الثلاثاء، 30 يوليو 2013

عندما تتجزأ المبادءئ

كانت أحداث المنصة ومن قبلها واقعة الحرس الجمهوري، وما بينهما من أحداث مختلفة بمثابة ورقة التوت الأخيرة التي عرّت جزءاً كبيراً من النخب المصرية بسياسييها واعلاميها ومثقفيها، ذلك أن تعاطيهم مع هذه الأحداث كان تعاطياً يتناقض والمبادئ التي صدّعونا بالحديث عنها والمطالبة بها، فطوال عام كامل وهذه النخبة تزعجنا بحديثها المتكرر عن انتهاكات في كثير من المجالات كحرية الإعلام والتعبير، والانتهاكات الذي يمارسها النظام السياسي القائم المتمثل في الإخوان المسلمين تجاه العاملين في هذا المجال علماً بأنّنا لم نسمع طوال ذلك العام عن أيّة انتهاكات واضحة مارستها السلطة في هذا المجال، إلا اذا اعتبرنا أن غلق قناة (الفراعين) المثيرة للجدل لبعض الوقت بسبب قضايا مالية يمكن أن يعدّ نوعاً من الانتهاك.

هذه النخبة أقامت الدنيا وأقعدتها بسبب اعتراضها على تعيين النائب العام السابق، ثم مارسوا سياسة التطنيش ولم نسمع لهم صوت الآن عندما عيّن الرئيس المؤقّت الحالي نائباً جديداً، وكأن المعايير ليست ذاتها.

تحدّثوا كثيراّ عن الرئيس الديكتاتور الذي جمع كافّة السلطات في يديه، وقيامه بإصدار الإعلانات الدستورية برغم علمهم بقيام المحكمة الدستورية بحلّ المجلس البرلماني المنتخب شرعيّاً، بينما يلحسون الآن كل تلك الأقوال وهم يرون الرئيس المؤقّت يقوم بالعمل ذاته الذي أخذوه على مرسي سابقاً.
تباكوا كثيراً على وضع الحرّيّات في مصر لمجرّد اعتقال عدد من مثيري الشغب والذين كانت النيابة تقوم بالإفراج عنهم في كل مرّة ربّما نكاية في الرئيس، وربّما كجزء من خطّة موضوعة لإحراجه واظهاره بمظهر الرئيس الضعيف المتردّد، بينما ترفع هذه النخبة الآن شعار ( لا أرى. لا أسمع. لا أتكلم) وهي ترى الآلاف التي تساق كل يوم إلى المعتقلات والسجون لحجج واهية لا تقبلها عقولهم هم، فما بالك بالمجتمع الخارجي، كأن يتّهم سياسي كبير بالنصب أو تأجير شقق أو غسيل أموال، بينما التهمة سياسية في الأصل، وجزء من خطّة إقصاء تستغل صمت البعض وتجاهلهم عمّا يحدث.

طالبوا بالثّورة ضدّ النظام السابق لأنه فشل في توفير المتطلّبات الأساسيّة كالأمن والكهرباء والطاقة، واتهموا وزراء الداخلية الذين عيّنهم مرسي بالدّمويّة، ثمّ بلعوا كل ما قالوه عندما أعيد تعيين وزراء الحقائب التي اتهموها بالفشل في الوزارة الجديدة، وعندما تم تعيين وزيري داخلية مرسي أحدهما مستشاراً للرئيس، والآخر وزيراً، وأغمضوا عيونهم عن تعيين وزراء فاشلين محسوبين على نظام مبارك كالدميري وزير النقل الذي حدثت في عهده واحدة من أكبر كوارث الطرق في مصر، وكأن شيئاَ لم يكن، وكأن ثورة لم تقم، على حد تعبير عمّنا البرادعي.

النخبة التي لم تترك دقيقة من برامجها الحوارية دون الحديث عن دمويّة مرسي والاخوان عندما قتل الحسيني أبو ضيف، وجيكا، والجندي، هي ذاتها وقفت صامتة عمّا حدث من أحداث في مجزرة المنصة والحرس الجمهوري، وعملت (ودن من طين وودن من عجين)، وطوال أيام وأنا أبحث عن أي تغطية لهذه الأحداث ولو كخبر بسيط في القنوات المصرية المختلفة، فلم أجد حرفاً يذكر عمّا حدث. فقط أغاني ومسلسلات وبرامج طبخ وكأنهم يريدون تعويض مشاهديهم عن الساعات التي أضاعوها في اليوم السابق للأحداث في نقل مظاهرات التفويض، حتى عندما انتقلت إلى صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة كي أتابع ردود النخبة، كدت أتقيّأ ممّا وجدته من شماتة وفرح بمقتل هؤلاء، فهذا يقول "إيه اللي ودّاهم عند الشرطة"، والآخر يقول "دول شويّة خرفان يستاهلوا الدبح" ، والثالث يصبّ اللعنات على قناة الجزيرة لمجرّد أنها نقلت الحدث، وكأنّ من ماتوا لا يستحقون ولو مجرّد وداع صغير قبل انتقالهم لعالم الأموات.

