الثلاثاء، 25 مارس 2014

تنـاقضــات



(1)

اتّصل بالمدير كي يحجز له طاولة كبيرة في المطعم الفخم الذي اعتاد الذهاب إليه من حين لآخر، ثم هاتف زوجته كي تؤكّد على أبنائها أن يلبسوا الملابس الجديدة التي اشتراها لهم قبل يومين حيث سيمرّ عليهم بعد قليل كي يأخذهم لتناول وجبة الغداء في البوفيه المفتوح الذي يقيمه ذلك المطعم كلّ جمعه. في طريقه إلى البيت عبث في مؤشر الإذاعة فإذا بصوت طفلة سوريّة تصيح بصوت عال  كفيل بتحطيم قلب أعتى القساة " قتلوا إخوااااتي ".

اضطرب قليلاً، وسرت جسمه بعض الرّعشة، وظهرت أمامه شاشة وهمية تحوي مشاهد لأطفال عصرهم البرد والجوع والألم وفقدان الأهل.

 ما لبث أن تخلّص من كلّ هذا بتغيير مؤشر القناة.

(2)

ملأ عربتي الشراء بالبضائع والسّلع المتنوّعة، ولم ينس أن يلحقهما ببعض من علب المكسّرات والشكولاتة الفاخرة لزوم تسلية الوقت في السيّارة، كما لم ينس أن يحضر لابنته الصغيرة الذرة الصفراء التي تحبّها. في طريقه إلى السيارة طلب من أحد العمّال البسطاء أن يعاونه في حمل العربتين ووضع المشتريات في السيّارة، فهي من الكثرة بحيث لا يستطيع حملها أو تفريغها لوحده.

بحث في جيبه المتخم عن مبلغ يعطيه لهذا العامل الذي كان يحاول في صعوبة رفع أحد الصناديق إلى السيارة فلم يجد عملة أصغر من الريال ممّا اضطرّه للذهاب إلى أقرب محلّ كي يصرفه لنصفين، ثم عاد ليعطي العامل أحدهما وهو يحدّث نفسه إن كان يستحقّ كل ذلك المبلغ أم لا.

أخذ العامل الورقة النقديّة ووضعها على رأسه ثمّ قبّلها شاكراً ربّه على نعمته.

(3)

كان على موعد مع مجموعة من زملاء العمل التطوّعيّ لتأسيس مبادرة اجتماعيّة جديدة تهدف إلى حثّ المقتدرين على التبرع لبناء المؤسسات الخيرية الدينيّة والاجتماعيّة. هو ناشط في هذا المجال، وله العديد من المقالات والكتابات التي تدعو المجتمع إلى التكافل والتراحم والشعور بالآخر.

في طريقه إلى "الكافيه" الفخم الذي يقع في أحد ضواحي العاصمة الراقية حيث موعده مع الزملاء، وحيث اعتاد أن يكتب مقاله الأسبوعي، كعادته كل يوم حانت منه التفاتة إلى اللافتة البلاستيكيّة الضخمة التي تواجه مدخل منزله والتي تحثّ الناس على التبرّع "ولو بريال" لبناء المسجد الجامع ومدرسة القرآن الملحقة به في الحيّ الجديد الذي يسكنه والذي لم تكتمل بنيته التحتيّة بعد.

فتح الصندوق الملحق بالسيارة والذي تعوّد أن يضع فيه بعض (الفكّة) وبقايا المبالغ المسترجعة من المحلات القريبة فوجده عامراً بالكثير من الريالات والأنصاص. تردّد قليلاً ثمّ أكمل مسيره نحو الكافيه.

(4)

اليوم هو موعد نزول راتبه الذي تضاعف خلال السنتين الأخيرتين ووصل إلى رقم لم يكن ليحلم به . اليوم سيفعلها كما كان يمنّي نفسه بذلك منذ فترة طويلة مع بداية كل شهر ثم يتراجع لأسباب مختلفة.

في كل مرة يذهب فيها إلى (البلد) كانت تطالعه صورة جارهم الفقير الذي توفي والده العامل الأعمى البسيط وترك له (دستة) من الإخوان والأخوات مما اضطرّه إلى ترك المدرسة والعمل في نفس وظيفة والده البسيطة برغم أنّه لم يتجاوز العشرين بعد، بدشداشته الزرقاء التي كادت أن تتحول إلى اللون الأسود، والإنهاك الواضح على محيّاه.

