الثلاثاء، 29 مايو 2012

مشاهد وتساؤلات 5


(1)

ذهبت الأسبوع الماضي إلى النادي الثقافي كي أحضر أمسية فكرية نظمتها جمعية الكتاب والأدباء للدكتور خليل النعيمي، وهو طبيب وجراح وشاعر وروائي ورحالة سوري معروف، وبرغم الزخم الإعلامي الجيد الذي صاحب الإعلان عن الأمسية وموعدها ومكان إقامتها، وبرغم شهرة الكاتب ومكانته الأدبية الكبيرة، إلا أن الحضور كان باهتاً، ومعظم الحاضرين هم نفس الوجوه الثقافية التي اعتادت على حضور مثل هذه المناسبات الفكرية المهمة.
نفس القاعة استضافت بعدها بأيام أمسية شعرية نظمتها إحدى الكليات لعدد من الشعراء الشباب في مجال الشعر النبطي، وسط حضور جماهيري لافت غصت به أرجاء القاعة وكراسيها.
لا تعليق.

 (2)

"لم يكن طفلا، من يقتل الأطفال، ولم يصبح أبا لأحد. ليس بشرا من يقتل الصغار بالضغط على زر من بعيدولكن من يقتل طفلا بلمس اليد، وهو يرى رعبه بعينيه، ويسمع صراخه بأذنيه هو شيطان بالتأكيد".

أستحضر هذه الكلمات المعبرة التي قالها المفكر الفلسطيني الكبير عزمي بشارة، وأنا أشاهد بألم وقهر شديدين  صور ضحايا مجزرة "الحولة" السورية التي راح ضحيتها أكثر من 114 مواطناً, بينهم حوالي الثلاثين ممن لم تتعد أعمارهم العاشرة.

هذه الجريمة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في ظل صمت عربي وإسلامي وعالمي مستفز لا يخلو من بعض الشجب والتنديد وبقية "الطقم اللي بيتقال مع بعض".

كالعادة.. سترتفع بعض أصوات النشاز التي ترى في الأمر شأناً سوريا خاصاً لا دخل لنا به، وسيلقي البعض الآخر كالجريدة إياها ومن يتبع سياستها في المواقع الإلكترونية بالتهم الجاهزة المستقاة (كالعادة) من أبواق الإعلام السوري النظامي حول مسئولية العناصر الإرهابية المسلحة عن المذبحة.

همﹲ يبكي.

(3)

هل تبحث عن الشهرة والأضواء؟ هل تريد تعديل أوضاعك المالية المتعثرة وتحقيق الربح السريع؟ هناك الكثير من الطرق والوسائل لتحقيق ذلك. يمكنك مثلاً أن تصبح مدرباً معتمداً في البرمجة اللغوية العصبية، أو مرشداً نفسياً واجتماعياً، أو متخصصاً في مجال التوجيه والإرشاد الأسري ،وبرامج تعديل السلوك.

الأمر ليس بتلك الصعوبة، لن يكلفك ذلك أكثر من حضور بعض الدورات هنا وهناك، ومكتب شيك، ولافتة ملونة بطول عشرة أمتار، وبعض الإعلانات في ملاحق الصحف التجارية، وشيء من "التربيطات" مع بعض المهتمين بقضايا التدريب والتأهيل، وعدد من الموضوعات التي يمكن أن تحملها من المواقع المختصة في شبكة المعلومات العالمية وتحفظها عن ظهر قلب (ستصبح مشغولاً ولن يكون لديك وقت لقراءة الكتب أو تدوين الملاحظات والأفكار)، ولا بأس بصورة حديثة لك وأنت تبتسم، بينما تدل ملامح وجهك على أنك خارج للتو من محل الحلاقة، لتصبح بعدها الخبير المعتمد والمدرب العالمي، وستلتقطك وسائل الإعلام كي تسد فراغاً في خارطة برامجها.

اطمئن.. لن يقوم أحد بتقييم ما تقدمه من دورات، فالكل ينسى ما حدث بعد انتهاء الدورة، ولن يتساءل أحدهم عن صغر سنك، أو حتى مدى امتلاكك للقدر الكافي من الخبرة الحياتية والعملية الكافية التي تمكنك من التعاطي مع القضايا الأسرية والمجتمعية المختلفة.

بيزنس مضمون، والساعة بخمسين ريال والحسابة بتحسب.


 (4)
تحدثت في مقالات سابقة عن "صندوق تكافل بدية"، هذا المشروع التطوعي المهم الذي بادر عدد من شباب الولاية إلى إقامته منذ عدة أشهر في إطار الشراكة المجتمعية، وتحقيق الإيجابية الفاعلة لأدوار المجتمع، والذي يهدف إلى القيام ببعض المناشط الخيرية المهمة التي تسهم في تحقيق مزيد من التكافل الاجتماعي، وتدعم أواصر الروابط بين فئات المجتمع كإقامة مشاريع الزواج الجماعية، وتبني مساعدة بعض الفئات المجتمعية كالأيتام، والأسر المعسرة.

برغم مرور فترة وجيزة على إنشاء الصندوق، إلا أن ثماره بدت "تؤتي أكلها"، حيث قام الصندوق حتى الآن بكفالة عدد 95 أسرة معسرة، و137 يتيماً، ويستعد الآن لإقامة مشروع الزواج الجماعي الأول والذي سيستفيد منه حوالي 30 شاباً من شباب الولاية.
لمثل هؤلاء ترفع القبعات.
(5)

بخفة دمهم المعهودة الممزوجة بمرارة العيش وصعوبة الحياة لم يترك المصريون البسطاء انتخابات الرئاسة المصرية دون أن يضفوا عليها طابعهم الفكاهي، فقد أجابت إحداهن بأنها "تقف منذ ثلاثين عاماً" عندما سألتها مراسلة إحدى القنوات الإخبارية عن وقوفها في طابور الانتظار الطويل رغم حرارة الجو الشديدة، في إسقاط ذكي على ما حل بالحياة السياسية المصرية خلال حقبة حكم الرئيس السابق، بينما قال آخر في برنامج إذاعي سياسي "بأنه يقف منذ 5000 سنة" في دلالة على توالي الأنظمة الديكتاتورية التي حكمت مصر.

