الأربعاء، 28 أكتوبر 2015

(نحو بناء اقتصاد مستدام)


قال لي: في ظلّ الظروف الاقتصاديّة الحاليّة التي نمرّ بها، والحديث الكثير عن الحلول المطروحة لتجاوزها، أريد رأيك كمتابع لهذا الموضوع.

أجبته: لا أدّعي أنّني متخصّص في مجال الاقتصاد، ولكن دعني أطرح وجهة نظري كمواطن يهمّه الأمر كثيراً لأسباب كثيرة أقلها هو التفكير في مستقبل أبنائي في الفترة القادمة.

برأيي أنّ هناك عدّة إشكالات ترسم وضعنا الاقتصاديّ الحالي أولها هي عدم وجود موارد دخل مستدامة تضمن لك دخلاً يغطّي كافّة النّفقات المختلفة ويحقّق التوازن بين الدّخل والمصاريف، فنحن نعتمد في الغالب على مورد طبيعي واحد معرّض للنضوب أو انخفاض الأسعار، أو أيّة اشكالات قد تواجه تصديره أو تسويقه، أو دخول مصادر طاقة أخرى منافسة.

الإشكالية الثانية هي الاعتماد على الدولة في التوظيف وهذا يتعارض مع المفهوم الأول للإنفاق المستدام، فأعداد الباحثين عن العمل يتزايدون كل سنة، والوظائف الحكوميّة لا تحقّق الاستفادة القصوى من هذه القدرات البشريّة لأسباب كثيرة مختلفة، والقطاع الخاص في وضعه الحالي لا يشكّل عامل جذب قويّ لهؤلاء الشباب، إضافة إلى محدوديّة أنشطته وضعف امتيازاته في عمومه مقارنة بما تحقّقه الوظيفة الحكوميّة.

الإشكالية الثالثة هي في احتماليّة وجود خلل في ميزان المدفوعات؛ بمعنى أن البضائع والسلع الداخلة إلى البلد يتم شراؤها من الخارج بعملات أخرى غير الريال؛ وهذا يعني أهمية وجود عمليات تصدير توازي أو تزيد عن حجم الاستيراد؛ وإذا كان ميزان المدفوعات في الوقت الحالي إيجابي بسبب اعتمادنا على تصدير النفط فهذا يعني أنه في حالة انخفاض مستويات التصدير وعدم وجود بدائل أخرى فسيتعرض الميزان للخلل. لاحظ أنّ الاعتماد في كل النقاط السابقة هو على النفط فقط لتغطية العجز فيها.

قال لي: وماذا عن الحلول والاجراءات التي تطرح الحكومة بعضها وينادى بالبعض الآخر كلّ يوم من ايقاف التوظيف إلا للضرورة، وخفض الدّعم المقدّم لبعض القطاعات، ورفع نسبة الضرائب على الشركات العاملة،  وعرض بعض الأراضي للبيع في مزادات عامّة، وزيادة بعض الرّسوم، أو التقشّف في بعض البنود وغيرها من الاجراءات؟

أجبته: كلّ هذه الحلول قد تبقى حلول مؤقّتة وغير مستدامة، فالشركات قد توقف جزءاً من انتاجها في حالة فرض ضرائب مرتفعة، وقد تبحث بعض المشاريع الاستثماريّة عن وجهات أخرى مناسبة، والأراضي التي سيتم عرضها للبيع قد تنفد في يوم من الأيام، وقس على ذلك بقيّة الخطوات والاجراءات، كما أنّ تخفيض الدعم المقدّم للقطاعات المختلفة قد يخلق مشكلة أخطر، فإلى متى سنتوقف عن التوظيف؟ وكيف سندعم المشاريع المحلية.؟! كثيراً من الخطوات السابقة (لوحدها)غير عمليّة وقد تخلق موارد غير مستدامة تغطي لمدة محدودة ثم تنفد.