يذهب إلى ماكينة الصرف الآلي، هذه خمسين قيمة لحم الوليمة التي وعدت الشباب به، وهذه ثلاثين لتلميع السيارة، وهذه عشرين لشراء الكمّة التي رأيتها بالأمس، وهذه عشـ..، لا، عشرة مبلغ كبير بعدين الراتب ما بيبقى فيه شيء، هذه خمسة ريالات لجارنا فلان.

يذهب إلى بيت جاره ظهراً حيث الناس في حارته يتناولون غدائهم مبكّراً، يطرق الباب مرة وثانية وثالثة في تلاحق مستمر برغم أن أصوات المكيّفات، وفناء البيت الواسع كعادة البيوت في مثل تلك الحارات القديمة كاف بأن لا يسمعه أحد.

يعود من حيث أتى وهو يشعر بنشوة غريبة ويحدّث نفسه: الحمد لله. سوّيت اللي عليّ.

(5)

يجلسان في المقهى (الشيك) الذي يتوسط ردهة أحد المجمّعات التجاريّة، كان كل منهما في كامل أبّهته كعادتهم في كل مساء حيث يلتقون، الكمّة المتناسقة مع لون الم دشداشة وفصّ الخاتم الفضّي وحزام الساعة الثمينة، واللحية الخفيفة المهذّبة بعناية.

كان حديثهم يدور حول الصفقة الأخيرة التي قاموا بها صباح اليوم عندما تمكنوا من بيع أرض تجارية في موقع مهم، كان نصيبهم من عمولتها رقماً أمامه ثلاثة أصفار، وهي العمليّة الثالثة لهم في ظرف أسبوع واحد.

تحدثوا عن مشاريعهم القادمة، وتذكروا وضعهم قبل سنتين عندما كانوا لا يملكون سوى الراتب البسيط في إحدى الشركات الخاصة قبل أن تجرّهم يد القدر إلى العمل في مجال السمسرة العقاريّة، فاتح أحدهم الآخر في رغبته بتغيير سيارته الفخمة التي اشتراها قبل بضعة أشهر، وتحدّث الثاني عن (التوين فيلّا) الثالثة التي يفكر في بنائها.

 تحدثوا عن  كل شيئ الا....الزكاة التي نسوا دفعها.

 

د. محمّد بن حمد العريمي

Mh.oraimi@hotmail.com

الثلاثاء، 11 مارس 2014

أحبوا وطنكم

كان سؤالاً غريباً ذلك الذي وجّهته إلي ابنتي (سالمة) ذات الخمس سنوات وهي منكبّة على مطالعة شيء ما في غرفتها: أبويه (أبي بلهجة أهل صور وجعلان)، شي هناك قصّة في المعرض عن سالمه؟ ابويه اشتريها لي.

اقتربت منها فأدركت السّبب في سؤالها، ذلك أنها كانت تطالع بشغف تلك المجموعة القصصيّة (أحب وطني)، للمؤلّفة زينب بنت محمد الغريبية، بألوانها الصفراء والحمراء الزاهية، وتصميمها الجميل، وبطلتها شيخة، والتي اشتريتها لها كختام جميل لزيارتي إلى معرض مسقط الدولي للكتاب والذي رحل قبل أيّام على أمل العودة بعد عام من الآن.

