الأربعاء، 29 أكتوبر 2014

تساؤلات حول الدعم.. وأشياء اخرى

بين الفينة والأخرى تطلّ علينا تصريحات حكوميّة من هنا وهناك برفع الدعم جزئيّاً عن الطاقة بسبب انخفاض أسعار النفط، وأنّ خطوة كهذه يمكن تطبيقها بحلول العام الميلادي القادم.

كمواطن بسيط لا يفقه الكثير في القضايا الاقتصاديّة لا يوجد لديّ أدنى اعتراض على قيام الحكومة برفع الدعم كلّيّاً كان أم جزئي ما دام هذا الأمر يصبّ في المصلحة العامّة للبلد، ويحقّق لها الاستقرار المنشود. ولكنّي (كمواطن) كذلك يحقّ لي أن أطرح التساؤلات الآتية، والتي طرحها غيري من خلال سلسلة من المقالات والتغريدات التي تناقش النقاط ذاتها، من منطلق الاطمئنان على وضع بلدي الاقتصادي كونه يؤثّر بشدّة على بقيّة الأوضاع، وللإطمئنان كذلك على وضعي المعيشي المستقبلي، ولعلّني سأبدأ بالتساؤل البديهيّ التالي: إلى متى سنعيش تحت هاجس الخوف من انخفاض أسعار النفط أو معدّلات  انتاجه في أيّ لحظة، ونظلّ نتابع كلّ صبح وعشيّة أسعار النفط في الأسواق العالميّة كي نتأكّد أنّنا ما زلنا بخير، وأنّه لم يحن بعد التفكير في التقاعد والبحث عن أيّة وظيفة أخرى في القطاع الخاص خوفاً من تأثّر رواتبنا جرّاء أيّ انخفاض يطرأ على سعر البرميل!!

ومادامت الحكومة تعلم جيّداً أنّ الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل قد يجعل استقرار البلد الاقتصادي تحت رحمة هذا المصدر والتقلّبات التي تطرأ عليه، فلماذا لا تبحث عن مصادر دخل أخرى تردفه وتعزّزه، ونحن البلد التي تمتاز بمقوّمات مهمّة ليس أقلّها الاستقرار السياسي، ولا السواحل الطويلة، ولا التنوّع الجغرافي والمناخي والثقافي والسّياحي الهائل، وأين هي استثماراتنا في مجالات مهمّة كالزراعة والسيّاحة والصناعات البتروكيماويّة وغيرها! بل أين هي رؤية (عمان 2020) بكلّ المشاريع والخطط التي تضمّنتها، ولماذا لم نصل بعد إلى تنويع مصادر الدخل برغم مرور حوالي 19 عاماً على اعتماد تلك الرؤية!

تساؤل آخر يتعلّق بالشّركات والمصانع العاملة في البلد وبعضها غير مملوك للحكومة: ماذا عن دعم الطّاقة المخصّص لهذه الشركات!! هل سيتم رفع جزء منه أم لا! وهل أحصل أنا كمواطن على أسعار مناسبة للمنتجات والخدمات التي أشتريها أو تقدّم لي من بعض هذه الشركات نتيجة للدّعم الذي قدّمته الحكومة لها بحجّة تشجيعها ودعم الاستثمار وخلافه! وفي المقابل بماذا تسهم هذه الشركات في الإقتصاد الوطني!

وهل يعقل مثلاً أن تعطي الحكومة أحدهم قطعة أرض لاستثمارها سياحيّاً وتقدّم له الدّعم الكامل من أسعار طاقة مخفّضة، ورسوم انتفاع بسيطة ..ألخ بحجّة أنّه مواطن صالح يسعى لتشجيع اقتصاد بلده، وأنّ مشروعه سيسهم في فتح بيوت لعدد من المواطنين، ثم أفاجأ كمواطن أن هذا المشروع لم يقدّم لي كمواطن من الأساس، بل يستهدف السيّاح الأجانب، وأنّ أسعار الخدمات من غرف، ومأكولات وغيرها مبالغ فيها بشكل خرافي، مّما يضطرّني للمكوث في عراء أحد الأودية أو السواحل، أو انفاق (تحويشة) العام في دولة أخرى برغم كلّ السّلبيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والفكريّة التي قد تنتج عن خطوة كهذه!

تساؤل ثالث : عندما تصرّح الحكومة من وقت لآخر بأنّها سترفع الدّعم أو خلافه من الخطوات التي ستقوم بها، فهل ترتكز على سند معيّن في تطبيق خطوات كهذه، هل تكون هذه القرارات نتيجة مقترحات مرفوعة من قبل أعضاء المجالس البرلمانيّة بصفتهم ممثّلين للشعب والأدرى بأوضاعهم وتطلّعاتهم، وكونهم  يفترض أن يمارسوا الدور الرقابي على أداء الحكومة في مختلف المجالات! وهل تكون كذلك نتيجة توصيات دراسات وأبحاث واستطلاعات رأي قامت بها مراكز بحثيّة مستقلّة أو تابعة لمجلس الوزراء مهمّتها دعم اصدار القرار الحكومي بعد دراسة تأثيراته المختلفة، وردود فعل المجتمع تجاهها، أم إنها هي صاحبة القرار الأوّل والأخير!!

