الخميس، 22 ديسمبر 2011

مواقف حياتيــة (13)


جريدة عمان - الخميس 22/12/2011
هذه مواقف حياتية نصادفها يومياً.. نعرضها ليس من باب النقد، ولكن من أجل أن تكون الرؤية أكثر جمالاً ووضوحاً.
 (1)
في إحدى الفعاليات التربوية التي تناقش قضية التشاركية المجتمعية، وآلية تفعيلها ، كانت القاعة ممتلئة عن آخرها بحيث لا يمكن أن تجد موطئاً لقدم. كان الكثير من الحضور منصتاً ومتفاعلاً، وحماسياً في طرحه ومداخلاته ونقاشاته. وبمجرد انصراف راعي الحفل في منتصف الفعالية، انفضت القاعة عن بكرة أبيها تاركين مقدمي أوراق العمل وبعض المنظمين ، وعدد بسيط من الحضور الحقيقي الذي أتى للمشاركة الفعلية، والاستفادة من خلاصة تجارب وأفكار سهر معدو الأوراق ليال طيلة كي يقدمونها للحضور. 
فعلاً إنها قمة الشراكة المجتمعية.
(2)
يسألني ابني الذي يدرس في إحدى المدارس الخاصة، عن نوع من الحلويات يدعى (الأفضل)، سألته : كيف عرفتها، فأجابني بأنه رأى أكثر من زميل له بالصف (الخامس) يحضرونها للفصل.
المسكين لا يعلم أنها ليست نوعاً من الشيكولاته، بل هي سم مدمر للصحة والعقول، انتشر كثيراً في مدارسنا وحاراتنا دون رقيب أو وقفة جادة، وكثر تعاطيه بين عدد من الطلاب بحجة أنه لا يحوي على دخان، وبالتالي فهو غير ضار.
للزميل أحمد بن عبد الله الحسني تحقيق مهم في أحد أعداد جريدة عمان حول (التبغ غير المدخن)، أتمنى من القراء بشكل عام، وأولياء الأمور بشكل خاص الاطلاع عليه ، وذلك لأهمية المعلومات الواردة فيه. لن يكلف ذلك سوى كتابة العنوان في إحدى محركات البحث في شبكة المعلومات العالمية.
(3)
في باريس مدينة النور وعاصمة الأناقة يمكن أن تجد بعض النزل الفندقية الجيدة بأسعار تناسب ميزانيتك المتواضعة، وفي القاهرة ملتقى العرب والعالم يمكن لك أن تقضي ليلتك في (بنسيون)، أو فندق (شعبي)، أو (لوكانده) رخيصة، أو حتى استئجار شقة مؤثثة بسعر لن يرهق ميزانيتك المحدودة، وفي كثير من عواصم العالم ستجد التنوع الواضح في أماكن الإقامة للسائح أو الزائر من فنادق متعددة المستويات والأسعار، وبيوت شباب، وغيرها من النزل المختلفة.
أما في مسقط (العامرة) فالفنادق والشقق الفندقية إما أن حجوزاتها كامل العدد، وإما أن أسعارها تجعلك تفكر (1000) مرة قبل أن تتخذ قراراً بالمبيت فيها، ما لم يكن لك قريب أو صديق يسكن بها.
متى ستعود مسقط كما عهدتها قبل سنوات تعد على أصابع اليدين، عندما كان قضاء الإجازة بها متعة، بشوارعها الغير مزدحمة، وأسعارها المناسبة، وتخطيطها الهاديء.
(4)
تراه منكوش الشعر، (محزق) البنطلون، مكشوف الصدر، ولا مانع من وجود بعض السلاسل أو الأساور في معصم اليد، وحبذا لو صاحب المشهد سيارة رياضية ينبعث منها صوت موسيقى غربية صاخبة.
المشهد ليس مستوحىً من فيلم أجنبي، ولا من قصاصة مجلة أزياء غربية، بل هو لشباب عماني  يمكن أن تصادفه في مدرجات الكرة، أو شواطئ البحر، أو في المجمعات التجارية. شباب ربما لم يجد من يقول له إن مظاهر الرقي   و التمدن لا ترتبط دائماً بالتخلي عن العادات الأصيلة، وأن الزي العماني الأصيل ليس مقترناً بالتخلف ، وأن التحضر يرتبط بمدى قدرة الفرد منا على الإنجاز والنجاح في تكوين الشخصية الفاعلة التي تضيف للمجتمع، وتحافظ على مكتسباته ، وليس في محاكاة الآخرين.