المجموعة (لمن لم يطّلع عليها بعد) تتكوّن من ثمانية كتيّبات تحوي قصصاً تناقش قضايا مجتمعيّة مهمّة ، أتى الأوّل بعنوان (أحبّ عمان)، وذلك من خلال قصّة تعرض بشكل مبسّط للطفل بعض الحقوق والواجبات المتعلّقة به من خلال غرس بعض المفاهيم المهمّة كالوطن، والأسرة، والنظام، والتعليم، والبيئة، والأمن، وغيرها، بينما ركّز الكتيّب الثاني على إكساب الطفل ثقافة مروريّة سليمة، ومراعاة قواعد المرور، فيما اهتم كتيّب (حديقتي الجميلة) بغرس قيم المحافظة على البيئة والمرافق العامّة، وأن يتعلّم الطفل كيف يكون مواطناً مسئولاً، وأن يتّبع السلوك الحضاري في تعاملاته المختلفة، وجاء الكتيّب الرابع ليبرز قيمة العمل وأهميّته في بناء الوطن، ولكي يسهم في توجيه الطفل نحو اختيار مهنة مستقبليّة تناسب ميوله ورغباته، وفي نفس الوقت يحترم كافّة المهن الأخرى وعدم الاستخفاف بها مهما كانت نوعيّتها وقيمتها.

فيما أتى كتيّب (شيخة والسلحفاة) ليكسب الطفل قيماً مهمّة تتعلّق بالرفق بالحيوان، وأهميّة التعاون بين أبناء الفريق الواحد، وتقديم المساعدة للآخرين، مع إبراز المعلومات السياحيّة المتعلّقة بالمحميّات الطبيعيّة بالسلطنة والهدف من إنشائها، بينما هدف الكتيّب السادس إلى إكساب الطفل ثقافة الترشيد والاقتصاد في استهلاك الماء والكهرباء، وضرورة المحافظة على الموارد الطبيعيّة المختلفة، واهتم الكتيّب السابع (ليلى والنّخلة) بتعريف الطفل بألوان علم بلده وشعارها ومعانيها ودلالاتها، بينما اختتمت السلسلة بكتيّب (كلّنا إخوة) والذي هدف إلى غرس قيمة التسامح الدينيّ عند الأطفال، وتوجيههم نحو تقبّل الآخر، واحترام جميع البشر وعدم التمييز بينهم لسبب ديني أو عرقي أو طائفي.

وأنا أتصفّح المجموعة شدّتني أشياء كثيرة جعلتني أقف احتراماً وتقديراً وامتناناً لمعدّتها برغم معرفتي المسبقة بإمكاناتها الفكريّة والتربويّة العالية، إلا أنني لم أتوقع كلّ هذا الاتقان والجودة لأسباب لا تتعلق بإمكانات المعدّة بقدر ما تتعلق بعوامل وظروف أخرى لا مجال لذكرها هنا.

اختارت المعدّة أسلوب القصّة وهو أسلوب تربوي كان له دور كبير في تربية أجيال كثيرة من خلال حكاوي الجدّات والأمّهات التي نشأنا وتربّينا عليها، والتي ما زلنا نحفظ كثير من القيم المرتبطة بها، وكأنّ المعدّة توجّه رسالة خفيّة للأمّهات بأن يعدن إلى ممارسة الدور التربوي الذي كان، وأن غرف الأطفال المختار أثاثها وأصباغ جدرانها بعناية، والألعاب الثمينة المتناثرة في أركان هذه الغرف، والملابس الغالية المشتراة من أرقى المحلات، وركن الألعاب في المجمّعات الفخمة، والمربّيات المجلوبات من بلدان ترطن الانجليزية لا تكفي لوحدها لإحداث التغيير الفكري والقيمي المطلوب مالم يصحبها اهتمام حقيقي ومسئول من قبل الأسرة أولاً .

شدّني في المجموعة كذلك حسن اختيار القضايا وتنوعها، وارتباطها بالقضايا المجتمعيّة المطروحة حالياً على الساحة المحلّيّة، فقصّة (اللهم احفظني على الطريق) تأتي في وقت تبحث فيه الجهات المختصّة عن السبل التي من شأنها الحدّ من الحوادث المروريّة التي أصبحت خطراً يهدّد تركيبة المجتمع لا يقل أثره عن الحروب الفتّاكة والأمراض المستعصية، كما أن قصّة ( أحبّ أن أعمل) تأتي كسند لكثير من المطالبات المجتمعيّة بغرس ثقافة العمل لدى جيل المستقبل في ظل (تغوّل) فئة وافدة أصبح عشم التخلّص من سطوتها كـعشم ابليس في الجنّة، وبالتالي فلا حل سوى بإعداد جيل مستقبلي يدرك جيداً أهميّة العمل الحر أو اليدوي ، وإن مقولة (إن فاتك الميري اتمرّغ بترابه) التي ترى في الوظيفة الحكومية وسيلة أمان وظيفي سهلة ومضمونة ليست دائماً هي الحلّ الأنجع لتحقيق الأمنيات المستقبليّة وظيفياً وحياتياً، وقس على ذلك بقيّة القصص التي تناقش أهميّة الحفاظ على الممتلكات العامّة، وترشيد الاستهلاك في ظل مجتمع يعاني من ثقافة استهلاك سلبيّة تؤثر كثيراً على أمنه الغذائي والصحيّ، بل ووضعه الاقتصادي كذلك.