تساؤل رابع: لو اضطررت أنا (أو غيري) إلى بيع سيّارتي فيما لو تمّ تطبيق قرار رفع الدّعم بسبب عدم  القدرة على تحمّل أعباء ماليّة إضافيّة من جرّاء ارتفاع أسعار الوقود، خاصّة وأنّ مشاويري العمليّة والعائليّة كثيرة، والمسافات متباعدة، فهل ستضمن لي الحكومة وسيلة مواصلات مناسبة تقلّني إلى عملي أو بيتي أو مدينتي البعيدة في نهاية كلّ أسبوع! وهل لدينا من الأساس شبكة مواصلات متكاملة تبدأ من مترو الأنفاق وتنتهي بالقطار مروراً بمواصلات النّقل الجماعي المختلفة من ميكرو وميني وسوبر باص! بل أين هي شركة النقل الوطني التي تملكها الحكومة، وهل صحيح أنّها تحقّق خسائر سنويّة!!

أوليس من الأجدر بالحكومة قبل الحديث عن أيّة توجّهات تخص أيّ قطاع أن توفّر البدائل المناسبة لكل شريحة اجتماعيّة معيّنة سواء كان الحديث عن قطاع الإسكان أم المواصلات أم السياحة أم التعليم أم الصّحّة أم غيرها، أم أنّنا نفترض دائماً أنّ الشعب عبارة عن طبقة اجتماعيّة واحدة لا تؤثّر عليها المتغيّرات الاجتماعيّة والاقتصاديّة المختلفة!!

تساؤل خامس: كيف يمكن للحكومة أن تحقّق العدالة في موضوع رفع الدّعم في ظل التباين الواضح المتعلّق باقتناء المواطنين لوسائل النّقل المختلفة، من حيث حجمها وسعتها اللتريّة، وعدم اقتناء البعض من الأساس لأيّ وسيلة نقل؟ وماذا عن المتقاعدين، أو صغار الموظّفين، أو العاملين في القطاع الخاص، أو الذين لا يعملون من الأساس ويملكون وسيلة نقل خاصّة بهم. وهل ستقوم الحكومة مثلاً بتقديم دعم مادّي محدّد لشرائح اقتصاديّة معيّنة لمساعدتهم على تحمّل تبعات رفع الدعم ما لو تم تطبيقه!

تساؤل عاشر: معظم سيّارات الدّفع الرباعي والتي تستهلك طاقة أكثر من غيرها في البلد تملكها الحكومة سواء كانت سيّارات مسئولين أو سيّارات خدمات، فهل سيتم رفع الدّعم عنها أسوة بغيرها! وماذا كذلك عن دعم الطاقة الكهربائيّة الذي تمتص كثيراً من المباني الحكوميّة الفخمة جزءاً منه!

تساؤلي قبل الأخير: ماذا عن أسعار السلع والمنتجات أساسيّة كانت أم كماليّة والتي بلا شك سترتفع كقاعدة اقتصاديّة ثابتة؟ وقتها سيكون ارتفاع كلفة الإنتاج بسبب رفع الدعم عن الطّاقة (لو حدث بالفعل) هو الشّمّاعة التي ستعلّق على مدخل كل محلّ وشركة، حتّى لو لم يكن هذا هو السّبب الحقيقي والفعلي. ماذا عن التطمينات التي ستقدّمها الحكومة في هذا الجانب، وهل سيتزامن رفع الدّعم مع اصدار حزمة قوانين وتشريعات يمكن أن تحدث التوازن المطلوب! وهل ستعزّز قدرات هيئة حماية المستهلك وسيتم دعمها بالوسائل التي يمكن أن تعينها على التحدّي المستقبلي الهائل خاصّة في مجالات الرّقابة والتوعية، أم أن الأمر ليس في الحسبان من الأساس!!

ما سبق هي بضعة تساؤلات يمكن أن يطرحها أيّ مواطن مهموم بهذه القضيّة ويخشى تبعاتها على مستواه المعيشي، فهل لدى المختصين أيّة أجوبة بشأنها!!

 

الثلاثاء، 21 أكتوبر 2014

(ابحث عن العمانيّة)


د.محمد بن حمد العريمي

أعرف أنّ مقالاً كهذا قد يدخلني عشّ الدّبابير، ويثير عليّ عاصفة من السّخط، وسيل من الإتّهامات بالرّجعيّة والانغلاق، وتهميش دور المرأة العمانيّة، والتقليل من الإنجازات (العظيمة) التي قامت بها.