ماذا لو كان ربع ما يحدث الآن من أحداث وقع زمن مرسي؟ ستجد التنديد والشجب، وستظهر البطولات العنترية الوهمية، فهذا سيترك مقعده في مجلس الشورى احتجاجاً، وتلك ستلقي بميكرفون التلفزيون أو الاذاعة التي تعمل بها استنكاراً، وذاك سيقدم استقالته من وظيفته الرسميّة الكبيرة تضامناً، ورابع سيكتب (تويتّة) عنيفة يذكّرنا فيها بحقوق الانسان وأهمية احترام صنف البشر.

برأيي أن ما يحدث في مصر الآن ليس خلافاً سياسياً، ولا علاقة له من قريب أو بعيد بمبادئ الديمقراطية، حتى ولو سلمت بأن هناك كثير من البسطاء الذين خرجوا رغبة في تحسين الأوضاع، إلّا أنه على مستوى النخبة يعدّ محاولة انتقام واضحة تلقى فيها المبادئ بعرض الحائط متذرعة بذرائع واهية، وكلّ همّها الإطاحة بفصيل سياسي له تواجد حقيقي في الشارع عجزت عنه كثير من الفصائل السّياسيّة الأخرى.

المشهد المصري الآن هو نسخة طبق الأصل من مثيله في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، زوّار آخر الليل، واعتقالات بتهم وهميّة، في ظل إعلام أحادي يقدّس وليّ الأمر ويسعى لنيل رضاه ويخشى انتقاده، ونخبة من السياسيين والمثقفين الذين يدورون في فلكه إمّا خوفاً أو تصفية لحسابات مع طرف آخر أو رغبة في نيل حظوة يعلمون أنهم لن يستطيعون الحصول عليها بالوسائل الديمقراطية المتعارف عليها.
ليست القضيّة قضيّة إخوان أو ليبرالية أو يسار أو قومية أو ماركسية أو غيرها، ولكنّها قضية مبدأ وانسانية، فالمعايير لا تتجزأ، ولا يمكن أن نفصّلها كما نشاء لمجرد أهواء فكرية شخصية، وما دمت تنشد العدل والحرية والإنسانية والعدالة الاجتماعية فعليك أن تنشدها للنهاية، لا أن تطوّعها شعاراّ لأغراض سياسية لديك ثم تلقي بها في أقرب مقلب قمامة عند انتفاء حاجتك إليها، أو عندما تتعارض مع مبادئك وتوجّهاتك.

لست منحازا لطرف دون الآخر ولي عشرات الملاحظات على الطرفين، ويؤسفني ما يحدث بمصر، ولكني أتألّم عندما أرى طرحاً أحادياً دون اعتبار لمجريات الأمور الحقيقية، فقط أنا ضد احتكار طرف بعينه للحقيقة سواء كانوا إخواناّ أم غيرهم، أنا ضد التحيز لفكر وإقصاء الاخر لمجرد الاختلاف معهم، اختلافي مع الاخوان لا يعني أن أنادي بقتلهم وسحلهم، وكما ننتقد جماعات الإسلام السياسي لبعض تصرفاتهم فعلينا أن ننتقد الطرف الآخر عندما يخطئ كذلك، عندما ننتقد إعلام الإسلام السياسي فعلينا أن نمارس نفس الامر عندما يمارس الطرف الآخر نفس الشيء، عندما نقول أن هذه الجماعات مارست العنف فعلينا أن نستنكر العنف الآخر عندما يمارسه الطرف الآخر بالضبط.

علينا أن نكون محايدين وأن ننحي توجهاتنا وميولنا السياسية وأن نستنكر ما نراه ضد مبادئنا، لا أن نغمض أعيننا عن نصف الصورة ولا نستحضر سوى ما هو مرسوم في اذهاننا فقط.

الاثنين، 22 يوليو 2013

تناقضات رمضانية

تنــاقضــات.. رمضانيّة

كان سؤالاً مباغتاً ذلك الذي وجّهه لي أحد طلابي : هل نحن بحاجة بالفعل إلى شهر رمضان أم أنه أصبح عبئاً ثقيلاً علينا، وماذا سيحدث لو اجتمع علماء المسلمين وقرروا عدم الحاجة إلى صوم الشهر لانتفاء الأغراض والحكم التي وجدت من أجله؟

قبل أن أجيبه مستنكراً أكمل قائلاً: ما أعلمه وما درسته أن رمضان هو بمثابة محطّة توقّف لمسافر في طريق طويل، يتوقّف لكي يراجع خارطة طريقه، إن كان في الاتجاه الصحيح أم لا، بمعنى أنّنا في خضم أمواج حياتنا المتلاحقة نحتاج إلى فترة توقّف نراجع فيها كثيراّ من سلوكيّاتنا الدّينيّة والاجتماعية والاقتصادية والصحيّة وغيرها، ونحاول تعديل بعض هذه السلوكيّات بحيث تتعدّل بوصلة مسارنا، ونطمئن أننا في المسار الصحيح. أليس كذلك. 
قلت له : بلى، ولكن لم كل هذا التشاؤم دون بقية الخلق.

