الأربعاء، 23 أبريل 2014

أين حماية المستهلك(علامة تعجب)


"المياه مقطوعة منذ الأمس عن شقّتي بسبب انفجار أحد الأنابيب لأسباب لها علاقة وطيدة بالتخطيط العشوائي، وصاحب البناية يصرّ على أن يتقاضى مبلغ الإيجار قبل أوانه. أين ما يسمّى بحماية المستهلك"؟

"الازدحام فظيع، والشوارع أصبحت لا تطاق، ومسافة النصف كيلو التي تفصل مكان سكني عن أقرب دوّار أصبحت أقضيها في ربع ساعة، وبالتالي مزيد من التأخّر والخصومات التي تطال الراتب المحدود. أين أنت أيتها الهيئة".
"العمالة الآسيويّة تملأ الشوارع والأحياء والمجمّعات والمتنزّهات والطرقات، وفي كلّ مكان به بقعة ضوء أو ظلام. تفتح (الحنفيّة) فتجدهم، تنظر من الشبّاك فتراهم، تخشى أن تتثاءب كي لا يتساقطوا من فمك. مرّة أخرى أين الهيئة".
"السّويق يخرج من (الآسيويّة)، و(البرشا) ينهزم أمام الرّيال، وصور يخسر النقاط في آخر الثواني. لماذا لا تتدخّل حماية المستهلك وتضع حلاّ لهذه المشكلة"؟
تذكّرني النداءات السّابقة  بصورة (السوبرمان) في مسلسلات الكرتون بزيّه المميّز وهو يهبط من السماء كي ينقذ أحدهم، أو يقدّم مساعدة لآخر ثم سرعان ما يعود أدراجه مختفياً وسط السحاب. تذكرني كذلك  بالفانوس السحري ومارده الضخم كما تصفه القصص الشعبيّة والذي يحقق لك أمنياتك المختلفة. ولكن حتى هذا السوبرمان أو  المارد أو غيرهم من الشخصيات الأسطوريّة قد لا يحوزوا على رضانا طوال الوقت.
ولكن ما الذي دعاني إلى كتابة تلك المقدمة الطويلة والحديث عن برشلونة تارة، وعن الفانوس تارة أخرى؟ الأمر يا سادة يا كرام هو خبرين تصدّرا حديث الساعة في وسائل الإعلام المحلّيّة المختلفة في الأيام الأخيرة. الخبر الأول "حماية المستهلك تصدر قراراً يحظر بيع وتسويق وعرض وتوزيع الإطارات المستعملة و غير المستعملة المنتهية الصلاحية بجميع أنواعها وأحجامها"، أما الخبر الآخر فهو منشور لم يترك صاحبه زاوية ولا ركناً أو شقّاً في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة دون أن يغرسه فيه "أكّدت دراسة خليجيّة مؤخّراً أن أسعار السّيّارات وقطع غيارها في السّلطنة تعتبر الأعلى خليجياً.. وأتساءل: أين دور حماية المستهلك؟"
وقبل أن أجيب صاحب هذا التساؤل وغيره ممّن طرحوا تساؤلات مشابهة أحيلهم إلى خبر نشر اليوم الثلاثاء (تاريخ كتابة المقال) بالصحف المحليّة. الخبر يقول "مكتب مجلس الدّولة يستعرض مشروع قانون حماية المستهلك". ولو قام صاحب التساؤل أو غيره بنسخ هذا الخبر ووضعه في أحد محرّكات البحث الشهيرة لوجد أن هناك عشرات النتائج المشابهة لهذا الخبر خلال الفترة السابقة، كذلك لو قام باحث في مجال الصحافة بتحليل عيّنة من أخبار الصحف المحليّة على مدى السّتّة أشهر الأخيرة لوجد أن هذا الخبر يكاد يكون أكثر الأخبار المتكرّرة، فمشروع هذا القانون قد شبع دراسة، وتحليلاً، ولتّاً، وعجناً، وطحناً خلال الأشهر الأخيرة، ولم يبق مكتب أو لجنة أو غرفة أو شعبة لم تناقشه، هو وأخيه الآخر طيّب الذكر قانون (المنافسة ومنع الاحتكار).
تعالوا نحلّل الموضوع بهدووووووووووء (مع الاعتذار للإعلامي عماد أديب). أسعار السّيّارات وإطاراتها وقطع غيارها أعلى من بقيّة الدول المجاورة، وهذا الأمر يضطر بعض المستهلكين إلى الذهاب للدول المجاورة من أجل شراء سيّارات أو إطارات أو قطع غيار جديدة بسعر أقلّ عن نظيرها في السوق المحلّي، أو شراء إطارات وقطع غيار تجاريّة أو مقلّدة أو مستعملة من السّوق المحلّي لأنّه لا يستطيع شراء الأنواع الأصليّة أو الجديدة لارتفاع ثمنها وتأثير ذلك على ميزانيّته.