سألني: ربّما تشاركني الرأي في أنّ من أهم الحلول هو فتح باب مجال الاستثمار الخارجي خاصّة إذا ما علمنا المميزات التي تتمتّع بها السلطنة في هذا المجال من توافر بنى تحتيّة مناسبة، واستقرار سياسي، وغيره.

قلت له: مع أهميّة فتح باب مجال الاستثمار الخارجي وما سيحقّقه من منافع اقتصاديّة مختلفة إلا أنّ مشكلتنا ليست في الحاجة للاستثمارات الخارجي، بل على العكس فهناك أموال كثيرة في البلد وبحاجة إلى من يشغّلها ويستثمرها بشكل مناسب، ولديك على سبيل المثال السيولة الماليّة لدى بعض الأفراد العاديّين قبل التجار وأصحاب رؤوس الأموال، بالاضافة إلى صناديق التقاعد المختلفة، والتحدي الأهم هو تشغيل هذه الأموال في خلق شركات ومؤسسات قادرة على خلق اقتصاد حقيقي؛ ومعظم الصناديق الحالية غير مغامرة في مشاريع كبيرة، بل تكتفي بالاستثمار في مشاريع مضمونة لا تتطلّب تحدّياً كبيراً كشراء شركات ناجحة، أو الاستثمار في قطاعات بسيطة خاصة في مجال العقار أو مجالات تجارة التجزئة، وهي قطاعات لا تحقق فوائد ماليّة كبيرة أو فرص عمل متنوّعة.

قال: إذاً ما هو الحل من وجهة نظرك؟

قلت له: الحل الوحيد المستدام هو اعتماد الدخل على الضرائب بجميع أنواعها. أعرف أنّ حلاً كهذا قد لا تقتنع به، وقد لا يتقبّله الكثيرون ولكن دعني أوضّح لك ماذا أقصد بمسألة الضرائب: دعنا نتّفق أولاً على أنّ الهدف للنهوض بهذا المجال هو خلق بيئة اقتصاديّة قادرة على توفير وظائف تخلق الحد الأدنى من الأمان الاجتماعي من خلال توفير مصادر دخل مستدامة، ولتحقيق ذلك يستدعي الأمر عدّة خطوات تشكّل جميعها حلقات متكاملة في سلسلة واحدة، ودعنا نبدأ بالتعليم، وهو لا يقتصر على التعليم المدرسي فقط بل يتجاوزه للتعليم الفنّي بأنواعه والعالي والتعليم على رأس العمل؛ والمؤهلات لا تقتصر على الوظائف العليا بل تتجاوزها للوظائف الحرفية؛ فهل نظام التعليم لدينا أخرج لدينا حرفيين مؤهّلين للعمل في القطاعات الحرفيّة المختلفة طوال الفترة الماضية؟! كم حلاقاً أو حدّاداً أو نجّاراً أو سمكريّاً أو ميكانيكيّاً محترفاً لديك من الشباب العماني؟! إنّني أعرف حلاقاً وافداً محترفاً أتعامل معه لا يقل دخله الأسبوعي عن 700 ريال، والحجز لديه بالمواعيد، لأنّه حرفيّ متخصّص، ومنظّم في عمله، دقيق في مواعيده. قس على ذلك الكثير من الحرفيّين الأخرين في مختلف المجالات. لاحظ أنّ الوظيفة أو الحرفة التي يغطيها الوافد نخسر من خلالها وظيفة للعماني؛ ومبلغ يحول للخارج !

نحتاج كذلك إلى الحدّ من الإجراءات البيروقراطية مثل إجراءات تأسيس الشركات ووجود بيئة قانونية ذكية ومبسطة تشجع على الاستثمار، فإذا كانت هناك شركات حكومية تعاني من البيروقراطية في تأسيسها على الرغم من صدور مراسيم وقرارات عليا خاصّة بانشائها فما بالك بالشركات الخارجية أو المستثمر المحلّي الصغير؟! فكل ما كانت التشريعات أقلّ عدداً، وأكثر مرونة وتوافقاً مع الظروف الحاليّة كل ما كانت دورة الاقتصاد أكثر جدوى وفائدة.