قال : من هول التناقضات التي أراها في هذا الشهر والتي تختلف عمّا كنت أسمعه -وما زلت – من أن هذا الشهر هو شهر الخير والبركة والتراحم والتعاطف والتعاضد والإحساس بالآخر، وغير ذلك من الأطقم الجميلة التي نسمعها ونقرأها صباح مساء. دعني أعطيك بعض الأمثلة البسيطة على هذه التناقضات، لن أحدثك عن العالم الإسلامي وقضاياه الاجتماعية الكثيرة فهذا موّال آخر لا ينتهي. فقط  سأطرح أمثلة مجتمعيّة بسيطة علّ ذلك يقرّب لك الرسالة التي أودّ إرسالها إليك.

من التناقضات المرتبطة بسلوكيات البشر في هذا الشهر امتلاء المساجد بالمصلين في الأيام الأولى، والحرص على صلاة الفجر جماعة، والإكثار من قراءة القرآن، بحيث تراهم في أركان المساجد والإيمان والورع يتجلّى في نفوسهم، وتكون الدمعة أقرب إلى النزول. أين كثير من هؤلاء بقية أيام السنة، ولماذا لا تكون المساجد عامرة بهم سوى في رمضان، هل الحساب في رمضان يختلف عن بقية الشهور؟

خذ عندك شيء آخر :  ما إن يأتي رمضان إلا وتجد التواصل الاجتماعي من خلال زيارات الأقارب والأرحام، وتوزيع الصدقات، وتبادل الوجبات بين البيوت، وتوزيعها على المساجد. لماذا يقل هذا التواصل بقيّة السنة، هل يختفي الأهل والجيران فجأة ويسافرون إلى كوكب آخر، ألا تجوز الصدقة إلا في هذا الشهر، وهل ينعدم الفقراء والمساكين والمحتاجين ولا يظهرون سوى في رمضان؟

أيضاَ من التناقضات المرتبطة بهذا الشهر ارتفاع أسعار كثير من السلع قبل أيام قليلة من قدومه، ارتفاع لا تعرف له سبباً حقيقياً، فالناس هم الناس، والسكان لا يزيدون فجأة خلال هذا الشهر، ومعظم الحاجات الاستهلاكية يطلبها الناس طوال العام، والوجبات تتقلص إلى وجبتين بدلاً من ثلاث، فلماذا الارتفاع المفاجئ في الأسعار قبل يومين أو ثلاثة من ابتداء رمضان؟ أوليس رمضان هو شهر التراحم والاحساس بالآخر،  فلماذا يضرب كثير من هؤلاء بعرض الحائط لحرمة هذا الشهر التي تتطلب تسامحهم وتساهلهم، ومراعاة آداب البيع والشراء التي حثت عليها تعاليم الدين الحنيف، لماذا يغالي الصيّاد في سعر أسماكه حتى يطاولها العنان، ولماذا  يعتقد المزارع فجأة أن محصوله يتحول في رمضان إلى سبائك ذهبية، ولماذا يفعل التاجر نفس الشيء. لا تقل لي إنّه العرض والطلب أو ثقافة الناس الاستهلاكيّة، كلّها مبرّرات تتحطّم مع دوافع وغرائز انسانية سلوكيّة شابها الكثير من التغيّر.

خذ عندك أمر آخر : مع الأيام الأولى للشهر الفضيل تلاحظ زوال أثر "أدوات التجميل" من وجوه بعض الموظفات،  واستبدال ملابس أكثر خصوصية وحشمة، صحيح أنها كلها كم يوم ويعود كل شيء لما كان عليه، وتعود "ريمه لعادتها القديمة"، ولكن لماذا يرتبط مقدم الشهر  بسلوك كهذا؟ هل لأن الموظفة أو المرأة بشكل عام تعتقد في داخلها أن استخدام هذه الأدوات غير جائز شرعاّ بحجّة أنّه يثير الفتنة ويعد كنوع من التبرج المحرّم. في هذه الحالة عليها أن تمتنع  عن استخدامها بقية أيام السنة وليس في رمضان فقط، وإذا سلمنا بأن  استخدامه جائز شرعاّ فلماذا إزالته في الأيّام الأولى للشهر.
تعال للإعلام: تمتلئ برامج وسائل الإعلام المحلية المرئية والمسموعة بالكثير من الفقرات الفنية المختلفة من أغاني ومسلسلات وأفلام وغيرها، ولا تكاد تمر دقائق خمس إلا وكان الفاصل الغنائي جاهزاّ ليشنّف آذان المستمعين الكرام وينقلهم إلى أجواء أخرى حالمة. وما إن يقترب الشهر الفضيل إلا وتعلن هذه الوسائل عن حزمة من البرامج الدينية المتنوعة، فتكثر الأناشيد والمحاضرات الدينية والابتهالات والتواشيح والمقاطع القرآنية السماعية، والسؤال الذي يسأله طفل الخامسة : لماذا لا تبث الأغاني غالباّ في نهار رمضان، هل لأنها محرّمة أو مكروهة أو غير جائزة؟ إذا كانت كذلك فلماذا تبثّ بقية أيّام العام، وإذا كانت الإجابة عكس ذلك فلماذا ينقطع بثّها صباح رمضان. ولماذا تكثر الابتهالات والتواشيح والأناشيد الآن؟ مرّة أخرى، هل يختلف الحساب في رمضان.
أيضاً من الأشياء التي لا أجد لها تفسيراً ، هو ازدحام الشوارع بالسيارات قبل وقت قليل من موعد الإفطار، والسرعة الجنونية لبعض هذه السيارات في سبيل الوصول إلى البيت، وعادي لدى بعضهم لو صدم أحد المارّة أو تسبّب في كارثة مروري، المهم أنّه يوصل قبل الأذان. هل ستقوم القيامة لو رجع  قبل ساعة أو اثنتين مثلاً من موعد الإفطار، وبعدين  ما دام قد تحمل الجوع والعطش طوال اليوم أفلا يستطيع تحمله لعدة دقائق لو قاد سيارته بهدوء ورجع متأخراً بعض الشيء.