بعيداً عن الكلام المنمّق من قبيل أهمية تنظيم الميزانيّة وعدم المغامرة بشراء أشياء مستعملة كون أن سلامتك هي الأهم وبالتالي لا ضير لو تسلّفت أو حتّى بعت الغالي والنفيس من أجل إطار أو قطعة غيار أصليّة قد تضمن سلامتك وحياتك، دعونا في التساؤل الأهم: ما هو الدور المطلوب من الهيئة في هذا الجانب؟ وكيف يمكن للهيئة أن تسهم في تخفيض أسعار السّيّارات والإطارات وقطع الغيار أو أي سلع أخرى؟ وهل الهيئة أخطأت في إصدار قرار يمنع بيع الإطارات المستعملة والمنتهية الصّلاحيّة وهي تعلم أن كثير من المستهلكين ليس بإمكانهم شراء إطارات جديدة بالأسعار الحالية؟
سأبدأ من التساؤل الأخير: لو افترضنا جدلاً أن الخدمات الصحيّة في بلد ما ليست على ما يرام، وأن أسعار العلاج خياليّة، وبالتالي يلجأ الناس في تلك البلد إلى الذهاب للمشعوذين أو مدّعي العلاج بالطبّ الشعبي، أو لبعض الأطبّاء الوهميين الذين يستغلون عدم قدرة هؤلاء الناس على دفع رسوم العلاج الباهظة،  وفي نفس الوقت صدر أمر من جهة رقابيّة ما بمنع هؤلاء المعالجين الوهميين من مزاولة عملهم، فهل يحق للبعض أن (يولولوا) على هذا القرار بحجة أن الناس لن تجد مكانا تتعالج فيه؟ أم أن عليهم أن يعالجوا أصل المشكلة المتمثل في رداءة الخدمات وغلو ثمنها؟
نفس الأمر ينطبق على قرار رئيس الهيئة الأخير الخاص بمنع بيع الإطارات المستعملة والمنتهية الصّلاحيّة، فالمشكلة ليست في القرار، بل في التشريعات الأخرى، فكون الأسعار الحالية (نار)، فهذا لا يلغي مسئولية الهيئة في القيام بدورها في حماية المستهلك من الممارسات غير العادلة، ورعاية مصالحه، والمحافظة على حقوقه، ومكافحة الغش التجاري والتقليد، ولا يمكن أن نتجاهل أرقام الحوادث (المميتة) التي كان من بين أسبابها انفجار الإطارات لأسباب تتعلق بجودتها، كما لا يمكن كذلك تجاهل الضبطيات المختلفة المتعلقة بقيام بعض العمالة الآسيوية  بإعادة تصنيع وتلميع إطارات مختلفة الأحجام مستعملة ومنتهية الصلاحيّة، وبيعها للمستهلك على أنها صالحة للاستخدام مستغلين حاجة البعض إلى شرائها.
 وإذا رغبنا في أن نناقش الأمر بشفافيّة ومصداقيّة فعلينا أن نعود مرّة أخرى إلى العنوان الصحفي سالف الذكر والمتعلق بمناقشة القوانين المتعلقة بحماية المستهلك وتنظيم المنافسة ومنع الاحتكار، فالهيئة في الوقت الحالي وبعد جهود مضنية تمكنت (إلى حد كبير) من تحقيق استقرار في أسعار السلع والخدمات ، وهناك قرار سابق بمنع رفع أسعار السلع إلا بعد الحصول على موافقة الهيئة ولأسباب تراها منطقيّة،  أما كون هذه الأسعار مرتفعة في الأساس فهي ليست مشكلة الهيئة، بل هي سابقة لها، والهيئة لا تستطيع بجرّة قلم أن تذهب إلى كل محل أو مؤسسة تجارية لتغيّر من قوائم أسعارها الحالية، فهو عمل يتطلب تشريعات وقوانين وأشياء أخرى كثيرة  لا مجال لذكرها الآن.
لا يمكن للهيئة أن تلعب دور المنقذ أو (السوبرمان) طوال الوقت، نطالبها بتحقيق المستحيل، وفي نفس الوقت نجعلها شمّاعة نلقي عليها بأخطاء الآخرين وتقصيرهم. بدلاً من ذلك كلّه، علينا أن نطالب الجهات الأخرى بأن تقوم بعملها في هذا الجانب كل حسب اختصاصه. قبل أن نشتكي من ارتفاع الأسعار علينا أن نشجب الاحتكار، وكي نخفّض الأسعار الحاليّة فعلينا أولاً  أن نخلق سوقاً اقتصادياً متوازناً يستوعب الجميع، ويسمح للكل باستيراد ذات السلعة لا حكرها على (هامور) بعينه،  وبدون القوانين والتشريعات التي تحقق ذلك سيظل الأمر كما هو عليه.
بالمناسبة. أشعر اليوم بكآبة غير معهودة، فنيشان لم يضبط (الكرك) جيداً، والقهوة بها بعض المرارة، والتكييف به بعض المشاكل. أين أنت يا حماية المستهلك.
 د.محمد بن حمد العريمي
 
 

الأربعاء، 16 أبريل 2014

( رجل بألف )

قبل سنوات من الآن كنت في زيارة إلى أحد الأصدقاء في إحدى ولايات السلطنة، وبينما كنّا في مجلسهم العامر، إذ بصورة لأحد المشايخ قد وضعت في برواز جانبي. سألت عن صاحب الصورة فقيل لي إنّه الشيخ حمود الصوّافي.