كانت نتائج الجولة الأولى منطقية ومتوقعة من وجهة نظري، فقد فاز مرشح الإخوان لأنهم (أي الإخوان) استفادوا من قدرتهم الكبيرة على الحشد والتنظيم، ولم يبالوا بحملات التشوية المبالغ فيها تجاههم، ولم يولوا أهمية لنتائج استطلاعات الرأي (السخيفة) التي كانت تشير إلى ضآلة فرص فوز مرشحهم بحجة أنه لا يملك الكاريزما اللازمة، أو لأن الشعب المصري فقد الثقة في الإخوان بعد أدائهم السياسي (الباهت) خلال المرحلة السابقة.

بينما تقدم أحمد شفيق إلى المرتبة الثانية لأن هناك من يعتقد أن في فوزه عودة لمصالحه السياسية والاقتصادية، واسترجاعاً لمكانته السابقة، مستفيدين من امكاناتهم المالية الكبيرة، وخبرتهم التنظيمية السابقة التي اكتسبوها من خلال انتسابهم للحزب الوطني الديمقراطي (المنحل)، وخاصة في مجال حشد الأصوات الانتخابية بشتى الطرق والوسائل، مستفيداً (أي أحمد شفيق) من تواجد عدد من (الأبواق) الإعلامية المحسوبة على النظام السابق، والتي مهدت طوال الفترة الماضية في تلميع صورة شفيق، والتقليل من قدرات منافسيه، وبالأخص مرشحي التيار الإسلامي، وإيهام الشعب أن في عودته عودة للنظام والأمن والاستقرار.

بماذا ستعلق الفكاهة بعد انتهاء المرحلة الثانية من الانتخابات؟ هل بعبارة "شفيق يا راجل؟"، أم ستكتفي بالقول أن "مرسي ابن المعلم الزناتي اتهزم يا رجالة".
إنه حقاً (يوم للتاريخ)، كما وصفته جريدة "الإندبندنت" بذلك.




الأحد، 27 مايو 2012

لله درك

المفكر الحر عزمي بشارة
"لم يكن طفلا، من يقتل الأطفال، ولم يصبح أبا لأحد. ليس بشرا من يقتل الصغار بالضغط على زر من بعيد. 
ولكن من يقتل طفلا بلمس اليد، وهو يرى رعبه بعينيه، ويسمع صراخه بأذنيه هو شيطان بالتأكيد."

عجبي

يبدو أن عدوى سياسة النأي عن النفس وعدم التدخل في شئون الآخرين قد وصلت إلينا كشعب.


الاطفال يذبحون في سوريا بدم بارد ونحن نتفرج ونقول " وما دخلنا بهم.. هذا شأن داخلي يخصهم "


ألا قاتل الله الجبن

الثلاثاء، 22 مايو 2012

العبث اللذيذ


 (1)


هل تعاني من السمنة والترهل؟ هل تشتكي من آلام البواسير؟ هل تزعجك الهالات السوداء؟ وهل يقلقك لون أسنانك؟
لا تقلق، وضع في بطنك "أكبر بطيخة صيفي"، فنحن نضمن لك انقاص 7 كغم من وزنك أسبوعياً، ونخلصك من آلام البواسير خلال 9 أيام "لماذا 9 بالذات"، ونساعدك في الحصول على وجه أبيض بدون هالات في يوم واحد، وستصبح أسنانك بيضاء ناصعة خلال يومين. وكل ذلك بدون أية آثار جانبية.
ماذا تريد أكثر من ذلك؟ لبن العصفور؟ نستطيع أن نحلبه لك كذلك.

 (2)


مع منتجنا العجيب يمكنك التخلص من كافة السموم الموجودة بجسمك. ليس هذا فقط، فهو يقضي كذلك على الأرق والإجهاد، ويقي من الإصابة بالفشل الكلوي، والسرطان، وتلوث الدم، وآلام المفاصل والروماتيزم.
أسمعك تهمهم "ايه اللي لم الشامي ع المغربي"، أو بالعربي الفصيح ما علاقة السرطان بآلام الروماتيزم أو الفشل الكلوي؟
يا عم.. انت حتدق فيها؟ اشتري وانت ساكت، وإلا فهناك الكثيرين غيرك ممن سيفعل ذلك، وبدون سلبيتهم هذه لم نكن لنجرؤ على نشر هذا الإعلان.
ملاحظة: خدمة التوصيل مجاناً

(3)


ولأنك شخص مختلف عن البقية، لذا لا يصح أن تسكن أو تأكل أو تشرب مثلهم، والآن فقط يمكنك أن تشعر بذلك. مع مدينتنا السكنية الجديدة سنمكنك من الاستمتاع بحياتك في "العلالي".
امتلك الآن في منخفضات "الطينة هيتس" واختر ما يناسبك من الوحدات السكنية: غرفه + غرفتان بملحقاتهما، وكل ذلك بسعر خيالي لن تحلم به. تبدأ الأسعار من 499 ألف ريال فقط للوحدة السكنية.
تقول إن إعلاناً كهذا قد يثير الضيق لدى شريحة كبيرة من المجتمع، ويرون فيه نوعاً من الطبقية الاقتصادية والاجتماعية، خاصة وأن البعض منهم لا يستطيع استئجار مجرد شقة مكونة من غرفة واحدة.
هل قال لك أحدهم إننا نمثل الضمان الاجتماعي؟