نحتاج أيضاً إلى استغلال قطاعات الزراعة والصيد في مشاريع أكثر جدوى وفائدة، فعلى سبيل المثال بدلاً من أساليب ووسائل الصيد التقليديّة الحاليّة، والمشاريع المحدودة فلماذا لا يكون لدينا أسطول لأعالي البحار كما هو الحال في دول أخرى ذات مناخ اقتصادي مشابه في هذا المجال؟ ولماذا لا نتوسّع في رقعة الأرض المزروعة، وكل هذا يأتي من خلال توفير بيئة عمل واستثمار مناسبة كاستغلال مخرجات الكلّيّات المتخصّصة، وتوجيه الدّعم بشكل مناسب، وتأسيس بيئة تأمينات اجتماعيّة تشجع العاملين في هذه المجالات على العمل بها دون الخوف من المستقبل، وتكوين جمعيّات عماليّة توفر الأمان الاجتماعي والقانوني لهذه الفئات.

نحتاج إلى استغلال موقعنا الجغرافيّ الوسيط على خارطة العالم كمنطقة دعم لوجستي، فلو فعّلنا الكيان الخاص بتجمّع الدول المطلّة على المحيط الهندي وحاولنا ايجاد شراكات مع دول متقدّمة في هذا الكيان كأن نمزج طاقة عمان من النفط أو الغاز مع أراضي الهند وعمّالها، وتكنولوجيا سنغافورة، وخبرات جنوب أفريقيا الصناعيّة مثلا لخرجنا بالعديد من المشروعات المستدامة، ولو استفدنا من اتفاقية (عشق أباد) القائمة على ربط مناطق الجمهوريات المستقلّة بالبحار الدافئة في الخليج من خلال نقل البضائع عبر ايران مستغلين علاقاتنا الجيّدة معها، أو تحويل السلطنة إلى مركز لتجميع اليوريا الاوزبكي وإعادة توزيعه فيما بعد لفتحنا آفاقاً اقتصاديّة أخرى، ناهيك عن موقعنا الذي يوفّر الوقت والتكلفة ورسوم التأمين الخاصّة بعبور مضيق هرمز.

وبالطبع نحتاج إلى الاستفادة من إرثنا الحضاري المتمثل في الشواهد الماديّة المختلفة، وبيئتنا المناخيّة المتنوّعة في تأسيس أنشطة اقتصاديّة وسياحيّة قائمة على استثمار كل هذه الامكانات.

قال لي: ماذا تريد أن تقول بالضبط؟

الخلاصة يا صديقي هي أنّه إذا نجحنا في تكوين اقتصاد من مؤسّسات خاصّة متنوّعة من خلال رؤية واضحة، وتشريعات مرنة، وتعليم قائم على خلق جيل قادر على دخول سوق العمل فإنّ هذه الكيانات قادرة على دفع ضرائب تسهم في وجود دخل حكومي مستدام؛ وتوفير وظائف مناسبة؛ وسيتم توجيه جزء كبير من نتاج هذه المؤسّسات والكيانات إلى نشاطات تصديرية تسهم في ميزان مدفوعات متوازن أو ايجابي لصالح الصادرات على عكس الواردات.
 

قراءة في واقع انتخابات مجلس الشورى

 كفاني الدكتور سيف المعمري في مقاله الأخير بعنوان "قراءة استباقية في نتائج انتخابات الشورى"، والمنشور بتاريخ 25 أكتوبر 2015، أي في اليوم التي أجريت فيه انتخابات مجلس الشورى في دورته الثامنة، كثيراً من النقاط التي يمكن الإشارة إليها، ذلك أنّه قد أشار إلى توقّعات مهمّة تحقق كثير منها لعل من بينها: تمكّن مجموعة من الأعضاء السابقين من الوصول إلى المجلس مرة أخرى، نتيجة لفاعليتها خلال الدورة الماضية، تمكن ممثلو ما يسمى بـ"التكتلات الانتخابية"، أو مرشحو "التوافق" من الوصول إلى المجلس؛ تمكّن بعض مرشحي المجموعات التجارية من الوصول إلى المجلس، عدم تمكّن المرشحات النساء من الوصول إلى المجلس إلا إذا حدثت مفاجآت على نطاق ضيق، محدوديّة فرص المرشحين من ذوي المؤهلات العلمية العليا (حملة الدكتوراه والماجستير) في الحصول على عدد كبير من المقاعد.

