الثلاثاء، 8 أبريل 2014

رشّــة ملح




(1)



قال لي : والآن بعد أن هدأت العاصفة. ما رأيك في كل ما حدث؟

قلت له: أراها تحمل تشخيصاً حقيقياً وواقعياً لثقافة المجتمع لدينا بكل أطيافها من مجتمع، ونخبة، ومؤسسات ثقافية حكوميّة وخاصّة، ومن الخطأ أن تمر دون أن نحاول تشخيص هذا الواقع وتدارك الأمر أملاً في وضع ثقافي أفضل.
(2)

قال لي : أنتم مجتمع ذكوري متحيّز، لم تطيقوا أن تكتب فتاة بضعة جمل مجتزأة عن سياقها فكشفتم عن عنصريّتكم البغيضة مع أن هناك الكثيرين من الكتّاب الذّكور  ممّن كتب كلاماً أشدّ وطأة ولم تشهروا سيوف نقدكم ضدّهم.

صديقي العزيز: قد يكون جنس الكاتب له دور، ولكنه لا يعني بالضرورة أن المجتمع يحابي طرفاً على الآخر، ولكن في ظل مجتمع اسلامي عربي شرقي فمن الطبيعي أن يستنكر أصحابه تصرفات المرأة أكثر من الرجل بحكم وضع المرأة دينياً واجتماعياً، وليس معنى هذا أن التصرف صحيح تماماً، ولكنه برأيي لا يحمل الإستقصاد والتعمّد بل هو أمر عفوي وردّة فعل طبيعيّة في ظل مجتمع شرقي مازال يحمل كثيراً من العادات التي تربّى ونشأ عليها.


برغم كل هذا فأنا أرفض تماماً المساس بشخصية الكاتب أياً كان، لأننا نناقش الفكرة وليس صاحبها.


(3)

قال لي: ولكن لماذا تأخّر انتقادكم للمجموعة إلى هذا الوقت مع أنها قد طبعت ودشّنت قبل حوالي شهر كامل من الآن؟

الأمر ببساطة يا صديقي يعود إلى عدم توافرها، فمعظم المجموعات والدواوين والروايات التي تطبع  في السلطنة بحجّة دعم الإبداع، فهي تطبع إمّا للمشاركة بها في المعارض، أو للتوزيع الشخصي، ومن لن ينال حظّ الحصول على احداهنّ من صاحبها فقد لا يجدها، وهذا أمر يدعونا الى التساؤل حول جدوى طباعة كتب لا يقرأها أحد.

لا أدّعي أنّي أملك المعلومة الكافية ولكني اعتقد أنك لو عملت جدولاً به اسم عشرين عملا أدبيّاً عمانيّاً طبع خلال السنتين الاخيرتين، ووزّعته على أيّ عينة تختارها فستجد أن النسبة الكبيرة لم تطّلع على هذه الاعمال.

(4)

قال لي: ما دمتم تملكون كلّ هذه الغيرة على المجتمع وقيمه ومبادئه، فأين أنتم من كتب التراث التي تمتلئ بقصص أشدّ وطأة ممّا حملته هذه المجموعة، أين أنتم من بعض الرّوايات ودواوين الشعر التي جسّدت  ، أين أنتم من المقاطع والصور التي تمتلئ بها هواتفكم وحواسيبكم؟ ألا ترى في هذا شيء من التناقض؟  

وهل هذا دفاع أم تبرير؟ ان كنت معجباً بالمجموعة فتحدّث عن ملامح هذا الاعجاب دون البحث عن تبريرات هنا وهناك، عموماً فحديثنا عن القيم والمبادي لا يعني الانغلاق والجمود ورفض كل ما يكتب، ولكن ما نطلبه هو الاعتدال ومراعاة قيم المجتمع أياً كان العصر الذي نعيشه، فالقيم لا تسقط بالتقادم، وإذا كان البعض يقوم ببعض الممارسات الاجتماعيّة السيئة، فهذا لا يعني التبرير لفعل الشيء ذاته مستقبلا من قبل أي طرف بحجّة أنّ هناك من فعل ذلك، كما أنّ وجود كتب أو روايات تناولت الأمر ذاته أو ما هو أشدّ منه فهو كذلك ليس مبرراً لترك الحبل على الغارب لكل من يأت لكتابة ما يريد تحججاً بأمور كهذه، كما أنّ علينا التفرقة بين الممارسات الشخصيّة والعامّة للأشخاص.
(5)

قال لي: ولكنّكم لا تفهمون في الفكر والابداع وتأخذون الالفاظ بمعانيها الحرفيّة لا أكثر، فالأدب لا يردّ عليه سوى بالأدب. ما الذي يدريكم أنتم بالإسقاطات الأدبيّة والصور والرسائل الخفيّة التي تحملها مثل هذه الكتابات ودورها في معالجة قضايا المجتمع المسكوت عنها والتي عجزتم أنتم عن التصدّي لها.  