لم أعر موضوع الصورة أهمّيّة وقتها، وقلت لنفسي: لربّما هو أحد الشباب المتأثّر بشيخه لدرجة الهوس. ولكنّ اسم الشيخ ظلّ يتردّد على مسامعي كثيراً بعد ذلك من حديث بعض الأصدقاء والمعارف الذين حرصت على أن أسألهم عن هذا الشيخ (الظاهرة) خاصّة وأنّ أصداء مدرسته الصّيفيّة، ورحلاته شبه السنويّة إلى شرقي أفريقيا أصبحت لا تفارق مسمعي في كل جلسة يأتي فيها ذكر الشيخ، حتّى وقع في يدي كتاب بعنوان "الشيخ حمود بن حميد الصوافي.. سيرة حياة" للمؤلف سالم بن مسعود الصّوّافي.

عندما اطّلعت على الكتاب، وقرأت شذرات عن حياة الشيخ في كتب أخرى كالنمير، و"قل هذا سبيلي" أدركت وقتها أن كل ما عرفته من قبل ربّما لا يساوي شيئاً من مواقف الشيخ وصفاته التي أترككم مع بعضها كما نقلته أو أعدت صياغته من الكتاب المشار إليه، فالشيخ مدرسة أخلاقيّة في كلّ شيئ، وهو في مواقفه المختلفة يضرب لمن حوله المثل، ويقدّم لهم الدروس في كيفيّة التعامل مع الآخرين واحتوائهم، وهي أمثلة قد تعجز برامج التنمية البشريّة الحديثة بكل أناقة مقدّميها، وبرغم أسعارهم المبالغ فيها أن يأتوا بجزء منها، فهو "عندما يرى يتيماً فإنّه يرفع غطاء رأسه من مصر ّ أو كمّة فيمسح على رأسه"، كما أنّه عند مروره على مجموعة من الأطفال فإنه يبادرهم بالسّلام، أو ينحني ليقترب منهم، ويداعبهم ويباسطهم في الكلام، كما كان من عادته بعد أن ينهي درسه الفقهي في مسجده أو قبل صلاة العيد، أو قبل صلاة الاستسقاء أن يسأل عن الصّغار فيوزّع عليهم بعض المبالغ النقديّة، أو شيئاً من اللوز والجوز، وذلك ليذهب الوحشة من قلوبهم، وليدخل شيئاً من السّعادة على قلوبهم.

أمّا في جانب التّكافل الاجتماعي فكثير من القصص والمواقف تدلّ على وقته الكثير الذي يقضيه في سبيل مساعدة الناس وإعانتهم على قضاء حوائجهم الدينيّة والدنيويّة، فكم من شاب ساعده على قضاء دينه وكشف كربته، وكم سعى إلى تخليص معاملة في دائرة من الدوائر الحكوميّة، وكم اجتهد لمساعدة شخص في اقتراض مبلغ من المال للزواج أو لقضاء دين، وكان يعاتب المقرّبين منه إذا ما علم أنّ ثمّة فقير أو محتاج يسكن في المنطقة، ولا يعلمون بحاله ولا بأحواله، ويرى أنّ ذلك من التقصير في الناس، فهو " يضجّ الجالس عنده من كثرة الزّحام وحاجات الناس، والشيخ مسرور تظهر البشاشة عليه، وعندما يسافر إلى الحجّ أو إلى مسقط أو إلى أيّ مكان آخر فإنه يتّصل ويسأل : هل هناك ضيوف، هل هناك صاحب حاجة؟ افتحوا الباب لهم".

كما أنّ إحسانه لم يقتصر فقط على البشر، بل تعدّاه إلى الحيوانات كذلك، حيث تجد القطط في بعض الأحيان تقترب من منزله فيسمع مواءهنّ فيستجيب الشيخ، ويأمر أحد طلابه بالإحسان إليهنّ ويقول : أكرموا الأضياف. يقول أحد طلابه" تسحرت معه ذات ليلة، فسمعته يتّصل بأهله ليحضروا شيئاً من الطعام للقطط، لأنّ الطّعام المقدّم للشيخ وطلابه في تلك الليلة لا يتناسب مع القطط".

وكان في تربيته للنشء يعتمد أسلوب القدوة، ففي إحدى المرّات وعندما سمع بإحدى النكبات الجوّيّة التي أصابت إحدى الدول الإسلاميّة، ذكّر الناس بعد إحدى الصلوات بمصاب إخوانهم، ودعاهم إلى الوقوف معهم، ثم أعقب كلامه بالتطبيق المباشر إذ تبرّع بشيء من المال، ثم قال : أين الطلبة؟ هل معكم شيء؟ تفضلوا ولو بمائة بيسة فإنها تنفع.