هذه بعض التناقضات التي ابتلي بها هذا الشهر يا أستاذي، لم أشأ أن  أسترسل في المزيد منها لأنها مؤلمة وصادمة، كنت أتمنى أن يبقى رمضان شهر القرآن والمغفرة، شهر الخير والتواصل والتراحم، ليس شهراً للتسوق ، ولا شهراً لتغيير الأثاث والمباهاة الاجتماعية كما يفعل البعض، يحتاج منا أن نعيد له بعضاً من قيمته ومكانته، أن نعيد نظرتنا إليه، أن نستلهم نظرة سلفنا له، ونستحضر منجزاتهم فيه وقتها سيكون رمضان دواء للقلوب والأبدان،  ستشفى قلوبنا من كثير من أمراضها المزمنة، وستتعافى أبداننا من كثير من أمراضها.


الثلاثاء، 16 يوليو 2013

كوميديا ..بلون الدم

كوميديا بلون الدم

كفن أسود ملطّخ بدم أسود غامق، وهل هناك دم أسود، بل هل من أسود غامق، الأسود هو الأسود. نعم يعقل عندما يكون اللون خارجاً عن إطار المألوف ، ولكن لماذا الكفن الأسود، هل لأنه رخيص ويمكن الحصول عليه بسهوله، هل أقصد شيئاّ آخر كالضمير مثلاً؟
وكأن قصص حوادث السير التي نسمع عن مآسيها الدامية كل يوم لم تعد كافية لصنع مزيد من التشويق والإثارة فكان لزاماً البحث عن ضحايا جدد لهذا الغرض، وكأن أبواب الرزق سدّت لدى البعض إلا من خلال إزهاق أرواح بريئة من أبناء هذا الوطن وزهرة شبابه وعماد بنائه، وكأنّه لا قنطرة للعبور إلى مصاف الغنى واختصار الوقت في تكوين النفس والعودة إلى الوطن الأم بشوالات النقود سوى بـ(الدّوس) على  عظام وجماجم أناس كلّ ذنبهم أنهم يعيشون في وطن أهله ومسئوليه أطيب من اللازم.  

هو فصل جديد من رواية مملّة، أو حلقة متجددة من مسلسل سخيف تكرّر عرضه في الآونة الأخيرة، أبطاله فئة تنظر إلى الوطن على أنه بلد "الفرص الممتنعة السهولة"، كما لقّنهم من سافر قبلهم من أبناء جلدتهم، مستغلّين في ذلك قوانين ما زالت قاصرة عن مجابهة (تغوّلهم)، ويشجعهم على ذلك فئة من أبناء هذا الوطن، أتوا بهم كي يعبثوا في نسيج هذا الوطن فكرياً واجتماعياً لمجرد نظرة بعضهم أن حفنة المال التي ستضاف إلى جيوبهم (المتخمة) هي أكثر أهمية من مواطن بسيط ينظر بعين الحسرة لهذا الوافد الذي جلبوه كي يشاركه في رزقه، بعدما أوهموهم أنهم أكثر إخلاصاً وصدقاً ووفاءً وإنتاجية من أبناء جلدتهم.

تبدأ فصول الرواية عندما اكتشف رجال الهيئة العامة لحماية المستهلك قيام بعض العمّال في إحدى المؤسسات التي تحمل اسماّ عمانيّاّ بامتياز، بإعادة تصنيع وتلميع إطارات مختلفة الأحجام مستعملة ومنتهية الصلاحيّة، وبيعها للمستهلك على أنها صالحة للاستخدام، فيشتريها المستهلك المسكين هرباً من سعير أسعار الوكالات المعتمدة، واعتقاداً ساذجاً منه أن هناك من القوانين والتشريعات ما تمنع أمثال هؤلاء من التمادي إلى هذا الحد.

