الأربعاء، 7 أكتوبر 2015

(لا.. هو ليس الأفضل)

اعتدت من فترة لأخرى أن أتأمّل في الاحصائيّات التي تقدّمها عدد من الجهات الحكوميّة والخاصّة بقضايا مجتمعيّة عدّة كحوادث المرور، والبطالة، ونسب الطّلاق، وتوزيع السّكان ونسبهم، وغيرها من القضايا المجتمعيّة التي أعتقد أحياناً أنّه من المهم الاطّلاع على ما يتعلّق بها من نسب واحصائيّات متجدّدة والكتابة عنها بهدف تقديم رؤى ومقترحات يمكن أن تسهم في المزيد من الحلول للقضايا المتعلقة بها.

وهذه المرّة وجدت نفسي مدفوعاً للبحث في موضوع التّبغ المدخّن، ربّما بسبب الضبطيّات التي يتوالى نشرها في وسائل إعلامنا المختلفة بشكل يكاد يكون يوميّاً، وربّما بسبب الكاريكاتير المنشور على موقع سرطة عمان السلطانيّة والذي شدّ انتباهي لخطورة الموضوع الذي يتناوله، وربّما كذلك بسبب ما يدور حاليّاً من تصريحات وبيانات صحفيّة حول الضبطيّة الأخيرة التي تمّت في شمال الباطنة من ضبط عمالة وافدة تقوم ببيع وتداول التبغ الممضوغ غير المدخّن على هيئة ساندوتشات يتم بيعها للمستهلكين عبر أحد المقاهي!

كل هذه الأمور جعلتني أبحث في العم جوجل، وفي مواقع المؤسسات ذات العلاقة حول ما يتعلّق بطاهرة التبغ المدخّن فوجدت أن الأمر يستحق الكثير من الوقوف والاهتمام، فبحسب احصائيات الهيئة العامة لحماية المستهلك الخاصّة بالمخالفات المتعلّقة بالتبغ الممضوغ وغير المدخن لعام 2014 بلغت 185مخالفة بعدد 492510 سلعة تأتي في المرتبة الثانية لعدد السلع المضبوطة لذلك العام، أمّا في النصف الأول من عام 2015 فقد بلغت 140 مخالفة بعدد60829 سلعة، وهي أعداد كبيرة تنمّ عن مدى خطورة الأمر !!

كما أنّه ومن خلال بحثي في محرّك بوّابة الهيئة العامّة لحماية المستهلك خلال الأشهر القليلة الأخيرة فقد وجدت عدداً كبيراً من الأخبار المتعلّقة بضبطيّات في هذا المجال بحيث لا يكاد يمرّ يوم دون القيام بضبطيّة مشابهة، وهالني ما قرأته بين ثنايا هذه الضبطيّات التي سأنقل لكم بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر، وستلاحظون أنها لا تقتصر على مجرّد أخبار عن موزّعين يقومون بتوزيع بعض التّبغ في الخفاء على زبائن بعينهم، بل إنّ الأمر أخطر من ذلك، وأنّ المستهدفين هم فلذة الأكباد وعماد المستقبل وصنّاع الغد، لدرجة أنّني بدأت أشعر بالخوف والهلع من امكانيّة تأثّر أبنائي بهذا الأمر، وهو أمر سيجعلني أراجع الخطوات المتعلّقة بمتابعتهم وسؤالهم عن الأحداث اليوميّة التي يمرّون بها كي أضمن عدم تعرّضهم لمواقف مشابهة في ظلّ  تشابك تفاصيل الحياة اليوميّة وتعقّدها، ومن بين هذه الأخبار: "قامت الهيئة العامة لحماية المستهلك بضبط كميات كبيرة من التبغ الممضوغ في حملات مداهمة لأوكار بيع هذه المنتجات المحظور بيعها حيث تلقت مؤخرا بلاغاً من احد المتصلين بوجود بائع متجول ينتمي إلى جنسيّة آسيويّة في ولاية السيب ( الشرادي ) يقوم ببيع التبغ غير المدخن للأطفال والمراهقين"، "قامت الهيئة العامّة لحماية المستهلك بضبط كمية كبيرة من التبغ غير المدخن بلغت 14413 عبوة "، "تمكنت إدارة حماية المستهلك بمحافظة جنوب الشرقية بالتعاون مع إدارة التحريات بشرطة عمان السلطانية بولاية صور من ضبط كميات من التبغ الممضوغ غير المدخن تجاوز عددها 500 عبوة يقوم ببيعها أيدي عاملة وافدة في أحد مصانع الطابوق بالولاية، واتضح أن أغلب زبائنهم هم من الأطفال القصّر غير المبالين بمدى خطورة هذه السلعة على صحتهم"، "ضبطت إدارة حماية المستهلك بمحافظة ظفار محلاً تجاريًا يروّج ويبيع التبغ الممضوغ غير المدخن بطريقة غريبة مستغلا عودة الطلبة إلى المدارس، حيث يقوم العامل الوافد بالمحل بإحداث تجاويف داخل الدفاتر ومن ثم يخبئ بداخلها لفائف التبغ ويقوم ببيعها بعد ذلك للمستهلكين والطلاب"، "أصدرت محكمة صحم الابتدائية حكماً يقضي بإدانة بائع متجول يتاجر في التبغ الممضوغ غير المدخن، حيث تلاحظ لدى مفتشي حماية المستهلك وجود بائع متجول يبيع بعض المنتجات على ناصية الطريق ويتردّد بعض الاطفال عليه الأمر الذي استدعى مراقبته عن بعد للتيقن من نوعية ما يتاجر به من سلع ومنتجات، حيث تلاحظ وجود التبغ الممضوغ غير المدخن لديه والذي جمعه لغرض البيع والمتاجرة وفق اعترافه في محاضر الضبط فيما بعد" .