أمّا الحكاية يا إخوان فهي حالة (الإسهال) التي أصيبت بها بعض وسائل الإعلام المحلّيّة وهي تحتفل بيوم المرأة العمانيّة ودورها في المجتمع، فهذه مجلّة قد وضعت على غلافها مربّعاً يضمّ عشرين شخصيّة نسائيّة عمانيّة وتحتها كتب بالخطّ العريض (شكراً لك)، وكأنّه لا نساء أخريات في الوطن يستحقّنّ الشكر كذلك! وتلك شركة قامت بنشر إعلان يتضمّن فكرة مشابهة للسّابقة مع التركيز على عدد من موظّفات الشركة، بينما ركّزت تلك الصحيفة على كيفيّة تمكين المرأة من الوصول إلى المناصب العليا في الدّولة، وكأنّه هو المطلب الأساسي الذي معه سوف تحلّ كلّ قضايا المرأة وتحدّياتها!! وتحدّثت وسيلة إعلاميّة أخرى عن تطلّعات بعض النساء المستقبليّة (وأغلبهن من صاحبات الأعمال)، ولم ينسن أن يتوجّهن بالشكر لصناديق الدعم المختلفة على مساندتها لهنّ في مشوارهنّ العملي في مجال الأعمال والتجارة، وغيرها من التغطيات والتحقيقات المشابهة.

ومع كلّ تقديري واحترامي الكبيرين للأدوار التي قامت بها تلك الشخصيّات، ومع أن عدد منهنّ قد شققن طريقهنّ بمثابرة عالية متحدّيات لظروف قادرة على إحباط أعتى الرجال، ومع أنّ بعضهنّ يشغل وظائف غاية في الأهميّة لم يصلن إليها إلا من خلال مشوار طويل من الكفاح والصبر، إلا أن السؤال المطروح بناء على كثير ممّا أراه في وسائل اعلامنا حول تناولها لقضيّة المرأة العمانيّة : لماذا الإصرار على تصدير مشهد واحد للمرأة العمانيّة، ألا وهو مشهد المرأة المنفتحة الراقية الشيك التي يمكن أن تمارس كافّة الأنشطة، وكأنّنا نقول للعالم: أنظروا إلى أين وصلت المرأة العمانيّة! ولماذا تركّز أغلب أغلفة المجلات النسائيّة المحليّة على وضع صور للفتاة العمانيّة التي تلبس أغلى العبايات والشيل، وتضع على وجهها مساحيق تكفي لتلويث محيط بكامله، بينما تنساب خصلات شعرها على وجهها في تماوج عجيب! ولماذا تركّز أغلب المشاريع المدعومة على مصمّمات الأزياء، وصاحبات البوتيكات، ومراكز التصوير، وبيوت التجميل، ومعامل تنسيق الزهور، وكأنّ البلد خلت من مشاريع أكثر جدوى وأهميّة يمكن أن تقوم بها المرأة العمانيّة، وكأنّه كذلك لا يوجد خلف كل صحراء، أو وراء كلّ تلّة أو جبل فتاة أو امرأة عمانيّة تمارس أنشطة فتحت بيوتاً، وعاش من ريعها أجيال متعاقبة، مازلن ينتظرن من يقدّم لهن يد العون والدّعم حتّى ولو لم يكنّ من صاحبات الابتسامات الجذّابة، وحتى لو لم يكن يفقهن شيئاً في علم "ثقافة الروج".

بحثت كثيراً في تلك التغطيات عن وجه غابر لعجوز ذهب ماء عينها وهي تسهر على حياكة كمّة قد يعيل ريع بيعها أسرة ذهب عائلها إلى رحمة ربّه، بحثت كذلك عن وجه لا تبقّعه الألوان لمعلّمة أو ممرّضة أو طبيبة أو حتّى لامرأة لم تتلقّ الكثير من الشهادات، ولكنّها ما تزال محتفظة بقيم وعادات تشرّبتها من مبادئ دينها، وما غرسه فيها أب أو أمّ صالحة، وهاهي تغرسه في نفوس صغارها ليشبّوا أبناء صالحين لوطنهم، بارّين بأهلهم ومجتمعهم. بحثت عن خبر أو لقاء مع فتاة أدركت أنّ في القرآن نوراً وحياة فحفظت أجزاءه الثلاثين غير مبالية بعينها التي أحاطت بها هالات سواد من جرّاء القراءة والحفظ. بحثت عن خبر يخصّ معاقة لم تستسلم لعجزها فتحدّته بمزيد من التفاؤل والإصرار، بحثت عن مخترعة أو مبتكرة أو كاتبة لم تعرف وهج الفلاشات بعد. بحثت عن زينب ومريم وفاطمة وغيرهنّ من بنات البلد الحقيقيّات في مختلف المجالات فلم أجدهن... وقد لا أجدهنّ مستقبلاً كذلك.