ولماذا تفترض في الآخر التخلّف وعدم الفهم لمجرّد أنّه لم يستسغ عملاً ما؟ أتفهّم يا صديقي دور الأدب في معالجة قضايا المجتمع. أوافقك الرأي في أن القصّة أو الرواية ليست مقالاً أو بحثاً علميّاً جامداً، معك في أنّ هناك قضايا مجتمعيّة شائكة يحذر البعض من الاقتراب منها ولا تتطرّق إليها وسائل الإعلام والتربية والاصلاح بالشكل الحقيقي المناسب.

أتفهّم كل هذه المبرّرات،  ولكن  كذلك هناك عشرات الطرق لتشخيص عيوب المجتمع وأمراضه، وبأسلوب أدبي كذلك، هناك مثلاً قصائد غزل تقوم واقفاً من شدّة اعجابك بها دون أن تحمل عبارة خادشة، المشكلة في اصرار البعض على استخدام ألفاظ وجمل ومقاطع بعينها لمجرّد التأثر بكتّاب معينين نشأوا في بيئات أخرى تختلف فكرياً وثقافيّاً واجتماعيّاً، أو رغبة في وضع بعض (البهارات) التي من شأنها أن تروّج للعمل، أو لأية أسباب أخرى،  وكأنّه لا وسيلة لمعالجة قضايا المجتمع سوى بذكر الألفاظ الصريحة التي تتنافى والدين والقانون والعرف

هناك خط وهمي يفصل بين العبث والابداع، وإذا كنا نعتبر ان التطوّر يعني كسر القوالب فليس شرطا أن تكون القيم والعادات هي هذه القوالب، والا فعلينا أن ننظر للصلاة والصوم أنها أمور رجعية تجاوزها التقدم. للتطور مليون شكل سوى أن يهدم المبادي تحت دعوى الحرية والتمدن، وليست كل فكرة خارجيّة قابلة للنجاح في مجتمعنا مهما تحدثنا عن العالم الذي تحول إلى قرية صغيرة، فالهويّة والخصوصيّة الثقافية من الأمور المعقّدة التي لا يمكن تجاوزها وإلا لتلاشت معالم المجتمع وانهدّت أركانه. تذكر أن ما يعجبك قد لا يعجب الآخرين.

(6)

قال لي: هل تعتقد أنّ التيّار الرجعي قد انتصر في هذه الجولة؟

المشكلة يا صديقي أنّنا طوال الوقت نمارس سياسة التقسيم وكأنّنا في مدرّج درجة ثالثة نتعصّب لهذا الفريق أو ذاك دون أن نعرف أحياناً ماذا يحدث بالضبط في الملعب، فما دمت لا توافقني في الرأي فأنت بالضرورة ضدّي، وفي قضيّة (الملح) تجلّى هذا الأمر في أوضح صوره ، فما دمت قد اعترضت على ما كتب فأنت رجعيّ ظلامي لا تفقه في الثقافة والأدب، وما دمت قد وافقت على المجموعة فأنت إباحي تريد هدم أركان المجتمع وقيمه، ومع يقيني أن هناك من يمارس سياسة الرفض دون مبرّر، الا أن هناك في الوقت نفسه من يعتقد أنه لابد من الحرية المطلقة بداعي الابداع والتنوّر.

 لماذا هذا التحزّب الأعمى؟ ألا يمكن أن  متنوّراً وأرفض عملاً ما دون التحزّب الضيّق لمجرّد أنّ صاحب العمل محسوب عليّ فكرياٍ؟ ألا يمكن أن أكون محافظاً وأعجب في الوقت ذاته بعمل أدبيّ حتى لو لم أكن من مدرسة صاحبه الفكرية؟ لماذا ننادي بحرية التعبير وندافع عنها ثم عندما يعترض البعض على عمل ما لأسباب تخصّ ذائقته الأدبيّة نزجّه مع الآخرين في خانة واحدة ونتناسى أن له حقوقا مثلنا في ابداء الرأي والتعبير عنه؟



(7)

قال لي :ما رأيك في ردّة فعل بعض المثقّفين الذين دافعوا بضراوة عن المجموعة؟

للأسف البعض منهم اعتبر الموضوع وكأنّه صراع فكري بين طرفين متناقضين، وحكر القضية في الانتقادات التي نالت صاحب المجموعة، وفي انشغالهم بالمقارنات الخاطئة، وفي  التبرير لسطوة التيّار الديني، مع أنّك لو تتبّعت مفاصل الثقافة في عمان من جمعيّات وأندية ولجان وصفحات وملاحق وبرامج إذاعيّة  لوجدت أن من يسيطر على هذه المفاصل هم في الغالب تيّار واحد ، فمادام المجتمع سيئاً ومتطرفاً في أحكامه ونظرته إلى الابداع إلى هذا الحد فأين دورهم هم في النهوض بهذا المجتمع فكريّاً وجعله مجتمعاً منفتحاً يتقبّل الآخر كما هم يريدون، خاصة أنّهم هم من يمتلك البرامج والوسائل، بدلا من التقوقع الشّللي والتفرغ لوصم المجتمع بالتخلف؟

(8)

 قال لي : وماذا  عن المؤسّسات الثقافيّة وتعاطيها مع الحدث؟

يا صديقي. موضوع خطير كهذا لا تكفيه فقرة هنا.

 

د.محمد بن حمد العريمي

Mh.oraimi@hotmail.com

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.