الجمعة، 30 ديسمبر 2011

نحو مجتمع أكثر تكافلاً


      جريدة الرؤية- الاثنين 26/12/2011م

كانت الساعة تشير إلى الخامسة عصراً عندما صادفت ذلك  المشهد المؤلم في حي ( الخوير ) الراقي بالعاصمة مسقط. كنت على وشك ركوب سيارتي بعدما أنهيت زيارة قمت بها إلى إحدى المؤسسات التي يقع مقرها في المنطقة عندما لمحتها. امرأة عمانية  تشير ملامح سنها إلى منتصف الأربعينات من العمر. كانت تفتش في بعض الأكياس السوداء المكدسة في  مجمع قمامة كبير يجاور بناية سكنية فخمة تحتل واجهتها لافتات لعدد من المحلات والمطاعم الراقية، بينما ابنتها ذات العشر سنوات تراقبها عن قرب.

ظللت مرتبكاً لدقائق أتأمل المشهد قبل أن أقترب منها كي أسألها عن الأسباب التي دفعتها لفعل ذلك وأنا أدعو الله في سري ألا تكون الأسباب هي ذاتها التي جالت بخاطري. ردت علي بلهجة محلية مفادها أنها تقوم بجمع بعض (المعدن) كي تبيعه على تجار الخردة ، قلت لها: ألا تخشين أن يراك أحد وأنت تقومين بفتح أكياس القمامة كيساً بعد كيس؟ أشارت بيدها إلى ابنتها وقالت: إذا لم أفعل ذلك فمن أين ستعيش هذه البنت وإخوتها الأربعة؟ تجرأت أكثر وسألتها: أين زوجك؟  أجابتني وهي تواصل ما بدأت القيام به بعبارة معناها: دعني في حالي، فلا يعرف الحال إلا صاحب الحال، ما أقوم به أفضل ألف مرة من أن أقف متسولة على قارعة طريق.

تركتها ولسان حالي يقول هل يمكن لامرأة في مثل هذا السن، وفي مجتمع محافظ أن تقوم بما قامت به دون سبب وجيه؟ ألم تفكـــر ولو لمرة قبل أن تفكر في هذا العمل؟ وكيف ستكون ردة فعل ابنتها مستقبلاً تجاه ما رأته ؟

لا أسوق هذا المشهد كي أبدي حالة من التشاؤم والهلع تجاه مجتمعنا ومدى تكافله الاجتماعي، كما أن البعض قد يقول إن  حالة كهذه، أو حتى عدة حالات أخرى مشابهة، لا تعني الحكم السلبي على ترابط المجتمع ، فمازالت هناك كثير من أشكال التكافل والتواصل، ومازالت أعمال البر والخير تعم مجتمعنا من أقصاه لأقصاه، ومازال هناك كثير من الخيـرين الذي يقدمون أشكالاً من العون والمساعدة للمحتاجين  ـ

ولكن الإشارة إلى مشهد كهذا يعني أن ندق ناقوس الخطر تجاه ما يمكن أن يتعرض له هذا المجتمع مستقبلاً، خاصة ونحن نسمع عن حالات مشابهة هنا وهناك، ونرى بأم أعيننا حالات تسول تكثر كل يوم، ويقوم بها أفراد من أبناء المجتمع ، وتطالعنا وسائل إعلامنا المختلفة بقصص وإحصائيات مؤلمة  عن حالات مجتمعية تتعلق بالتفكك الأسري، أو العقوق العائلي، أو التسول، وغيرها من المظاهر الغريبة التي لم يعتادها المجتمع العماني.
نحن مجتمع عرف بتكافله وترابطه على مدى فترات طويلة من الزمن، على الرغم من حالة العوز والضيق الاقتصادي التي تأثر بها هذا المجتمع خاصة في فترة ما قبل النهضة، والتي لم تثن أفراده على أن يهتموا ببعضهم البعض، كما أننا كجيل قد عايشنا كثيراً من مظاهر هذا التكافل،  ومازالت ذاكرتنا تختزن العديد من القصص المتعلقة بمظاهره المختلفة، حيث لمسنا حرص أهالينا على إخراج  الزكاة وتوزيعها، واهتمامهم الكبير بزكاة الفطر ، كما شاركنا في توزيع  ثلث أضحية العيد الكبير على المحتاجين من الجيران والأقارب، وعايشنا في حاراتنا الصلة الشديدة التي كانت تربط الجيران ببعضهم البعض، والتي كانت تتجلى في مناسبات الأفراح والأتراح المختلفة، بحيث تكون الحارة أسرة واحدة تتكاتف جميعاً لمواجهة هذه المناسبات، وما يتبعها من التزامات مادية ومعنوية، كما اشتركنا في توزيع ما تجود به بيوتنا على البيوت المجاورة دون تمييز بين فقير وغني،  وسمعنا عن الكثير من القصص والروايات الخاصة ببعض المقتدرين الذين  كانوا يطرقون الأبواب ليلاً  ليضعوا بعض الأموال أو المواد الغذائية والملابس أمام أبواب بيوت الفقراء والمحتاجين.

كثير من هذه المظاهر الجميلة قد بدأ في التلاشي، فلم يعد الجار هو الجار، ولم تعد (سبلات) البيوت مفتوحة طوال الوقت للقاصي والداني كما كانت، ولم يعد رمضان والعيد وغيرها من المناسبات الدينية والاجتماعية كما عهدناها في صغرنا، وأصبحنا نسمع بين الحين والآخر عن قصص مؤلمة لأسر وأفراد ضاقت بهم الحياة ، ولم يجدوا فسحة أمل بها، نتيجة ضغوط حياتية واجتماعية لم يكن لها أن تحدث لو كانت هناك مسئولية مجتمعية مشتركة تجاههم من قبل بقية أفراد مجتمعهم.