(4)


إعلان هام جداً جداً.. لدينا الحل لجميع مشاكل الحياة التي تعاني منها.
لا تتردد ولا تحتار .. أية مشكلة تواجهك لدينا حلها، فمع علم الطاقة الروحية الإستاتيكية الميتافيزيقية (فهمت شيء) سيكون لحياتك طعم آخر.
تقول إن عنواننا ليس موجوداً بالإعلان؟ ما الضير في ذلك، ولماذا (بعزقة) الفلوس ما دمنا قادرين على أن نستغفلك من خلال الهاتف النقال؟

(5)


بشرى سارة.. الآن فقط يمكنك أن تقول وداعاً لجميع مشاكل الشعر. لا صلع بعد اليوم، لا للشعر الأبيض، لا لتساقط الشعر، لا للقشرة أو التقصف.
وكالعادة في كل الإعلانات فمنتجنا طبيعي 105%، وهو الأكثر أماناً وفاعلية، وليست له أية أعراض جانبية. وكي تتأكد من نجاعة مفعولة أنظر إلى الصورتين وقارن جيداً بينهما، وسترى الفرق.
لعلك تسأل نفسك: وما يدرينا إن كان للأشخاص الموجودين في الصورتين علاقة بالدواء؟ هل تريدنا أن نحلف لك مثلاً؟

(6)


معنا ستستعيد رجولتك، وستعود لك السعادة الزوجية، وكل ذلك خلال نصف دقيقة فقط، وبدون أدوية أو عمليات أو ألم، والجهاز معتمد من وزارة الصحة (البنمية ) ولا تسألنا أين هي شهادة الاعتماد هذه.
لضمان التجربة يمكنك تجربة الجهاز معنا قبل الشراء، ولا تسألنا كذلك عن كيفية التجربة. يا سيدي هو إعلان والسلام، فلا تدقق كثيراً في كل جملة أو عبارة.

   ما سبق كانت نماذج لبعض الإعلانات التجارية المضللة التي تطالعنا بها بعض الصفحات الإعلانية التجارية في صحفنا اليومية، والتي يندرج كثير منها تحت عناوين جاذبة لشريحة من المستهلكين، كالعناوين المتعلقة بتخسيس الوزن، أو علاج بعض الأمراض المستعصية، أو تبييض البشرة، أو التخلص من مشاكل الشعر، أو الحصول على السعادة الزوجية وغيرها، وهي إعلانات تحمل في محتواها الكثير من التناقضات والمغالطات المختلفة التي يحاول من خلالها المروجون لها استغلال الثقافة السلبية لبعض الشرائح الاستهلاكية، واندفاع البعض منهم دون تروي تجاه الحصول على هذه المنتجات اعتقاداً منهم بالحصول على نتائج سريعة ومضمونة.

ومن هذه المغالطات (الفجة) التي تحملها كثير من هذه الإعلانات المضللة: الادعاء  بأن المنتج مضمون 100%، وهو ادعاء غير صحيح، فلا يوجد دواء في العالم يمكنه ضمان نسبة كهذه.
كذلك يمكن ملاحظة وجود بعض المصطلحات "الجاذبة" من مثل " استعد شبابك من جديد"، أو " لأول مرة في الأسواق"، أو " احتفل بعودة رجولتك"، وهي مصطلحات يعمد أصحاب هذه الإعلانات الى استخدامها لمعرفة بمدى التأثير الذي يمكن أن تفعله بالشرائح الاستهلاكية السابق ذكرها.
ونلاحظ أيضاً من خلال هذه الإعلانات الإشارة إلى قدرة المنتج على معالجة المشكلة في فترة قياسية وجيزة ، كالقضاء على البواسير خلال يوم واحد، أو التخلص من "الكرش" خلال 3 أيام، أو تبييض البشرة في غضون 30 ثانية فقط، وفي هذا ضحك كبير على "الذقون". 
كما أن بعض الإعلانات تروج لمنتجات وأدوية تدعي القدرة على علاج بعض الأمراض المستعصية كالإيدز أو أنواع السرطانات المختلفة، أو السكري  وغيرها، وهو الأمر  الذي يجعلك تقول لنفسك: هل يعقل أن يستطيع هؤلاء إيجاد حلول لهذه الأمراض والمشاكل المستعصية في الوقت التي لم ينجح الطب بكل مؤسساته وأطبائه وباحثيه في ذلك؟
كما أن الإعلانات التي تروج لتخفيف الوزن، والقدرة على انقاصه خلال فترة وجيزة  دون الحاجة لأي نوع من النشاط البدني أو ممارسة الرياضة بها قدر كبير من الاستخفاف بالعقول، حالها كحال الفقرة السابقة، وهذا يعني أنه لا حاجة لإنشاء وزارات تعنى بالصحة بكل ما يتعلق بها من إنشاء مستشفيات، وتوفير كوادر طبية متخصصة، مادامت المنتجات التي تبشرنا بها هذه الاعلانات قادرة على تخليصنا من كافة مشاكلنا الصحية المختلفة.

