الأحد، 11 ديسمبر 2011

من المسئول عن قطاع الثقافة؟


جريدة الرؤية - الاثنين 12/12/2011م
جميعنا يدرك بما لا شك فيه، أهمية دور الثقافة في صياغة النظام الاجتماعي لأي بلد، وتوجيهه نحو صنع الهوية الحضارية، وبالتالي تنمية المجتمع وتوسيع اهتمامه بالآداب والفنون والفعاليات التي تتناول قضايا الثقافة، وتسهم في تكوين الشخصية.
وفي جلسة حوارية جمعتني بعدد من الأصدقاء ممن يحسبون على الوسط الثقافي، طرحت هذه التساؤلات : من المسئول عن قطاع الثقافة في السلطنة؟ وهل يمكن أن نقصر هذه المسئولية على وزارة التراث والثقافة فقط؟ وما مدى رضانا عن الواقع الثقافي الحالي في السلطنة؟ وكيف يمكن أن نعزز هذا الواقع
الثقافي بحيث يشعر به أفراد المجتمع بشكل أكثر وضوحاً وتأثيراً؟
برأيي أنه من الخطأ أن نلقي بمسئولية الاهتمام بقضية نشر الثقافة إلى وزارة التراث والثقافة لوحدها، ذلك أن هذه الوزارة ينبغي أن تكون جهة تنفيذية، بمعنى أنها تنفذ رؤية الدولة نحو الاهتمام بالقضايا الثقافية، وليست المسئولة الوحيدة عن صياغة الإستراتيجية الثقافية للدولة، ومن الخطأ أن نلقي عليها بكل تبعات القضايا المتعلقة بالاهتمام بالجوانب الثقافية للمجتمع، انطلاقاً من  تستسميتها.

وعند إلقاءنا نظرة على الواقع الثقافي في السلطنة نكتشف  أنه وبرغم الجهد المقدر والمبذول طوال السنوات الماضية، إلا أن   هناك بعض الإشكالات المتعلقة  بمنظومة العمل الثقافي ، فعلى سبيل المثال مازالت كثيراً من القرى والمدن والولايات تعاني من عدم توافر المراكز والمؤسسات الثقافية، فلا بيوت ثقافة بمسرحها ومرسمها وناديها العلمي  وقاعات المطالعة الورقية والالكترونية بها،  ولا مكتبات عامة تتيح لقاطني تلك المناطق فرصة الإطلاع، لذا يضطر شباب تلك المناطق إلى إقامة أنشطة ثقافية بإمكانات ذاتية متواضعة، وغير واضحة الأهداف والمعالم، وهذا الأمر من شأنه أن يتيح الفرصة لبعض الجهات أو الأفراد في القيام بالدور البديل لدور الحكومة في هذا الجانب، وعلينا ألا ننسى أن كثيراً من الأفكار المتعارضة مع سياسات وأهداف الحكومات في بعض الدول، وبخاصة العربية والإسلامية، لم تظهر إلا عندما تخلت تلك الدول عن أدوارها الثقافية لصالح جهات أخرى.

كما أن كثيراً من مفردات الثقافة العمانية المحلية تعاني صراعاً محموماً مع محاولات التغريب أو الإزالة، بالرغم من أن هذه المفردات تعد جزءاً أصيلاً من ثقافة المجتمع، وشاهداً على عراقته، ودليلاً على تنوع ثقافته. فلم نعد نطالع أغاني الطفولة الجميلة، وحكايات الجدات والأمهات التي حوت كثيراً من دروس التربية المستوحاة من الثقافة الإسلامية، والألعاب الشعبية  بكل ما كانت تهدف إليه من تنشيط الجسم وتقويته، وتنمية المواهب الفكرية والعضلية، وتأصيل روح المثابرة والمغامرة والجماعية. وبدأت كثير من فنوننا المغناة  في الاندثار، بسبب ابتعاد ممارسيها والقائمين عليها بحجة ضعف التشجيع، كما أنها تتعرض للسرقة من قبل أطراف مختلفة.  كما أن العشرات  من الحرفيين المجيدين في المجالات الحرفية المختلفة، تدهورت أوضاعهم الاقتصادية، وهجر كثير منهم حرفته، بسبب منافسة العمالة  الوافدة الرخيصة له في مجال عمله، وبسبب عدم وجود قوانين حامية ومشجعة له، وبالتالي أثر ذلك على علاقة الجيل القادم بهذه الحرف، وبالتراث العماني بشكل عام. واستبدلت مائدتنا العمانية التقليدية بأصناف أخرى  دخيلة. وأصبحنا لا نرى ملابسنا التقليدية الزاهية سوى في المناسبات الاجتماعية. وتحولت أساطيل السفن الخشبية إلى ركام، بينما لعبت يد التشويه والعبث والإهمال بكثير من شواهدنا الأثرية المتمثلة في البيوت والحارات.