أعجبني كذلك حسن اختيار عناوين القصص، فعنوان كـ ( اللهم احفظني على الطريق)، و(أحب أن أعمل)، و(كلّنا إخوة) على سبيل المثال هي عناوين تقترب من الطفل، وتخاطب فيه الدافع الوجداني، مما تجعله يتقبّلها ويتأثر بالدروس والقيم التي احتوتها.
شدّني في السلسلة كذلك جرأتها في الطّرح، ووضوحها في سبيل الوصول إلى الهدف المنشود منها بطريقة مباشرة دون مواربة أو تمييع للمعنى، فقصّة (كلّنا إخوة) تتحدّث عن مجموعة من الطلاب في صفّ دراسيّ معين يؤدّون صلاتهم كلّ حسب مذهبه في تسامح ليس بالمستغرب في بلد لم يعرف طوال تاريخه أيّة حروب مذهبيّة، وهي ثقافة يحتاج لها المجتمع في وقت أصبح (البعض) فيه يعتقد أنّ حرّيّة الفكر تعطيه الحق في ازدراء أفكار الآخرين دون مبالاة بما يمكن أن يحدثه ذلك من تأثير على نسيج المجتمع المتماسك.

بهرني في المجموعة اختيار اسم الشخصيّة الرئيسة للقصص الثمان وهي (شيخة) بزيّها العماني الأصيل، وهو اسم وزيّ يرمزان إلى الأصالة الجميلة في ظل تهافت البعض على اختيار أسماء غربية وشرقيّة غريبة عن مجتمعنا، وملابس تتواكب مع آخر صيحات الموضة، لمجرّد أنّه يعتقد أنّ في تمسّكنا بأسماء وزيّ كهذا نوع من الرّجعيّة، وكأن الأسماء والأزياء الحديثة هي من ستجعل أطفالنا يتقنون فنّ الاتيكيت، ويأكلون بالشوكة والسّكّين، بل وقد يتمكّنون من حل لغز النظريّة النسبيّة. ما زلت أحلم بعودة الخيّاطة العمانيّة إلى الساحة مرة أخرى.

تأتي هذه المجموعة في زمن تعاني فيه كثير من القيم المجتمعيّة من تحدّيات كثيرة في ظلّ تسارع معلوماتي وحياتيّ رهيب، وضعف قدرة المؤسسات التربوية والإعلامية والمجتمعيّة على كبح جماح هذه التحدّيات لأسباب كثيرة لعل من بينها مدى وجود الرغبة (الحقيقية) لذلك، وانعدام الاستراتيجيات المشتركة للجهات التي يهمّها أمر هذه الفئات العمريّة، فكل يعمل على هواه، وكلّ لا يبالي إن كانت برامجه ناجعة أم لا، تتشابه مع برامج الآخرين أم لا، فالأهم هو التقرير الختامي الذي (يبري الذمّة)، ويظهر انجازات المؤسسة (الكبيرة) في هذا المجال، بغضّ النظر عن تحقق الهدف المنشود من عدمه.
إن وجود مجموعة عمانيّة كهذه في معرض الكتاب الأخير أعاد لي الأمل في وجود أدب راق وهادف للطفل في ظل شحّ هذا النوع من الأدب في مجتمعنا، واعتمادنا على كتابات مستوردة أعدّت لأطفال آخرين في بيئات أخرى قد  لا تتوافق فكرياً مع مجتمعنا ، كما أنّ وجودها كذلك خفّف لديّ كثيراً من المرارة التي أحملها، والحنق الذي ينتابني وأنا أرى أموال الدولة تهدر أحياناً على طباعة دواوين وقصص من عيّنة ( آهات نملة متصابية)، و(الأرق المتململ)، و(شخبطة ورقة) بداعي تشجيع الإبداع والمبدعين، وكأن الإبداع يقتصر فقط على أمثال هذه الكتابات في مجتمع تعاني فيه أغلب قراه من عدم وجود أكشاك لبيع الصحف، وتفتقر فيه معظم مدنه إلى المؤسسات الثقافية الأولية المتمثلة في المكتبات العمومية، وبيوت الثقافة، وما يرتبط بها من مسارح ، وقاعات مطالعة، وغيرها من المرافق التي ينبغي أن يكون وجودها ضمن أولويات البنية الأساسية التي لا يجوز النقاش حول توفيرها.