وقد يقول قائل: ولكن آبائنا وأجدادنا لم يكن لديهم ما يشغلهم من أمور حياتية كثيرة، كما أن مجتمعهم كان محدوداً، لذا فلم يجدوا صعوبة في اهتمامهم ببعضهم البعض، بعكس ما نراه اليوم من تعقد العلاقات الاجتماعية، وتسارع نمط الحياة، وتحسن المستوى المعيشي وبالتالي عدم الحاجة للآخر، وكذلك وجود مؤسسات حكومية تعنى بأمر بعض الفئات التي هي بحاجة إلى اهتمام ورعاية.

برأيي أننا سنكون مخطئين إن اعتقدنا أن المبررات السابقة هي  مبررات حقيقية تجاه ما يحدث من شقوق حاصلة  في جدران العلاقات المجتمعية، فأجدادنا لم يهتموا بمظاهر التكافل إلا عندما أحسوا أنهم كمجتمع لن يستطيعوا العيش في أمان اجتماعي دون تفعيل مظاهره، ومبرر تحسن المستوى المعيشي والاقتصادي لا يمكن أن نعممه على كافة شرائح المجتمع، وحالة التسارع الاقتصادي الذي يعيشه مجتمعنا له ضريبته التي تعاني منها بعض هذه الشرائح، بل إن التغيرات المجتمعية المختلفة التي طرأت بسبب نمط حياتنا الجديد قد أدى لوجود حاجة ملحة للتكافل الاجتماعي ربما أكثر مما كان عليه سابقاً،  كما أن وجود جهات حكومية يقع على عاتقها الاهتمام بتقديم العون تجاه بعض الفئات لا يمكن أن يلغي دورنا كمجتمع  تجاههم، فخصوصية مجتمعنا الثقافية والاجتماعية المستوحاة من تعاليم الدين الحنيف، وقيمنا العربية الأصيلة تستوجب علينا أن نكون أكثر حرصاً على الآخر دون أن ننتظر دوراً حكومياً، أو تدخلاً لجمعيات حقوق إنسان كما يحدث في مجتمعات أخرى انشغلت بمادية الحضارة، ولهثت وراء ما يدعى بالتطور والتمدن، حتى استيقظت على مشاكل اجتماعية كثيرة أحدثت شروخاً  وتصدعات مســت واقعها الاجتماعي، فبدأت الآن في البحث عن حلول، بل إن بعضها قد لجأ لدراسة الإسلام علهم يجدوا في قيمه  ما يعيد لمجتمعاتهم كيانها وترابطها بعد عقود طويلة من التفسخ الاجتماعي.

نحن بحاجة إلى أن نكون أكثر قرباً من بعضنا البعض، كما علينا كذلك أن نطوع علمنا وتقدمنا تجاه التمسك بعاداتنا وقيمنا الأصيلة، وأن تكون منطلقاً ونبراساً نهتدي بها في وضع لبنات تجعل مجتمعنا أكثر تماسكاً، كي لا نصحو في يوم لنجد مثل هذه الحالات قنابل موقوتة تهدد تماسك المجتمع، فنظرة لواقع بعض المجتمعات الغارقة في المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تجعلنا نوقن أن بعد تلك المجتمعات عن قيمها، وتهميشها لبعض الفئات تحت مبرر المادية الحضارية قد جعل تلك الفئات المهمــشة  خطراً مجتمعياً وتحدياً يهدد المجتمع، بعد أن فقدت الإحساس بأهمية وجودها فيه، وحلت محلها نظرات الكره والحقد الاجتماعي.

إنني متفائل بكثير من الجهود المجتمعية والشبابية، وبخاصة في الدعوات التي نراها في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وفي الجمعيات التطوعية الاجتماعية التي تنشأ كل يوم، وكذلك في الجهود التي تبذلها بعض الجهات الحكومية، ولكن كل ذلك لوحده لن يكف ما لم يكن هاجس الإحساس بالآخر يسكن بداخل كل فرد منا، فلا يتطلب الأمر سوى مراجعة علاقتنا ببعضنا البعض، والحرص على استرجاع ما فقدناه في زحمة ما يدعى بالمدنية والحضارة.



د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com



الخميس، 29 ديسمبر 2011

مواقف حياتيــة (14)


