الخميس، 15 ديسمبر 2011

مواقف حياتيــة (12)


جريدة عمان - الخميس 15/12/2011م

هذه مواقف حياتية نصادفها يومياً.. نعرضها ليس من باب النقد، ولكن من أجل أن تكون الرؤية أكثر جمالاً ووضوحاً.
 (1)
في الوقت الذي تتحدث فيه وسائل الإعلام المختلفة عن التجاذبات الإثنية، والانقسامات الطائفية في كثير من البلدان التي تدعي أن لديها رصيد كبير من الحياة المدنية، والتي تتباهى بالتعايش وتقبل الآخر، إلا أنني لا أجد مثالاً  أقدمه لهذا التعايش أفضل من الانسجام المجتمعي الطبيعي وغير المصطنع في المجتمع العماني، فهو انسجام تاريخي ممتد عبر العصور التاريخية المختلفة، فعدا بعض المشاكل التي كانت تنشب بسبب غياب الحكومة المركزية في بعض الفترات، أو لأسباب اقتصادية بحتة، لم تحدثنا كتب التاريخ المحلي عن حروب عمانية قامت على أسس مذهبية أو طائفية،وبرغم طرح كثير من القضايا المختلفة في ظل انفتاح لا بأس به في مجال الإعلام المحلي بأنواعه، أو حتى من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، أو المنتديات السياسية المختلفة، إلا أنه لا يكاد المطلع على هذه الوسائل يلحظ وجود أي طرح يتناول هذه العلاقة الوطيدة والراسخة والغير مصطنعة بين أفراد المجتمع على اختلاف طوائفهم أو مذاهبهم.
جميل أن يبقى هذا التسامح والتجانس في ظل وطن يحوي الجميع، والأجمل أن نحافظ على هذا التسامح في ظل التحديات المختلفة التي تتربص بمجتمعنا، فلن نحافظ على نجاح مكتسبات هذا الوطن سوى بالتكاتف والتعاضد، فالدين لله، والوطن للجميع.