ترى هل سيحرص أولياء الأمور على اقتناء مجموعة كهذه، وهل ستتبنّى المؤسسات الثقافية والتربويّة الرّسميّة والخاصّة هذه المجموعة من خلال المناهج والمكتبات التابعة لهذه المؤسسات، أو دعم طباعة سلاسل تالية، وهل سنرى بعض قصصها وشخصياتها تتحول إلى مسلسلات كارتونية، وهل ستفكر مؤسسات أخرى في الاستعانة بمعدّة المجموعة كي تعدّ قصصاً مماثلة تدعم رغبة هذه المؤسسات في ايصال رسالتها التوعوية والتثقيفية إلى شريحة مجتمعية مهمّة ألا وهي المستهلك الصغير.. وهل وهل وهل؟ أسئلة أترك إجاباتها للمستقبل القريب.

تحيّة للداعم الكريم علي مال حبيب الذي اعتدنا منه الوقوف وراء كثير من الأعمال الفكريّة والمجتمعيّة التي تصب في مصلحة الوطن، ولا غرابة في ذلك فهو نجل المثقف الكبير مال الله علي حبيب. تحيّة لزينب الغريبية معدّة هذه المجموعة والتي تحدّت كثيراً من الظروف، وسخّرت امكاناتها وخبراتها المتوالية في عمل رائع كهذا، وتحيّة ثالثة للصديق الدكتور سيف المعمري مستشار المجموعة الذي حمل على عاتقه قضية المواطنة كرسالة آمن بها وعمل من أجلها الكثير لدرجة اعتقادي من شدّة اشفاقي عليه وأنا القريب منه والذي عايشت جهوده المتوالية في هذا المجال أنه.. (يؤذن في مالطا).

د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

الأربعاء، 5 مارس 2014

مشاهد وتساؤلات 13


مشاهد وتساؤلات (13)

 

(1)

بعد أن تجاوز عددهم حاجز المليون ونصف، وبعد أن بلغت نسبتهم حوالي 40% من عدد السكان بالسلطنة، أشار معالي وزير القوى العاملة في خبر صحفيّ نشرته الرؤية مؤخراً إلى وجود (توجّه) لدى الحكومة  للحد من أعداد الوافدين العاملين في القطاع الخاص، من خلال عدد من التدابير التي ستعمل الوزارة على تنفيذها في المرحلة المقبلة.

لم يوضّح لنا معاليه أيّ نوع من العمالة الوافدة تلك التي ستستهدفها تدابير الوزارة، وهل ستوجّه هذه التدابير نحو أصحاب الشوارب الكثّة الذين باتوا يتحكّمون في مفاصل الاقتصاد المحلّي المختلفة، ولم يتركوا قطاعاً لم يطرقوا بابه، ولم تفلت من أيديهم سوى بضعة حرف تقليدية مازالت تقاوم توغّلهم، ولن يكون مستغرباً أن  يطوونها تحت أجنحتهم مستقبلاً، أم ستكون (الرّهوة على المربوطة) وتكون العمالة الوافدة البسيطة هي ضحيّة هذه التدابير القادمة؟

(2)

الأفاضل المسئولين عن تنظيم معرض الكتاب: خالص الشكر والتقدير لجهودكم، فقط لدي اقتراح: أليس من الأجدى أن تخصصوا كافة المعرض للنساء والطلاب مادامت كل الأيام قد تم حجز الفترة الصباحية لهم باستثناء يومين أو ثلاثة فقط؟