وبرأيي أن توقّعات الدكتور سيف وهو باحث متخصص ومشتغل على قضايا المواطنة وما يتعلّق بها من عناوين فرعيّة كانت توقّعات صائبة إلى حدّ كبير، واستندت إلى معطيات مهمّة تناولها الباحث في مقالات ونشرات سابقة للانتخابات لعل من أبرزها مجلة الشورى التي تزامن صدورها مع الفترة التي سبقت إجراء الانتخابات، وأراني أتّفق كثيراً مع تلك التوقّعات، ولهذا ( ولظروف المساحة المتاحة) فلن أركّز على بعضها كثيراً ، وسأحاول تجاوزها إلى ملاحظات وقراءات أخرى لعل من بينها:

-       أشارت الإحصائيات إلى أن نسبة المشاركة في انتخابات هذه الدورة وصلت إلى 56.66%، وبرأيي أنّ هذه نسبه قد تعدّ مرتفعة قياساً على نسب المشاركة في بعض الدول العربيّة التي سبقتنا في هذا المجال، ولكن من الصعوبة أن نعزيها إلى زيادة الوعي الانتخابي في ظلّ عدم وجود بيانات تفصيليّة عن الفئات العمريّة للمشاركين، وفي ظلّ ما رأيناه أو سمعنا عنه من (حشد) كبير للناخبين مارسه بعض المرشحين وطال كبار السّن بالأخص.

-       ملاحظة أخرى كذلك تمثّلت في عدم توازي الكتل الانتخابيّة ونسب المصوّتين في بعض المحافظات مع عدد سكّان تلك المحافظات، فمحافظة مثل مسقط التي يبلغ عدد سكّانها العمانيّين (483.649) بلغت الكتلة الانتخابية فيها (87183)، صوّت منهم (29632) فقط، بل إن ولاية كالسّيب تجاوز عدد سكّانها العمانيّون (213) ألف نسمة لم يذهب للتصويت فيها سوى (5777) من جملة (23588) يشكّلون الكتلة الانتخابيّة بها، بينما بلغ عدد المصوّتين بالعامرات التي تجاوز عدد سكانها العمانيّون (53) ألف، وكتلتها الانتخابية(9176) حوالي (3268) ناخب فقط، بينما كان العدد في بوشر التي تجاوز عدد سكّانها العمانيّين 85 ألف نسمة، (3755) ناخب فقط من جملة (11248) يحق لهم الانتخاب.

وبرأيي أنّ السبب في هذا التباين الكبير بين أعداد السّكان في ولايات مسقط، والكتل الانتخابيّة قد يعود إلى أنّ جزءاً لابأس به من سكّان هذه الولايات هم بالأصل ينحدرون من ولايات أخرى في محافظات السلطنة المختلفة، وهذا يطرح تساؤلات مهمّة حول الهجرة الداخليّة المتنامية إلى مسقط، ومدى توزيع الخدمات على المحافظات، ومدى تأثير عدم قيام هؤلاء بممارسة الحق الانتخابي في الاستحقاقات المختلفة بهذه الولايات بدلاً من ولاياتهم الأصليّة على حقوقهم ومطالباتهم المختلفة في الولايات التي يقطنونها في الوقت الحالي، فكيف لمواطن مستقرّ مثلاً في العامرات أو مطرح أو بوشر أن ينتخب أعضاء المجالس البلديّة في ولايته الأصليّة التي قد لا يذهب إليها إلا في المناسبات، بينما لا يقوم بذلك في الولاية التي استقرّ بها منذ سنوات مع أن الأمر يتعلّق بخدمات ينشدها ويبحث عنها ويطالب بها!!