جريدة عمان - الخميس 29/12/2011
هذه مواقف حياتية نصادفها يومياً.. نعرضها ليس من باب النقد، ولكن من أجل أن تكون الرؤية أكثر جمالاً ووضوحاً.
 (1)
كان العام الحالي عاماً استثنائياً بأحداثه المثيرة على الساحة المحلية والعربية والعالمية، فعلى الصعيد المحلي شهدت السلطنة حراكاً سياسياً نتج عنه العديد من القرارات المهمة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كتشكيل حكومة ضمت 12 وزيراً جديداً بينهم أعضاء من مجلس الشورى، و منح مجلس عُمان صلاحيات تشريعية ورقابية واسعة، واستقلالية جهاز الادعاء العام.
كما تم توفير 50 ألف فرصة عمل للعاطلين, مع منح مبلغ 150 ريالا عمانيا  شهريا لكل باحث عن عمل ، وزيادة المعاشات الشهرية للأسر المستفيدة من قانون الضمان الاجتماعي بنسبة 100%. وزيادة قيمة المستحقات التقاعدية لجميع الخاضعين لقانون معاشات ومكافآت ما بعد الخدمة لموظفي الحكومة العُمانيين ، كما تم رفع الحد الأدنى لأجور المواطنين العمانيين العاملين بالقطاع الخاص إلى مائتي ريال عماني،  ورفع المخصصات المالية الشهرية لطلبة الكليات والمعاهد والمراكز الحكومية التابعة لوزارة التعليم العالي ووزارة القوى العاملة، وإنشاء هيئة مستقلة لحماية المستهلك، وهيئة خاصة بمنطقة الدقم الصناعية، وهيئات أخرى في مجالات مختلفة.
أما على الصعيد العربي، فقد كان الربيع العربي هو العنوان الأهم  وما واكبه من أحداث مختلفة، حيث ثارت تونس وتبعتها مصر وليبيا واليمن وسوريا ، وانفصل جنوب السودان عن شماله، وشهدنا مداً إسلامياً على برلمانات تونس والمغرب ومصر، بالإضافة إلى أحداث أخرى لا تقل أهمية كمجاعة الصومال، وخروج القوات الأمريكية من العراق، وإبرام صفقة الأسرى بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
أما على الصعيد العالمي فيمكننا أن نختار العناوين الآتية كأبرز الأحداث، وهي تسونامي اليابان، ومقتل أسامه بن لادن، والزواج الملكي للأمير وليام حفيد ملكة بريطانيا، وأزمة ديون اليونان وما تبعتها من تأثيرات اقتصادية على منطقة اليورو، وحركة ( احتلوا وول ستريت )، وهجوم النرويج.
العام الحالي حبس أنفاسنا حتى اللحظة الأخيرة، ولا ندري ماذا سيحمل لنا العام الجديد من مفاجئات وأحداث. فقط نتمناه أن يكون عام خير وسلام.
 (2)
الخط الساحلي الممتد ما بين رأس الحد حتى جزيرة مصيرة، والذي يضم عشرات القرى والتجمعات السكانية التي يتراوح عدد سكانها ما بين (2000 – 5000 ) نسمة، يعاني من ضعف في بعض الخدمات الأساسية، كعدم توافر  خدمة الهاتف الثابت ( عدا نيابة الأشخرة )، وشبكة الإنترنت، وتأثر خطوط شبكة الكهرباء من حين لآخر، وعدم وجود مراكز شبابية أو ثقافية توفر الخدمات التوعوية والترفيهية لأبنائها، وكذلك إغلاق المجمعات الصحية الموجودة في بعض هذه القرى بعد الساعة التاسعة ليلا، بالرغم من أن أقرب مستشفى يبعد حوالي 40 كيلو متراً.
لماذا لا يتم إنشاء مستشفى مرجعي يقوم بخدمة سكان هذه القرى والتجمعات، بدلاً من تكبد عناء الذهاب إلى مستشفى بلاد بني بو علي، أو مستشفى صور المرجعي؟ وما مصير الحالات المرضية الحرجة؟ وكيف يمكن التصرف عند تأثر المنطقة ببعض الأنواء المناخية، وما يتبعها من انقطاع الطرق المؤدية إلى مراكز الولايات القريبة؟
تتميز هذه المنطقة باعتدال جوها طوال العام، ووفرة المنتوج السمكي، لذا فإن توافر خدمات البنية التحتية من شأنه أن يعزز فرص الاستثمار السياحي والاقتصادي بها.  
 (3)
بعد أن تم الاستغناء عن محطة توليد الكهرباء القديمة بمدينة صور، والتي تحولت إلى أرض فضاء ذات مساحة واسعة، وتتميز بموقعها المهم وسط المدينة.هل يمكن أن يتم استغلال هذه المساحة من خلال تحويلها إلى مساحات خضراء ذات مرافق متنوعة تكون متنفساً للعائلات، أو ملاعب رياضية مختلفة، توفر مكاناً يمارس فيه الشباب هواياتهم الرياضية بعيداً عن الشوارع الداخلية وساحات المواقف؟
(4)
"أنا كمواطن أريد أن أمارس الرياضة، وكذلك أولادي الذين لا يجدون المكان المناسب لذلك،  فأين نذهب"؟
سؤال وجــهه أحد المواطنين في برنامج إذاعي يومي، وقبله تكرر نفس السؤال عشرات المرات.
سؤال وجيه في ظل إصرار معظم الأندية على التركيز على كرة القدم كلعبة وحيدة، وفي ظل عدم وجود مراكز شبابية في المدن والقرى والحارات.
إن مبلغ الخمسين ألف الذي يقدم كدعم سنوي للأندية بإمكانه أن يسهم في إنشاء بنية رياضية تحتية،أكثر من مجرد إنفاقه في جلب مدرب أجنبي، أو بعض المحترفين الذين غالباً ما تكون مستوياتهم أقل من مستوى اللاعبين المحليين.
(5)
تعاني إدارات بعض الأندية من الممارسات الروتينية للمؤسسات الخدمية،  عند الرغبة في القيام بنشاط تجاري أو استثماري معين من شأنه أن يدر دخلاً يمكن استغلاله في الإنفاق على النادي وأنشطته المختلفة.
مبرر هذه الإدارات أن هذا النشاط هو نشاط خدمي تطوعي، وليس نشاطاً تجارياً بحتاً يخص عضواً معين، لذا فمن المهم أن تكون هناك تسهيلات تقدم لهذه الأنشطة، كالإعفاء من دفع بعض الرسوم  التي تستقطع أجزاء من المبالغ المخصصة لإقامة هذه الأنشطة، أو المرونة في تخليص المعاملات المتعلقة بها، وعدم معاملتهم كمعاملة المستثمرين أو أصحاب المشاريع التجارية البحتة.

