الاثنين، 7 مارس 2016

محمّد مصطفى..الانسان والفنان

اعتدت منذ صغري على تخيّل الشخوص والأماكن التي تبهرني أو تترك أثراً في حياتي؛ وكنت أعيش لحظة الترقّب الدائم كي أحظى بفرصة التعرّف عليها عن قرب، وكان المصوّر الكبير الأستاذ محمد مصطفى أحد هؤلاء الذين بهروني، كيف لا وهو الذي كان اسمه يتردّد في مطلع كلّ صحيفة محلّيّة نطالعها، وفي كلّ ملحق نهضويّ نطّلع عليه، وأسفل كلّ صورة رائعة تحكي ملمحاً من حياة أو انجازات باني هذا الوطن العظيم، وهو الذي كنّا نغبطه دوماً لقربه من صاحب الجلالة، ونتمنّى لو عشنا لحظة من لحظات حياته، وكانت أحلامنا تشطح أحياناً لدرجة تقمّص شخصيّته فنتخيّل أنفسنا ونحن نمسك بالكاميرا لنلتقط هذه الصورة أو تلك! لذا كانت رغبتي في لقاءه حلماً مؤجّلاً لسنوات عديدة، وفي داخلي شعور بأنّه سيتحقّق يوما ما آجلاً أم عاجلاً، وقد كان.

 وعندما عرض عليّ سعادة الدكتور سعيد بن خميس الكعبي رئيس الهيئة العامّة لحماية المستهلك مرافقته في زيارة إلى معرض «ملامح من مسيرة عمان الحديثة» والمقام في القاعة المخصصة سابقاً لمجلس عمان، أدركت أن اللّحظة التي كنت أنتظرها قد حانت أو اقترب أوانها، وأنّ دعوة كهذه لم تأت من فراغ وأنا الذي أعلم مدى شغف واهتمام سعادته الكبير بالمجالات الأدبية والفنّيّة والإنسانية؛ وأنه لم يكن ليقدّم لي الدعوة لمرافقته ضمن مجموعة من زملاء العمل لولا يقينه بأننا سنرى شيئاً مختلفاً يليق بالذّائقة، ويضيف الكثير لمكنونات النّفس، لذا لم أتردّد لحظة في الموافقة، وظللت طوال الطريق أفكّر فيما سأراه، وهل سيحنو عليّ القدر بلقائه أم لا! وهل سأتجرّأ وأطرح عليه شيئاً من أسئلة كانت مؤجّلة لسنوات طويلة أم أن الرهبة ستكون هي العنوان!

عند وصولنا إلى قاعة العرض كان الانبهار هو الملمح الأوّل الذي ارتسم على وجهي وأنا أطالع أمامي أكثر من 700 صورة للمقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه– ترصد مسيرة النهضة المباركة، والدور الكبير الرائد لمولانا المفدّى في بناء هذا البلد الغالي من أقصاه إلى أقصاه، وإنجازات جلالته الكبيرة التي شملت ربوع هذا الوطن العزيز والتي ما زالت مستمرة حتى لحظتنا هذه كديمة تأبى فراق السّماء.

وبينما كان رفاقي مشغولين بمطالعة الصور والاستماع إلى الشرح المتعلّق بها كنت أتلفّت يمنة ويسرة علّني ألمح الرجل الذي طالما حلمت بلقائه؛ وشعرت للوهلة الأولى بأن حلمي لن يتحقق، ذلك أنّنا انتهينا من رؤية اثنين من أجنحة المعرض دون ظهور لصاحبه، وخشيت أن يطول الانتظار وأن أرجع بخفّي حنين وحذائه إلى أن أسعدني القدر فجأة بقدومه وكأنه شعر بما تختلجه نفسي من رغبة ولهفة في اللّقاء، فما كان منّي إلا أن تركت مكاني في الخلف ومعها هواجسي وتخيّلاتي لأتقدم في جرأة إلى الأمام كي أقترب من الرّجل، وكي أتأمّله مليّاً، وكي أستمع إلى كلماته الهادئة التي كانت تخرج وكأنّها ابتسامة ودودة لا مجرّد كلمات متوالية.