كما أنّ قيام حوالي 31% فقط بالتصويت في ولايات محافظة مسقط من جملة الكتلة الانتخابيّة بالمحافظة أمر يطرح تساؤلات مختلفة حول أسباب انخفاض هذه النسبة في محافظة تعدّ عاصمة البلاد، وتتمتّع بتوافر وسائل التوعية المختلفة، وبتواجد معظم المؤسسات التعليميّة العليا، ووسائل الإعلام، ومؤسّسات المجتمع المدني، وبارتفاع مستويات المعيشة والتعليم مقارنة بالمحافظات الأخرى!

ولو ذهبنا لمحافظات أخرى لوجدنا الأمر يختلف تماماً، ففي محافظة ظفار نجد أن عدد الذين قاموا بالتصويت (46459) من جملة (67512) وهي نسبة مرتفعة تصل لحوالي 69%، بينما سجّلت محافظة الوسطى نسبة مشاركة بلغت حوالي 80% حيث شارك في التصويت        7871 ناخباً من جملة 9855، واذا ما سلمنا بوجود وعي انتخابي جيّد في محافظة ظفار تمثّل في اختيار أعضاء يمثّلون كتلاً انتخابيّة معيّنة بناء على معايير وضعت سلفاً، فإنّ هناك عوامل أخرى قد دفعت إلى ارتفاع هذه النسبة لعل من بينها الحشد القائم على القبليّة وبالأخص في الوسطى، والأمر ذاته في جنوب الشرقيّة التي بلغت نسبة المشاركة بها حوالي 58%.

-       أثبتت نتائج الانتخابات أنّ القبليّة والمال السياسي ما زال يؤثّر بشكل كبير على نتائج الانتخابات، والدّليل هو إعادة انتخاب أعضاء لم يقدّموا الكثير خلال الفترة السابقة، ولم يكونوا عند مستوى الطّموح، ولكنّهم احتفظوا بمقاعدهم في هذه الدّورة مستغلّين إمكاناتهم المادّيّة التي سمحت لهم بالحصول على أصوات من هنا وهناك، وكذلك القاعدة القبليّة التي ينتمون إليها.

-       أثبتت النتائج كذلك أن المجتمع ما زال يبحث عن عضو الخدمات، وأنّ الرقابة والتشريع هي مفاهيم لا أهمية قصوى لها لدى شريحة كبيرة من الناخبين، والدّليل على ذلك انتخاب بعض الأعضاء بسبب قيامهم ببعض الخدمات البلديّة كبناء المساجد أو المجالس العامّة أو دعم بعض المشروعات المجتمعيّة، كذلك فإن البعض من المرشّحين تأثر سلباً بهذا الأمر من حيث استياء جزء من الكتلة الانتخابية في ولايته من جرّاء عدم مساهمته المجتمعيّة بشكل واضح.

-       أثبتت النتائج كذلك أن الشهادات العليا والمستوى الثقافي للمترشّح لا أهمّيّة كبرى له في بعض المحافظات والولايات ما لم يكن لديه امكانات مادّيّة، أو كتلة قبليّة أو شبابيّة تسانده وتروّج له، والدليل أنّ بعض المترشحين في بعض الولايات حصدوا أصوات تقل عن 10% من أصوات أعضاء آخرين برغم الفرق الشاسع في المستويات الفكريّة والمعرفيّة بينهما!!

-       وجود تكتّلات شبابيّة داعمة لفكرة التغيير أو الدّفع بالمرشّح صاحب الإمكانات الفكريّة العالية أثبتت نجاحها في عدد من الولايات كبديّة، والرستاق، وازكي، بعكس ولايات أخرى لم يحصد فيها مرشحين محسوبين على هذه الفئة على الأصوات الكافية بسبب عدم وجود الكتلة الداعمة والمؤثّرة.