وكان يضرب به المثل في صلة الجيران والإحسان إليهم وحفظ حقوقهم حتى لو انتقل ذلك الجار إلى مكان آخر، ففي إحدى المرّات توفّي أحد الأشخاص من أهل البلد، فذهب الشيخ لتعزية أهله، وقال للطلبة "إنّ هذا الرجل كان جاراً لنا عندما كنّا نسكن في الحارة القديمة".

وبرغم رحلته الطّويلة مع العلم ومجالسه وعلماءه، إلا أنّك تراه متواضعاً وكأنّه طالب علم في مقتبل عمره، فقد حدث أن زاره سماحة المفتي في مدرسته بالصّيف، وأثناء جلوسه معه فجأة جثا الشيخ على ركبتيه ووضع يده على الأرض، وأخذ يسأل المفتي في العلم الشريف.

كما كان يجلّ أساتذته، ويشدّ الرحال لزيارتهم من وقت إلى آخر رغم ظروفه الصحيّة، وتقدّمه في العمر، ومشاغله الكثيرة، وقد يترك كرسيّه الذي يضطر للجلوس عليه إذا حضر أحد أساتذته أو أحد كبار السّن إلى مجلسه.

وفي تدريسه لطلّابه يحرص على ألا يعتمدوا على الإجابات الجاهزة دائماً ويتركوا جانب البحث والتنقيب عن المسائل، فهو مثلاً يوجّه طلابه حين يسأله أحدهم عن مسألة فيقول له: راجعها في الكتاب الفلاني وأتنا بالخلاصة، أو أن يسكت عن سؤال يسأله إياه أحد طلابه لأنه لم يحسن تركيب السؤال، أو أن يستنكر على أحد الطلاب استسهاله الحصول على إجابة لمسألة معيّنة من كتاب واحد دون البحث في الكتب الأخرى التي تناولت المسألة.

كما عرف الشيخ بسعيه في القيام بالاصلاح بين الناس وحل المشاكل التي قد تنشأ بين الأطراف المختلفة في بلدته أو خارجها، ومن القصص التي تروى عنه أنّه تأخّر في مرة عن موعد ضربه لأحدهم، فعاتبه صاحب الموعد على التأخر، فأخبره الشيخ بأنّه ماذاق طعم النوم أكثر من يومين، تؤرّقه خصومة حصلت، ويوقظه التفكير في حلّها. وفي إحدى المرّات مرّ على طفلين يتشاجران، فأصلح الشيخ بينهما، وأعطى كلّ واحد منهما مبلغاً من المال".

ولو تتبّعنا سيرة الشيخ الصّوافي في مختلف المجالات فنحن بحاجة إلى سلسلة مقالات قد لا تنتهي، وما ذكرته هنا ما هو إلا نزر لا يكاد يذكر من مواقفه التي كدنا أن نيأس من أن نجد من يعطيها اهتماماً في هذا العصر الذي تداخلت فيه الكثير من المفاهيم، وأصبحت القيم والهويّة تحت وطأة عواصف العولمة، والأمر الذي دعاني لكتابة هذا المقال هي النظرة الضيّقة التي يحملها البعض (وأقول البعض) من مدّعي الثقافة والتنوّر والتحضّر تجاه بعض رجال الدين،بحيث اعتقدوا أن أيّ صاحب لحية أو مظهر يدلّ على التّديّن فهو بالضرورة متشدّد غير متنوّر، لا عمل له سوى تهديد الناس بعذابي القبر والنّار، يعادي الإبداع ويرفض أيّ جديد، بل يغالي (هؤلاء المتنوّرون) أحياناً بإطلاق صفات مغلوطة على أمثال هؤلاء المتديّنين كوصفهم بحبّ الأكل وكثرة الزواج وغيرها، بينما هم أنفسهم (أقصد هؤلاء البعض) قد لا يعرفون أبسط مبادئ الوضوء، ولا أذكار الصّباح والمساء، وربّما لم يصلّ أحدهم من أسبوع أو أكثر، ولم يزر رحماً له منذ سنوات، ولم يتصدق يوماً ما ولو بريال، ثم يأتون للحديث عن التنوّر والتحضّر والانفتاح وكأن كل هذه المصطلحات لا يمكن تحقيقها سوى بالقصص والروايات والمقالات لا بالعمل الحقيقي، وكأنّهم هم الوحيدون الذين خلقوا لذلك.

أمّا عن مدرسة الشيخ فهي عنوان كتاب لا مقال.. ففيها من العجب العجاب ما يكفي.


الثلاثاء، 8 أبريل 2014

رشّــة ملح




(1)



قال لي : والآن بعد أن هدأت العاصفة. ما رأيك في كل ما حدث؟

قلت له: أراها تحمل تشخيصاً حقيقياً وواقعياً لثقافة المجتمع لدينا بكل أطيافها من مجتمع، ونخبة، ومؤسسات ثقافية حكوميّة وخاصّة، ومن الخطأ أن تمر دون أن نحاول تشخيص هذا الواقع وتدارك الأمر أملاً في وضع ثقافي أفضل.
(2)

قال لي : أنتم مجتمع ذكوري متحيّز، لم تطيقوا أن تكتب فتاة بضعة جمل مجتزأة عن سياقها فكشفتم عن عنصريّتكم البغيضة مع أن هناك الكثيرين من الكتّاب الذّكور  ممّن كتب كلاماً أشدّ وطأة ولم تشهروا سيوف نقدكم ضدّهم.