عذراً.. لن تجدوا العمانيّة على أغلفة المجلات والصحف، ابحثوا عنها في القرى والبوادي والسيوح قبل أن تفتّشوا عنها في كبار المدن، ابحثوا عنها في غرف العمليّات ليلاً وهي تشارك في انقاذ روح ما كان لها أن تعيش لولا رحمة الله، وسهر أمثالها. ابحثوا عنها في أقاصي البلاد وهي تترك طفلاً رضيعا،ً وأمّاً مسنّة، وزوجاً شابّاً ربّما لم تكمل معه عيد زواجهما الأوّل بعد، بل تركت كلّ هؤلاء وذهبت هناك بعيداً كي تقوم بدورها كمعلّمة ومربّية أجيال، وغارسة مبادئ. ابحثوا عنها في المعامل ووسط أكوام الكتب. ابحثوا عنها في فرق العمل الخيريّة وهي تتطوّع لخدمة أسرة فقيرة، أو للاعتناء بيتيم، أو وهي تبيع مصاغها من أجل ستر فتاة في مثل سنّها. ابحثوا عنها في مراكز التوحّد ودور المعاقين، وهي تحاول جهدها كي تزرع بسمة مفقودة، وتنحت طريقاً من التفاؤل في قلوب من أغلق اليأس كثيراً من منافذ قلوبهم وعقولهم من جرّاء ابتعاد البعض الآخر عنهم واعتبارهم عالة على المجتمع.

ابحثوا عنها خلف أستار الخيام في صحراء قد لا يعرف الكثيرين اسمها وهي تشارك زوجاً عاجزاً أو مسنّاً في الاعتناء ببضعة قطعان من الغنم أو الإبل قد يكن ثمن بيعها كلّ موسم سبباً في جلب فرحة صادقة لأطفال لم تتوسّخ أيديهم بعد بكثير من أدران التطوّر التكنولوجيّ والحياتي. ابحثوا عنها في أماكن كثيرة في هذا الوطن قد يصعب عليكم إدراكها الآن، ولكنّه سيكون سهلاً يسيراً مالو توافرت الإرادة والرغبة لذلك.

المرأة العمانيّة ليست فقط الوزيرة أو الوكيلة، وليست فقط الشاعرة أو الأديبة أو الممثّلة، وليست كذلك صاحبة دار الأزياء أو محلّ التصوير أو مركز التجميل أو معمل تنسيق الورود، وليست أيضاً فقط لاعبة التنس أو الإبحار الشراعي أو غيرها من الألعاب المستحدثة. وليست فقط من ترتاد الفيس والتويتر والسينما وتشيليز ومقاهي الموج وجراند. المرأة العمانية ليست هؤلاء فقط، بل هي كذلك الأم الأميّة، والأرملة، والمعلّمة، والطّبيبة، وملاك الرّحمة، وراعية الغنم، والخيّاطة، والمحامية، وكلّ عمانيّة تعيش على أيّ شبر من هذا الوطن.

كما أنّ حقوق هذه المرأة لا تأتي فقط بتمكينها من المناصب العليا، أو فرضها في كلّ وظيفة أو مهمّة يقوم بها الرجل حتّى لو لم تتوافق مع طبيعتها وفطرتها، ولا تأت بالاحتفالات والأمسيات والبهرجة التي تتحوّل لعرض أزياء أكثر من كونها مناسبات فكريّة واجتماعيّة، ولا بالحديث فقط عن المساواة في كلّ شئ وتذكيرنا في كلّ لحظة بأن المرأة نصف المجتمع، وأنّها لابد أن تتساوى معه في كلّ شئ.

حقوق المرأة تأتي من خلال احترامها وتقدير ذاتها ودورها ومكانتها التي حفظتها لها الأديان والشرائع السماويّة. تأتي كذلك من خلال الحرص على تمكينها من نيل حقوقها الشرعيّة والفكريّة دون تهميش أو تعسّف أو فرض رأي، تأتي من خلال مناقشة القوانين المتعلّقة بها في كافّة المجالات، تأتي من خلال دعم دورها الاقتصادي الحقيقي كمنتجة، تأتي من خلال تذكيرها بأنّها أساس المجتمع، وأهمّ عنصر من عناصره، وأنّ الدور الأكبر في تربية الجيل وتنشئته يقع عليها في وقت أصبح حلم الزواج وتكوين أسرة صالحة متماسكة من أواخر الأولويّات التي تفكّر فيها كثير من بنات هذا الجيل.

باختصار.. المرأة شيئ ثمين ودرّة غالية فلنحافظ عليها دون تقييد أو انفتاح مبالغ فيه. فلتأخذ حقوقها كاملة، ولكن في ظلّ الحفاظ على مبادئ وقيم لن تتغيّر مهما تعاقبت السنين، وتغيّرت الأحوال. لتأخذ كافّة حقوقها ولكن دون المساس بتلك القيم مهما كانت الذرائع والحجج.