لم يأت  اختيار أجدادنا لهذه الأزياء والملابس الأصيلة عن عبث أو مصادفة. أبسط ما يمكن قوله أنها تتناسب مع طبيعة البيئة المكانية التي نقطن بها، عدا عن أنها تتميز بالبساطة والاحتشام وعدم التكلف.
 (5)
برغم مرور السنوات، وارتفاع مستويات المعيشية،  فما زال بدل السكن الذي يقدم للموظفين غير العمانيين كما هو لم يتغير، وأصبح البعض منهم بين نارين، فإما أن يتشارك السكن  الحكومي مع زميل أو أكثر في غرفة واحدة قد لا تؤمن له الخصوصية الكافية، وإما أن يدفع نصف ما يتقاضاه من راتب كأجار لشقة صغيرة، أو بيت عربي قديم، وإما أن يقدم استقالته، لأن الغربة لم تعد مجدية له.
إن مبلغ (30) أو حتى (50) ريال، كبدل سكن، بالنسبة لموظف يعمل في وظيفة محترمة كالتدريس مثلاً ، يعتبر أمراً يدعو للضحك والاستغراب في نفس الوقت في وقت أصبحت هذه الأرقام لا تساوي أجر غرفة قديمة في حارة مظلمة.
لن نخسر شيئاً لو راجعنا بعض قوانيننا الإدارية والمالية المطبـــقة منذ سنوات، وقارناها بظروف اليوم، فلم يعد الزمان هو الزمان، ولا الأوضاع هي ذاتها.
 (6)
سنوات طويلة أمضاها المكرم الشيخ محمد بن حمد المسروري  في خدمة الأدب العماني كأديب وشاعر وباحث وراوية ومسئول.وما دواوينه الثلاثة (تغاريد) و( انتظار ) ، و( وشاح الفجر) ، وروايته ( ولد العجيلي)، وكتابه (الميدان مبنى ومغنى ومعنى)، أو مشاركاته المتعددة في كتابة نصوص كثير من المهرجانات الوطنية، ولجان تحكيم المسابقات الأدبية المتنوعة، وغيرها من الإنجازات، سوى جزء يسير من هذا التاريخ الحافل بالكثير من العطاءات المهمة له في الساحة الأدبية العمانية.
كما شهد (المنتدى الأدبي) خلال رئاسته له في الفترة الأخيرة نشاطاً أدبياً وفكرياً متنوعاً، وأصبحت هناك نقلة نوعية كبيرة فيما يتعلق بنوعية المسابقات والمكافآت المرتبطة بها، أشاد بها الكثير من المهتمين بهذا المجال.
 اختياره لعضوية مجلس الدولة تأتي تكريماً رمزياً للأدب العماني بشكل عام، وللأدب الشعبي  بشكل خاص، وتقديراً لعطاءاته  طوال تاريخه الأدبي الحافل.
كل التحية للمخلصين من أبناء هذا الوطن في مختلف المجالات.
(7)
من أعذب ما قاله أمير القصيدة العربية أحمد شوقي:
بـي مِثـلُ مـا بِـكِ يـا قُمـرِيَّـةَ الــوادي
                                           نادَيتُ لَيلي فَقومي فـي الدُجـى نـادي
وَأَرسِلـي الشَجـوَ أَسجـاعـاً مُفَصَّـلَـة 
                                              أَو رَدِّدي مِـن وَراءِ الأَيــكِ إِنـشـادي
لا تَكتُمي الوَجدَ فَالجُرحانِ مِن شَجَن
                                                وَلا الصَـبـابَـةَ فَالـدَمـعـانِ مِــــن وادِ
 كـم هـاج مبكـاكِ مـن مَجـروحِ أفئـدةٍ
                                                    تحـت الظـلامِ , ومـن مَقـروح أكـبـادِ
تلفّـتَ الــروضُ لـمّـا صـحـتِ هاتـفـةً
                                                         كـمــا تـلـفّـتـت الـركـبــانُ بـالـحــادي

د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.