 (6)
من جميل ما قاله الشاعر فتح الله بن عبد الله الشهير بـ ( ابن النحاس )في المدح:
بات ساجي الطرفِ والشوقُ يلحُّ
                                          والدجى إن يمضِ جنحٌ يأتِ جنحُ
وكـأن الشـوق بـابٌ للدجـى
                                         ما له خوفَ هجومِ الصبحِ فتـحُ
يقـدح النجـم لعينـي شـرراً
                                         ولزندِ الشوقِ في الأحشاءِ قـدحُ
لا تسل عن حال أرباب الهـوى
                                         يا ابن ودي ما لهذا الحالِ شرحُ
لستُ أشكو حرب جفني والكرى
                                         إن يكن بيني وبين الدمعِ صلـحُ
إنمـا حـال المحبيـن البـكـا
                                      أيُّ فضلٍ لسحـابٍ لا يسـحُّ ؟





د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com



الخميس، 22 ديسمبر 2011

مواقف حياتيــة (13)


جريدة عمان - الخميس 22/12/2011
هذه مواقف حياتية نصادفها يومياً.. نعرضها ليس من باب النقد، ولكن من أجل أن تكون الرؤية أكثر جمالاً ووضوحاً.
 (1)
في إحدى الفعاليات التربوية التي تناقش قضية التشاركية المجتمعية، وآلية تفعيلها ، كانت القاعة ممتلئة عن آخرها بحيث لا يمكن أن تجد موطئاً لقدم. كان الكثير من الحضور منصتاً ومتفاعلاً، وحماسياً في طرحه ومداخلاته ونقاشاته. وبمجرد انصراف راعي الحفل في منتصف الفعالية، انفضت القاعة عن بكرة أبيها تاركين مقدمي أوراق العمل وبعض المنظمين ، وعدد بسيط من الحضور الحقيقي الذي أتى للمشاركة الفعلية، والاستفادة من خلاصة تجارب وأفكار سهر معدو الأوراق ليال طيلة كي يقدمونها للحضور. 
فعلاً إنها قمة الشراكة المجتمعية.
(2)
يسألني ابني الذي يدرس في إحدى المدارس الخاصة، عن نوع من الحلويات يدعى (الأفضل)، سألته : كيف عرفتها، فأجابني بأنه رأى أكثر من زميل له بالصف (الخامس) يحضرونها للفصل.
المسكين لا يعلم أنها ليست نوعاً من الشيكولاته، بل هي سم مدمر للصحة والعقول، انتشر كثيراً في مدارسنا وحاراتنا دون رقيب أو وقفة جادة، وكثر تعاطيه بين عدد من الطلاب بحجة أنه لا يحوي على دخان، وبالتالي فهو غير ضار.
للزميل أحمد بن عبد الله الحسني تحقيق مهم في أحد أعداد جريدة عمان حول (التبغ غير المدخن)، أتمنى من القراء بشكل عام، وأولياء الأمور بشكل خاص الاطلاع عليه ، وذلك لأهمية المعلومات الواردة فيه. لن يكلف ذلك سوى كتابة العنوان في إحدى محركات البحث في شبكة المعلومات العالمية.
(3)
في باريس مدينة النور وعاصمة الأناقة يمكن أن تجد بعض النزل الفندقية الجيدة بأسعار تناسب ميزانيتك المتواضعة، وفي القاهرة ملتقى العرب والعالم يمكن لك أن تقضي ليلتك في (بنسيون)، أو فندق (شعبي)، أو (لوكانده) رخيصة، أو حتى استئجار شقة مؤثثة بسعر لن يرهق ميزانيتك المحدودة، وفي كثير من عواصم العالم ستجد التنوع الواضح في أماكن الإقامة للسائح أو الزائر من فنادق متعددة المستويات والأسعار، وبيوت شباب، وغيرها من النزل المختلفة.
أما في مسقط (العامرة) فالفنادق والشقق الفندقية إما أن حجوزاتها كامل العدد، وإما أن أسعارها تجعلك تفكر (1000) مرة قبل أن تتخذ قراراً بالمبيت فيها، ما لم يكن لك قريب أو صديق يسكن بها.
متى ستعود مسقط كما عهدتها قبل سنوات تعد على أصابع اليدين، عندما كان قضاء الإجازة بها متعة، بشوارعها الغير مزدحمة، وأسعارها المناسبة، وتخطيطها الهاديء.
(4)
تراه منكوش الشعر، (محزق) البنطلون، مكشوف الصدر، ولا مانع من وجود بعض السلاسل أو الأساور في معصم اليد، وحبذا لو صاحب المشهد سيارة رياضية ينبعث منها صوت موسيقى غربية صاخبة.
المشهد ليس مستوحىً من فيلم أجنبي، ولا من قصاصة مجلة أزياء غربية، بل هو لشباب عماني  يمكن أن تصادفه في مدرجات الكرة، أو شواطئ البحر، أو في المجمعات التجارية. شباب ربما لم يجد من يقول له إن مظاهر الرقي   و التمدن لا ترتبط دائماً بالتخلي عن العادات الأصيلة، وأن الزي العماني الأصيل ليس مقترناً بالتخلف ، وأن التحضر يرتبط بمدى قدرة الفرد منا على الإنجاز والنجاح في تكوين الشخصية الفاعلة التي تضيف للمجتمع، وتحافظ على مكتسباته ، وليس في محاكاة الآخرين.
لم يأت  اختيار أجدادنا لهذه الأزياء والملابس الأصيلة عن عبث أو مصادفة. أبسط ما يمكن قوله أنها تتناسب مع طبيعة البيئة المكانية التي نقطن بها، عدا عن أنها تتميز بالبساطة والاحتشام وعدم التكلف.
 (5)
برغم مرور السنوات، وارتفاع مستويات المعيشية،  فما زال بدل السكن الذي يقدم للموظفين غير العمانيين كما هو لم يتغير، وأصبح البعض منهم بين نارين، فإما أن يتشارك السكن  الحكومي مع زميل أو أكثر في غرفة واحدة قد لا تؤمن له الخصوصية الكافية، وإما أن يدفع نصف ما يتقاضاه من راتب كأجار لشقة صغيرة، أو بيت عربي قديم، وإما أن يقدم استقالته، لأن الغربة لم تعد مجدية له.
إن مبلغ (30) أو حتى (50) ريال، كبدل سكن، بالنسبة لموظف يعمل في وظيفة محترمة كالتدريس مثلاً ، يعتبر أمراً يدعو للضحك والاستغراب في نفس الوقت في وقت أصبحت هذه الأرقام لا تساوي أجر غرفة قديمة في حارة مظلمة.
لن نخسر شيئاً لو راجعنا بعض قوانيننا الإدارية والمالية المطبـــقة منذ سنوات، وقارناها بظروف اليوم، فلم يعد الزمان هو الزمان، ولا الأوضاع هي ذاتها.
 (6)
سنوات طويلة أمضاها المكرم الشيخ محمد بن حمد المسروري  في خدمة الأدب العماني كأديب وشاعر وباحث وراوية ومسئول.وما دواوينه الثلاثة (تغاريد) و( انتظار ) ، و( وشاح الفجر) ، وروايته ( ولد العجيلي)، وكتابه (الميدان مبنى ومغنى ومعنى)، أو مشاركاته المتعددة في كتابة نصوص كثير من المهرجانات الوطنية، ولجان تحكيم المسابقات الأدبية المتنوعة، وغيرها من الإنجازات، سوى جزء يسير من هذا التاريخ الحافل بالكثير من العطاءات المهمة له في الساحة الأدبية العمانية.
كما شهد (المنتدى الأدبي) خلال رئاسته له في الفترة الأخيرة نشاطاً أدبياً وفكرياً متنوعاً، وأصبحت هناك نقلة نوعية كبيرة فيما يتعلق بنوعية المسابقات والمكافآت المرتبطة بها، أشاد بها الكثير من المهتمين بهذا المجال.
 اختياره لعضوية مجلس الدولة تأتي تكريماً رمزياً للأدب العماني بشكل عام، وللأدب الشعبي  بشكل خاص، وتقديراً لعطاءاته  طوال تاريخه الأدبي الحافل.
كل التحية للمخلصين من أبناء هذا الوطن في مختلف المجالات.
(7)
من أعذب ما قاله أمير القصيدة العربية أحمد شوقي:
بـي مِثـلُ مـا بِـكِ يـا قُمـرِيَّـةَ الــوادي
                                           نادَيتُ لَيلي فَقومي فـي الدُجـى نـادي
وَأَرسِلـي الشَجـوَ أَسجـاعـاً مُفَصَّـلَـة 
                                              أَو رَدِّدي مِـن وَراءِ الأَيــكِ إِنـشـادي
لا تَكتُمي الوَجدَ فَالجُرحانِ مِن شَجَن
                                                وَلا الصَـبـابَـةَ فَالـدَمـعـانِ مِــــن وادِ
 كـم هـاج مبكـاكِ مـن مَجـروحِ أفئـدةٍ
                                                    تحـت الظـلامِ , ومـن مَقـروح أكـبـادِ
تلفّـتَ الــروضُ لـمّـا صـحـتِ هاتـفـةً
                                                         كـمــا تـلـفّـتـت الـركـبــانُ بـالـحــادي