 

 

الأربعاء، 15 أكتوبر 2014

التمثيل المشرّف

لطالما سمعت هذه العبارة كثيراً وعلى مدى سنوات طويلة قبل كلّ مشاركة خارجيّة لأحد منتخباتنا أو أنديتنا في الألعاب المختلفة. وبرغم توالي السنوات، وتعاقب المشاركات إلا أنّنى لم أفهم حتّى الآن مغزى هذه العبارة أو المقصود منها، إلا إذا كنّا نعتبر المراكز الأخيرة وما قبلها تمثيلاً مشرّفاً في وقت يحاسب فيه الآخرون رياضييهم وقبلهم المسؤولين عن إعدادهم لو اكتفوا بالفضّة أو البرونز، أو خرجوا صدفة من بطولة ما، بينما نكتفي نحن بالإشادة بمستوى لاعبينا لأنّ اللاعب الفلاني قد كسر رقمه القياسيّ برغم حلوله في المركز الخامس عشر قبل الأخير، أو لأنّ اللاعب الآخر تجاوز الدور الأول لأوّل مرّة، ونتائج رياضيينا في دورة الألعاب الآسيويّة الأخيرة تشهد بذلك، فأقصى ما حقّقناه هو (كالعادة) تحقيق لأرقام شخصيّة دون أيّة مراكز متقدّمة، وقد تكون أفضل الإنجازات التي تغنّينا بها في هذه الدورة هو حصول منتخب اليد على المركز السادس!! أمّا الجولف فقد تألّق (هكذا كتبت الجريدة) وحقّق المركز السادس عشر، وبقيّة منتخباتنا الوطنيّة حقّقت خسائر بالجملة في مشاركتها!

والغريب أن منحنى الإنجازات لدينا يسير عكس الإتّجاه، فمحمّد المالكي الذي تابعناه بقلوبنا وهو يحقق الإنجاز تلو الآخر قبل حوالي ثلاثين عاماً لم يأت من يخلفه، ومنتخب القدم الأول بعد بطولة الخليج التاسعة عشرة يمشي للخلف دُر، ومنتخبات الأولمبي والشباب والناشئين التي حققت قبل سنوات متفاوتة إنجازات كبيرة على المستويات الإقليميّة والقاريّة أصبحت تخرج من الأدوار الأولى، وبعد حنظل الحارثي لم يظهر لاعب في الملاكمة، وقس على ذلك بقيّة الألعاب والمشاركات.

لِمِا سبق أجدني مضطرّاً لطرح السؤال الآتي: هل الميداليّات (القليلة) التي حقّقناها في بضع مسابقات كانت نتيجة تخطيط مسبق وقتها أم أنّها أتت بالبركة وبدعاء الوالدين، والأهم من ذلك: هل الرياضة لدينا بخير أم أنها تعاني من أزمة حقيقية، وهل نعتني بالرياضة لمجرد أن نسدّ خانة في بند الخطط الحكومية المختلفة أم لإيمان حقيقيّ بأهميّتها ودورها المجتمعي، ورغبة في صناعة البطل الرياضي الذي يمثل السلطنة في مختلف المحافل، ويكون سفيراً ايجابياً لها يجعل صدى اسمها يتكرر في آذان وأذهان المتابعين، وهل الأندية والاتحادات والمؤسسات الرياضية المختلفة تقوم بالدور المطلوب في هذا المجال أم أنها مخصصة للعبة أو اثنتين، ولعدد محدود من الأفراد!!

برأيي أنّ النتائج السلبيّة التي يحقّقها رياضيّونا في مختلف المجالات هي نتيجة حتميّة وطبيعيّة لمدى نظرتنا إلى الرياضة وترتيبها ضمن أولويّات الحياة المجتمعيّة، فلا أعتقد أنّ لدينا استراتيجيّة أو رؤية واضحة تجاهها، فلا أكاديميّات متخصّصة يمكن أن تصنع أبطالاً حقيقيّين، ولا دورا واضحا للأندية كذلك، فمن يطلع على أحوال كثير من الأندية لدينا يجد أن اهتمامها يكاد ينحصر في لعبات محددة، وعلى رأسها كرة القدم، أي أنّ الأندية تخدم عدداً محدوداً من المجتمع لا يتجاوز المائة شخص هم عداد أفراد الفرق الكروية بتلك الأندية، كما إنّ القاعات المخصصة لممارسة الأنشطة الرياضيّة إما غير موجودة من الأساس، أو مهملة، أو مخصصة كمخازن للأدوات الرياضية، كما إنّ مباني العديد من الأندية غير مصممة بشكل يتناسب وقيام النادي بدوره المنشود، فكثير من هذه المباني إما أنّها قديمة الإنشاء، أو صغيرة الحجم بما لا يتوافق مع الأنشطة التي ينبغي أن تمارس فيها، لذا فليس من الغريب أن نفقد العشرات من المواهب المتنوعة في مختلف المجالات بسبب ضعف دور الجهات التي ينبغي عليها البحث عن تلك المواهب واحتضانها وتأهيلها.
أضف إلى ذلك ضعف البنية التحتيّة والاهتمام (الخجول) بها، ففي كثير من الدول المتقدّمة رياضيّاً يأتي الأبطال من مدن وقرى صغيرة قد لا يكون لها وجود على خارطة ذلك البلد، أمّا نحن فما زالت عشرات المدن، ومئات القرى بلا ملاعب آدميّة لكرة القدم، ومازال البعض يستخدم الشواطئ أو مواقف السيّارات كمكان لممارسة نشاطه الكروي، وإن وجد المكان على استحياء فأين هم الكشّافون؟ أمّا بقيّة الألعاب فحدّث ولا حرج! ويمكن للمتتبّع أن يلحظ سيطرة أندية بعينها على مسابقات هذه الألعاب لأنّ الأندية الأخرى، وحتّى الفرق الأهليّة تفتقر إلى تلك المنشآت، وحتّى إن وجدت بضعة ملاعب ثلاثيّة في بعض الأندية فغالباً ما تحوّل إلى نشاط كرة القدم لأنّه لا ميزانيّات تستوعب توفير مدرّبين أو أخصائيين في تلك الألعاب. ولي أن أسرد مثالاً واحداً على سبيل المثال لا الحصر، فبرغم السواحل الطويلة التي تتميّز بها السلطنة، ووقوع الكثير من المدن والقرى على تلك الشواطئ إلا أنّه يندر أن تجد سبّاحاً يمثّل المنتخبات الوطنيّة من تلك المناطق عدا بعض مناطق العاصمة، فهل يعقل ألا تجود تلك الشواطئ برياضيّ واحد في هذا المجال وهم الذين رضعوا حبّ تلك الهواية منذ نعومة أظافرهم؟!