وعلى الرغم من اللحظات القصيرة التي أمضيتها بالقرب منه، والتي مرّت سريعاً كما تمرّ كثير من الأشياء الجميلة في حياتنا إلا أنّني أدركت أنّ من يقف أمامي هو شخصيّة استثنائيّة متفرّدة في أشياء كثيرة، وأنّ لهفة اللقاء كانت في محلّها، فالرجل هو فنّان يعزف بعدسته، فما بالك لو امتزج هذا الفن مع معايشة شخصيّات عظيمة أجمع العالم على روعتها، وانسانيّتها، وتأثيرها، لذا كانت أوّل ملاحظة أرصدها (إن جاز لي ذلك) هي حالة الودّ العفويّ الصادق الذي يشعر به كلّ من يقترب منه بابتسامته الودودة، وتواضعه الجمّ فلا تصدّق أنّك تقف بجوار شخص قضى معظم حياته قريباً من اثنين من أبرز القادة العظام الذين أنجبتهم الأمّة العربيّة في سنواتها الأخيرة، ونهل من معين فكرهم، وراقب عن قرب كثيراً من سماتهم الإنسانيّة، وما تلبث رهبتك أن تزول ليحلّ محلّها شعور بأن هذا الرجل هو صديق قديم لا شخص تراه للمرة الأولى قبل بضعة دقائق!

الأمر الآخر الذي بهرني وأنا أستمع إلى شرحه الهادئ المتسلسل لملامح صوره هو ذاكرته القويّة التي لا تزال تحفظ كافّة تفاصيل صوره الكثيرة من أماكن وشخوص على الرغم من مرور سنوات كثيرة على التقاط بعضها، وعلى الرّغم من أنّ بعضها التقط في أماكن عابرة، ولشخوص قد لا تكرّر العدسة ملامحهم مرّة أخرى، ولكنّ الفنّان الكبير يحفظ كل تلك التفاصيل كما يحفظ ملامح كفّه، بل وينقل لك الكواليس المتعلّقة بالتقاط هذه الصورة أو تلك، ومناسبتها، وما ارتبط بها، وما دار في مسرحها!   

من الأشياء التي بهرتني كذلك هو حالة التسامح الجمّ التي تملأ الرجل، ووفاؤه الكبير للأشخاص الذين اقترب منهم في لحظة ما، أو التقى بهم أو عمل معهم يوماً من الأيّام، فعلى كثرة الأشخاص الذين احتوتهم لوحاته، وبعضهم قد غادر دنيانا، أو ترك وظيفته التي كان بها إلا أن الرجل كان يذكر كل منهم بالخير، ويحاول إظهار الجانب الجميل في شخصيّاتهم دون كلمة نقد أو حتّى ملحوظة بسيطة قد تصدر منه، وهي حالة وفاء نادرة قلّ أن تجد مثيلاً لها في وقتنا الحاضر، وهذا ليس بالغريب على من نشأ في بلاط المدرسة السلطانيّة، ونهل من معينها العذب!

ما أبهرني كذلك وأنا أتجوّل قريباً منه في أركان المعرض الذي وددت لو يطول رواقه، وتتناسخ أركانه كي يمتد اللقاء، براعته الكبيرة في انتقاء اللحظات المناسبة لالتقاط الصور، فهو لم يكن مجرد مصوّر بارع فقط، ولكنه كان فنّاناً حقيقيّاً يشعر بمدى تأثير الصورة في النفوس، بل يمكنني القول إنّ عينه تشبه العدسة، وأن الصورة تمرّ عنده بمرحلتين: العين المجرّدة التي تلتقط المشاهد الحيّة لتتخّزن في الذهن؛ ثم تتفاعل هذه الصورة المخزّنة مع وجدانه وأفكاره وانطباعاته لتخرج لنا بصورة جديدة، لذا يمكنك النظر إلى مجموعات صوره على أنها سرد بصريّ متواصل يغنيك عن تفاصيل الكلام؛ فكل لقطة بحكاية، وكل صورة برواية كاملة، وإذا كانت الصورة غالباً ما تعكس الشكل؛ فإن عدسة محمد مصطفى تدخل في ثنايا الشخصيّة لتلتقط الداخل؛ وتركز على الجوانب الإنسانيّة المرتبطة به.