د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com


الأحد، 18 ديسمبر 2011

زامر الحي .. متى يطرب؟؟


    جريدة الرؤية - 19/12/2011م
 كثيراً ما أسمع من بعض زملائي وأصدقائي المجيدين في عدد من المجالات الإبداعية، نبرات عتب ، وآهات ألم  تتعلق بعدم مساواتهم بأقرانهم من خارج السلطنة، والذين يشتركون معهم في بعض الفعاليات المحلية المختلفة، سواء من حيث الحفاوة في الاستقبال، أو التغطية الإعلامية، أو حتى المكافآت المادية المتعلقة بالمشاركة، برغم أن بعض هذه الأسماء الخارجية هي أسماء عادية الإمكانات، أو أنها لا تتميز كثيراً عن الأسماء المحلية.

وشكا لي عدد من الحرفيين والرواة والباحثين والمهتمين بقضايا الفلكلور  والثقافة المحلية، من ضعف الاهتمام المادي والمعنوي الذي يجدونه من قبل المؤسسات الثقافية والإعلامية المحلية، مقارنة بما يجدونه من حفاوة واهتمام من قبل مؤسسات شبيهة خارجية،  بالرغم من المخزون الفكري والثقافي المتنوع الذي يملكونه، وبالرغم من كونهم يحفظون كثيراً من تراث البلد وتاريخه، والذي قد يذهب جانباً مهماً منه بذهابهم.