يقال في كتب التاريخ والأدب أن الرقم (13) هو رقم مشئوم لدى بعض الشعوب، فهل كانت مصادفة أن يكون هذا الرقم هو العدد الفعلي للعمّال الذين تم ضبطهم وهم يقومون بهذا العمل. ترى هل هم الضحيّة أم الجلّاد، هل هم ضحية القهر والفقر والجهل والطبقيّة في بلدانهم، وهل قلوبهم بالفعل مغلقة بذات المطّاط الأسود الملطّخ بلون الدم، أم أننا السبب بلامبالاتنا، وعدم اهتمامنا، و(فشخرتنا) الزائدة عن الحد أحياناً.

وأنا أسترجع ذاكرة كثير ممّن فقدتهم من معارف وأحبّة ممّن اختلطت دمائهم القانية بلون أسفلت الشوارع، ترى كم منهم من كان ضحية لعبث كهذا، كم واحد منهم ذهب لشراء كفنه الأسود واختار أداة قتله رغماً عنه، وهو لا يدرى أن هناك من زرع له أربعة قنابل سوداء سرعان ما تنفجر مخلّفة ورائها أحلاماّ ضائعة لن تتحقق، وبراءة أطفال لن تكتمل، وحسرة ثكلى لن تنتهي، ودموع عجوز لن تجف.

وقد يقول قائل: أوليست الأسعار المبالغ فيها للإطارات والتي توازي أحياناّ قيمة سيارة مستعملة هي من الأسباب التي تجعل البعض يلجأ إلى شراء مثل هذه الإطارات حتى لو كانوا يعلمون بداخلهم أنها مقلّدة أو غير أصلية، وهل ستكون كافة رسائل التوعية المختلفة كافية لإقناعهم بأخذ الحيطة والحذر في ظل معاناتهم من هذه الأسعار الناريّة.

وقد يضيف آخر: ترى هل يتم فحص الإطارات لدى الجهات المعنّية عند تجديد السيارات كل عام، بل هل لدينا بالأساس مراكز لفحص السيارات بما فيها الإطارات بشكل تقني متكامل؟

ويبقى السؤال الأبدي الذي سنتجاهله بعد أيام: لماذا كل هذا، ومتى سننتهي من هذه الكوابيس التي تلاحقنا كل صباح ومساء، تارة عن حلويًات منتهية، وحيناً عن غذاء فاسد، ومّرة عن إطار مغشوش، وعشرات الكوابيس الأخرى التي أصبحت تقلق المضاجع وتسمّ الأبدان.

وإلى متى ستظل الهيئة العامة لحماية المستهلك تكتفي في كل مرّة بالكشف عن (بلاوي) كهذه وغيرها، في ظل تجاهل حكومي رهيب لمتطلبات أساسية تعينها على استكمال دورها المهم كالمختبرات العلميّة المجهّزة، ومراكز الفحص المتكاملة، والقوانين الرادعة التي تعينها على أداء مهامها، وأشياء أخرى كثيرة أرى أنه من العبث أن أعيد ذكرها في ظل إصرار البعض على النظر إلى الهيئة كمنافس سحب البساط من تحت أقدامهم لا كشريك حقيقي في حماية هذا الوطن.

وماذا لو عاني المسئول من همّ شراء (الراشن) الشهري، أو في كيفية توفير قيمة إطار جديد لسيّارته، ألم تكن لمشاكل كهذه يعانيها غيره من أن تحلّ أو أن يحدّ منها على سبيل المثال؟ وهل لمسئول يأتيه راشنه إلى باب بيته، أو تصان سيّاراته الحكوميّة والخاصّة الفارهة، وتغيّر إطاراتها كل شهر، أو أن تصله سلال الخضار والفواكه مغسولة طازجة أن يفكّر (مجرّد التفكير) في حلول حقيقية ناجعة لمشاكل وقضايا مجتمعية قادر على وضع الحلول والمقترحات والقوانين لها لو رغب في ذلك.

سنظل نتحدث كثيراً وكثيراً عمّا يسمى بالأمن الغذائي، وعن مقترحات يمكن لطفل الروضة أن يقترحها من قبيل تشجيع الاستثمار في المجالات الزراعية والسمكية والرعويّة، واستقدام الأفكار الخلّاقة المطبّقة في أماكن أخرى من العالم، ومراجعة القوانين والتشريعات في هذا الجانب، بدلاً من الحديث كلّ مرّة عن ارتفاع الأسعار، ومن المضحك المبكي أن يأتي يوم على بلد اشتهرت على مدى تاريخها الطويل بوفرة انتاجها من السمك والتمور، وتضطر الى استيراده.

يبدو أننا سنستمر كثيراً في محاولة علاج الأعراض بدلاً من علاج الأسباب.

