الاثنين، 26 سبتمبر 2011

ساعة..في حضرة أبي فاطمة


جريدة الرؤية - الاثنين - 26/9/2011م
التقيته صدفة بعد سنوات من آخر جلسة جمعتنا معاً وفي نفس المكان، ترى هل هي الأقدار التي ساقتني إلى هذا المكان لألتقيه بعد كل هذه السنين ؟ لا أتذكر كم مضى من الوقت على آخر لقاء لنا، ربما أربع سنوات، وربما أكثر.نفس الملامح ، وذات الابتسامة الواثقة باستثناء بعض (الشيب) على رأسه وأجزاء من لحيته. انه أبو فاطمة صديق الجلسة القديم ، وأبرز أركانها، تلك الجلسة التي كانت تضم عدداً من الأشخاص متعددي الأفكار، ولطالما شهدت كثيراً من النقاشات الفكرية المختلفة.
ولمن لا يعرف أبو فاطمة فهو  موظف سابق في عدد من  المؤسسات الحكومية والخاصة، وعلى "باب الله" حالياً بعد تقاعده منذ سنوات عديدة، وبرغم تعليمه البسيط لظروف المجتمع وقتها، إلا أنه كان حريصاً على تثقيف نفسه ، كما أن التجارب الحياتية العديدة التي خاضها أكسبته حكمة وحنكة ودراية بكثير من الأمور والقضايا.
 فرحت كثيراً بالصدفة الجميلة التي جمعتنا أخيراً، فحديثه اللبق، وإنصاته الجيد، وحواره المتواصل، وتحليله البسيط للأحداث ، كانت من الصفات التي أتذكرها عنه منذ آخر جلسة جمعتنا معاً.
 كانت طاولتنا تقابل  لوحة أنيقة لأحد المرشحين لانتخابات مجلس الشورى في الجانب الآخر من الشارع، فهمهم أبو فاطمة في خفوت: ليتهم يهتمون بخدمة مجتمعهم بقدر اهتمامهم بحسن تصميم لوحاتهم، وأناقة صورهم الشخصية المعلقة عليها.
أنت نفسك كما عهدتك يا صديقي، لم تتغير، نفس سرعة البديهة، وسرعة التعليق،  بمناسبة الحديث عن انتخابات مجلس الشورى، قل لي من سترشح في هذه الانتخابات؟
أجابني: لن أرشح أحداً. سألته: لماذا هذه السلبية، لم أعهدك هكذا؟ أجابني: لست سلبياً ولكني لا أجد في كثير من المترشحين من أعتقد بأنه أفضل مني كي أرشحه، أنسيت أنني خدمت الوطن أكثر من 20 عاماً في مجالات كثيرة.  لابد لي من أن اقتنع بالمرشح أولاً كي أختاره،  وإلا لماذا كل هذا الحرص على وضع الصور في كل ركن ماداموا يعتقدوا في أنفسهم أنهم الأفضل والأجدر؟ ثانياً يا أخي لمَ  أرهق نفسي بالاختيار وأنا أعلم أن المقاعد في أغلبيتها محسومة؟ محسومة لصالح من يا أبا فاطمة؟ لصالح ذوي الخبرة والمال والنفوذ بالطبع.
سألته: ما هذا التشاؤم ، أنسيت أن  هناك بعض الشباب المثقف المتحمس الطامح لإحداث تغيير في منظومة العمل البرلماني ، ولهم مؤيديهم ومريديهم؟أجابني: مع تقديري  لأشخاص هؤلاء وفكرهم ، وهناك بالفعل أسماء تستحق التحية،  إلا أنه قد لا يكفي الصوت المفوه، والحماس الكبير، فالانتخابات لعبة معقدة لها أساليبها وخباياها، وكثير من المنتخـِبين قد لا تشغلهم العملية الانتخابية حالياً بالشكل الذي يجعلهم يبدون اهتماماً جدياً بها وبعملية اختيار المرشح المناسب.