وقد يقول لك البعض إنّ هناك أنشطة كثيرة تنفّذها الجهات المختصّة بهذه الأنشطة في الصيف، وأنّ هناك مسابقات متعدّدة تجرى طوال أيّام السنة فلماذا كلّ هذا التشاؤم؟ والرد على هذا الرأي هو أنّه ينبغي قبل أن تطرح هذه المسابقات فالمفترض أن يكون لها وجود حقيقي، وممارسة واسعة، وبنية تحتيّة ملموسة، لا أن أطرحها لمجرّد رغبة البعض في الحصول على مبالغ ماليّة قد تضاف لبند فريق الكرة بالنادي، أو بحثاً عن جوائز بسيطة هنا وهناك.

إنّ دولاً كثيرة قد أولت الرياضة اهتماماً حقيقيّاً لإدراكها للدور الكبير الذي تحققه في تكوين وصقل شخصية الفرد، وكذلك في التعريف بالبلد في مختلف المجالات، ولنا في دول أوروبّا الشرقيّة، وشرق آسيا، وأمريكا الوسطى، وكوبا وغيرها المثل الواضح على ذلك، فهذه الدول وبرغم ظروفها المادّيّة التي قد تكون أسوأ عنّا في كثير منها إلا أنّها ونتيجة للتخطيط السليم، وبناء قاعدة رياضيّة متينة، قد تفوّقت وحجزت مكاناً دائماً لها على منصّات البطولات، فالرياضي لديهم يهيّأ منذ نعومة أظافره من خلال أكاديميّات رياضيّة متخصّصة، واستراتيجيّات طويلة المدى، ومن خلال خطّ زمني واضح، بحيث يمكن أن تتنبّأ بالانجازات التي يمكن أن يحقّقها مستقبلاً.

إنّ المبالغ التي صرفت وستصرف على المشاركات الخارجيّة تكفي لإنشاء بنية تحتيّة رياضيّة نستطيع من خلالها صقل وتخريج أفضل المواهب الرياضيّة في مختلف المجالات، وستمكّننا من المنافسة المشرّفة مع دول العالم المختلفة، وقبل هذا وذاك تتيح للفرد منّا ممارسة هواياته وأنشطته المحبّبة، وقضاء وقت مفيد بعيداً عن المقاهي التي أدمنّاها نتيجة غياب هذه المؤسسات وغيرها من المؤسسات الفكريّة والاجتماعيّة.

كما إنّ الاهتمام بهذا المجال لا يقع على كاهل مؤسّسة بعينها فقط، بل يحتاج أولاً إلى قرار سياسي، ثم عمل تكاملي تشترك فيه مؤسسات مختلفة كالتربية بمناهجها وأنشطتها وملاعب وقاعات مدارسها المجهّزة، ومسؤولي العمل البلدي حكوميّين كانوا أم متطوّعين بايجاد مساحات لممارسة الأنشطة الرياضيّة المختلفة في كلّ حيّ وقرية وحارة، والصحّة ببرامجها التوعويّة في هذا المجال، والشئون الرياضيّة كجهة مشرفة ومسؤولة عن وضع استراتيجيّات طويلة المدى تشمل خططاً ومنشئات ومراكز صقل وتأهيل بالتعاون مع المختصّين من أكاديميين ورياضيين سابقين والجهات سابقة الذكر.

وقديماً قالوا: "العقل السليم في الجسم السليم".

الأربعاء، 1 أكتوبر 2014

رؤيتي لمستقبل العمل البلدي

"برشيد" مدينة مغربيّة متوسّطة الحجم تبعد عن الدار البيضاء بـحوالي 30كم، تتميّز بتربتها الزراعيّة الخصبة التي جعلت منها إحدى أكبر مدن الإنتاج الزراعي في المغرب نتيجة لامتدادها فوق سهل الشاويّة المنبسط، وبكونها جسر عبور بين العديد من المدن كالدار البيضاء وسطات والجديدة ومرّاكش.