د. محمد بن حمد العريمي

Mh.oraimi@hotmail.com

الثلاثاء، 9 يوليو 2013

إنه يهب الأمل

كانت الساعة تشير إلى الخامسة عصراً من مساء يوم صيفي قائظ، وقتها كنت في طريقي إلى السوق القريب لقضاء بعض المستلزمات، عندما استوقفني ذلك المشهد الذي سيظل ماثلاً في مخيّلتي لسنوات قادمة دون قدرة على نسيانه.

عجوز يبدو من ملامح وجهه التي عركتها تجارب السنين وطحنتها ملمّات صعبة مرّ بها أنه تجاوز السبعينات بسنوات، أسمر البشرة، بسيط الملابس، حافي القدمين، يحمل عصاه الخشبية في يده اليمنى بينما تكفلت اليسرى بحمل كيس بلاستيكي داكن اللون ممزق في بعض جوانبه، كان يجمع شيئاً من الأرض في الشارع القريب من منزلنا، عندما تجاوزته بسيّارتي المكيّفة المغلقة نوافذها بإحكام كي لا يتسرب شيئاً من الغبار أو الهواء الساخن يكدّر عليّ صفو لحظات حياتية مؤقتة. 

شدّني الموقف فهدّأت من سرعة السيارة كي يتسنى لي مراقبة ما يفعل هذا (الشيبة)، بينما أفكاري السّوداويّة تعبث بي موحية لعقلي الباطن أنه يجمع بعضاَ من (المعدن) كي يبيعه على أحد تجار الخردة مقابل فتات من البيسات يسدً بها رمق يومه.

وكأني أمثّل دور الكريم مع المحتاج، ترجّلت من سيارتي واضعاّ في يدي اليمنى (بضعة) ريالات كي أدسّها في يده عائداً بعدها بنشوة الفارس الذي صارع الأعداء وانتصر عليهم بعد جهد جهيد، وكأن عمل الخير أصبح شيئاً ثقيلاً على القلب، أو لكأنه بات أقرب إلى الأعمال البطولية الخارقة في هذا الزمان.

مع اقترابي من الرجل اتضح لي حقيقة ما يفعل، فهو لم يكن يجمع الخردة ولا بقايا العلب كما اعتقدت، إنه (يلمّ) المهملات الملقاة على الشارع ويزيحها جانباً، مستخدماً في ذلك عصاه التي تطاوله في العمر، وكيسه المهترئ. إذاً أفكاري السوداء أودت بي إلى شطآن أخرى بعيدة، تباً للمقالات السوداء التي أكتبها أنا وغيري أحياناً. 

شعر الرجل باقترابي منه فأقبل مرحّباً بابتسامة عفوية لم تختلط ببقايا نفاق أو تزلّف، سائلاً عن علوم وأخبار جديدة قد أحملها، وهي عادة تناساها البعض تحت وطأة الانفتاح المادي والتكنولوجي والأخلاقي، وبيد مرتبكة دسست ما حملته في يده مع عدم قدرتي على تبرير ما فعلته.

بكل نقاء الدنيا خرج صوته صافياً وكأنه صوت ملاك في قصة أطفال قبل النوم: ولدي أنا ما أريد فلوس. ثم أشار إلى المسجد القريب مبتسماً وهو يقول: هذا بيت الله وما يصير (نخلّي) الأوساخ تتجمّع أمام بابه، الرسول أمرنا بالنظافة، ما كذا درّسوكم ولدي؟

يا للغرابة. كنت أعتقد أنني بريالاتي القليلة سأقدًم له العون، وأعود إلى سيارتي المكيّفة مزهوّاً منتشياً، كنت أعتقد أنني ومن معي من الجيل المتعلم المثقّف وحدنا من نحتكر المعرفة، وحق التفلسف وتقديم النصح للآخرين حول قضايا المجتمع والقيم والأخلاق، بينما ما حدث هو العكس، هو من ساعدني ومنحني الكثير من تساؤلات الدهشة حول القيم وغيابها في هذا الزمن، زمن العلم والتكنولوجيا والهواتف الذكية بكل حكم (الواتساب)، وقصص (الفيسبوك)، ونصائح تغريدات (التويتر).

تركته وملايين الأسئلة الحائرة تتصارع في مخّي الذي لم يعد قادراّ على الاستيعاب: هذا العجوز يقول لي إن هذه الأرض أعطتنا الشيء الكثير، فهل من الصعب أن أزيح عنها بعض الغبار العالق بها، وهل من الحرام أن أحتضنها وأحتويها، وهل من الغرابة أن أزيح عنها الحجر والمدر، هل تستكثرون عليّ ما أفعله؟

هو يقول كذلك: إن الأرض تتأذى مثلنا وتتألم، فهل كثير عليها أن نطهّر جراحها المفتوحة، ونداويها، ونزيل عنها الندوب؟

هو يسألني كذلك: هل تغيّر الرّفاهيّة من انتمائنا للأرض التي احتوتنا واحتضنتنا، وهل المؤثرات المختلفة التي نعيشها الآن لها دور في نزع أو (تضعضع) انتمائنا لها مع أنها هي ذاتها مصدر هذا الترف الذي نعيشه.