ونلاحظ كذلك حرص كثير من هذه الإعلانات على وضع صور تمثل جوانب مقارنة لتجارب بعض الأشخاص قبل وبعد استخدام المنتج، وهي صور تبقى محل شك في ظل عدم تأكد المستهلك من مدى صدقها.
  وقد يدعي البعض إنه وجد نتيجة ملموسة عند استخدامه لبعض هذه المنتجات،  وقد يحدث ذلك فعلاً في بعض الأحيان، ولكن خذ معك هذه القصة، فقد اكتشفت هيئة الغذاء والدواء بالمملكة العربية السعودية بعض المنتجات التي تحمل ادعاء بتخفيض السكر باحتوائها فعلاً على أدوية سكر مخلوطة معها، وهذا مما قد يسبب مضاعفات خطيرة لمتعاطيه لاحتمالية تأثيره على مستوى السكر وتعارضه مع بعض الأدوية، وفي هذا غش وخداع لمستخدم هذا الدواء، كما أن هناك على سبيل المثال بعض المنتجات التي تُعطي نتائج سريعة بالفعل، ولكنها تكون مخلوطة بمواد سامة ومؤثرة على الصحة كمادة الزئبق شديدة السمية.

حقاً .. إنه نوع من "العبث اللذيذ"

د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

الثلاثاء، 15 مايو 2012

مشاهد وتساؤلات (4)


(1)
عتبي كبير على الهيئة العامة لحماية المستهلك، حيث يبدو لي أن هذه الهيئة تقوم بمحاربة التراث المادي، ولا تضع قيمة له برغم أننا في بلد اشتهر باهتمامه بالتراث الحضاري أياً كان نوعه، والحفاظ عليه، وإلا فماذا يعني قيام موظفيها بضبط ومصادرة بضائع تعود إلى حوالي عشرين سنة ماضية ؟
أبعد كل هذه السنوات من وجودها قريرة العين مطمئنة البال على أرفف بعض المحلات أو داخل مخازنها، تأتون للكشف عنها ومصادرتها؟ من كان مضطلعاً بالمهمة قبلكم لم يفعل ذلك ربما حرصاً على أهميتها وقيمتها التاريخية كشاهد على حقبة تجارية معينة، فلماذا تقومون أنتم بكسر القاعدة؟
 (2)
وبمناسبة الحديث عن الهيئة، فقد اطلعت في جريدة الرؤية قبل أيام على رسم كاريكاتيري معبر وواقعي، حيث شبه صاحب الكاريكاتير الهيئة بأنها لا تلقي بالاً للشكاوى التي تردهم من قبل المستهلكين، يعني بالمصري عاملين (ودن من طين وودن من عجين) ، وهذا أمر مطابق للحقيقة ، فالهيئة خلال شهر ابريل الماضي، استقبلت في محافظة مسقط لوحدها حوالي 287 شكوى، تم تسوية  157شكوى فقط، بينما بلغ عدد الشكاوى التي لم تتم تسويتها 4 شكاوى، أما بقية الشكاوى فإما أن أصحابها أهملوها، أو أنها ما زالت قيد البحث، أو أنه لم يحن موعد تسويتها، وذلك لحداثة عهدها.
تخيلوا.. أربعة شكاوى كاملة لم تتم تسويتها.. كم أنت مهملة أيتها الهيئة لشكاوي المستهلكين.

(3)
ومازلنا مع هذه الهيئة، والتي يبدو أن دورها لا يقتصر فقط على محاربة التراث المادي ومصادرته، بل تعدى ذلك إلى محاولة تقييد الحريات الفكرية ، وإلا فماذا يعني أن تتم مصادرة 7236 فيلم مرئي خلال الأشهر الأربعة الماضية في محافظة مسقط فقط؟ بحجة أنها منافية للآداب أو غير متوافقة مع حقوق الحماية الفكرية، و يتم تسويقها بطرق غير شرعية.
ماذا يعني أن يقوم أحد محلات بيع المصنفات الفنية بنسخ بعض هذه المواد وبيعها تخفيفاً على المستهلك الذي لا يستطيع شراء النسخة الأصلية، أو أن يقوم أحد الوافدين بالترويج لبعض هذه المواد ذات المحتوى (الثقافي) المهم بين أبناء جلدته رأفة بحالهم وتهويناً لمعاناتهم.
ألا يعني ذلك تضييقاً على الحريات ومصادرة للفكر؟ بصراحة ليس لكم حق فيما تفعلونه. 
 (4)
وبرغم أن سعر كيلو اللحم أصبح أغلى من جرام الذهب ، وبرغم رغبة بعض التجار والجزارين من أصحاب القلوب الرحيمة التهوين على المستهلكين بتوفير اللحم لهم بأسعار رخيصة ومناسبة، إلا أن الهيئة تقف بالمرصاد لهؤلاء ، فمرة تقوم بضبط بائع لحوم يقوم بخلط اللحم الصومالي مع اللحم النيوزيلندي لبيعه على المستهلك، ومرة تحيل جزاراً حاول ذبح ثور ميت في أحد الأماكن المخصصة للذبح في إحدى الولايات.
هذه الفئة تحاول مساعدة المستهلك البسيط في الحصول على اللحم بالسعر المناسب وأنتم تقومون بمحاربتهم والتصدي لهم؟ ألا تشعرون بمعاناة الناس؟
 (5)
وبعد أن كنا نستمتع برؤية الملاحق الصحفية التجارية، والتي تحوي إعلانات مشوقة لأعشاب ومنتجات ذات  مفعول (هائل)، تسهم في عودة الشيخ إلى صباه، أو تقضي على أمراض استعصت على الطب الحديث ، أو تجعلك تتخلص من كتل الشحوم والدهون التي تضجر منامك ، أبت الهيئة (كعادتها) إلا أن تحرمنا من هذه المتعة، فأصدرت قرارها الذي حظر تسويق أو توزيع أو الإعلان عن أي أعشاب طبيعية أو مستخلصات نباتية ذات استخدامات تغذوية إلا بعد الحصول على موافقة وزارة التجارة والصناعة، وكذلك حظر تسويق أو توزيع أو الإعلان عن أية أعشاب طبيعية أو مصنّعة ذات استخدامات طبية إلا بعد الحصول على موافقة وزارة الصحة.
ما ذنب المستهلك في حرمانه من  الحصول على بعض الحبوب أو الكبسولات أو المساحيق، أو المغذيات والمقويات بمختلف أنواعها لمجرد أنها تباع بدون ترخيص؟ وهل الهيئة أكثر حرصاً على صحتنا وحياتنا من أصحاب هذه الملاحق الصحفية التجارية أو أصحاب المحلات ؟
حتى بعض أنواع الكحل والزعفران تمت مصادرتهما تحت حجج واهية كاحتوائها على نسبة من الرصاص، أو ارتفاع نسبة الرماد فيها.
(6)
حتى الحريات الشخصية لم تسلم من تدخل هذه الهيئة، ففي شهر مارس فقط قامت الهيئة بضبط عدد 74 من صور الجماجم، و34 مخالفة خاصة بالملابس في محافظة مسقط لوحدها، هذا عدا العلب والهدايا والألعاب التي تحوي صوراً أو رسوماً لجماجم أو شخصيات فنية وسياسية عالمية يمكن لشبابنا أن يتخذوا منهم قدوة في المستقبل.
لا تحجروا على شبابنا حرياتهم، ماذا يعني أن يرتدي أحدهم قميصاً عليه صورة (جون سينا) ، أو شعاراً وثنياً معيناً ، أو أن يحمل (بودي) إحداهن صورة ( مادونا)، أو عبارة من تلك العبارات الهادفة التي تحملها ملابس البعض من شبابنا بدون أن يفهموا معناها، حتى ولو كانت هذه العبارة تدعو إلى ممارسة الرذيلة.
(7)
ومن الأشياء الطريفة التي أطالعها من فترة لأخرى عن انجازات هذه الهيئة، هي قيام موظفيها بمخالفة أحد التجار لأنه رفع السعر بنسبة 140% فقط ، ومخالفة أحد المحلات التجارية لمجرد أنهم وجدوا فرقاً بسيط في سعر سلعة معينة يختلف عما هو موجود على جهاز المحاسبة بحوالي 40 بيسة، من منطلق أن هذا تحايل على الأسعار.
 أي رياح سوداء ألقت بك أيها التاجر القنوع في وجه موظفي هيئة حماية المستهلك الذين لا يرحمون، وهل لمجرد 40 بيسة يقومون بمخالفة التاجر الآخر؟ نحن تعودنا سابقاً أن نجد فروقاً بالريالات ولا نحدث كل تلك الضجة، وبعضنا لا يهتم أساساً بالمقارنة بين الأسعار، أو حتى الحصول على فاتورة الشراء، أو حتى التوقف للحظة من أجل قراءة حقوق المستهلك المعلقة على مداخل المحلات المختلفة.

