الخميس، 1 سبتمبر 2011

بأي حال عدت

ارتبط العيد في أذهاننا بالكثير من القيم والعادات و المشاهد الجميلة والمبهجة، فالعيد يعني الفرحة والتواصل والتشارك.
في هذا المقال جمعت لكم عدداً من المشاهد المتعلقة بمظاهر العيد، والتي ارتبطت في وجدان الكثير منا على مدى سنوات عديدة،وقد تختلف هذه المشاهد في بعض جزئياتها باختلاف مناطق ومحافظات السلطنة، في دلالة على تنوع مفردات الثقافة العمانية، ولكنها بالتأكيد تتشابه في إطارها العام في دلالة على وحدة المجتمع العماني ثقافياً واجتماعياً.

المشهد الأول: الليلة السابقة للعيد، الأسواق مزدحمة بالمشترين والمتفرجين ،الأبناء يعاونون والدهم في تجهيز اللحم الخاص بإعداد وجبة "العرسية"، والنساء مشغولة بتنظيف غرف البيت وترتيب الأثاث وتجهيز "فوالة" العيد، الأم في أحد أركان "الحوش" تعد النار التي ستطبخ عليها وجبة العيد، والأطفال يتبادلون عرض ملابسهم الجديدة وألعابهم، وكأنهم لا يطيقون الانتظار إلى الغد، بالرغم من أن ما يفصلهم عن صباح العيد هي مجرد سويعات قليلة. في هذه الليلة لا أحد ينام، ليس من الأرق..ولكنها الفرحة بقدوم العيد.

الآن أصبحت العاملة المنزلية تقوم بمعظم التجهيزات المتعلقة بالعيد، إلا في بعض المجتمعات التي مازالت تحافظ على مثل هذه المظاهر، أو أن تأثير العولمة لم يمتد إليها بعد.

المشهد الثاني:الناس متجمعون في إحدى ساحات القرية أو الولاية لتأدية صلاة العيد وهم يرتدون ملابسهم التقليدية الأصيلة ،الرجل بدشداشته البيضاء الناصعة، وعمامته الكشميرية الزاهية، وخنجره الذي صاغته يد عمانية خبيرة ، وعصاه التي يعتز بحملها كدلالة على الرجولة ، والأطفال بملابسهم التقليدية التي يحاولون من خلالها استباق الزمن كي يكونوا رجالاً يعتمد عليهم المجتمع، والنساء بزيهن المحتشم المحاك من قماش "البريسم" الموشى بخيوط الزري، تغطيه "قبعة" سوداء ،وفوقها "عباءة" حريرية داكنة، أو "شادر طرح" أحمر جميل، ولا تجد المرأة غضاضة في لبس مجوهراتها التقليدية الأصلية ك"الحنحون"، أو "المرية"، أو"البنجري"، أو "اللكداني" أو "العوص"، وغيرها من مفردات الحلي العمانية، بينما"الختم" تزين أصابعها، ، فاليوم هو العيد، وهو يوم الفرحة والبهجة، وهل هناك أفضل من هذا اليوم كي يكون المرء بأحسن هيئة وأفضل زينة؟

بالمناسبة.. هل مازلنا نحرص على ارتداء هذه الملابس؟و هل ما زالت المرأة العمانية تتذكر هذه المفردات وتحرص على التزين بها في كل عيد، أم أنها أصبحت من الماضي؟
مجرد أسئلة قد تكشف الإجابة عليها واقعاً أليماً يحتاج نقاشه إلى مقالات عدة.

لمشهد الثالث : تعود من المصلى في طريقك إلى البيت. تعبث يداك بمؤشر الإذاعة لتنطلق منه أغنية حمدان الوطني"مبارك يا عيد مبارك"، فتسرح معها لسنوات خلت ، وتتراءى أمامك مشاهد مختلفة، وذكريات متنوعة مرت عليك في الأعياد السابقة.

تفرغ من تناول وجبة العيد، ويقوم أحد أفراد العائلة بتغيير المحطة التلفزيونية باحثاً عن قناة عمان لتطل عليك صفاء أبو السعود في أغنية "العيد فرحة"، فيتدفق أمامك سيل من ذكريات الطفولة المرتبطة بالعيد، وربما تتذكر مسدسك الذي اشتريته من "الهبطة" بطلقاته ذات اللون الأحمر المميز ، ولعبة الشرطي والحرامي، وغيرها من الذكريات.

هل أصبحت هذه الأغاني الجميلة جزءاً من المشهد السنوي للعيد والذي لا يمكن الاستغناء عنه؟

المشهد الرابع: شباب العائلة يتحلقون صباح يوم العيد حول "صفرية" العرسية ، وهي إحدى الوجبات العمانية المرتبطة بهذه المناسبة، والأطفال من خلفهم يترقبون المشهد، ويتقدمون لأخذ دورهم ، ويبذلون كل طاقتهم لإثبات مقدرتهم على القيام بما يفعله الكبار، وسط جو من المرح العائلي، وفي ظل كلمات التشجيع أو الدعابة لهذا السلوك البريء.