ترى لماذا أصبح منظراً كهذا يثير التساؤل والاستغراب مع أنه ينبغي أن يكون منظراً اعتيادياً طبيعياً، ولماذا نرى هذا السلوك لدى كثير من أفراد الجيل السابق ولا نراه في أجيالنا الحالية العصريّة المتعلمة النظيفة المثقّفة، ولماذا نصبّ جام غضبنا كل صباح على الحكومة وسياساتها، بينما نعجز عن إزاحة حجر ملقى أمام أعيننا.

إنه بما قام به يجعلنا في حرج شديد أمام عشرات الكتب والبرامج واللقاءات والندوات والورش التي نتغنى فيها بالمواطنة والهويّة والعولمة وأهمية الانتماء، بينما تأتي السلوكيات اللاحقة لكل ذلك متنافية في كثير منها مع واقع ما يتم طرحه.

إنه يطالبنا بأن نحذو حذوه وهو الرجل الطاعن في السن، وإذا لم تكن لدينا القدرة على فعل ذلك، فلنكف فقط عن أي سلوك قد يضير بالبيئة. 

إن هذا (العجوز) بما فعله يفتح باباً للأمل، يزيح الأتربة عن فتحات كثيرة مسدودة كي تعبرها نسمات الخير والعطاء، إنّه ينفض الغبار ويتحمل أضراره كي ننعم بهواء نقي، إنه يدعونا لصنع علاقة متجددة مع الأرض، إنه.. يهبنا الأمل.

د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

الثلاثاء، 2 يوليو 2013

لماذا فشل مرسي


أكتب هذا المقال بعد ساعة من البيان الأول للجيش والذي أمهل فيه كافة القوى السياسية مدة 48 ساعة لتلبية مطالب الشعب،وإلا فإنه سيقوم بالتدخل ورسم خارطة طريق للمستقبل. أكتبه إجابة على سؤال طرحه عليّ صديق عزيز ونحن نتابع سوياّ تغطية إعلامية لمجريات الأحداث في مصر: لماذا فشل مرسي؟

فشل مرسي لأن جماعة الاخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة التي ينتسب إليها استعجلت جني ثمار 80 عاماً من العمل الدعوي والسياسي ، فآثرت النزول إلى معترك العملية السياسية، ولم تقم بدراسة الوضع بشكل مناسب من كافة النواحي في ظل أوضاع اقتصادية متردية، وتركة ثقيلة خلفها لهم النظام السابق الذي مارس تفتيت مفاصل الدولة وتجريف ممتلكاتها العامة على مدى ثلاثين عاماً متواصلة، فكانت النتيجة حرباً شعواء، وتآكلاً من رصيد ضخم بنوه بنشاطهم الدعوي والإجتماعي،وبتضحيات الكثير من أفراد الجماعة.

فشل مرسي لأن جماعة الإخوان المسلمين هي جماعة إصلاحية وليست ثورية، وهاجسها الأهم هو إظهار نفسها بمظهر السلمية المبالغ فيها في بعض الأحيان، لدرجة حرق مقارها ومقتل عدد من كوادرها دون احتجاج حقيقي من قبل قياداتها، لذا فلم تقم الجماعة ممثلة في الرئيس كسلطة منتخبة في تفعيل محاكم الثورة، أو اتخاذ اجراءات حاسمة تجاه بعض الفئات التي ظلت تعبث في النسيج الاجتماعي والاقتصادي للبلد طوال عام كامل من حكمهم.

فشل مرسي لأنه لم تكن له رؤية واضحة تجاه الأداء الحكومي، فكان يحاول إرضاء كافة الأطراف، والظهور بمظهر القائد الأبوي الطيب المسالم، لذا فلم يحرك ساكناً تجاه ضعف الحكومة وضعف أدائها وافتقارها إلى الحزم الواجب والكفاءة المطلوبة رغم توفر أصحاب الكفاءات، والدليل أن معظم أعضاء هذه الحكومة يقومون الآن بالقفز من السفينة برشاقة القرود إظهاراً لشو إعلامي وهمي.

فشل الرئيس لأنه لا يملك من أدوات الحكم سوى مقر الرئاسة، فالشرطة مشغولة بمحاولة إعادة بناء نفسها وتشكيل كيانها بعد الضربة التي تعرضت لها في ثورة 25 يناير،والجيش مستقل بذاته في ظل قيادة إسمية للرئيس عليه، والقضاء يناكف الرئيس في كل القضايا المهمة كالانتخابات البرلمانية والدستور والمجالس النيابية وغيرها، والإعلام يمارس نقده الجارح بشكل يومي وكأن الرئاسة هي أضعف سلطة موجودة في البلد.