-       وإذا ما أتينا إلى مشاركة المرأة العمانية كمرشّحة في هذه الانتخابات فقد كانت النتائج مخيّبة للآمال كما في الدّورة السّابقة، ولم تحصد المرأة سوى مقعد واحد فقط ذهب لنفس العضوة السابقة، ولعلّ السبب في ذلك يعود إلى عدّة عوامل متشابكة لعلّ من بينها نظرة قطاع من المجتمع تجاه دور المرأة وترشّحها، وعدم ترشّح نساء لهنّ دور قيادي ومجتمعي مؤثر في مقابل أن عدد من المترشّحات الحاليّات لسن بذلك التأثير المجتمعيّ المهم، كما أنّ بعضهنّ ترشّحن في ولايات بعينها كالسيب وبوشر اللتان ترشّح في كلّ منهما ثلاثة نساء ممّا قلّل من فرص وصول بعضهنّ، إضافة إلى ضعف توافر وسائل التأثير والدّعاية والامكانات كتلك التي يمتلكها الرجل.

برأيي أن الطريق نحو عمليّة انتخابيّة ما زال طويلاً، وأنّ المشاركة الايجابية ترتبط بمدى فهم واقتناع شريحة عريضة من المجتمع بأهمّيّة الدور الذي يمارسه المجلس، وهو أمر يحتاج الوصول إليه خطوات مهمّة لعل من بينها تخلّص المواطن من ثقافة الدولة الرعوية التي توفر له كافة الخدمات دون الشعور الحقيقي باللجوء لدور مؤسسات أخرى، وتفعيل المجالس الطلابية؛ والبلدية بحيث تتعدى الأدوار الاستشارية، فأول درجة في سلم العملية الانتخابية تأتي من خلال المجالس الطلابية التي تتيح للطالب المشاركة في وضع بعض السياسات الخاصة بالعملية التعليمية، كذلك فإنّه متى ما اقتنع المواطن بوجود تغيير إيجابي في حياته من خلال دور المجالس البلدية؛ فسيقبل حتماً على الخطوة الانتخابية التي تليها والمتمثّلة في مجلس الشورى، وهذا يعني أنّه من المهم في المرحلة القادمة أن تتنازل الحكومة عن بعض صلاحياتها البلدية لصالح المجالس البلدية كخطوة أولى ومهمة نحو ثقافة انتخاب مستقبلية ناجحة، بحيث يشعر المواطن بأنّ صوته قد يحدث التغيير، وبالتالي لا يتعامل مع انتخابات الشوى على أنّها غير مؤثّرة فيقاطع، أو أنّها مجرّد (فزعة) قبليّة، أو فرصة لكسب بعض المبالغ.

 

الأربعاء، 7 أكتوبر 2015

(لا.. هو ليس الأفضل)

اعتدت من فترة لأخرى أن أتأمّل في الاحصائيّات التي تقدّمها عدد من الجهات الحكوميّة والخاصّة بقضايا مجتمعيّة عدّة كحوادث المرور، والبطالة، ونسب الطّلاق، وتوزيع السّكان ونسبهم، وغيرها من القضايا المجتمعيّة التي أعتقد أحياناً أنّه من المهم الاطّلاع على ما يتعلّق بها من نسب واحصائيّات متجدّدة والكتابة عنها بهدف تقديم رؤى ومقترحات يمكن أن تسهم في المزيد من الحلول للقضايا المتعلقة بها.

وهذه المرّة وجدت نفسي مدفوعاً للبحث في موضوع التّبغ المدخّن، ربّما بسبب الضبطيّات التي يتوالى نشرها في وسائل إعلامنا المختلفة بشكل يكاد يكون يوميّاً، وربّما بسبب الكاريكاتير المنشور على موقع سرطة عمان السلطانيّة والذي شدّ انتباهي لخطورة الموضوع الذي يتناوله، وربّما كذلك بسبب ما يدور حاليّاً من تصريحات وبيانات صحفيّة حول الضبطيّة الأخيرة التي تمّت في شمال الباطنة من ضبط عمالة وافدة تقوم ببيع وتداول التبغ الممضوغ غير المدخّن على هيئة ساندوتشات يتم بيعها للمستهلكين عبر أحد المقاهي!