أمّا لماذا الحديث عن "برشيد"، وما علاقتها بعنوان المقال، فالأمر يعود إلى دعوة تلقيّتها لزيارة مجلس بلديّة المدينة، للتعرّف على الأنشطة والبرامج التي ينفّذها، والإطّلاع على تجربته في مجال العمل البلدي.

قبل وصولي إلى مبنى البلديّة ذو الثلاثة أدوار والذي كان يغصّ بالمراجعين من مختلف الشرائح المجتمعيّة في المدينة كنت أعتقد أن الزيارة تخصّ جهة حكوميّة كما هو الحال لدينا عند الحديث عن البلديّات الإقليميّة المختلفة التي تغطّي كافّة ولايات السلطنة، ولكن ومن خلال الحوار مع الأعضاء بعد ذلك عرفت أنّ المجلس البلدي في المدينة هو مجلس منتخب يمثّل كافّة أطياف المجتمع، وأنّه يمارس كافّة الصلاحيّات البلديّة دون أيّة تدخّل مباشر من قبل الحكومة وأن اختصاصاته تتضمّن الخدمات الإنشائية والعمرانية كتخطيط المدينة وتنظيم شوارعها وحاراتها، والإهتمام بالطرق الداخليّة، وإقامة المشاريع ذات المنفعة العامّة، كذلك يقوم المجلس بمهمّات صحية من قبيل أعمال التنظيف، وجمع النفايات والتخلص منها، وتأمين ذبح المواشي في ظروف صحية، ومراقبة المأكولات ومحلات بيع المواد الغذائية، إضافة إلى المهمّات الاجتماعية والثقافية والرياضية كدعم الأنشطة التي تقوم بها الجمعيات والنوادي لضمان استمرارها، وإيجاد البنيات والتجهيزات الضرورية لها، بمعنى أنّه يقوم محلّ الحكومة في تنفيذ برامج العمل البلديّة المختلفة، يعني بالعربي الفصيح لا وجود لوزارة بلديّات أو شئون بلديّة أو قرويّة أو غيرها من التسميات.

أثناء الحوار تذكرت حال ولايتي التي مازالت تعاني من تجمّعات البرك والمستنقعات المائية التي تملأ الشوارع والأحياء السكنية بعد كلّ رشّة مطر بسيطة، وافتقارها إلى المتنزّهات الطبيعيّة أو الصناعيّة، على الرغم من الإمكانات البيئية المتنوعة التي تشتمل عليها، تذكّرت "المكتبات العامّة" التي لا تزال مصطلحاً مستعصي الفهم على البعض في ظلّ الحديث عن الثورة المعرفيّة والتطوّرات الهائلة المتعلّقة بها، تذكّرت كذلك الكثير من المزارات التاريخيّة التي ما زال البعض منهمكاً حتّى الثّمالة في تشويهها أو تدميرها لحجج مختلفة أقلّها اللامبالاة، تذكّرت أيضاً ألوان بيوتنا المتنافرة القبيحة في ظل الحديث عن مخططات سكنية حديثة يفترض أن تنظم آلية البناء والتشييد فيها قوانين محددة تحافظ على الطابع المعماري الجمالي المحدد سلفاً، تذكّرت أبنائنا الذين ما زالوا يلجأون إلى مواقف السيارات وأرصفة الشوارع لممارسة نشاطهم الكرويّ في ظلّ عدم الإقتراب من زاوية التفكير في إنشاء ملاعب رياضيّة مهيّأة تحتضن مهاراتهم في ظلّ الحديث عن دور الأندية المفقود، تذكّرت ودياننا التي كانت يوماً ما غابات خضراء يانعة ينسيك النوم تحت ظلال أيّ شجرة من أشجارها كثيراً من الهموم الآنيّة والمستقبليّة، تذكرت حوال شواطئنا البكر التي تحوّلت إلى مزيج قبيح من كلّ ما لفظته البيئة. تذكّرت أشياء كثيرة كان يمكن ألا تكون كذلك لو وجدت عقول تعرف ماهيّة العمل البلديّ الحقيقي.

من محصّلة زيارتي خرجت بنتيجة واحدة ألا وهي : أنه لا يمكن للعمل البلدي أن يتطوّر معنا في ظل الفكر الذي نديره بها حاليّاً، وأنه ليس هناك من هو أقدر على تجديد دمائه من أبناء الولاية أو القرية أنفسهم، لذا فإن وجود مجلس بلدي منتخب في كل ولاية وقرية، يتوزعون على لجان مختلفة تشمل كثيراً من المناحي المجتمعية كاللجان الاجتماعية، والثقافية، والتربوية، والمالية، والبيئية، والتخطيط وغيرها، من شأنه أن يلقي حجراً كبيراً في بحيرة العمل البلدي الراكدة، ويساهم في تغيير كثير من المفاهيم المجتمعية المغلوطة أو المغيبة تجاه نوعية وآلية العمل البلدي، وبالتالي يحمل معه عملاً مجتمعياً يختلف عن سابقه، ويسهم في شمولية التنمية لكافة أرجاء تلك الولاية أو القرية.