 ماذا لو حضر شخص ما من ظفار او مسندم أو الدقم لعمل في مسقط في الفترة الصباحية وأراد أن يعرج على المعرض للزيارة وفوجئ بأن الدخول مقصور على فئة النساء أو طلاب وطالبات المدارس، ماذا يفعل، وهل سيتم منعه من الدخول، وهل يفترض فيه أن يكون حافظاً لجدول الزيارات،  وهل سيتم تخصيص ولو يوم واحد للرجال فقط في الفترة المسائية؟

 أفهم أن أمراً  كهذا قد يحدث في مناسبة خاصة أو معرضاً خيرياً أو متعلقا بمؤسسة بعينها،  ولكن أن يحدث أمر كهذا في معرض تجاري بحت فهذا أمر لم أستطع استيعابه؟ هناك دور نشر أتت من آخر العالم ودفعت مبالغ طائلة، فما ذنبهم أن يتم حرمانهم من جمهور كبير، ما ذنب دور النشر المتخصصة في الكتب الفكرية والثقافية  والفلسفيّة والتاريخيّة عندما يرون أن معظم زوّار الفترة الصباحيّة من الأطفال والطلاب والنساء؟ وهل نحن فعلاً بحاجة لأوقات مخصصة للنساء فقط مادامت النساء أصبحت تزاحم الرجال في كل شبر وكل موقع، ومادامت النساء كذلك يشكلن نسبة كبيرة من رواد المعرض في الفترة المسائية.

قد يقول البعض: ولكن يمكنك أن تأتي في الفترة الصباحيّة ولن يمنعك أحد خاصة في الأيام المخصّصة للطلاب. ما دام الأمر كذلك، فلماذا التخصيص من أساسه؟ ولماذا يتم تعويدنا على عدم الالتزام بمواعيد الزيارة الموضوعة لمجرد أن الأمر أصبح عادة، و ما جدواها إن لم نكن لنطبّقها أو نمشي عليها.

(3)

فوضى مرورية وعبث تنظيمي رهيب شهدته شوارع العامرات قبل بضعة أيّام، فرغماً عن عدم وجود شوارع رئيسية تربط العامرات بالدوّار المؤدي إلى عقبة بوشر للقادمين من المناطق السكنيّة الجديدة بالولاية، وهي المناطق التي تضم أغلب سكان العامرات، الا أن القائمين على العمل البلدي لم يجدوا وقتا لإغلاق الطريق الفرعي المليء بكاسرات السرعة  بهدف مدّ (كيبل) معيّن سوى في منتصف الاسبوع، وكأنّ القيام بهذا العمل في نهاية الاسبوع يعد رجساً من عمل الشيطان.

كان الأمر قاسياً بالنسبة لي وأنا أقطع المسافة من بيتي إلى الدوّار، والتي لا تزيد عن نصف كيلو في حوالي نصف ساعة، وكان المنظر كذلك مثيراً  للشفقة وأنت تشاهد السيارات المتدفّقة من كل صوب وهي تبحث عن (خرم) تصل منه إلى الشارع، وهو منظر يذكّرني بالهيستيريا التي تصيب البعض عند فرارهم من مجذوم مرّ بالقرب منهم أو من نار تكاد تلمس أجسادهم.

ألن ينتهي مسلسل شق بطون الشوارع من أجل مدّ كابلات  الكهرباء والمياه والهاتف بعد سنوات ضوئية من سكنى الناس في مناطق هي جزء من مخططات سكنية بالأساس، ثم ألا توجد دراسات ترفد المسئولين عن حجم الهجرة الداخلية ونسب تزايد السكان في أحياء مسقط كي يتواكب التخطيط مع هذه الطفرة؟ وهل ستظل العامرات تعيش على خدمات صمّمت لبضعة آلاف قبل أربعين عاماً بينما يكاد عدد سكّانها الحالي يشكّل حوالي نصف سكّان عمان؟