صديقي العزيز: قد يكون جنس الكاتب له دور، ولكنه لا يعني بالضرورة أن المجتمع يحابي طرفاً على الآخر، ولكن في ظل مجتمع اسلامي عربي شرقي فمن الطبيعي أن يستنكر أصحابه تصرفات المرأة أكثر من الرجل بحكم وضع المرأة دينياً واجتماعياً، وليس معنى هذا أن التصرف صحيح تماماً، ولكنه برأيي لا يحمل الإستقصاد والتعمّد بل هو أمر عفوي وردّة فعل طبيعيّة في ظل مجتمع شرقي مازال يحمل كثيراً من العادات التي تربّى ونشأ عليها.


برغم كل هذا فأنا أرفض تماماً المساس بشخصية الكاتب أياً كان، لأننا نناقش الفكرة وليس صاحبها.


(3)

قال لي: ولكن لماذا تأخّر انتقادكم للمجموعة إلى هذا الوقت مع أنها قد طبعت ودشّنت قبل حوالي شهر كامل من الآن؟

الأمر ببساطة يا صديقي يعود إلى عدم توافرها، فمعظم المجموعات والدواوين والروايات التي تطبع  في السلطنة بحجّة دعم الإبداع، فهي تطبع إمّا للمشاركة بها في المعارض، أو للتوزيع الشخصي، ومن لن ينال حظّ الحصول على احداهنّ من صاحبها فقد لا يجدها، وهذا أمر يدعونا الى التساؤل حول جدوى طباعة كتب لا يقرأها أحد.

لا أدّعي أنّي أملك المعلومة الكافية ولكني اعتقد أنك لو عملت جدولاً به اسم عشرين عملا أدبيّاً عمانيّاً طبع خلال السنتين الاخيرتين، ووزّعته على أيّ عينة تختارها فستجد أن النسبة الكبيرة لم تطّلع على هذه الاعمال.

(4)

قال لي: ما دمتم تملكون كلّ هذه الغيرة على المجتمع وقيمه ومبادئه، فأين أنتم من كتب التراث التي تمتلئ بقصص أشدّ وطأة ممّا حملته هذه المجموعة، أين أنتم من بعض الرّوايات ودواوين الشعر التي جسّدت  ، أين أنتم من المقاطع والصور التي تمتلئ بها هواتفكم وحواسيبكم؟ ألا ترى في هذا شيء من التناقض؟  

وهل هذا دفاع أم تبرير؟ ان كنت معجباً بالمجموعة فتحدّث عن ملامح هذا الاعجاب دون البحث عن تبريرات هنا وهناك، عموماً فحديثنا عن القيم والمبادي لا يعني الانغلاق والجمود ورفض كل ما يكتب، ولكن ما نطلبه هو الاعتدال ومراعاة قيم المجتمع أياً كان العصر الذي نعيشه، فالقيم لا تسقط بالتقادم، وإذا كان البعض يقوم ببعض الممارسات الاجتماعيّة السيئة، فهذا لا يعني التبرير لفعل الشيء ذاته مستقبلا من قبل أي طرف بحجّة أنّ هناك من فعل ذلك، كما أنّ وجود كتب أو روايات تناولت الأمر ذاته أو ما هو أشدّ منه فهو كذلك ليس مبرراً لترك الحبل على الغارب لكل من يأت لكتابة ما يريد تحججاً بأمور كهذه، كما أنّ علينا التفرقة بين الممارسات الشخصيّة والعامّة للأشخاص.
(5)

قال لي: ولكنّكم لا تفهمون في الفكر والابداع وتأخذون الالفاظ بمعانيها الحرفيّة لا أكثر، فالأدب لا يردّ عليه سوى بالأدب. ما الذي يدريكم أنتم بالإسقاطات الأدبيّة والصور والرسائل الخفيّة التي تحملها مثل هذه الكتابات ودورها في معالجة قضايا المجتمع المسكوت عنها والتي عجزتم أنتم عن التصدّي لها.  

ولماذا تفترض في الآخر التخلّف وعدم الفهم لمجرّد أنّه لم يستسغ عملاً ما؟ أتفهّم يا صديقي دور الأدب في معالجة قضايا المجتمع. أوافقك الرأي في أن القصّة أو الرواية ليست مقالاً أو بحثاً علميّاً جامداً، معك في أنّ هناك قضايا مجتمعيّة شائكة يحذر البعض من الاقتراب منها ولا تتطرّق إليها وسائل الإعلام والتربية والاصلاح بالشكل الحقيقي المناسب.

