الاثنين، 27 يناير 2014

مشاهد وتساؤلات (12)


(1)
التقيته بعد آخر لقاء جمعنا قبل حوالي 17 عاماً. كان زميل دراسة أجبرته الظروف على تركها قبل تخرجه من الجامعة بسنتين. عرفت منه أنه التحق بإحدى الشركات الكبرى العاملة في قطاع السيارات، ويشغل وظيفة ادارية في قطاع حسّاس بالشركة.
يحمل صديقي في داخله همّاً كبيراً، فهو يرى زملائه من الجنسيّة (إياها)يتمرغون في نعيم نفس الوظيفة التي يشغلها وغيرها من الوظائف الأخرى بالشركة،  فبالإضافة إلى الراتب المغري، فهناك تذاكر السفر السنويّة، والتأمين الصحّي، والسكن المؤثث، وولائم المناسبات المتلاحقة، بينما مازال راتبه هو بعد 17 عاماً من العمل المتواصل لم يتخط حاجز (450) ريالاً، برغم أنه لم يغب يوماً بدون إذن، وبرغم إنه لم يخن  الأمانة الموكلة إليه برغم قدرته على ذلك لو أراد، أو يفكر في لحظة معينة أن يتواطأ مع الآخرين لتزوير بيانات بعض القطع، أو استبدالها بقطع أخرى مقلّدة، أو في بيع إطارات مقلّدة على أنها جديدة بعد إعادة تلميعها. لم يفعل زميلي كل ذلك ربما لأن قيمة الوطن  مازالت تسكن في داخله بعكس الآخرين من الجنسيّات (إيّاها) الذين يرون في هذا البلد مكاناً للفرص الوافرة التي ينبغي استغلالها بأي شكل وفي أقصر وقت ممكن.

الغريب أنني عندما اتصلت بأحد معارفي الذين يتقلدون منصباً رفيعاً في شركة أخرى تعمل في نفس القطاع كي أجد عملاً أفضل لهذا الزميل، ردّ عليّ قائلاً بعد أن حدّثته كثيراً عن زميلي وأمانته وإمكاناته وخبرته: لا تتعب نفسك كثيراً، فنحن لا نعيّن مدراء عمانيين.

(2)
في الوقت الذي تتحدث فيه وسائل الإعلام المختلفة عن التجاذبات الإثنية، والانقسامات الطائفية في كثير من البلدان التي تدعي أن لديها رصيد كبير من الحياة المدنية، والتي تتباهى بالتعايش وتقبل الآخر، إلا أنني لا أجد مثالاً  أقدمه لهذا التعايش أفضل من الانسجام المجتمعي الطبيعي وغير المصطنع في المجتمع العماني، فهو انسجام تاريخي ممتد عبر العصور التاريخية المختلفة، فعدا بعض المشاكل التي كانت تنشب بسبب غياب الحكومة المركزية في بعض الفترات، أو لأسباب اقتصادية بحتة، لم تحدّثنا كتب التاريخ المحلّي عن حروب عمانية قامت على أسس مذهبية أو طائفية.

غير أن ما أخشاه بالفعل هو الاستغلال الخاطئ لهامش الحرّيّة الاعلامية  من خلال طرح مواضيع غريبة عن نسيج المجتمع العماني في بعض مواقع التواصل الاجتماعي، أو المنتديات السياسية المختلفة، وانقسام البعض حولها بين مؤيد ومعارض لمجرّد التعصب الأعمى لا غير، ولأنها لامست أو عارضت أهوائهم وتوجهاتهم لا غير.

جميل أن يبقى التسامح والتجانس في ظل وطن يحوي الجميع، والأجمل أن نحافظ على هذا التسامح في ظل التحديات المختلفة التي تتربص بمجتمعنا، فلن نحافظ على نجاح مكتسبات هذا الوطن سوى بالتكاتف والتعاضد، فالدين لله، والوطن للجميع.

 (3)
في برنامج "رؤية اقتصادية " كانت فرحتي غامرة وأنا أستمع لتصريح سعادة وكيل الاسكان  بأن هناك توجّه لدى الوزارة لبناء وحدات سكنيّة متعدّدة الطوابق للشباب بأسعار رمزيّة. وهو حلم كتبت عنه كثيراً ، وبحّ صوتي وأنا أشرحه للقاصي والداني، وأستعرض نماذج لدول عديدة قامت بتطبيق أفكار مشابهة.
غير أن فرحتي لم تكتمل عندما أردف سعادته بأنّ  هذا الإجراء لم يتم إقراره حتّى الآن.
فكرة كهذه هل سترى النور في يوم من الأيام؟

(4)
يكثر الحديث هذه الأيام عمّا حدث من تجاوز  أخلاقي في مهرجان مسقط، بل أصبح حديث الساعة، ويندر أن تدخل موقعاً اجتماعيّاً أو منتدى محلّيّاً دون أن تجد موضوعاً أو صورة أو مقطعاً يتناول الحادثة بتفاصيلها الدقيقة.

