جريدة الرؤية - 19/12/2011م
كثيراً ما أسمع من بعض زملائي وأصدقائي المجيدين في عدد من المجالات الإبداعية، نبرات عتب ، وآهات ألم تتعلق بعدم مساواتهم بأقرانهم من خارج السلطنة، والذين يشتركون معهم في بعض الفعاليات المحلية المختلفة، سواء من حيث الحفاوة في الاستقبال، أو التغطية الإعلامية، أو حتى المكافآت المادية المتعلقة بالمشاركة، برغم أن بعض هذه الأسماء الخارجية هي أسماء عادية الإمكانات، أو أنها لا تتميز كثيراً عن الأسماء المحلية.
وشكا لي عدد من الحرفيين والرواة والباحثين والمهتمين بقضايا الفلكلور والثقافة المحلية، من ضعف الاهتمام المادي والمعنوي الذي يجدونه من قبل المؤسسات الثقافية والإعلامية المحلية، مقارنة بما يجدونه من حفاوة واهتمام من قبل مؤسسات شبيهة خارجية، بالرغم من المخزون الفكري والثقافي المتنوع الذي يملكونه، وبالرغم من كونهم يحفظون كثيراً من تراث البلد وتاريخه، والذي قد يذهب جانباً مهماً منه بذهابهم.
وحدثني أكثر من صديق عن معاناتهم مع بعض المؤسسات التعليمية العليا بالسلطنة في رفض طلبهم للالتحاق بالكادر التدريسي أو الإداري بتلك المؤسسات ، بالرغم من التأهيل الدراسي العالي الذي حصلوا عليه، وبالرغم من وجود كوادر وافدة أخذت فرصتها الكافية في العمل بهذه المؤسسات، وحان الوقت لكي نقول لهم شكراً جزيلاً، بل إن بعضهم يحمل مؤهلات دراسية أقل من التي يحملها ابن البلد.
وباح لي صديق آخر بأنه فوجئ بأحد زملاء دراسته في مرحلة الدكتوراه قد أتي به خبيراً في الوزارة التي يعمل بها، بينما ما يزال هو موظفاً بسيطاً، بالرغم من أن هذا الخبير كان زميلاً له في نفس التخصص، وبالرغم من أن موضوع الأطروحة التي تقدم بها هذا الصديق كانت أكثر ارتباطاً بطبيعة الوظيفة التي أحضر عليها ذلك الخبير.
وقرأت أكثر من مقال حول تذمر بعض الكفاءات الوطنية من عدم توازي أجورهم في المؤسسات التي يعملون بها، مع ما يتقاضاه بعض نظراءهم الوافدين، بحجة أن هؤلاء يعاملون كخبراء، برغم تقارب الإمكانات والمستويات.
والتقطت أذني مرة عتاباً وجـﱠــهه أحد الفنانين العمانيين المجيدين، للقائمين على أمور الدراما العمانية، حول تعديل لائحة الأجور التي عفا عليها الزمن، وحول أهمية مساواتهم ببعض الفنانين العرب الذين يشتركون في بعض الأعمال الدرامية المحلية، والذين قد لا تزيد قدراتهم عن قدرات كثير من فنانينا.
والأمر ذاته ينطبق على كثير من الشباب العماني المتعاون مع بعض المؤسسات الإعلامية الحكومية، مقروءة كانت أم مرئية أم مسموعة، والذين يملكون إمكانات كبيرة بحاجة إلى شيء من الصقل والتشذيب، والدعم المادي والمعنوي، ولكن المكافآت التي يحصلون عليها لا تتساوى مع المكافآت التي يحصل عليها المراسلون أو المستكتبون الغير عمانيون، بل إن بعضهم ما زال يقدم جهوده بالمجان.