أتفهّم كل هذه المبرّرات،  ولكن  كذلك هناك عشرات الطرق لتشخيص عيوب المجتمع وأمراضه، وبأسلوب أدبي كذلك، هناك مثلاً قصائد غزل تقوم واقفاً من شدّة اعجابك بها دون أن تحمل عبارة خادشة، المشكلة في اصرار البعض على استخدام ألفاظ وجمل ومقاطع بعينها لمجرّد التأثر بكتّاب معينين نشأوا في بيئات أخرى تختلف فكرياً وثقافيّاً واجتماعيّاً، أو رغبة في وضع بعض (البهارات) التي من شأنها أن تروّج للعمل، أو لأية أسباب أخرى،  وكأنّه لا وسيلة لمعالجة قضايا المجتمع سوى بذكر الألفاظ الصريحة التي تتنافى والدين والقانون والعرف

هناك خط وهمي يفصل بين العبث والابداع، وإذا كنا نعتبر ان التطوّر يعني كسر القوالب فليس شرطا أن تكون القيم والعادات هي هذه القوالب، والا فعلينا أن ننظر للصلاة والصوم أنها أمور رجعية تجاوزها التقدم. للتطور مليون شكل سوى أن يهدم المبادي تحت دعوى الحرية والتمدن، وليست كل فكرة خارجيّة قابلة للنجاح في مجتمعنا مهما تحدثنا عن العالم الذي تحول إلى قرية صغيرة، فالهويّة والخصوصيّة الثقافية من الأمور المعقّدة التي لا يمكن تجاوزها وإلا لتلاشت معالم المجتمع وانهدّت أركانه. تذكر أن ما يعجبك قد لا يعجب الآخرين.

(6)

قال لي: هل تعتقد أنّ التيّار الرجعي قد انتصر في هذه الجولة؟

المشكلة يا صديقي أنّنا طوال الوقت نمارس سياسة التقسيم وكأنّنا في مدرّج درجة ثالثة نتعصّب لهذا الفريق أو ذاك دون أن نعرف أحياناً ماذا يحدث بالضبط في الملعب، فما دمت لا توافقني في الرأي فأنت بالضرورة ضدّي، وفي قضيّة (الملح) تجلّى هذا الأمر في أوضح صوره ، فما دمت قد اعترضت على ما كتب فأنت رجعيّ ظلامي لا تفقه في الثقافة والأدب، وما دمت قد وافقت على المجموعة فأنت إباحي تريد هدم أركان المجتمع وقيمه، ومع يقيني أن هناك من يمارس سياسة الرفض دون مبرّر، الا أن هناك في الوقت نفسه من يعتقد أنه لابد من الحرية المطلقة بداعي الابداع والتنوّر.

 لماذا هذا التحزّب الأعمى؟ ألا يمكن أن  متنوّراً وأرفض عملاً ما دون التحزّب الضيّق لمجرّد أنّ صاحب العمل محسوب عليّ فكرياٍ؟ ألا يمكن أن أكون محافظاً وأعجب في الوقت ذاته بعمل أدبيّ حتى لو لم أكن من مدرسة صاحبه الفكرية؟ لماذا ننادي بحرية التعبير وندافع عنها ثم عندما يعترض البعض على عمل ما لأسباب تخصّ ذائقته الأدبيّة نزجّه مع الآخرين في خانة واحدة ونتناسى أن له حقوقا مثلنا في ابداء الرأي والتعبير عنه؟



(7)

قال لي :ما رأيك في ردّة فعل بعض المثقّفين الذين دافعوا بضراوة عن المجموعة؟

للأسف البعض منهم اعتبر الموضوع وكأنّه صراع فكري بين طرفين متناقضين، وحكر القضية في الانتقادات التي نالت صاحب المجموعة، وفي انشغالهم بالمقارنات الخاطئة، وفي  التبرير لسطوة التيّار الديني، مع أنّك لو تتبّعت مفاصل الثقافة في عمان من جمعيّات وأندية ولجان وصفحات وملاحق وبرامج إذاعيّة  لوجدت أن من يسيطر على هذه المفاصل هم في الغالب تيّار واحد ، فمادام المجتمع سيئاً ومتطرفاً في أحكامه ونظرته إلى الابداع إلى هذا الحد فأين دورهم هم في النهوض بهذا المجتمع فكريّاً وجعله مجتمعاً منفتحاً يتقبّل الآخر كما هم يريدون، خاصة أنّهم هم من يمتلك البرامج والوسائل، بدلا من التقوقع الشّللي والتفرغ لوصم المجتمع بالتخلف؟

(8)

 قال لي : وماذا  عن المؤسّسات الثقافيّة وتعاطيها مع الحدث؟

يا صديقي. موضوع خطير كهذا لا تكفيه فقرة هنا.

 

د.محمد بن حمد العريمي

Mh.oraimi@hotmail.com

 

الثلاثاء، 1 أبريل 2014

هل قرأتم النظام الأساسي؟



عندما كنت أسأل طلابي الذين أدرسهم في مقرر "النظام السياسي والإداري" بإحدى الكليّات الجامعيّة في بداية كل فصل دراسي إن كانوا قد اطلعوا على النظام الأساسي للدولة  أم لا،  أو سمعوا عن المواد التي يتضمّنها، أو عن الحقوق التي كفلها لهم،  كانت معظم الاجابات تنصبّ في خانة النفي.