إنّ لوحات محمد مصطفى هي مثال حقيقي للمواطنة في وقت نحن فيه أحوج ما نكون بحاجة إلى اللحمة والتقارب والتسامح، ويجب أن تلفّ على كلّ قرية ومدينة كي يشاهدها كل عمانيّ وغير عماني، بل وتلفّ عواصم العالم المختلفة كذلك، ففيها من دروس الإنسانيّة، والتسامح، والوفاء، واحترام الآخر ما يجنّبنا لو أخذنا ببعضها كثيراً من المصائب التي تحلّ كل يوم على رؤوس البعض في هذا العالم المترامي الأطراف نتيجة لتغليب مصالحهم الضيّقة على حساب مصالح وطن بأكمله، وفي طيّاتها دروس كثيرة لمعنى التضحية من أجل كيان يدعى الوطن، كيان تعب قائده وضحّى كثيراً كي يقيم كلّ ركن فيه، وكي تصل ثمار جهده إلى كلّ شبر يحتويه.

على مدار أربعة وأربعين عاماً متوالية كان محمد مصطفى شاهداً حقيقيّاً وقريباً على حالة من الحبّ المتبادل بين القائد وشعبه في وطن بني بالودّ، والتسامح، والثقة المتبادلة قبل أن يبنى بالطوب والحجر، ولعلّ أصدق شهادة أختم بها هذا المقال المتواضع ما كتبه الزميل عبد الله الشعيبي في جريدة الشبيبة في عددها الصادر بتاريخ 22 مايو 2013 "ما فعله محمد مصطفى، طوال الأعوام الـ 43 الفائتة، هو رسم خارطة بصرية صادقة وصريحة ومباشرة للتاريخ العماني، هي شهادة إن جاز وصفها، وبصمة إن جاز تأكيدها، تنفتح على المخيّلة لاستكمال المشهد البصري في الصور الفتوتوجرافية، وتتكيّف مع الذاكرة الباحثة عن أصول البناء والتحول في البيئة العمانية، سواء كان للعمانيين أنفسهم، أو للمقيمين، أو للزائرين، على حد سواء".

حكـاية هيئـة

قال لي: وهيئتكم تحتفل بمرور خمسة سنوات على انشائها إلا أن إنجازاتها مقارنة بعديد من المؤسسات الأخرى تعدّ باهرة وملفتة للنظر! فكيف تسنّى لكم خلال هذه المدّة التي قد يتحجّج البعض أنّها غير كافية لتقديم العطاء المناسب أن تحقّقوا كل هذه الإنجازات وأنتم الذين كانت بدايتكم بأربعة مكاتب، و22 موظفاً؟! إنّ ما اطّلعت عليه من انجازات أشعرني بالدهشة، والفخر، والاطمئنان في آن واحد، فهل يعقل أنّكم استطعتم خلال تلك الفترة الوجيزة أن تفتحوا 14 فرعاً موزّعة على المحافظات المختلفة، وأن تضبطوا ما يقارب من خمسة ملايين سلعة مخالفة ما بين المقلّدة، والمزوّرة، والمغشوشة، والمخالفة للمقاييس! وأن تحلّوا ما يقرب من سبعين ألف شكوى وبلاغ! وأن تستقطبوا حوالي أربعمائة ألف متابع لصفحاتكم المختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي! وأن تفوزوا بحوالي 13 جائزة محلّيّة، وعربيّة، واقليميّة، وعالميّة لدرجة أنّ منظّمة عالميّة كالمنظّمة العالميّة للمستهلكين التي تضمّ في عضويّتها أكثر من 220 منظّمة تعدّكم ضمن أكبر خمس انتصارات عالميّة! بل وكيف تسنّى لكم توقيع كل تلك الاتفاقيّات الخاصّة بالتفاهم، والشراكة، والتعاون مع العديد من المؤسسات في البلدان الخليجيّة، والعربيّة، والعالميّة! وأن تدشّنوا مراصد ومراكز كان المجتمع بحاجتها الماسّة كمرصد أسعار السلع، والموقع الالكترونيّ للاستدعاءات والتحذيرات! وكيف تمكّنتم من تعديل واصدار قانونين مهمّين كانا حديث الشارع لحين صدورهما ونحن الذين مازلنا نطالب بتحديث قوانين وتشريعات لم تعد مناسبة للظروف المجتمعيّة الحاليّة! بل وكيف استطعتم تحريك بوصلة الرأي العام تجاه قضاياكم الشهيرة التي واجهتم فيها قوى اقتصاديّة محلّيّة كبيرة، وتصدّيتم فيها لممارسات اقتصاديّة سلبيّة كانت لسنوات طويلة تهدّد صحّة وسلامة واقتصاد أفراد المجتمع! أيّة امكانات تلك التي تملكونها؟ وأيّ جيش بشريّ هذا الذي تملكونه لتحققوا كل ذلك!