 (2)
كثيراً ما نلقي باللوم على بعض الجهات التنفيذية، ونتهمها بالتقصير تجاه قضايا البيئة المحلية المختلفة، ولكنا نتناسى أن هناك دوراً  تشاركياً مجتمعياً مهماً يجب أن نلعبه نحو المواطنين تجاه هذه القضايا، فدور الحكومة لن يكتمل بدون وجود دور فاعل من قبل أفراد المجتمع.
ما يقوم به البعض من لا مبالاة تجاه الاهتمام بنظافة البيئة المحلية، أو عدم الحفاظ على أنماط الحياة الفطرية، أو ضعف التقبل للتوجيهات البلدية المختلفة بشأن التعاطي مع بعض الجوانب البلدية والطبيعية، من شأنه أن يشوه الصورة الجميلة التي نتمنى أن تكون عليها بيئتنا، وسوف يقلل من كافة الجهود المبذولة من قبل الأطراف الأخرى، حكومية كانت أم مجتمعية.
لو قام كل منا بالاهتمام بنظافة المنطقة المحيطة بمنزله ولو لمرة في الأسبوع لأصبح لمجتمعنا شأن آخر، فما بالنا بكثير من الأعمال المجتمعية التطوعية التي هي في انتظارنا للقيام بها، وإذا لم تكن لدينا القدرة على فعل ذلك، فلنكف فقط عن أي سلوك قد يضير بالبيئة.
(3)
أتيحت لي فرصة المشاركة في حوار مجتمعي حول "مرض الايدز"، والذي نظمته المديرية العامة للصحة بمحافظة جنوب الشرقية". كان الحوار هادفاً، وطرح الكثير من القضايا والتساؤلات المتعلقة بانتشار المرض، وأسباب ذلك، وكيفية تجنب الإصابة به. هالني تجاوز عدد الحالات المسجلة بالسلطنة حاجز (1500) حالة، واقشعر بدني عندما تم سرد عدد من القصص المتعلقة بانتشار هذا المرض بين شرائح المجتمع المختلفة، والتي من بينها قصة الفتى ذو العشر سنوات، والذي أصيب بالمرض من جراء التفكك الأسري، وإهمال ولي الأمر لأسرته، مما أوقعه فريسة لبعض مرضى النفوس الذين لم يراعوا صغر سنه، ولا براءة طفولته.
نحن بحاجة إلى المزيد من التوعية حول هذا الوباء الخطير وأمثاله، وألا نكتفي بتذكره مرة كل عام عندما يحين موعد الاحتفال باليوم العالمي به، كما نفعل مع كثير من القضايا المجتمعية المهمة. نحتاج كذلك إلى تفعيل "فحص ما قبل الزواج"، وإلى تشجيع المجتمع على القيام بالفحص التطوعي من فترة لأخرى، والأهم من ذلك نحتاج إلى العودة إلى الكثير من قيمنا وتعاليم ديننا التي كانت حصناً لنا على مدى فترات طويلة من الزمن.
(4)
في إحدى المكتبات التي تبيع المستلزمات المدرسية، رأيت ملصقاً معروضاً للبيع يتضمن صوراً لفتى وفتاة، وتحيط بالصور قلوباً حمراء، وعبارات باللغة الانجليزية من عينة "I love you"، وغيرها من العبارات المشابهة.
سألت البائع عن مدى الإقبال على شراء هذا الملصق، فأجابني بأنه لم يتبق سوى نسخة واحدة منه فقط.
 التساؤل الملح: من سمح لمثل هذه الملصقات بالتواجد في مكتبات معظم زبائنها من طلاب المدارس؟ وأين الجهات المسئولة عن الرقابة والمطبوعات؟
(5)
كنت في ولاية نخل برفقة أحد أصدقائي الشعراء، لحضور أمسية ثقافية متنوعة تنظمها إحدى الفرق الأهلية بالولاية. كان التنظيم رائعاً، والفقرات متنوعة وهادفة، وبرزت فيها جهود الشباب المنتسبين إلى هذا الفريق، ومدى حرصهم على بذل كل الإمكانات من أجل إنجاح الفعالية.
ما أثار استغرابي هو عدم وجود نادي بهذه الولاية العريقة، والتي عرفت على امتداد تاريخها بظهور أجيال من العلماء والمؤلفين في مختلف المجالات، بالرغم من وجود شباب متعطش إلى إقامة مثل هذه الفعاليات ، ووجود فرق أهلية كثيرة تدار بجهود شخصية من قبل القائمين عليها.
دعوة لإعادة النظر في خريطة النشاط الثقافي والاجتماعي والرياضي في السلطنة.
(6)
شعرت بالسعادة الغامرة عندما تلقيت نبأ تعيين أستاذي الدكتور عصام بن علي الرواس أستاذ التاريخ العماني، والعميد السابق لكلية الآداب نائباً لرئيسة الهيئة العامة للصناعات الحرفية، فهذه الشخصية العلمية البارزة أثارت إعجاب الكثير من الطلاب - ومنهم أنا – خلال فترة الدراسة الجامعية، وذلك لدماثة خلقه، وحسن تعامله، ولباقة حديثه، وغزارة معلوماته،وتبنيه لكثير من الطلاب بالتوجيه والتشجيع والدعم المعنوي، ووقوفه معهم حتى بعد تخرجهم من الجامعة، فكان بمثابة الأخ والصديق قبل أن يكون أستاذاً جامعياً، وكنا نفتخر به كونه من الأساتذة العمانيين القلائل وقتها، وسط مجموعة كبيرة من الأساتذة العرب والأجانب.
الدكتور عصام قيمة علمية كبيرة، وشخصية إدارية فذة، وبلا شك فإن وجوده في الهيئة سيكون إضافة مهمة لها، وسيعزز من الجهود الكبيرة التي تبذلها من أجل الارتقاء بالصناعات الحرفية والحرفيين بالسلطنة.
(7)
مما قاله الطغرائي في لاميته المشهورة:
يا وارداً سُـؤر عيـش كـله كـدرٌ
                                           أنفقتَ عـمرك فـي أيـامـك الأول
فيمَ اعتراضك لـجَّ الـبحـر تركبه
                                           وأنت يكفـيك مـنه مصـّة الـوشل
ملك القنـاعة لا يخشى علـيه ولا
                                                 تحتاج فيه إلـى الأنـصار والـخول
ترجو البقـاء بـدارٍ لا ثَـباتَ لها
                                                  فهل سـمعـتَ بـظلٍّ غـير منـتقل
ويا خبيراً علـى الأسرار مطلـعاً
                                                    أنصت ففي الصمـت منجاةٌ من الزلل
قد رشحوّك لأمـرِ إن فـطِنتَ له
                                                       فأربأ بـنفسك أن تـرعى مع الهُمَـل
د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.