ترى هل عادت العائلة الكبيرة تتجمع كما كان سابقاً، أم أن "الفوضى" الحياتية قد فرقتهم، وأصبح كل فرع منهم يحتفي بالمناسبة لوحده في جو بارد كئيب يسلب الكثير من بهجة العيد وفرحته المتمثلة في "اللمة" العائلية الجميلة.

المشهد الخامس: مشهد الأطفال وهم يتنقلون بين بيوت الحارة طلباً للعيدية، ببراءتهم المعهودة، وبملابسهم البسيطة الزاهية التي حاكتها يد جدة حنونة، أو قدمت ك"شرهة" من قبل جارة يناديها ذلك الطفل بلقب "أمي فلانة" عرفاناً بحنان وعطف واهتمام قدمته له تلك الجارة، ملابس لم يتكلف الأب في سبيل شرائها عناء الذهاب إلى أحد فروع محلات الملابس العالمية ، ولم يسحب على المكشوف كي يستطيع تسديد قيمتها الباهظة.

هل مازال هناك من يحرص على أن يلبس أطفاله مثل هذه الملابس التقليدية الجميلة، أم الخوف من عبارات الانتقاد المتناثرة هنا وهناك بدعوى عدم مسايرة الواقع يشكل حاجزاً عند الكثيرين؟

المشهد السادس: أبواب مجالس البيوت مفتوحة على مصراعيها، تعطرها رائحة العود والدخون العمانية، ويميزها "الفوالة" التقليدية من حلوى عمانية، وفواكه منوعة، والقهوة السوداء الممزوجة بالهيل والزنجبيل. الرجال يتنقلون من بيت لآخر، يعايدون على هذا، ويطمئنون على تلك، تحيط بهم حميمية صادقة،دون تفرقة أو تمييز بين هذا أو ذاك، ثم يذهبون للسلام على أولي الأمر في دلالة على ترابط المجتمع وتعاضده والتزامه بمبادئ المواطنة الحقيقية التي نعاني نحن حالياً في غرسها لدى الجيل القادم.

كم نحتاج لتلك الحميمية كي تدفئ أوصال مجتمع بدأ البرد يعبث بأطرافه.

المشهد السابع: نساء القرية يتجمعن في ركن مخفي عن الأنظار لكي يمارسن فناً نسائياً عمانياً أصيلاً، سواء كان "أبو الزلف"، أو "تشح شح"، أو "المغايض"، أو "الحمبورة" أو غيرها من الفنون العمانية الجميلة. وفي ساحة غير بعيدة عدة صفوف من الرجال تقدم لوحة جميلة من فن "الرزحة"، وهو فن الرجولة عند العمانيين ، تتقدمهم السيوف والبنادق، ومن خلفهم كثير من المتفرجين من كبار السن الذين يطالعون المشهد في حسرة، ويودون لو يعودوا سنوات إلى الوراء كي يشاركوا في هذا المشهد، وعدد من الصغار الذين يحاولون تقليد الكبار ربما لجلب الانتباه، أو للفت الأنظار.
تساؤل بريء: هل عادت كثير من هذه المظاهر الجميلة تؤدى في أعيادنا؟

كانت تلك جزء من مشاهد كثيرة ارتبطت بأعيادنا، وعايشها كثير منا، ومازلنا نحنﱡ إليها بعد أن عبثت يد ما يدعى ب"التمدن" و"العصرنة" والتطور بكثير من ملامحها، وأصبحنا ننساق وراء مظاهر غريبة مستوردة، لا يمت كثير منها بصلة إلى مجتمعنا وثقافته الضاربة في جذور التاريخ.
أآمل أن تكون مناسباتنا الاجتماعية فرصة مهمة لتذكر الكثير من عاداتنا وتقاليدنا التي بدأ الجيل الجديد مغيـﱠب عنها بفعل عوامل كثيرة لعل من بينها التغير الحادث في نمط المعيشة وما ارتبط بها من تغيرات كثيرة مست جوانب عديدة من ثقافتنا المحلية.

كما أتمنى ألا تكون هذه المناسبات الدينية والاجتماعية ثقيلة كئيبة على البعض منا بسبب ما ارتبط بها من محاولات لتغيير واقعها وطقوسها ومظاهرها، واستبدالها بمظاهر مستوردة تضيف الكثير من العبء على كاهل الفرد منا بدون داع أو سبب.

بإمكاننا أن نستمتع ونستفيد بمناسباتنا دون الحاجة إلى البذخ الزائد والتنافس الغير مرغوب، والتغيير المتعمد في المظاهر الجميلة المرتبطة بها، لأسباب واهية ترتبط بخواء ثقافي قادنا إلى الاعتقاد بأن التمدن والتحضر هو في الابتعاد عن الماضي بكل بساطته وجماله وعفويته.
العيد هو مكافأة من الرب لعباده المسلمين.فلنجعله كذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.