قلت له: أمّا بالنسبة للنجاح فهذا ما ينبغي أن يحدث لا العكس، فالمؤسسات أنشأت لتنجز لا لتفشل أو تقصّر في أداء دورها ومهمّتها، لذا علينا استغراب الفشل لا النجاح، أمّا بالنسبة للإمكانات الهائلة التي تتحدّث عنها فقد تشعر بالاستغراب لو اطّلعت عليها من الناحية المادّيّة البحتة، فهل تعلم أن الميزانية السنوية للهيئة ربّما لا تتجاوز المبلغ المرصود لبند التدريب في إحدى الوزارات، وأن معظم هذه الميزانية يذهب كرواتب ومصروفات جارية! وهل تعلم أن عدد الأخصائيين والمفتشين قد لا يزيدون عن 310 موظّفاً، وهو رقم لا يتناسب مع العدد الهائل والمتزايد من المحلات التجارية والتي يبلغ عددها مئات الآلاف على مساحات ممتدة في كل أرجاء الوطن! وهل تعلم أن الهيئة لا تمتلك أية مختبرات أو معامل بحثية يمكن الاستفادة منها في عمليات فحص السلع والبضائع والحكم على مدى صلاحيتها، أو كشف بعض العيوب التصنيعية في السلع المختلفة كالسيارات والأجهزة وغيرها! وهل تعلم أن هناك نقصاً في عدد الكوادر المتخصصة في المجالات الفنية كالهندسة والتغذية والقانون!

قال لي: إذاً ما السّر وراء كل ذلك النجاح! وأي خلطة سحرية تلك التي استخدمها مسئوليكم لتحقيق كل تلك الانجازات؟!

إذا سألت عن أسباب النجاح فابحث عن المسئول أوّلاً، فاذا وجدته يتّبع مبدأ التفويض في اتّخاذ القرار، ويعتمد الكفاءة كأساس الترقية الوظيفيّة بعيداً عن الإجراءات البيروقراطيّة المتّبعة، ويحرص على اكتشاف المهارات والقدرات الخاصّة بالموظّفين والاستفادة منها، ويخلق بيئة عمل اجتماعيّة مناسبة، وإذا وجدته يشارك موظّفيه العمل الذي يقومون به، سواء أكان عملاً ميدانياً أم مكتبيّاً، فتجده يرد على اتصال لأحد المشتكين، أو يحرّر خبراً صحفياً مع محرّر مبتدئ، أو يضع تصميماً لمطويّة توعويّة، وإذا وجدته يحفظ أسماء المنتسبين إلى المؤسسة أكثر من موظفي الموارد البشرية أنفسهم،  وإذا وجدته يلامس الواقع من خلال نزوله المتكرّر إلى الميدان فاعلم أن أبواب النجاح والعطاء في المؤسّسة قد تكون مشرّعة إلى أقصى حد لها.

نجحت الهيئة لأنها أدركت أهميّة توفير بيئة العمل المناسبة من حيث الاهتمام بتوفير المرافق التي قد تعين الموظّف على أداء مهمّته الوظيفيّة، وتوفّر له بيئة عمل مناسبة، فالموظف في الهيئة هو إنسان في المقام الأول، وما دمت تنشد منه الابداع والعطاء ودقّة الإنجاز فلابد أن توفّر له البيئة المثاليّة المناسبة التي تغنيه عن الرغبة في الحصول عليها في مكان آخر، لذا فقد حرص المسئول في الهيئة على الاهتمام بتصميم المبنى داخلياً وخارجياً كي يحقق بيئة عمل مناسبة تبتعد عن النمطيّة المكرّرة التي اعتادها البعض في كثير من مباني المؤسّسات الحكومية الأخرى، وتوفير قاعات للصلاة، والمطالعة، والأكل، بل ومراعاة أدقّ التفاصيل الصغيرة كديكورات المكاتب، وتشكيلة الألوان المختارة في طلاءها، ونوعيّة الأثاث، وتوزيع العبارات التشجيعيّة المحفّزة على الممرّات، وبالقرب من المصاعد وأماكن الانتظار، ربّما لاعتقاد المسئول أن سطراً واحداً من حكمة أو قول مأثور قد يغيّر أشياء كثيرة لدى موظف ما!