وقد يقول البعض إنّ خطوة كهذه قد يكون لها مردود سلبيّ وذلك من خلال الإختيار الخاطئ للمرشّحين لعضويّة هذه المجالس نتيجة لا مبالاة البعض، أو لتأثير سطوة القبيلة أو المال، كما يحدث في كثير من الاستحقاقات الانتخابيّة لدينا، والرد على هذا الرأي هو أنّ هاجساً كهذا هو هاجس حقيقي وموجود على السّاحة المحلّيّة، ولكنّه لن يستمر طويلاً خاصّة إذا شعر المواطن بأن كثيراً من الخدمات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثقافيّة التي تهمّه قد يحدّدها اختياره للأعضاء المناسبين، وسيضطر حتماً لتغليب مصلحته العامّة على المصالح الفرديّة الضيّقة.

وحريّ عن القول إن تأثير اختيار أعضاء متطوّعين من ذوي الإمكانات والرغبة، الممتلكين لأدوات التواصل الإجتماعي، العارفين بهموم مدنهم وقراهم سيكون أجدى بكثير من دور موظّفين غالباً ما يرون في العمل البلدي مجرّد وظيفة يمارسونها خلال ساعات عمل محدّدة، ويتقاضون عنها أجراً معلوماً نهاية كلّ شهر، ويتحرّكون وفق خطط تتكرّر ذاتها كلّ عام بلا جدوى حقيقيّة بحيث يمكن أن تزور ولاية ما فتجدها نفسها كما كانت عليه خلال الأعوام السابقة عدا بعض المشاريع التي قد لا يكون للبلديّة دور مباشر في إقامتها.

كما أنّ خطوة كهذه قد تسهم في الارتقاء بالحياة السياسيّة بشكل عام وذلك من خلال حرص أبناء المجتمع على الإختيار المستقبلي المناسب للأعضاء الذين يمثّلونهم في كافّة الاستحقاقات المجتمعيّة المختلفة، لأنهم سيلمسون الفرق من خلال الخدمات التي ستقدّم، وسيشعرون بجدوى اختيارهم المناسب، وبالتالي سينعكس ذلك على اختيار أعضاء المجالس البرلمانيّة، وغيرها من المجالس المؤسّساتيّة الأخرى.

ومن شأن هذه الخطوة كذلك أن تقلّل كثيراً من الضغوطات والأعباء الملقاة على كاهل الحكومة، وتخفّف من حدوث أيّ احتقان مستقبلي بين الطرفين، ففي حالة حدوث أيّ تقصير مستقبلي في تقديم الخدمات المختلفة فإنّ اللوم سيقع على كاهل اعضاء المجالس التي قام المواطنون أنفسهم باختيارهم لا على عاتق الحكومة، وسيكون دور الحكومة في هذه الحالة هو الدعوة إلى إجراء انتخابات جديدة يكون فيها المواطن على قدر أعلى من المسئوليّة لاختيار أعضاء أكثر قدرة على إدارة العمل البلدي.
من الظلم والإجحاف بحق المجتمع أن نحصر العمل البلدي في القيام ببعض الأعمال الروتينية كمراقبة وتفتيش المحلات والمطاعم، ورصف بعض الطرق الداخلية، وإصدار تصاريح افتتاح المحلات التجارية المختلفة، والإشراف على المرادم وأماكن التخلص من النفايات، وملاحقة الحيوانات السائبة، فهذه نظرة قديمة تجاوزتها المجتمعات الحديثة منذ عقود.

إنّ العالم قد تجاوز الأعمال البلديّة السّابقة إلى أعمال وأنشطة أكثر شمولاً وتنوّعاً، كإنشاء المكتبات العامة، وإقامة المهرجانات والكرنفالات الشعبية المختلفة، ومعارض الكتاب، والاهتمام بجوانب الترفيه المختلفة، كإنشاء الحدائق العامة، وتحويل بعض الأماكن البيئية إلى متنزهات طبيعية أو أماكن تخييم، وتعزيز الجوانب السياحية، من خلال الاهتمام بالموروثات والشواهد التاريخية والثقافية للمدينة كالفنون المغناة، والحرف المختلفة، والمعالم الأثرية، والاستفادة من البيوت الأثرية القديمة بتحويلها إلى مزارات أو مؤسسات ثقافية وسياحية مختلفة، إضافة إلى الاهتمام بقضايا البيئة المختلفة، واقتراح وتنفيذ الحلول التي يمكن من خلالها أن تكون المدينة أكثر نظافة وأقل تلوثاً، وغير ذلك من الخدمات التي يصعب حصرها، والتي تدل على اهتمام بلدي حقيقي من جانب المعنيين بهذا الجانب.


د.محمد العريمي
mh.oraimi@hotmail.com