بعد كل ما ذكر أعلاه، هل ما زال لدى (البعض) شك في الجهود التي تقوم بها هذه الهيئة برغم عمرها القصير، وهل هو أمر عادي أن يحاول البعض نسف كل هذه الجهود بجرة قلم دون بحث أو استقصاء أو تروي برغم كل احترامي لحرية الفكر والتعبير، وأن الهيئة ليست فوق النقد.
مخطئ من يظن أو يعتقد أن دور الهيئة يقتصر على مراقبة وضبط الأسعار والمخالفات فقط، فدورها أكبر وأوسع من ذلك، وهو يتعداه ليشمل منظومة ثلاثية مترابطة الأبعاد، تشتمل على محاور رقابية وتشريعية وتوعوية، منطلقة من المبادئ العامة التي أقرتها هيئة الأمم المتحدة  كحق الأمان، وحق الحصول على المعلومات، وحق سماع رأي المستهلك، وحقه في الاختيار، والتعويض، والتثقيف، وحقه في إشباع حاجاته الأساسية، وكذلك حقه في العيش في بيئة سليمة. مستهدفة توفير السلامة المادية للمستهلك، وتعزيز وحماية مصالحه الاقتصادية، وضمان سلامة وجودة السلع التي يستهلكها، وتحقيق التوزيع العادل لهذه السلع، ووضع برامج متنوعة للتثقيف والاعلام، وهذا الجهد كله لن يتأتى تحقيقه إلا في ظل مناخ صحي محفز، يعي فيه المجتمع بكافة شرائحه أهمية هذا الدور المهم.

د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com



الثلاثاء، 8 مايو 2012

مشاهد وتساؤلات (3)