كنت أعتقد وقتها أن هذا الأمر يعود إلى انشغالهم الشّخصي وعدم اطّلاعهم، حيث أن معظمهم هم من الموظّفين الملتحقين بالدراسة المسائيّة، وبالتّالي فلا وقت للقراءة أو المطالعة، وإن كنت أستغرب في الوقت ذاته كيف أنّ موظّفاً عاملاً في مؤسّسة مدنيّة أو أمنيّة أو عسكريّة لم يطّلع على مواد هذا النظام وهو الذي يتعامل مع كثير منها، وترتبط بطبيعة عمله، ولكني فوجئت بأن أمراً كهذا يتكرر مع شرائح مجتمعيّة كثيرة متباينة المستويات الثقافية والاجتماعيّة، ففي كلّ مرّة أوجّه سؤالي  لأي جمع ثقافي أو اجتماعي أو إلكترونيّ أحضره تصبّ معظم الإجابات في خانة واحدة، حتّى تصريحات أو مداخلات بعض المسئولين أو أعضاء مجلس الشورى  لم تكن تخلو من جهل بتلك الموادّ، حتى اطّلعت مؤخّراً على نتائج دراسة مهمّة قام بها الصّحفي النّشط أحمد بن سيف الهنائي على عيّنة  تكوّنت من 5317 فرداً، من مختلف فئات وشرائح المجتمع ذكوراً ونساءً، وعديد التخصصات العملية والمهن والدرجات الأكاديمية، حول ان كانوا قد اطلعوا على مواد النظام الأساسي للدولة أم لا.

وقد جاءت نتيجة الاستطلاع الذي استحوذت فئة المعلمين والإعلاميين ورجال الأعمال والأطباء وطلاب الجامعات والمدارس والموظفون الإداريون والفنيون بالقطاعين العام والخاص على النسبة الأكبر منه، على النحو التالي: 5159 فرد لم يطلعوا على النظام الأساسي، فيما تمكن من قراءته 158 فرداً، أي أن حوالي 97% من عيّنة الدراسة  لم تطّلع على دستور بلدها، وهي نسبة خطيرة خاصّة إذا ما اعتبرنا أن النظام الأساسي يعتبر دستور البلد، ويشتمل على كافّة الحقوق والواجبات، ويوفّر الإطار القانوني لتطوير وتنفيذ كافة التشريعات والسياسات الحكومية، كما أنّه يشكل الأساس لكافة التشريعات القانونية، ويتناول الجوانب المتعلّقة بالسلطات الثلاث التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة.

تفاوتت الأسباب حول عدم قراءته بالنسبة للمشاركين، تمركزت أغلبها حول الجهل بوجوده أساساً، فيما كان يظن البعض أن "النظام الأساسي للدولة" مجرد مرتكزٍ تنطلق منه المراسيم، وهو مخصّص للسّلطة العليا في نشر المراسيم فقط، ورغم غرابة الفكرة إلا أن نسبة من يؤمنون بها تبدو كبيرة، وهو يندرج تحت الجهل بحقيقته، فيما "ظنّت" فئة أخرى أنّهم غير مطالبين بقراءته لكونه يمثل بنوداً قانونية تختص بالقانونين فقط وهم غير معنيون به، فيما أجاب البعض أنهم لا يرون داعياً لقراءته دون الإفصاح عن تلكم الأسباب، عوضاً عن اعتراف البقية بتقصيرهم بقراءته وغياب المحفز على ذلك.

تبيّن للدراسة وجود ضعف شديد في القراءة بشكلٍ خاص حول هذا الموضوع، مع وجود إخفاق من المؤسسات التربوية والثقافية والقانونية في توعية المواطنين والمقيمين بأهمية قراءته، عوضاً عن الصمت الإعلامي وعدم ممارسة دوره في التعريف بالنظام وتناوله وإفراد برامج متخصصة للحديث عنه، كما اشتكى العموم (السواد الأعظم من المشاركين) من عدم توفره وصعوبة الحصول عليه في المكتبات والأسواق والأماكن العامة، بالرغم من توفره على مواقع الإنترنت.

فئة رجال الأعمال، رغم قلة المشاركين إلا أنه حصلت على نسبة قراءة معدومة بلغت 0%. فيما كان فئتي "المحامون" و"الإعلاميون" هم الأكثر حرجاً، إذ يتصور للأذهان أن هاتين الفئتين هما الأكثر اطّلاعا على النظام، فيما رصدت الدراسة وجود بعض المحامين والإعلاميين لم يطّلعوا عليه، وإن كانوا في حقيقتهم لا يزالون في سنواتهم العملية الأولى في المهنة.

أثنت الدراسة على بادرة جريدة "عمان" قبل عام، في طباعة "النظام الأساسي للدولة" وتوزيعه على القرّاء في أعدادها اليومية الصادرة، وكان ذلك أثناء التعديل الأخير في النظام الأساسي، وهي بادرة جيدة خصوصاً وأن الجريدة تطبع أكثر من 10 آلاف نسخة.