كذلك فإن هناك إشكالات متعلقة بقضايا التنشئة المتعلقة بالثقافة السياسية، وثقافة العمل والإنتاج، وثقافة العمل التطوعي، أو ثقافة الحقوق والواجبات، وغيرها ، فعلى سبيل المثال  هناك قطاع مجتمعي لا بأس به ما يزال لا يعرف ما معنى الدستور، ولا يعي أهمية المجالس النيابية، ولا يستوعب معنى (المواطنة)، ولا يفرق بين مصطلحات المظاهرة أو الاعتصام أو الاحتجاج، وقس على ذلك كثير من المصطلحات والممارسات السياسية، إضافة إلى عزوف بعض الشباب عن كثير من الأعمال والحرف اليدوية المهمة، وكذلك اللامبالاة التي يمارسها البعض تجاه العمل التطوعي المجتمعي.

وبرغم وجود عدد لا بأس به  من المؤسسات الثقافية المختلفة  كالنادي الثقافي، والمنتدى الأدبي، ونادي الصحافة، ومركز عمان للموسيقي التقليدي، والجمعية العمانية للفنون التشكيلية، وغيرها من المؤسسات التي تعنى بأمر الثقافة، إلا  أن البعض يرى أن هناك شيئاً من الهوة ما بين الخدمات التي تقدمها هذه المؤسسات، وبين الأعداد الفعلية المنتسبين والمستفيدين من هذه  الخدمات ، وكأنها خاصة بفئة معينة، في ظل تركز معظم هذه المؤسسات في العاصمة، وعدم وجود فروع لها في بقية المحافظات.

إضافة إلى وجود خلط وتداخل واضح  بين أدوار عدد المؤسسات المختلفة حول تنفيذ بعض المناشط الثقافية، بحيث أصبحنا نتابع كثيراً من هذه المناشط، على اختلاف جهات التنفيذ، ولكن يبقى التساؤل: هل هناك أهداف مشتركة محددة سلفاً لهذه البرامج جميعها؟ وهل هناك لجنة مشتركة قامت باستعراض هذه البرامج المقدمة من تلك الجهات، وقيمت تلك البرامج ، وآلية تنفيذها، ووضعت لها روزنامة محددة للتنفيذ؟

لذا برأيي أنه من المهم إعادة النظر في قطاع الثقافة، وتقييم الخدمات الثقافية المقدمة حالياً، ومدى شعور أفراد المجتمع بها ،  ويمكن أن يتم إنشاء مجلس أعلى للثقافة في السلطنة، يكون بديلاً للجهة الحالية المشرفة على أمر الثقافة،ليس قصوراً في الجهود التي تقوم بها الجهة الحالية، أو تقليلاً من شأنها، ولكن لأن العملية الثقافية أكبر من أن تهتم بها جهة واحدة بعينها. على أن يتكون هذا المجلس من ممثلين لبعض الجهات التي يهمها أمر الثقافة،  ويناط به وضع إستراتيجية وطنية شاملة للثقافة ذات رؤية واضحة، وأهداف ملموسة قابلة للقياس، تترجم رؤية الدولة لقطاع الثقافة،وتحاول لملمة الأنشطة والمؤسسات الثقافية في بوتقة واحدة،وتركز على رفع مستوى الوعي بالثقافة، والحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيز مقوماتها، والحفاظ على التراث الثقافي المادي وغير المادي للسلطنة، متخذة أساليب عدة في تحقيق ذلك، ليس أقلها المناهج التعليمية والأنشطة المرتبطة بها، ولا البرامج الثقافية الإعلامية الموجهة، أو الندوات التثقيفية في مختلف المجالات، أو تطوير المؤسسات الثقافية الحالية بحيث تؤدي دورها الفاعل على أكمل وجه، مع إعادة النظر في مدى تواجد المؤسسة الثقافية بحيث تشمل الخريطة الجغرافية للسلطنة جنباً إلى جنب مع المدرسة والمركز الصحي والمسجد، كي تتكامل الأدوار.

إن الاهتمام بالثقافة ينبغي ألا يقل عن اهتمامنا بقطاعات أخرى نوليها كثيراً من الرعاية والاهتمام، ذلك أن بناء الأوطان لا يأت فقط بحجم منشآتها، أو بمقدار دخلها، بل يأت كذلك بمدى قدرة الدولة على بناء عقول أفرادها، في ظل تحديات ثقافية  هائلة تتعرض لها المجتمعات حالياً، مستهدفة تغيير واقعها وهويتها الثقافية، ومحاولة جرها نحو العولمة و التغريب الفكري.

د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.