وحدثني أكثر من صديق عن معاناتهم مع بعض المؤسسات التعليمية العليا بالسلطنة في رفض طلبهم للالتحاق بالكادر التدريسي أو الإداري بتلك المؤسسات ، بالرغم من التأهيل الدراسي العالي الذي حصلوا عليه، وبالرغم من وجود كوادر وافدة أخذت فرصتها الكافية في العمل بهذه المؤسسات، وحان الوقت لكي نقول لهم شكراً جزيلاً، بل إن بعضهم يحمل مؤهلات دراسية أقل من التي يحملها ابن البلد.

وباح لي صديق آخر بأنه فوجئ بأحد زملاء دراسته في مرحلة الدكتوراه قد أتي به خبيراً في الوزارة التي يعمل بها، بينما ما يزال هو موظفاً بسيطاً، بالرغم من أن هذا الخبير كان زميلاً له في نفس التخصص، وبالرغم من أن موضوع الأطروحة التي تقدم بها هذا الصديق كانت أكثر ارتباطاً بطبيعة الوظيفة التي أحضر عليها ذلك الخبير.

وقرأت أكثر من مقال حول تذمر بعض الكفاءات الوطنية من عدم توازي أجورهم في المؤسسات التي يعملون بها، مع ما يتقاضاه بعض نظراءهم الوافدين، بحجة أن هؤلاء يعاملون كخبراء، برغم تقارب الإمكانات والمستويات.

والتقطت أذني مرة عتاباً وجـــهه أحد الفنانين العمانيين المجيدين، للقائمين على أمور الدراما العمانية، حول تعديل لائحة الأجور التي عفا عليها الزمن، وحول أهمية مساواتهم ببعض الفنانين العرب الذين يشتركون في بعض الأعمال الدرامية المحلية، والذين قد لا تزيد قدراتهم عن قدرات كثير من فنانينا.

والأمر ذاته ينطبق على كثير من الشباب العماني المتعاون مع بعض المؤسسات الإعلامية الحكومية، مقروءة كانت أم مرئية أم مسموعة، والذين يملكون إمكانات كبيرة بحاجة إلى شيء من الصقل والتشذيب، والدعم المادي والمعنوي، ولكن المكافآت التي يحصلون عليها لا تتساوى مع المكافآت التي يحصل عليها المراسلون أو المستكتبون الغير عمانيون، بل إن بعضهم ما زال يقدم جهوده بالمجان.

ونسمع من حين لآخر عن ندوات تتناول جوانب ثقافية أو اجتماعية تتعلق بقضايا تخص المجتمع العماني، بينما عدد من مقدمي أوراق العمل هم من غير العمانيين، برغم وجود كفاءات عمانية لا تقل شأناً عن هؤلاء، بل قد يكونوا أكثر قرباً وإدراكاً لطبيعة مجتمعهم، وما يتعلق به

ما سبق كانت نماذج لبعض الحالات التي نلاحظ من خلالها شيء من التجاهل أو التقليل من الإمكانات البشرية المحلية،  وأن الكفاءة العمانية تأتي في مرتبة تالية لنظيرتها الوافدة ، وأن "عقدة الخواجة" مازالت موجودة لدى بعض المؤسسات وصناع القرار، مما يجعلنا نطرح التساؤل الآتي: هل زامر الحي بالفعل لا يطرب؟

لا أقصد من طرحي هذا نظرة عنصرية بحتة، أو تقليلاً من قيمة وإمكانات الكوادر الوافدة، أو المشاركة في فعالياتنا المحلية المختلفة، ولست ضد أن نحتفي بهم، أو أن نقدر خبراتهم أو كفاءاتهم، بل على العكس من ذلك، فنحن على امتداد سنوات النهضة المباركة لا ننكر فضل كثير من تلك الكوادر والخبرات في المساهمة في وضع لبنات هذا الوطن، من خلال مشاركتهم الفاعلة، وجهدهم الملموس في مختلف المجالات، وفي وقت كانت الدولة تخطو خطواتها الأولى نحو التقدم والازدهار، بل إن كثيراً منهم قد عانى من صعوبات معيشية في بعض الفترات، وقدم التضحيات من أجل هذا البلد، وليس كثيراً عليهم أن نقول لهم شكراً جزيلاً لكل ما بذلتموه من أجل هذا الوطن.

كما أننا مازلنا بحاجة إلى كثير من هذه الخبرات التي ما زالت متواجدة بيننا، كي يستفيد منها شبابنا، باحتكاكهم وقربهم منها، وكي ينتقل أثر المعرفة إليهم، ويكونوا قادرين مستقبلاً على أخذ مكانهم.

ولكن كل ما أرجوه وأهدف إليه من طرحي هذا هو أن نثق في قدرات أبناء وطننا، وأن نعي قيمة ما يمتلكونه من إمكانات متنوعة في مختلف المجالات، وأن نعيد النظر في تعاملنا معهم.

إنني أستغرب عندما أسمع عبارات وأجوبة من قبل عدم توافر الخبرة الكافية لدى الشاب العماني كي يلتحق كباحث أو عضو هيئة تدريس أو خبير بمؤسسة ما، أو اتهام هؤلاء الشباب أو الخبرات المحلية الأخرى بالمادية عندما يطالبون ببعض الحقوق المتعلقة بمشاركاتهم في الفعاليات الثقافية أو الإعلامية أو الاجتماعية تحت ذريعة الواجب الوطني، أو عدم كونهم مشهورين مقارنة بنظرائهم من خارج البلد في الفعاليات المشتركة، وغيرها من الحجج التي تقلل من قيمة كوادرنا المحلية المجيدة في مختلف المجالات، بالرغم من التفوق الكبير الذي يظهره أبناء الوطن في كثير من مشاركاتهم الخارجية على مختلف الأصعدة، أو حتى من خلال مقاعد الدراسة في المؤسسات التعليمية الخارجية، مما يجعلهم مرغوبين بشكل واضح في الفعاليات التي تنظم خارج السلطنة، أو تستعين بهم بعض المؤسسات التي تقدر الكفاءات والإمكانات التي تتمتع بها هذه الكوادر.