نجحت الهيئة لأنها لم تقف عند التحدّيات التي تواجهها بل حاولت التغلّب عليها، فتمكّنت من تطويع التكنولوجيا في تحقيق أهداف الهيئة، ومعالجة مشكلة نقص أعداد الموظّفين والأخصائيّين، فعلى سبيل المثال تمكّنت من توفير عدّة قنوات للتواصل مع الهيئة وتقديم البلاغات والشكاوى كمركز الاتصالات، وقاعات الشكاوى، والبوّابة الإلكترونيّة، وصفحات التواصل الاجتماعي، والبريد الالكتروني، وتغلّبت على نقص عدد المفتّشين وأخصائيّ الضبط من خلال استخدام العديد من الأجهزة والتطبيقات والبرامج كاستخدام الجهاز الكفّي (ميدان) في عمليات التفتيش على سبيل المثال، عدا مرصد أسعار السلع، والموقع الالكترونيّ للاستدعاءات والتحذيرات، وغيرها من البرامج التكنولوجيّة.

نجحت الهيئة لأنّها أدركت أهميّة الاستفادة من التجارب الخارجيّة لدول وأجهزة ومنظّمات كان لها السبق في مجال حماية المستهلك، وأهميّة الشراكات المجتمعيّة مع مؤسّسات علميّة رائدة في مجال الدراسات والبحوث ، فاستفادت من تجارب منظّمات دوليّة من مثل المنظّمة الدوليّة للمستهلكين، والشبكة الدوليّة لتطبيق حماية المستهلك، ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، وبنت شراكات مع مؤسّسات كجامعة السلطان قابوس، ومركز البحث العلمي، ومعهد الادارة العامة والهيئة العامة لتقنية المعلومات، ووقعت مذكّرات تفاهم مع مؤسسات مختلفة كالأمانة العامة لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية بجامعة الدول العربية، ووزارة الاقتصاد بدولة الإمارات، وجهاز حماية المستهلك المصري، ووزارة التجارة والصناعات التقليدية بالجمهورية التونسية.

نجحت الهيئة لأنها أدركت أهمّيّة المسئولية المجتمعية، والإيمان بالرسالة المنوطة التي تسبق الأداء الوظيفي، وأيقنت أن أهدافها لا تقتصر على الأهداف النمطيّة المتمثّلة في مجرّد الرقابة والتشريع وفرض المخالفات فقط، بل تتعدّاها إلى المسئوليّة والشراكة المجتمعيّة، والاهتمام بمنظومة القيم، فاتجهت إلى المجتمع منذ أوّل يوم لنشأتها وذلك من خلال السعي إلى دعم المبادرات المجتمعيّة التي آمنت برسالة الهيئة، واستجابت إلى تعاونها من خلال تشكيل فرق وجماعات أصدقاء المستهلك، ونفّذت حملات مجتمعيّة هدفت إلى حثّ الناس على التعاون والإحساس بالآخر كحملة (خير الناس أنفعهم للناس)، وقدّمت لصنّاع القرار العديد من الدراسات والمقترحات والتوصيات حول قضايا اقتصاديّة ومجتمعيّة قد لا يفكّر آخرون من ذوي الأدوار المشابهة تقديمها كمقترح انشاء الجمعيات التعاونيّة، ومقترح (غذّ نفسك)، وغيرها من المبادرات، والحملات، والمقترحات.

نجحت الهيئة لأنّها راهنت على المستهلك كخط دفاع أوّل، وكشريك لها في أداء عملها المجتمعيّ، فكان له من برامجها الإعلاميّة المختلفة نصيب الأسد، فاستطاعت بذلك الحدّ من كثير من الإشكاليات والممارسات الغير أخلاقية من قبل السوق تجاه المستهلكين، ونقل السوق إلى ممارسات مبنية على القوانين، وتغيير الصورة النمطية حول أن "المستهلك دائما هو المحتاج"، أو "المستهلك لا خيار له"، أو "المستهلك لا يوجد من يقوم بحمايته"، وتغيير الثقافة الاستهلاكية السلبية، ومحاولة تحويلها إلى ثقافة استهلاك رشيد فأصبح كثير من المستهلكين يعوا أهمّيّة وضع أولويات شراء محددة، وعدم الانسياق وراء الإعلانات المضللة، وأصبحوا أكثر حرصاً على حقوقهم المختلفة.

باختصار.. إن كنّا نسمّي ما حققته الهيئة خلال عمرها القصير نجاحاً فهذا لأنّها اهتمّت بالعمل خارج الصندوق دون الاكتفاء بما في داخله.