(1)
تطالعنا وسائل الإعلام المحلية يومياً بأخبار متنوعة عن الجهود التي تبذلها الهيئة العامة لحماية المستهلك في ضبط واكتشاف المخالفات التي يقوم بها بعض التجار أو المؤسسات، وكم من مرة قرأنا أو سمعنا عن منتجات وبضائع تم اكتشافها بعد سنوات عديدة من انتهاء مدة صلاحيتها، أو عن ضبط لحيوانات نافقة يتم ذبحها وبيع لحومها، وغيرها من المخالفات المتعددة.
بعض التساؤلات التي تدور في ذهني من قبيل: ألم تكن هناك جهود سابقة في هذا المجال من قبل الجهات المختصة بهذا الشأن قبل إنشاء الهيئة العامة لحماية المستهلك؟ وإذا كانت هناك بالفعل جهود مبذولة فأين هي عن وسائل الإعلام؟ ولماذا تصبح هذه الأخبار الآن حديث قطاع عريض من الشارع، بينما ربما لم تكن لتأخذ نفس الحيز من الاهتمام المجتمعي سابقاً؟ هل الأمر يتعلق بتقصير أدائي وإعلامي من قبل تلك الجهات في ذلك الوقت، أم إن الاحترافية الواضحة للأداء التنفيذي والإعلامي للهيئة هي من جعلت لمثل هذه الأخبار أهميتها ، وبالتالي تفاعل قطاع مهم من المجتمع المحلي معها؟   
(2)
على الرغم من التطور (المذهل) في وسائل الإعلان التكنولوجية الحديثة، وانتشار أساليب مختلفة للدعاية والإعلان، إلا أن البعض ما زال مصراً على تعليق إعلاناته المختلفة في الشوارع العمومية والفرعية، ووسط الدوارات.
قد تكلفك محاولة قراءة محتوى إعلان عن ندوة أو احتفالية تتعلق بالسلامة المرورية مثلاً، مكتوب على لوحة قماشية أو بلاستيكية معلقة وسط الدوار المزدحم أساساً بالسيارات أن ترتكب حادثاً أو أن تزعج من حولك من السائقين.
الرسائل النصية القصيرة، ومواقع التواصل الإجتماعي كالفيس بوك والتويتر، والمنتديات الإلكترونية المختلفة، هي بعض المنافذ التي يمكن من خلالها الترويج لفعالياتنا المختلفة، بعد أن أصبحت هذه الوسائل متناولة لدى شريحة كبيرة من المجتمع.
كفانا استهلاكاً للبيئة وهدراً للأموال العامة من خلال الأطنان اليومية من الورق والملصقات البلاستيكية والقماشية والمعدنية، ولنكن أكثر تواكباً مع مستجدات التكنولوجيا الحديثة.
(3)
مساء الجمعة ضحكت حتى القهر ( على وزن حتى الثمالة )، وأنا أطالع اللوحة السيريالية القبيحة التي شكلتها أعمدة الإنارة الممتدة على طول الطريق من قريات إلى مسقط ، فبالرغم من حداثة عمر الطريق، وبالرغم من أنه عادة ما يكون مزدحماً بالعابرين القادمين إلى مسقط بعد إجازة نهاية الأسبوع، إلا أن هذه الأعمدة كانت تعمل وفق متوالية هندسية عبثية ، بحيث تجد مثلاً أن هناك خمسة أعمدة مضاءة، تتبعها عشرة أعمدة لا تعمل، وهكذا حتى تصل إلى مدخل العامرات.    
بدلاً من بقاء هذه الأعمدة بدون فائدة تذكر، أقترح أن يتم بيعها على الشركات المتخصصة في شراء الخردة، أو أن يتم استغلالها في إنشاء عدد من مصانع الصلب والحديد، والتي بدورها ستستقطب عدداً لا بأس به من العمالة المحلية، وتمكننا من دخول عالم الصناعات الثقيلة.
ترى لو كانت هذه الأعمدة منصوبة في أحد الشوارع الفرعية البعيدة في مسقط هل كنا سنشاهد مثل هذا المنظر؟
(4)
الساعة الواحدة ظهراً من أحد أيام فصل الربيع حسب تسميته الفلكية، وهي تسمية مجازية لا علاقة لها بواقع الحال. عدد من العمال يقومون بتخطيط أحد الشوارع الفرعية في المدينة. الجو حار لا يطاق، ودرجة الحرارة تقترب من منتصف الأربعينيات.  
سيارة شبابية تمر بالقرب من هؤلاء العمال ويهبط منها اثنان من الشباب العماني لا تتجاوز أعمارهم العشرين، ويبدو من هيئتهم أنهم ذاهبون إلى رحلة صيد ربما هرباً من (فظاعة) الجو. يتوجه الشابان إلى العمال حاملين معهم كيساً يحتوي على بعض زجاجات المياه المعدنية، وعدداً من علب المياه الغازية، وشيئاً من البسكويت والكعك، ربما كان ما حملوه هو زادهم في رحلتهم التي لم تبدأ بعد.
كم أنت رائع وايجابي أيها الشاب العماني.
(5)
تتحدث النكتة عن إحدى ربات البيوت المصرية التي أوصت زوجها بشراء بعض الحاجات الأساسية للبيت ، فرجع إليها بعد ساعة وهو يحمل أكياساً تحتوي على سمك ولبن وتمر هندي، وعند عتاب الزوجة له أجابها: هذا الذي وجدته في السوق.
ما يحدث على الساحة المصرية حالياً هي فوضى سياسية  أشبه بـخليط من السمك واللبن والتمر الهندي، فبعد أكثر من عام على ثورة 25 يناير إلا أن الأوضاع في مصر يمكن تلخيصها في أمن غائب، وأوضاع اقتصادية واجتماعية متردية، وسجالات ومناوشات فكرية عقيمة هنا وهناك. تركت مصلحة البلد وأهداف الثورة الحقيقية، وأصبح الكل يبحث عن أكبر قطعة من التورتة، والخاسر هو بقية الشعب المحكوم عليه بأن ينتظر طويلاً كي يأتي من ينتشله من همومه الكثيرة.
عام ونيف مضى من عمر الثورة وما زالت البلد بدون دستور ولا رئيس منتخب، ولا وزارة حقيقية، والبرلمان مهدد بالحل، والتيارات الفكرية المختلفة تحولت إلى أبواق تتصارع فيما بينها على مصالح شخصية بحتة.
البلد التي أنجبت رفاعة الطهطاوي ومحمد عبده وسعد زغلول وحسن البنا ومصطفى النحاس وجمال عبد الناصر والسنهوري باشا، عاجزة حتى الآن عن تدارك أمورها وتصحيح مسارها، وتعديل أوضاعها.  
الأمر الذي يدعوك للتساؤل: ترى ما الذي يحدث في مصر؟
(6)
متعة اللقاء والحوار مع شخصية مثقفة كالمفكر والأديب الموسوعي والإعلامي والشاعر أستاذ الجيل أحمد بن عبد الله الفلاحي لا توازيها سوى متعة القراءة في إحدى كتاباته المتعددة والمتنوعة.
عشرات القصص كنت أسمعها عنه من بعض المقربين منه كلها تتحدث عن علاقته بالكتب والأدب، ودوره المهم في المسيرة الثقافية العمانية المعاصرة،وتشجيعه الدائم للمثقفين، فكنت أتحرق شوقاً للقائه، وهذا ما كان مؤخراً.
تدخل مجلسه العامر فلا يدهشك ترحيبه الحار، وتواضعه الجم، وكرمه المعهود. تكاد تتعثر في عشرات الكتب والدراسات المتناثرة في كل ركن فتعرف أن مضيفك رجل عاشق من نوع خاص. تحاوره في أي موضوع كان فتشعر أنك أمام متخصص وليس مجرد شخص مطلع. يبهرك حديثه العذب فتناجي الليل في سرك (يا ليل بعض اللي مضى منك يكفي)، وتود لو يستمر حواركما إلى ما لانهاية.
سيرته الذاتية مليئة بكثير من جوانب الإبداع، وما مساهمته في تأسيس الإذاعة العمانية، أو النادي الثقافي ، أو مجلة الغدير ، أو الجمعية العمانية للكتاب والأدباء سوى شواهد يسيرة على مدى تأثيره الحقيقي في الحركة الثقافية والفكرية في السلطنة.
 ما يثير استغرابي هو قلة تواجده على وسائل الإعلام المحلية المختلفة،  ولو كنت مسئولاً عن إحداها لصدرت مقالاته في الصفحة الأولى من الجريدة ، أو لخصصت له برامج إذاعية وتلفزيونية أسبوعية كي يتواصل بها مع مريديه الكثر، ومع الأجيال القادمة التي هي بحاجة ماسة إلى أمثاله كي يستلهمون منه ما يعينهم على مواجهة كثير من التحديات، ويرون فيها القدوة الإيجابية، في زمن اختلطت فيه كثير من القيم بتحديات العولمة .
باختصار..أحمد الفلاحي قيمة وطنية كبيرة، ورجل من الزمن الجميل.
د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