ونسمع من حين لآخر عن ندوات تتناول جوانب ثقافية أو اجتماعية تتعلق بقضايا تخص المجتمع العماني، بينما عدد من مقدمي أوراق العمل هم من غير العمانيين، برغم وجود كفاءات عمانية لا تقل شأناً عن هؤلاء، بل قد يكونوا أكثر قرباً وإدراكاً لطبيعة مجتمعهم، وما يتعلق به
ما سبق كانت نماذج لبعض الحالات التي نلاحظ من خلالها شيء من التجاهل أو التقليل من الإمكانات البشرية المحلية، وأن الكفاءة العمانية تأتي في مرتبة تالية لنظيرتها الوافدة ، وأن "عقدة الخواجة" مازالت موجودة لدى بعض المؤسسات وصناع القرار، مما يجعلنا نطرح التساؤل الآتي: هل زامر الحي بالفعل لا يطرب؟
لا أقصد من طرحي هذا نظرة عنصرية بحتة، أو تقليلاً من قيمة وإمكانات الكوادر الوافدة، أو المشاركة في فعالياتنا المحلية المختلفة، ولست ضد أن نحتفي بهم، أو أن نقدر خبراتهم أو كفاءاتهم، بل على العكس من ذلك، فنحن على امتداد سنوات النهضة المباركة لا ننكر فضل كثير من تلك الكوادر والخبرات في المساهمة في وضع لبنات هذا الوطن، من خلال مشاركتهم الفاعلة، وجهدهم الملموس في مختلف المجالات، وفي وقت كانت الدولة تخطو خطواتها الأولى نحو التقدم والازدهار، بل إن كثيراً منهم قد عانى من صعوبات معيشية في بعض الفترات، وقدم التضحيات من أجل هذا البلد، وليس كثيراً عليهم أن نقول لهم شكراً جزيلاً لكل ما بذلتموه من أجل هذا الوطن.
كما أننا مازلنا بحاجة إلى كثير من هذه الخبرات التي ما زالت متواجدة بيننا، كي يستفيد منها شبابنا، باحتكاكهم وقربهم منها، وكي ينتقل أثر المعرفة إليهم، ويكونوا قادرين مستقبلاً على أخذ مكانهم.
ولكن كل ما أرجوه وأهدف إليه من طرحي هذا هو أن نثق في قدرات أبناء وطننا، وأن نعي قيمة ما يمتلكونه من إمكانات متنوعة في مختلف المجالات، وأن نعيد النظر في تعاملنا معهم.
إنني أستغرب عندما أسمع عبارات وأجوبة من قبل عدم توافر الخبرة الكافية لدى الشاب العماني كي يلتحق كباحث أو عضو هيئة تدريس أو خبير بمؤسسة ما، أو اتهام هؤلاء الشباب أو الخبرات المحلية الأخرى بالمادﱢية عندما يطالبون ببعض الحقوق المتعلقة بمشاركاتهم في الفعاليات الثقافية أو الإعلامية أو الاجتماعية تحت ذريعة الواجب الوطني، أو عدم كونهم مشهورين مقارنة بنظرائهم من خارج البلد في الفعاليات المشتركة، وغيرها من الحجج التي تقلل من قيمة كوادرنا المحلية المجيدة في مختلف المجالات، بالرغم من التفوق الكبير الذي يظهره أبناء الوطن في كثير من مشاركاتهم الخارجية على مختلف الأصعدة، أو حتى من خلال مقاعد الدراسة في المؤسسات التعليمية الخارجية، مما يجعلهم مرغوبين بشكل واضح في الفعاليات التي تنظم خارج السلطنة، أو تستعين بهم بعض المؤسسات التي تقدر الكفاءات والإمكانات التي تتمتع بها هذه الكوادر.
إذا لم نعط هذه الكوادر الفرصة الكافية للظهور وصقل مهارتهم وإمكاناتهم المقترن بالحافز المغري، من خلال مؤسسات وطنهم وفعالياته، فمتى سيفعلون ذلك؟ وهل نستخدم الحس الوطني كحجة أو ذريعة كي يرضخون للعمل بالمجان أو بأقل الإمكانات والحوافز بحجة أن ما يفعلونه هو واجب وطني؟ وهل لابد عليهم أن يتحرروا من ملابسهم الوطنية، ويرتدوا بدلاً غربية كي نقتنع بكفاءاتهم وإمكاناتهم؟ ولمن أساساً تنشأ هذه المؤسسات الوطنية المختلفة، وتقام الفعاليات الفكرية المتنوعة؟ أليست من أجلهم هم؟
ليس قليلاً في حق المجيدين من أبناء الوطن أن نعاملهم بما يوازي ما يمتلكونه من إمكانات، وليس خطأ أن نقدم لهم العون المادي والمعنوي، وأن نفتح لهم آفاق التقدم والارتقاء، فبدونهم لن نستكمل بناء هذا الوطن، وبدونهم كذلك لن نحافظ على منجزاته ومكتسباته. هم من سيبقى لهذا الوطن، وهم الأحرص والأقدر على الرقي به.
إننا إذا لم نفعل ذلك سنقتل لدى البعض منهم رغبات الطموح ، وسنضطر البعض الآخر للبحث عن فرص ظهور أكثر جدوى ومناسبة، في أماكن أخرى خارج السلطنة. وقتها ستخسر البلد كثيراً من كوادرها المجيدة.
د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.