أوضحت الدراسة أيضاً أن مجلس الشورى تبنّى تقديم مقترحٍ لوزارة التربية والتعليم في إدخال "النظام الأساسي للدولة" في المنهج الدراسي القادم، بمتابعة مباشرة من رئيس المجلس.

أوصت الدراسة بضرورة الحديث عن "النظام الأساسي للدولة" إعلامياً وثقافيا وتربوياً واجتماعياً، وبمجرد الحديث عنه تتفتّح الرغبة للآخرين للاطلاع عليه، وهذا ما حدث مع جزء من المشاركين الذين تواصلوا مع "الزمن"  في كيفية الحصول عليه لقراءته.

تواصلت "الدراسة" مع عدد من المتخصصين الذين توصّلوا جميعاً إلى وجود "كسل" لدى الإنسان العماني في الاطلاع على أنظمته وقوانينه، أوعزوا ذلك إلى الأمن والطمأنينة وتوسع مظلة العدل في البلد الذي جعل الجميع يشعرون بالراحة والاستقرار الاجتماعي والسياسي والتنموي، إضافة إلى أن المجتمع الحديث بعد تولي صاحب الجلالة الحكم انشغل بالبناء والتعمير ومواكبة العصر تقنياً وعلمياً، كل ذلك ساهم في غياب المجتمع عن نظامه الأساسي، مطالبين  في الوقت ذاته بوجود مبادرات من القطاعين الحكومي والخاص وحتى الأهلي والأفراد في المشاركة بتفعيله وإثارة الفضول حوله لدفع الناس لقراءته، فيما يطالب بعض القانونين والمثقفين بضرورة مساءلة الجهات المعنية التي لم تطبق بعض ما نصّ عليه النظام الأساسي في الدولة، فهناك قصور في التطبيق في جوانب القضاء وغيره.

انتهت نتائج الدّراسة التي قام بها الصّحفي  الرائع أحمد بن سيف  الهنائي، وهي بلا شك دراسة في غاية الأهميّة، ونتائجها تهمّ عدداً من الجهات المسئولة عن تنمية الوعي الحقوقي والقانوني والمجتمعي لدى أفراد المجتمع، فمعرفة المواطن بحقوقه التي كفلها له النّظام ، واطلاعه على المبادئ الموجّهة لسياسة بلده في مختلف المجالات، وإدراكه لاستقلاليّة السلطات الثلاث التشريعيّة والتنفيذيّة والقضائيّة، تجعله أكثر ثقة واطمئناناً، فهو سيشعر أنّه في دولة مؤسّسات حقيقيّة، كما أنّها تسهم في جعله أكثر حرصاً على الالتزام بعدم الوقوع في أخطاء أو هفوات نتيجة عدم معرفته بالواجبات المطلوبة منه، إضافة إلى أنّ مبادئ كالعدل والمساواة وتكافؤ الفرص والتعاضد والتراحم وغيرها من المبادئ والحقوق التي تمتلئ بها مواد النظام هي مبادئ  تسهم في تعزيز الوحدة الوطنيّة، ولا يقلل من أهميتها عدم تواكب بعض القوانين المطبّقة حالياً مع هذه المبادئ، أو التصرّفات والسياسات الفرديّة التي تحسب على الأفراد لا على النظام، وهي مهمّة بحاجة إلى قيام السلطة التشريعيّة بمراجعة وتعديل وسنّ تشريعات تتناسب وطبيعة المرحلة  كي يشعر المواطن بأهميّة مواد النظام الأساسي وتحققها بشكل كبير على أرض الواقع.

فهل سنرى في المستقبل القريب اهتماماً يتوازى مع هذه الأهميّة، وهل سيعود أبنائنا من مدارسهم يوماً ما وهم يحملون في حقائبهم نسخاً من هذا النظام، وهل سنرى ولي الأمر يحرص على وضع نسخة في مكتبته كي يطّلع عليها بقية أفراد الأسرة، ولتجاور الكتب الفخمة المجلّدة التي يشتريها كل عام من معرض الكتاب كديكور يزيّن به صدر مجلسه، وهل ستتكفّل اللجنة الوطنيّة للشباب بتنظيم ورش عمل تشمل كافّة أنحاء السلطنة تناقش مدى إلمام الشباب العماني بمواد دستوره ومعرفة حقوقه وواجباته التي كفلها لهم، وهل سنرى برامج  اعلاميّة حواريّة مباشرة تستهدف توعية المجتمع بأهميّة اطّلاعه على القوانين والتشريعات التي تهمّه من خلال الحوار المباشر ، وهل ستخصّص مؤسّسات التعليم العالي مواداً أساسيّة كانت أم اختياريّة تركّز على غرس  الثقافة القانونيّة لدى طلّابها

تساؤلات أترك اجابتها للمستقبل القريب.

د.محمد بن حمد العريمي

Mh.oraimi@hotmail.com