والحل يا أبا فاطمة؟قال: الحلول كثيرة ، خذ معك مثلاً خطوة تشكيل المجالس البلدية في الولايات وجعل عضويتها عن طريق الانتخاب ، فليدخل كل هؤلاء المترشحين  في تنافس على مقاعد هذه المجالس، خاصة أن كثير من محاور برامجهم تركز على أعمال خدمية بلدية تتعلق بولاياتهم، ولننتظر فيما بعد مدى قدرتهم على تحقيق هذه البرامج أو على الأقل جزء منها.وقتها ستكون بروفة جادة واختباراً حقيقياً،  حتى عندما تأتي انتخابات مجلس الشورى القادمة يكون المجتمع على وعي وإدراك بالمرشح المناسب لتمثيل الولاية، وذلك من خلال بصمته الواضحة في ولايته.
سألته: ولم لا ترشح نفسك إذاً؟ أجابني: رحم الله إمرءاً عرف قدر نفسه، حصولي على بعض الشهادات، أو مشاركتي في بعض الأعمال التطوعية البسيطة، أو امتلاكي لبعض المال ليس هو المعيار الوحيد للترشح. يا أخي هذه مسئولية وأمانة، وعندما سأقتنع يوماً بأن إمكاناتي ستسمح  بتنفيذ ما أتعهد به أمام الناس، فسيكون لكل حادث حديث.
فجأة مر أمامنا أحد العمالة الآسيوية يقود دراجته الهوائية، واضعاً حقيبته التي تحوي (عـدة الشغل) في السلــة ، فعلـــﱠــق أبو فاطمة: أنظر لهذا العامل، إنه ذاهب لتصليح (حنفية)ماء، أو تثبيت (طبق) هوائي، أو تغيير (لمبة) نور، ومعظمها أعمال بسيطة وليست بحاجة لتلك الخبرة العميقة، ولن يقل ما يتقاضاه هذا العامل عن (بضعة ) ريالات عمانية في أقل من ساعة من الزمن، فكم سيتقاضى في اليوم الواحد لو  قام بالعمل في أكثر من مكان؟
ثم أشار إلى مجموعة من الشباب كانوا جالسين في طاولة قريبة منا يعبثون بهواتفهم النقالة: أين هؤلاء عن مثل هذه الأعمال، بدلاً من الشكوى من البطالة، والضغط على الحكومة لتوفير الوظائف  لهم؟للأسف انشغل كثير من هؤلاء الشباب وأمثالهم بتوافه الأمور واعتبروها مجالاً للتنافس بينهم،دون وعي أو إدراك منهم بأن المباهاة والتنافس الحقيقي هو في مدى جودة العمل والإنتاج، وفي قدرتهم على تطوير إمكاناتهم الذاتية، لا التباهي بأمور مادية قد تتغير أهميتها بتغير الزمن.
سألته: سمعت أنك قد رفعت دعوى على ( فلان) المسئول الكبير لأنه رفض مقابلتك، لماذا تقحم نفسك في المشاكل؟ أنت مواطن على (قد) حالك. فرد علي بعصبية: لم يؤخرنا سوى سلبيتك هذه، يعطل الموظف معاملتنا فلا نرد عليه خوفا من الدخول في مشاكل ، ننتظر المسئول الكبير على بابه شهوراً ، فنكتم حسرتنا في داخلنا،  يخالفنا رجل الشرطة لسبب بسيط، فلا نفكر في مجرد النقاش معه .ترى كم من الحقوق أهدرناها لمجرد أننا لا نعي أهمية هذه الحقوق، وأنها حقوق مكتسبة لدينا، وليست منــة من أحد. يا صديقي لو التزم كل فرد منا في المجتمع بمعرفة حقوقه وواجباته ، لتغيرت كثير من الأمور، وربما كان هذا الأمر هو السبب الرئيس في تقدم كثير من الشعوب وتفوقها.
فجأة رن هاتفي مذكراً بعمل ضروري لا بد لي من إنجازه، حارماً إياي من جلسة  ممتعة مع شخص رائع بحجم أبي فاطمة، ترى كم سيمضي من الوقت كي تتكرر مثل هذه الجلسة مرة أخرى مع هذه الشخصية الجميلة، وهل ستتحقق رؤاه بخصوص المجلس؟ بالتأكيد ستكشف عنها الأيام القادمة، وربما نناقشها يوماً ما في حضرته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.