هل هناك من يستكثر على العامرات أن تتطوّر كبقيّة الولايات والأحياء التابعة لمسقط؟ أوليس من حقّ سكانها أن يحلمون بجزء من الخدمات التي تتوافر في لمح البصر بسيح خطط للتوّ في الخوض، أو تلّة رملية ببوشر، أو هضبة صخريّة  بأطراف السيب؟


(4)

حفاظاً على أرواح من تبقى من سكان جعلان، أطالب بإغلاق طريق الجوابي – وادي سال. قد ينقرض سكان الولاية إن ظلّ هذا الشارع لعشر سنوات قادمة. لا أطالب بإعادة تأهيله، فلقد أهّل قبل ذلك عشرين مرة، ولا أطالب بمحاسبة من صممه وأشرف على تنفيذه، فهذا حلم صعب المنال. فقط أطالب بإغلاقه.
قلت عن هذا الشارع أكثر من مرة أنه رصف على غير رغبة، فهو رقيق المشاعر لدرجة أن أية نسمة هواء، أو زخـﱠــة مطر بسيطة كافية لأن تقلبه رأساً على عقب، وهذا ما يحدث بالفعل.

ترى هل ستحاول الجهة المسئولة عن الشارع حفظ ما تبقى من ماء الوجه وإغلاقه، أم أنها ستكتفي بعمل معالجات سطحية هنا وهناك ما تلبث أن تعود لحالتها السابقة بعد أشهر من انتهاء العمل بها ما لم تعجّل رشّة مطر قريبة  بهذا الأمر.

 (5)

تعريف القهر: هو أن تقود سيارتك في أمان الله وأنت مستمتع بالجو الرائع، وتنظر للحياة بتفاؤل، وتفكر في أحلام مستقبليّة تنوي تحقيقها، وفجأة تشعر بوهج أبيض يكاد يعمي عينيك فتكتشف أن راداراً قريباً قد (ضبطك)  مع أن سرعة المركبة لم تتجاوز حاجز  80كم، ومع أن الطريق سريع ذو ثلاث حارات، كما حدث لي قبل أيام على طريق وادي عدي-العامرات، وكما يحدث لي مرات عديدة في الطريق الواصل بين عقبة بوشر وجراند مول .

لديّ 7مخالفات خلال ستة أشهر معظمها تتعلق بمخالفات رادار في سرعة 80 كم،  بينما خلال عشرة سنوات سابقة لم تسجل علي سوى مخالفة رادار واحدة. ترى هل أنا من تغير للأسوأ أم ماذا؟

لست ضد استخدام الرادار، وأرى أنه من الوسائل المهمّة للحدّ من حوادث السير التي أصبحت من أهم أسباب الوفاة لدينا، وهناك شرائح شبابية لا تقدّر حق الآخرين في استخدام الطريق، ولكن في نفس الوقت أنادي بالتطبيق الأمثل لهذه الرادارات بحيث تحقق الأهداف المنشودة من استخدامها، وأرى أنه ليس من العيب أن يتم مراجعة عمل بعض هذه الرادارات، فمستخدم الطريق ليس رجلاً آلياً ينبغي أن يعرف كل صغيرة  وكبيرة عن قوانين المرور والسرعات المقدّرة، كما أن من يستخدم طريقاً سريعاً كطريق صور – مسقط مثلاً، وهو طريق يحتوي على حوالي 100 رادار ثابت، ليس بالضرورة أن يكون ملاكاً من السماء فيلتزم حرفياً بكل سرعة مقررة في مكان كل رادار، أو يعرف أن في هذا المكان تكون السرعة كذا، بينما بعد كيلو واحد تتغير السرعة إلى كذا، ثم تصبح كذا في الكيلو الثالث وهكذا.. لو فعل كل سائق كذا لانتحر نصف من يستخدم هذا الطريق، ولمات البقية أو أصيبوا من جراء انشغالهم بحفظ السرعة المقررة عند كل رادار. كما أنني لا أجد سبباً مقنعاً لأن تقدر السرعة بحوالي80 كيلو أو أقل في شوارع مزدوجة مفتوحة  لا تطل على أماكن سكنية، أو تشتمل على مناطق عبور مشاة أو تقاطعات، بحجة أن اللجنة المشكّلة من عدّة جهات ارتأت تقدير السرعة بهذا الرقم أو ذاك.