الأربعاء، 2 مايو 2012

مشاهد وتساؤلات (2)


(1)
هاتفني صباحاً من صور. شاب مسقطي في منتصف العشرينات ، استهوته صناعة السفن ويريد أن يتعلمها، ويحلم أن تكون له ورشته الخاصة في المستقبل. قال لي كذلك إن جده كان صانع سفن ماهر، وهو يريد أن يستعيد أمجاد العائلة في هذه الحرفة.
يا صديقي .. إن صور التي أتيتها كي تجد من يعلمك صناعة السفن لم يتبق فيها من بقايا هذه الصناعة العريقة سوى ورشة واحدة فقط لم تكن لتستمر في العمل لولا إصرار صاحبها على الاحتفاظ بمهنته وتعليمها لأبنائه كي يكملوا المشوار من بعده، ولولا بعض الدعم المقدم من قبل هيئة الصناعات الحرفية  من حين لآخر.
تسألني لماذا؟ خذ معك يا صديقي : أولاً قامت الحكومة بإغلاق مصنع السفن الحكومي الوحيد بالمدينة والذي كان يعمل به كثيراً ممن تبقى من (الوساتيد) المهرة. تقول لي لم أغلقوه؟ ليتني أعرف إجابة لهذا اللغز.
تريد سبباً آخر؟ شجعت الحكومة استخدام سفن وقوارب الصيد المصنوعة من (الفايبر جلاس)، فأدى ذلك إلى شبه انهيار لصناعة القوارب الخشبية، الأمر الذي جعل كثيراً من صناع السفن يغلقون ورشهم إلى غير رجعة.
تريد أسباباً أخرى أم تكتفي بهذين السببين؟ 
تسألني كذلك عن مصير من تبقى من (الوساتيد)؟ إن حالهم كحال بقية شخصيات المدينة التي برعت في مجال الملاحة البحرية والفن والأدب وبقية المجالات  منزوية في صمت مؤلم تنتظر من يأتي لينهل من فيض خبرتهم وخلاصة تجربتهم الحياتية، وقصص متفرقة عن تاريخ زاخر بكثير من الأحداث التي تدل على براعة الشخصية العمانية أينما وجدت.
والحل أيها الشاب الطيب؟ أمازلت مصراً على تعلم هذه الحرفة؟ لا بأس. أعرف ورشاً في صناعية المدينة تملكها (من الباطن) بعض العمالة الوافدة ومتخصصة في صناعة نماذج السفن العمانية. ما رأيك أن تتلقى تدريبك على يديهم مقابل بعض المال؟ ليس لدي حل آخر سواه. ما رأيك؟
  