إذا لم نعط هذه الكوادر الفرصة الكافية للظهور وصقل مهارتهم وإمكاناتهم المقترن بالحافز المغري، من خلال مؤسسات وطنهم وفعالياته، فمتى سيفعلون ذلك؟ وهل نستخدم الحس الوطني كحجة أو ذريعة كي يرضخون للعمل بالمجان أو بأقل الإمكانات والحوافز بحجة أن ما يفعلونه هو واجب وطني؟ وهل لابد عليهم أن يتحرروا من ملابسهم الوطنية، ويرتدوا بدلاً غربية كي نقتنع بكفاءاتهم وإمكاناتهم؟  ولمن أساساً تنشأ هذه المؤسسات الوطنية المختلفة، وتقام الفعاليات الفكرية المتنوعة؟ أليست من أجلهم هم؟

ليس قليلاً في حق المجيدين من أبناء الوطن أن نعاملهم بما يوازي ما يمتلكونه من إمكانات، وليس خطأ أن نقدم لهم العون المادي والمعنوي، وأن نفتح لهم آفاق التقدم والارتقاء، فبدونهم لن نستكمل بناء هذا الوطن، وبدونهم كذلك لن نحافظ على منجزاته ومكتسباته. هم من سيبقى لهذا الوطن، وهم الأحرص والأقدر على الرقي به. 
إننا إذا لم نفعل ذلك  سنقتل لدى البعض منهم رغبات الطموح ، وسنضطر البعض الآخر للبحث عن فرص ظهور أكثر جدوى ومناسبة، في أماكن أخرى خارج السلطنة. وقتها ستخسر البلد  كثيراً من كوادرها المجيدة. 

د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com


الخميس، 15 ديسمبر 2011

مواقف حياتيــة (12)


جريدة عمان - الخميس 15/12/2011م

هذه مواقف حياتية نصادفها يومياً.. نعرضها ليس من باب النقد، ولكن من أجل أن تكون الرؤية أكثر جمالاً ووضوحاً.
 (1)
في الوقت الذي تتحدث فيه وسائل الإعلام المختلفة عن التجاذبات الإثنية، والانقسامات الطائفية في كثير من البلدان التي تدعي أن لديها رصيد كبير من الحياة المدنية، والتي تتباهى بالتعايش وتقبل الآخر، إلا أنني لا أجد مثالاً  أقدمه لهذا التعايش أفضل من الانسجام المجتمعي الطبيعي وغير المصطنع في المجتمع العماني، فهو انسجام تاريخي ممتد عبر العصور التاريخية المختلفة، فعدا بعض المشاكل التي كانت تنشب بسبب غياب الحكومة المركزية في بعض الفترات، أو لأسباب اقتصادية بحتة، لم تحدثنا كتب التاريخ المحلي عن حروب عمانية قامت على أسس مذهبية أو طائفية،وبرغم طرح كثير من القضايا المختلفة في ظل انفتاح لا بأس به في مجال الإعلام المحلي بأنواعه، أو حتى من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، أو المنتديات السياسية المختلفة، إلا أنه لا يكاد المطلع على هذه الوسائل يلحظ وجود أي طرح يتناول هذه العلاقة الوطيدة والراسخة والغير مصطنعة بين أفراد المجتمع على اختلاف طوائفهم أو مذاهبهم.
جميل أن يبقى هذا التسامح والتجانس في ظل وطن يحوي الجميع، والأجمل أن نحافظ على هذا التسامح في ظل التحديات المختلفة التي تتربص بمجتمعنا، فلن نحافظ على نجاح مكتسبات هذا الوطن سوى بالتكاتف والتعاضد، فالدين لله، والوطن للجميع.