كل هذه الأمور جعلتني أبحث في العم جوجل، وفي مواقع المؤسسات ذات العلاقة حول ما يتعلّق بطاهرة التبغ المدخّن فوجدت أن الأمر يستحق الكثير من الوقوف والاهتمام، فبحسب احصائيات الهيئة العامة لحماية المستهلك الخاصّة بالمخالفات المتعلّقة بالتبغ الممضوغ وغير المدخن لعام 2014 بلغت 185مخالفة بعدد 492510 سلعة تأتي في المرتبة الثانية لعدد السلع المضبوطة لذلك العام، أمّا في النصف الأول من عام 2015 فقد بلغت 140 مخالفة بعدد60829 سلعة، وهي أعداد كبيرة تنمّ عن مدى خطورة الأمر !!

كما أنّه ومن خلال بحثي في محرّك بوّابة الهيئة العامّة لحماية المستهلك خلال الأشهر القليلة الأخيرة فقد وجدت عدداً كبيراً من الأخبار المتعلّقة بضبطيّات في هذا المجال بحيث لا يكاد يمرّ يوم دون القيام بضبطيّة مشابهة، وهالني ما قرأته بين ثنايا هذه الضبطيّات التي سأنقل لكم بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر، وستلاحظون أنها لا تقتصر على مجرّد أخبار عن موزّعين يقومون بتوزيع بعض التّبغ في الخفاء على زبائن بعينهم، بل إنّ الأمر أخطر من ذلك، وأنّ المستهدفين هم فلذة الأكباد وعماد المستقبل وصنّاع الغد، لدرجة أنّني بدأت أشعر بالخوف والهلع من امكانيّة تأثّر أبنائي بهذا الأمر، وهو أمر سيجعلني أراجع الخطوات المتعلّقة بمتابعتهم وسؤالهم عن الأحداث اليوميّة التي يمرّون بها كي أضمن عدم تعرّضهم لمواقف مشابهة في ظلّ  تشابك تفاصيل الحياة اليوميّة وتعقّدها، ومن بين هذه الأخبار: "قامت الهيئة العامة لحماية المستهلك بضبط كميات كبيرة من التبغ الممضوغ في حملات مداهمة لأوكار بيع هذه المنتجات المحظور بيعها حيث تلقت مؤخرا بلاغاً من احد المتصلين بوجود بائع متجول ينتمي إلى جنسيّة آسيويّة في ولاية السيب ( الشرادي ) يقوم ببيع التبغ غير المدخن للأطفال والمراهقين"، "قامت الهيئة العامّة لحماية المستهلك بضبط كمية كبيرة من التبغ غير المدخن بلغت 14413 عبوة "، "تمكنت إدارة حماية المستهلك بمحافظة جنوب الشرقية بالتعاون مع إدارة التحريات بشرطة عمان السلطانية بولاية صور من ضبط كميات من التبغ الممضوغ غير المدخن تجاوز عددها 500 عبوة يقوم ببيعها أيدي عاملة وافدة في أحد مصانع الطابوق بالولاية، واتضح أن أغلب زبائنهم هم من الأطفال القصّر غير المبالين بمدى خطورة هذه السلعة على صحتهم"، "ضبطت إدارة حماية المستهلك بمحافظة ظفار محلاً تجاريًا يروّج ويبيع التبغ الممضوغ غير المدخن بطريقة غريبة مستغلا عودة الطلبة إلى المدارس، حيث يقوم العامل الوافد بالمحل بإحداث تجاويف داخل الدفاتر ومن ثم يخبئ بداخلها لفائف التبغ ويقوم ببيعها بعد ذلك للمستهلكين والطلاب"، "أصدرت محكمة صحم الابتدائية حكماً يقضي بإدانة بائع متجول يتاجر في التبغ الممضوغ غير المدخن، حيث تلاحظ لدى مفتشي حماية المستهلك وجود بائع متجول يبيع بعض المنتجات على ناصية الطريق ويتردّد بعض الاطفال عليه الأمر الذي استدعى مراقبته عن بعد للتيقن من نوعية ما يتاجر به من سلع ومنتجات، حيث تلاحظ وجود التبغ الممضوغ غير المدخن لديه والذي جمعه لغرض البيع والمتاجرة وفق اعترافه في محاضر الضبط فيما بعد" .