(2)
بعد أن دفع دم قلبه واستدان من (طوب الأرض) كي يستطيع جلب عاملة منزل تعين زوجته في القيام بأمور البيت المختلفة، حان وقت وصول العاملة بعد سلسلة متوالية من الإجراءات الروتينية المختلفة.
وصلت العاملة واعتقد صاحبنا أن الأمور انتهت عند ذلك الحد وأن زوجته ستهنأ أخيراً بوجود من يساعدها ويحمل عنها بعضا من المسئوليات المنزلية، ولكنه اكتشف أنه مازالت هناك إجراءات أخرى لابد من استكمالها ، فلابد من عمل فحص طبي لها في إحدى المستشفيات الاستثمارية الخاصة بمبلغ (20) ريال، دبر صاحبنا المبلغ وهو مستغرب من الإصرار على عمل هذه الفحوصات في مستشفيات خاصة بعينها وبهذه القيمة التي قد لا تتناسب وظروفه المادية.
قيل له بعدها أن عليه الذهاب مرة أخرى إلى أحد مكاتب تخليص المعاملات لطباعة بضعة أوراق بمبلغ (5) ريالات، ومن ثم الذهاب باكراً إلى الصحة العاملة لاستكمال بقية الفحوصات والتحاليل بقيمة (10) ريالات، ثم التوجه إلى مديرية القوى العاملة للقيام بإجراءات أخرى قبل أن يختتم المشوار في الأحوال المدنية التابعة لشرطة عمان السلطانية لاستخراج البطاقة والتي تتكلف مبلغ (10) ريالات.
بغض النظر عن الرسوم الكثيرة التي دفعها هنا وهناك، وعن ازدواجية الفحوصات الطبية وعدم عملها في جهة واحدة، إلا أن  تفكير صاحبنا الحالي منصب في أمر واحد مهم وهو: ترى هل ستكمل العاملة المدة المقررة للعمل في بيته أم ستفاجئهم بعد فترة من الزمن بهروبها أو رغبتها في العودة إلى بلدها؟

(3)
مع ظهور الأزمة السورية ظهرت بعض الأقلام المحلية التي تتغنى بالدور الروسي في الساحة الدولية بحيث لا يكاد يمر يوم أو اثنان إلا ونطالع في (بعض) صحفنا المحلية، مقالات تتحدث عن دور روسيا في نصرة القضايا العربية، وعن أنها حامية حمى العرب والمهتمة بمصالحهم المختلفة، بل إن بعضهم أخذ يكتب في مدح الموقف الروسي ما لم يقله مالك في الخمر.
 برأيي أن الدور الروسي لا يقل سوءاً عن نظيره الأمريكي ، فكلاهما تحركه لعبة المصالح والتوازنات، وهم لا يفعلون شيئاً لوجه الله ، وعندما بدأ الاتحاد السوفييتي السابق منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي في الاهتمام بقضايا الشرق الأوسط ودعم بعض الأنظمة العربية ، فهو لاعتقاد ساسته أن العالم الثالث أصبح مستعداً لقبول الاشتراكية، وأن القوى الناشئة يمكن أن تقف ضد المعسكر الرأسمالي. إذا فقد كان الهدف هو قيام جبهة معادية للرأسمالية والامبريالية، وليس رغبة في تحرر هذه الشعوب وتقدمها.
للتذكير فقط.. الاتحاد السوفييتي السابق هو أول من اعترف بقيام دولة إسرائيل عام 1948 ودعمه مالياً وعسكرياً، ولم تتوقف هجرات اليهود الروس المنظمة منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى حتى الآن، وهو الذي احتل عدداً من الدول الإسلامية في وسط آسيا ومنطقة القوقاز لمدة سبعين عاماً وحاول بكل الجهود والسبل إلغاء الهوية الإسلامية لهذه الدول، وهو الذي غزا أفغانستان عام 1979 وحاول فرض النظام الشيوعي هناك بالقوة، وهو الذي ساند الصرب في حملات الإبادة التي قاموا بها في البوسنة والهرسك في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وفي عهده حدثت نكسة 1967 برغم الاعتقاد وقتها بأنه داعم للنظام الناصري، لذا فلم يكن غريباً أن يقوم السادات بطرد الخبراء السوفييت قبل حرب أكتوبر 1973 بحجة مماطلة الاتحاد السوفييتي في دعمه بالأسلحة الحديثة، فلم يشأ أن تتكرر النكسة مرة أخرى وهو العارف ببواطن الأمور.
فلنعتبر من التاريخ.

(5)
كانت مفاجأة جميلة (ومتوقعة) عندما تلقيت عبر بريدي الالكتروني دعوة كريمة من قبل أسرة جريدة الرؤية لحضور حفل تكريم كتاب الجريدة وأسرة تحريرها بفندق بارك إن.
جمالية مشهد التكريم بالنسبة لي كانت تكمن في لهفتي بالتعرف على كتاب ومفكرين طالما قرأت لهم وتمنيت يوماً أن ألتقي بهم، وكم كنت سعيداً وأنا أتنقل من طاولة لأخرى، أتعرف على هذا، وأسلم على ذاك، وأحاور الثالث، وأستعيد علاقة قديمة برابع.
من محاسن الأقدار أنني كنت أتمنى أن ألتقي يوماً بشخصية مهمة كالمفكر والمؤرخ والدبلوماسي  الحاج مال الله بن علي حبيب، والذي استهوتني كتاباته التاريخية صغيراً قبل أن أتعرف بعد ذلك على بقية جوانب شخصيته الثرية، فإذا بي أتعرف على ابنه رجل الأعمال والشخصية الاقتصادية الوطنية المرموقة علي مال الله حبيب والذي كان راعياً كريماً لهذه الإحتفائية الجميلة، وكم شدتني ثقافته الواسعة، وإلمامه الكبير بكثير من القضايا المجتمعية ، ولباقة حديثه، برغم الدقائق القليلة التي قضيتها في حضرته.فشكراً لك أبا حيان على كرم الضيافة، وشكراً لدعمك الواضح لكثير من الفعاليات المجتمعية المختلفة، وهكذا ينبغي أن يكون رجل الأعمال الوطني.
الطائي الرائع حاتم وكتيبته الصحفية يثبتون لنا كل يوم أن النجاح لا يحتاج إلى لكثير إمكانات بقدر ما يحتاج لشيء من وضوح الرؤية، والعمل الجماعي المنظم، وسيادة روح الفريق الواحد. ترى من هو المحظوظ بوجود الآخر؟
شكرا للرؤية، ويقيني أن الأيام القادمة ستحمل مزيداً من النجاحات المتوالية.
د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com