فشل الرئيس لأنه واجه معارضة غير فاعلة أو ايجابية من قبل عدد من أصحاب الأحزاب الكرتونية التي تشكلت قبل أو بعد الثورة، والتي لم يكن لها ثقل سياسي حقيقي، أو بمعنى آخر كانوا كمالة عدد لديكور ديمقراطي وهمي، معارضة يعارض أغلب رموزها إما لأجل المعارضة، وإما كرهاً في الإخوان ورغبة في إسقاطهم، في ظل عدم مقدرة هؤلاء الرموز على كسب قاعدة شعبية حقيقية في الشارع بسبب تواجدهم الدائم خلف المنابر الإعلامية، وبالتالي فإن نجاح الرئيس يعني نجاحاً أكبر، وشعبية أكثر له ولحزبه وجماعته، فالحل السهل هو استغلال الظروف الإقتصادية والاجتماعية السيئة كحل مثالي للمعارضة والضغط على الشارع لخلق صورة ذهنية سلبية عن أداء الرئيس وجماعته، وبالتالي تناقص شعبية الجماعة، وفرض أنفسهم كممثلين مستقبليين عن الشعب، لذا فلم نستغرب سكوت هذه المعارضة على الكثير من الملفات التي كانوا يطالبون بإصلاحها أو تطهيرها كالاعلام والقضاء وقانون العزل السياسي، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك بتحالفهم مع كافة الجهات التي دخلت في صراع علني مع الرئاسة، وأخيراً وضع هؤلاء أيديهم في يد خصمهم السابق المتمثل في فلول الحزب الوطني، بل وطالبوا العسكر بضرورة التدخل والحسم وهم الذين وقفوا ضده في المرحلة الانتقالية السابقة.

فشل الرئيس لأنه واجه إعلاماً شرساً منذ بداية ترشحه للرئاسة، إعلام حاول على مدى عام كامل النيل منه بشكل سافر متطرف يوحي بوجود حملة منظمة لذلك، وهوأمر غير مستغرب إذا ما علمنا أن أغلب المؤسسات الإعلامية الخاصة مملوكة لقيادات بارزة في الحزب الوطني المنحل، كما أن رموز الإعلام الذين يديرون الحرب ضد الرئيس حالياًَ هم من المنتسبين أو المتعاطفين مع ذلك الحزب خلال المرحلة السابقة، بل إن بعضهم كان عضواً في حملة الرئيس السابق الإنتخابية، والبعض الآخر كان عضواً في لجنة السياسات التي كانت تدير البلد، وبعض آخر كان ضمن ملف التوريث لجمال مبارك، وكانت دموع أغلب هؤلاء حاضرة عند تنحي مبارك، فمالذي يجعلهم الآن ثوريين ومطالبين بالحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية؟ 

فشل مرسي لأن بعض مرشحي الرئاسة السابقين استكثروا عليه أن يكون رئيساً، فقاموا طوال عام كامل بمحاربة كافة الخطوات التي يقوم بها، والتقليل من مدى نجاحها، ومحاولة إظهاره بصورة الفاشل، بالرغم من أن أحد هؤلاء، وهو الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح كان إلى فترة قريبة قيادياً بارزاً في جماعة الإخوان المسلمين، والدليل على هذه الحرب المطالبة الدائمة والمستمرة بتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، وهو طرح تم تبنيه من قبل بعض هؤلاء المرشحين منذ الشهور الأولى لتولي مرسي السلطة.

فشل مرسي لأن الثورة لم تتخلص بعد من تأثير بقايا النظام السابق في كل الأجهزة والمؤسسات بالرغم من أن بعض رموز هذا النظام يقبعون حالياً في السجون، ولكن مازال أتباعهم والمستفيدين من العهد السابق يتصرفون بحرية في المشهد السياسي من خلال اللعب على مشاعر بعض الفئات المجتمعية، والاستفادة من عدم تحقيق النتائج التي وعدت بها الثورة، وهذا النظام يسيطر على مفاصل مهمة في الدولة كالإعلام والقضاء والإقتصاد وغيرها، وما شجعهم على ذلك هو وجود غطاء سياسي لهم في الفترة الأخيرة من قبل بعض قوى المعارضة نكاية في الإخوان، وتمهيداً لزوال حكمهم.
فشل مرسي لأنه واجه معارضة خارجية من بعض الدول والجهات الخارجية خوفاً من تصدير فكرة الثورة وانتشار الفكر الإخواني في هذه الدول، وبالتالي التمهيد لمد إخواني قادم بعد نجاح هذا الفكر في الدول العربية التي قامت بثورات الربيع العربي كتونس وليبيا ومصر.

لكل الأسباب السابقة وغيرها أصبح مرسي مثل قائد سفينة لا يحسن القيادة، لذا فليس من الغريب أن تجنح السفينة أو أن يصيب العطب بعض أجزائها. قالها الملك فاروق لمحمد نجيب وهو يغادر مصر إلى منفاه: "ليس من السهل حكم مصر"، وقالها سعد زغلول قبله"مفيش فايدة".

د.محمد بن حمد العريمي

Mh.oraimi@hotmail.com