هذه عيّنة بسيطة لعشرات الأخبار المشابهة عن ضبطيّات تتعلّق بتوزيع السموم والترويج لها بحيث قد تكون كفيلة مع تحدّيات فكريّة وتكنولوجيّة وصحيّة أخرى بالتأثير على مدى قدرة الجيل القادم على العطاء والمساهمة في استمرار مسيرة العمل والبناء والعطاء في هذا الوطن، وقد يتحوّل بعضهم إلى عالة وعبئ على المجتمع لا إضافة حقيقيّة قويّة له.

أمّا عن الحلول فهي كثيرة ولكنّها بحاجة إلى تكامل في الأدوار لا أن نقصره على مؤسّسة أو اثنتين، وهي تبدأ من الأسرة التي يبدأ عندها صناعة الجيل وتهيئته ووضع أساسه، فالمدرسة، والمسجد، والنادي، ووسائل الإعلام، ومؤسّسات المجتمع المدني،  والمؤسّسات المعنيّة بدراسة مثل هذه الظواهر كوزارة التنمية الاجتماعيّة والمركز الوطني للإحصاء، ثم دور جهات الضّبط والمراقبة كشرطة عمان السلطانيّة وهيئة حماية المستهلك.

لا نريد للأمر أن يتوقف مع تحقيقات صحفية هزيلة هنا وهناك، أو فقرات إعلامية يتيمة تقدم حين غفلة، أو محاضرات صحّيّة حفظناها عن ظهر قلب وكان لابد لها أن تقدّم استكمالاً لجدول أعدّ سلفاً يتناول كالعادة المتلازمة الثلاثية ( المخدرات والتدخين والايدز)، أو خطب جمعة حلّ الدور عليها فقيلت بلا روح عن (بضعة) شباب يتعاضون (المضغة) أو (الأفضل) أو غيرها من السموم التي جلبها لنا تجار (الشر) رغبة منهم في مكافأة وطن فتح لهم أبوابه بأريحية زائدة عن الحد فكان الجزاء هو الرغبة في تدمير جيل (يفترض) أن يأخذ على عاتقه مسئولية بناء الوطن والمحافظة على مكتسباته، بل لابد للأمر من وقفة جادّة وحازمة تنطلق من الإحصائيّات والنّسب والصور المتعلّقة بهذه الضبطيّات، ليعقبها عمل جادّ يبدأ بمراجعة التشريعات المتعلّقة بالعقوبات الخاصة بهذا الجرم، ووضع استراتيجيّة عمل قائمة على تكامليّة الأدوار تشمل التوعية والتشريع والرقابة معاً وينطلق عمل كل مؤسّسة من خلال نتائج المؤسّسة الأخرى في تناغم واضح وجميل يعكس مدى أهميّة الشراكة المجتمعيّة والمؤسّساتيّة.

علينا أن لا نقف مع النتيجة بل أن نبحث عن الأسباب، فقبل أن نقول مثلاً إنّ هذا المقطع أو تلك الصورة لم تؤخذ في هذا المكان أو ذاك، أو أنّ هذا الحيّ أو تلك المؤسّسة بعيدة عن تلك الضبطيّة، علينا أن ندرك أن هناك ضبطيّة تمّت، وأنّ هناك فعلاً مجرّماً قد حدث، وأـن الأمر يستدعي التنبّه له والأخذ بنتائجه، وإذا كان الخطر لم يصلني اليوم فقد يصل في الغد ما لم أنتبه إليه، وإذا كان لم يدخل بيتي بشكل مباشر فقد يدخله بشكل غير مباشر. علينا أن ندّخر جهودنا في معالجة الأسباب، فالنتيجة قد تتكرّر، ويبقى السّبب موجوداً ما لم نقم بالتعامل معه بشكل صحيح.