 (2)
كثيراً ما نلقي باللوم على بعض الجهات التنفيذية، ونتهمها بالتقصير تجاه قضايا البيئة المحلية المختلفة، ولكنا نتناسى أن هناك دوراً  تشاركياً مجتمعياً مهماً يجب أن نلعبه نحو المواطنين تجاه هذه القضايا، فدور الحكومة لن يكتمل بدون وجود دور فاعل من قبل أفراد المجتمع.
ما يقوم به البعض من لا مبالاة تجاه الاهتمام بنظافة البيئة المحلية، أو عدم الحفاظ على أنماط الحياة الفطرية، أو ضعف التقبل للتوجيهات البلدية المختلفة بشأن التعاطي مع بعض الجوانب البلدية والطبيعية، من شأنه أن يشوه الصورة الجميلة التي نتمنى أن تكون عليها بيئتنا، وسوف يقلل من كافة الجهود المبذولة من قبل الأطراف الأخرى، حكومية كانت أم مجتمعية.
لو قام كل منا بالاهتمام بنظافة المنطقة المحيطة بمنزله ولو لمرة في الأسبوع لأصبح لمجتمعنا شأن آخر، فما بالنا بكثير من الأعمال المجتمعية التطوعية التي هي في انتظارنا للقيام بها، وإذا لم تكن لدينا القدرة على فعل ذلك، فلنكف فقط عن أي سلوك قد يضير بالبيئة.
(3)
أتيحت لي فرصة المشاركة في حوار مجتمعي حول "مرض الايدز"، والذي نظمته المديرية العامة للصحة بمحافظة جنوب الشرقية". كان الحوار هادفاً، وطرح الكثير من القضايا والتساؤلات المتعلقة بانتشار المرض، وأسباب ذلك، وكيفية تجنب الإصابة به. هالني تجاوز عدد الحالات المسجلة بالسلطنة حاجز (1500) حالة، واقشعر بدني عندما تم سرد عدد من القصص المتعلقة بانتشار هذا المرض بين شرائح المجتمع المختلفة، والتي من بينها قصة الفتى ذو العشر سنوات، والذي أصيب بالمرض من جراء التفكك الأسري، وإهمال ولي الأمر لأسرته، مما أوقعه فريسة لبعض مرضى النفوس الذين لم يراعوا صغر سنه، ولا براءة طفولته.
نحن بحاجة إلى المزيد من التوعية حول هذا الوباء الخطير وأمثاله، وألا نكتفي بتذكره مرة كل عام عندما يحين موعد الاحتفال باليوم العالمي به، كما نفعل مع كثير من القضايا المجتمعية المهمة. نحتاج كذلك إلى تفعيل "فحص ما قبل الزواج"، وإلى تشجيع المجتمع على القيام بالفحص التطوعي من فترة لأخرى، والأهم من ذلك نحتاج إلى العودة إلى الكثير من قيمنا وتعاليم ديننا التي كانت حصناً لنا على مدى فترات طويلة من الزمن.
(4)
في إحدى المكتبات التي تبيع المستلزمات المدرسية، رأيت ملصقاً معروضاً للبيع يتضمن صوراً لفتى وفتاة، وتحيط بالصور قلوباً حمراء، وعبارات باللغة الانجليزية من عينة "I love you"، وغيرها من العبارات المشابهة.
سألت البائع عن مدى الإقبال على شراء هذا الملصق، فأجابني بأنه لم يتبق سوى نسخة واحدة منه فقط.
 التساؤل الملح: من سمح لمثل هذه الملصقات بالتواجد في مكتبات معظم زبائنها من طلاب المدارس؟ وأين الجهات المسئولة عن الرقابة والمطبوعات؟
(5)
كنت في ولاية نخل برفقة أحد أصدقائي الشعراء، لحضور أمسية ثقافية متنوعة تنظمها إحدى الفرق الأهلية بالولاية. كان التنظيم رائعاً، والفقرات متنوعة وهادفة، وبرزت فيها جهود الشباب المنتسبين إلى هذا الفريق، ومدى حرصهم على بذل كل الإمكانات من أجل إنجاح الفعالية.
ما أثار استغرابي هو عدم وجود نادي بهذه الولاية العريقة، والتي عرفت على امتداد تاريخها بظهور أجيال من العلماء والمؤلفين في مختلف المجالات، بالرغم من وجود شباب متعطش إلى إقامة مثل هذه الفعاليات ، ووجود فرق أهلية كثيرة تدار بجهود شخصية من قبل القائمين عليها.
دعوة لإعادة النظر في خريطة النشاط الثقافي والاجتماعي والرياضي في السلطنة.
(6)
شعرت بالسعادة الغامرة عندما تلقيت نبأ تعيين أستاذي الدكتور عصام بن علي الرواس أستاذ التاريخ العماني، والعميد السابق لكلية الآداب نائباً لرئيسة الهيئة العامة للصناعات الحرفية، فهذه الشخصية العلمية البارزة أثارت إعجاب الكثير من الطلاب - ومنهم أنا – خلال فترة الدراسة الجامعية، وذلك لدماثة خلقه، وحسن تعامله، ولباقة حديثه، وغزارة معلوماته،وتبنيه لكثير من الطلاب بالتوجيه والتشجيع والدعم المعنوي، ووقوفه معهم حتى بعد تخرجهم من الجامعة، فكان بمثابة الأخ والصديق قبل أن يكون أستاذاً جامعياً، وكنا نفتخر به كونه من الأساتذة العمانيين القلائل وقتها، وسط مجموعة كبيرة من الأساتذة العرب والأجانب.
الدكتور عصام قيمة علمية كبيرة، وشخصية إدارية فذة، وبلا شك فإن وجوده في الهيئة سيكون إضافة مهمة لها، وسيعزز من الجهود الكبيرة التي تبذلها من أجل الارتقاء بالصناعات الحرفية والحرفيين بالسلطنة.
(7)
مما قاله الطغرائي في لاميته المشهورة:
يا وارداً سُـؤر عيـش كـله كـدرٌ
                                           أنفقتَ عـمرك فـي أيـامـك الأول
فيمَ اعتراضك لـجَّ الـبحـر تركبه
                                           وأنت يكفـيك مـنه مصـّة الـوشل
ملك القنـاعة لا يخشى علـيه ولا
                                                 تحتاج فيه إلـى الأنـصار والـخول
ترجو البقـاء بـدارٍ لا ثَـباتَ لها
                                                  فهل سـمعـتَ بـظلٍّ غـير منـتقل
ويا خبيراً علـى الأسرار مطلـعاً
                                                    أنصت ففي الصمـت منجاةٌ من الزلل
قد رشحوّك لأمـرِ إن فـطِنتَ له
                                                       فأربأ بـنفسك أن تـرعى مع الهُمَـل
د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com