هذه عيّنة بسيطة لعشرات الأخبار المشابهة عن ضبطيّات تتعلّق بتوزيع السموم والترويج لها بحيث قد تكون كفيلة مع تحدّيات فكريّة وتكنولوجيّة وصحيّة أخرى بالتأثير على مدى قدرة الجيل القادم على العطاء والمساهمة في استمرار مسيرة العمل والبناء والعطاء في هذا الوطن، وقد يتحوّل بعضهم إلى عالة وعبئ على المجتمع لا إضافة حقيقيّة قويّة له.

أمّا عن الحلول فهي كثيرة ولكنّها بحاجة إلى تكامل في الأدوار لا أن نقصره على مؤسّسة أو اثنتين، وهي تبدأ من الأسرة التي يبدأ عندها صناعة الجيل وتهيئته ووضع أساسه، فالمدرسة، والمسجد، والنادي، ووسائل الإعلام، ومؤسّسات المجتمع المدني،  والمؤسّسات المعنيّة بدراسة مثل هذه الظواهر كوزارة التنمية الاجتماعيّة والمركز الوطني للإحصاء، ثم دور جهات الضّبط والمراقبة كشرطة عمان السلطانيّة وهيئة حماية المستهلك.

لا نريد للأمر أن يتوقف مع تحقيقات صحفية هزيلة هنا وهناك، أو فقرات إعلامية يتيمة تقدم حين غفلة، أو محاضرات صحّيّة حفظناها عن ظهر قلب وكان لابد لها أن تقدّم استكمالاً لجدول أعدّ سلفاً يتناول كالعادة المتلازمة الثلاثية ( المخدرات والتدخين والايدز)، أو خطب جمعة حلّ الدور عليها فقيلت بلا روح عن (بضعة) شباب يتعاضون (المضغة) أو (الأفضل) أو غيرها من السموم التي جلبها لنا تجار (الشر) رغبة منهم في مكافأة وطن فتح لهم أبوابه بأريحية زائدة عن الحد فكان الجزاء هو الرغبة في تدمير جيل (يفترض) أن يأخذ على عاتقه مسئولية بناء الوطن والمحافظة على مكتسباته، بل لابد للأمر من وقفة جادّة وحازمة تنطلق من الإحصائيّات والنّسب والصور المتعلّقة بهذه الضبطيّات، ليعقبها عمل جادّ يبدأ بمراجعة التشريعات المتعلّقة بالعقوبات الخاصة بهذا الجرم، ووضع استراتيجيّة عمل قائمة على تكامليّة الأدوار تشمل التوعية والتشريع والرقابة معاً وينطلق عمل كل مؤسّسة من خلال نتائج المؤسّسة الأخرى في تناغم واضح وجميل يعكس مدى أهميّة الشراكة المجتمعيّة والمؤسّساتيّة.

علينا أن لا نقف مع النتيجة بل أن نبحث عن الأسباب، فقبل أن نقول مثلاً إنّ هذا المقطع أو تلك الصورة لم تؤخذ في هذا المكان أو ذاك، أو أنّ هذا الحيّ أو تلك المؤسّسة بعيدة عن تلك الضبطيّة، علينا أن ندرك أن هناك ضبطيّة تمّت، وأنّ هناك فعلاً مجرّماً قد حدث، وأـن الأمر يستدعي التنبّه له والأخذ بنتائجه، وإذا كان الخطر لم يصلني اليوم فقد يصل في الغد ما لم أنتبه إليه، وإذا كان لم يدخل بيتي بشكل مباشر فقد يدخله بشكل غير مباشر. علينا أن ندّخر جهودنا في معالجة الأسباب، فالنتيجة قد تتكرّر، ويبقى السّبب موجوداً ما لم نقم بالتعامل معه بشكل صحيح.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.