروحة بكثرة للنقاش المجتمعي، ذلك أنه كان بأنواعه المحلي والمستورد متوافراً في الأسواق بحيث لم يكن ليشكل أزمة ما، وكان من المعتاد أن يكون وجبة رئيسة في كثير من الرحلات والولائم و"الطلعات" الشبابية والعائلية نهاية كل أسبوع.
اليوم يبدي سعيد دهشته واستغرابه مما يراه ، فرأس الغنم المحلي ذو الستة أشهر الذي اشتراه قبل عشر سنوات ب21 ريالاً أصبح سعره في حدود ( 60 )ريال، هذا إذا وجدته أساساً بعد أن تطرق بيوت كثيرة، وتزور حظائر مختلفة، ورأس الغنم المستورد الذي كان سعره وقتها في حدود (14) ريالاً، أصبح يقترب الآن من (45) ريال.
وأصبح سعيد بين هذا وذاك يضرب أخماساً بأسداس ، ويبعث التساؤلات التي هي بحاجة إلى إجابات شافية، وحلول حقيقية، فهو لم يعد أمامه سوى البقوليات ليتخذها "إداماً" في غدائه ، بعد الارتفاع الجنوني في أسعار اللحوم والدواجن والأسماك، وقلة المعروض منها، وسط حالة من الاستغراب المصحوبة بالدهشة العارمة من قبل المجتمع، فهل يعقل لمجتمع صغير ذا نمو سكاني محدود أن يتحدث عن مشكلة غذاء في بلد لديه من الموارد الطبيعية ما يكفيه لتجاوز مثل هذه القضايا، والتركيز على قضايا مجتمعية أكثر أهمية.
مازالت علامات التعجب والاستفهام لا تفارق أفواه سعيد وغيره من المواطنين، فما الذي يجعل سعر رأس الغنم المحلي والمستورد يتضاعف 3 مرات؟ هل هي الزيادة الهائلة في عدد السكان وبالتالي ازدياد الطلب؟ بالقطع لا، فزيادة عدد السكان لا تتوازى بتاتاً - كما يعتقد سعيد- مع هذه الزيادة "البشعة" في أسعار اللحوم.
كما أن سعيد لا يرى في ارتفاع أسعار الأعلاف وتأثيرها على ارتفاع الأسعار مبرراً رئيساً ، فما كان يلاحظه في مجتمعه المحلي أن الماشية تعتمد في طعامها على بقايا الأكل المنزلي، وعلى التمور المحلية، وعلى الحشائش المرتبطة بزراعة النخيل، إضافة إلى المراعي الطبيعية. صحيح أن هناك من مربي الماشية من يعتمد على الأعلاف المستوردة، ولكن بالإمكان البحث عن مصادر أخرى لإطعام الماشية خاصة مع وجود رقعة زراعية لا بأس بها، ومع وجود قرى كثيرة تعتمد على الزراعة وتربية الماشية بالتوازي.
يتحدث سعيد عن عمليات التصدير الغير منظمة والتي تلعب دوراً كبيراً في قلة المتاح من الماشية في الأسواق ، وارتفاع سعرها، و قد سمع كثيراً عن تجار تخصصوا في شراء رؤوس الأغنام المحلية ممن لم يتجاوز عمرها 5 أشهر بغرض التصدير والبيع في أسواق بعض الدول المجاورة، لاستخدامها في إطعام إبل السباق هناك، حيث يتم رمي اللحم، والإبقاء على العظام التي تدق بعد سلقها لعمل (حساء) مخصوص لها. سعيد يذكر المسئولين بالمثل القائل"اللي يعوزه البيت يحرم على الجامع " ، والمثل واضح وشارح لنفسه.
يتساءل سعيد كذلك: إذا كانت أسواق مدينتي الكبيرة تعاني من قلة المعروض من اللحوم ومحدودية تنوعها، فما بالنا بالكثير من القرى المتناثرة في أرجاء السلطنة، فباستثناء بعض أسواق المناسبات في الولايات، وبعض المجازر ، فإن معظم سكان هذه القرى يحصلون على اللحوم إما بشرائها من الولايات القريبة، أو من خلال الحظائر الأهلية، وهذه الحظائر لا تتوافر فيها الضمانات الصحية الكافية، كما أن الأسعار تعتمد على مزاج صاحب الحظيرة وليس على قائمة أسعار محددة تصدر من قبل جهات مسئولة.
يستغرب سعيد كذلك تواجد أنواع محددة من اللحوم المستوردة ذات مصادر ثابتة، فباستثناء اللحوم الصومالية أو الهندية أو الاسترالية ، أو الباكستانية، والنيوزيلندية أحياناً، فانك لا تجد أنواعاً أخرى خاصة من الدول العربية أو الإسلامية المشهورة بوفرة الإنتاج ورخص الأسعار، وغالبية هذه اللحوم تكون مجمدة وغير طازجة، ومع ذلك فان سعر الكيلو لا يقل عن 3 ريالات عمانية، بينما يذكر أنه شاهد في الأسواق المصرية على سبيل المثال عشرات الأنواع من اللحوم المستوردة من دول كثيرة، وغالباً لا يزيد سعر الكيلو عن ريال عماني.ويقترح:لماذا لا نرى اتفاقيات لتوريد رؤوس الماشية أو اللحوم المذبوحة من دول تربطنا بها علاقات جيدة كإيران أو السودان ومصر أو السعودية مثلاً، مع عدم التركيز على توفير هذه اللحوم بالمجمعات الكبرى فقط.
يتحدث سعيد عن أمله في خطوات كثيرة تجعله هو وأمثاله من الطبقة المتوسطة وما دونها يحصلون على اللحم وغيره من السلع الأساسية بطرق ميسرة تتناسب وظروفهم الاقتصادية ، لعل من بينها تشريع القوانين الخاصة بتنظيم عمليات الاستيراد والتصدير، ومحاربة الاحتكار، وتشجيع الأهالي على عودة نظام الحظائر المنزلية التي كانت تحقق شيئاً من الاكتفاء المنزلي، وتشجيع زراعة جزء من الرقعة الزراعية بأنواع معينة من العلف مع تقديم الدعم المادي الكافي للمزارعين، وتشجيع مشروعات تسمين العجول والأبقار، وتنظيم برامج الأسرة المنتجة، ونشر التوعية حول قضايا ثقافة الاستهلاك، والتعاون مع الجهات المنوطة بحماية المستهلك.
يرمي سعيد الكرة في ملعب المسئولين المختصين ..فماذا هم فاعلون بها؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.