شخصياً وبرغم اعتراضي على ما حدث، لكني لست مع من ينادون بإلغاء المهرجان أو مقاطعته، بل  مع تعديل مساره بحيث يؤدي الغرض المنشود منه فكرياً واقتصاديّاً واجتماعيّاً،  فهو فرصة لأشياء كثيرة جميلة ليس أقلها التعريف بثقافة البلد، وإتاحة الفرصة لتذكّر حرف وفنون وموروثات  طوتها يد النسيان، ومصدر دخل لفئات تنتظر مناسبات كهذه كي تزيح بعضا من هموم مادية تعانيها، ومتنفّس لفئات اجتماعيّة عديدة مازالت تحلم بالحدائق والمتنزّهات وأماكن الترفيه الاجتماعيّة، وترى في المهرجانات المحلّيّة والمعارض الاستهلاكية فرصة لتغيير بعض الجو في ظل عدم قدرتها على السفر للاستجمام في الخارج، وفي ظل ضعف البديل المتاح محلّيّاً برغم مئات الأماكن الطبيعيّة الخلابة في السلطنة.

لا يجب أن نعالج الخطأ بالخطأ، وعلينا أن نبحث عن سبب المشكلة لا نتائجها كي نشخّصها التشخيص المناسب، لا أن نبدي كثيراً من التشنّج المبالغ فيه ثم ننسى الموضوع برمّته بعد يوم أو اثنين.

(5)
قبل أيّام وفي عزّ النهار لفت نظري ارتداء إحدى النساء الغير عربيات لملابس غير محتشمة بتاتاً في مكان عام يعجّ بكثير من المارّة والقاطنين، وهو منظر سبق وأن لاحظته في زيارات سابقة لأكثر من مركز تجاري في السلطنة.

نعم عمان بلد الحرية والتسامح، ولكن ذلك كله لا يعني أن نقبل بمثل هذه التصرفات لمجرد أن يقول عنا الآخرون ذلك.
 ينبغي على أمثال هؤلاء احترام خصوصية المجتمع العماني، وعلى الجهات المعنية أن تتصدى لمثل هذه المشاهد، وألا نجامل على حساب عاداتنا ومبادئنا المستمدة من تعاليم الإسلام الحنيف، ومن عادات عربية أصيلة، ومن إرث حضاري تعب الأجداد كثيراً كي يكوﱢنوه.

(6)
قال لي الشاعر الشعبي الشهير: هل صحيح أن الشاعر يوسف بن عبيد الفارسي توفي؟ قلت له: نعم. منذ أكثر من 6 أشهر. رد عليّ: والله؟ ما عندي خبر. الله يرحمه.

نعم توفي شاعر الميدان الكبير بعد رحلة عطاء تجاوزت السبعين عاماً. رحل في صمت ولم يجد من يتذكره ولو بتحقيق صحفي يتيم وهو الشاعر الجزيل العطاء في الرزحة والميدان وفنون أخرى يرى فيها البعض نوعاً من الرجعيّة والتخلّف.

مرّت وفاة هذا الشاعر الكبير في صمت ربّما لأنه لم يجيد قول قصائد على وزن " وأنا في صخب العبث ألمح نخلة من بعيد فينتابني السأم والجوع" ، وربما لأنه لم يؤلف قصصاً وروايات من نوعيّة " عندما يتثاءب الجليد"، أو   " اغفاءة الأرق"، وقد يكون السبب كذلك  أنه لم يدوّن قصائده على المناديل الورقيّة كنوع من الحداثة والابداع والخروج على القوالب النمطيّة.

محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

الثلاثاء، 21 يناير 2014

"مصر.. وماذا بعد"


قال لي: والآن وبعد أن صوّت المصريّون بأغلبيّة ساحقة لصالح الدستور الجديد هل تعتقد أن الأوضاع ستتحسّن، وعجلة الاقتصاد ستدور، وسيتمّ القضاء على الإرهاب والارهابيين؟

أجبته: شخصياً أتمنى كل الخير لمصر، فهي كنانة العرب وقبلتهم، ومتى ما كانت مصر بخير فالعالم العربي أجمعه بخير، ولكنّي للأسف لا أعتقد أن الأوضاع ستتحسّن كثيراً، وأعتقد كذلك أن التغيير الحقيقي لم يأت بعد.

سألني مستغرباً: كيف ذلك ومصر قامت بثورتين خلال عامين فقط قدمت خلالها المئات من أبنائها وزهرة شبابها.

قلت له: دعنا نعود إلى الوراء قليلاً كيف نفهم الأمر بوضوح. عندما قامت الثورة المصرية في 25 يناير  لم يكن لها تصور محدد لما بعد حسني مبارك، لذا فهي أسقطت رأس النظام فقط وليس النظام بكل تبعاته، لأن من قام بها لم يكن فصيلاً بعينه كما حدث في ثورة يوليو 1952، لذا بقى كل شيء على حاله، وبقت أذناب النظام موجودين على رأس كل مؤسسة، أضف إلى ذلك الأوضاع الاقتصادية المتردية في بلد يبلغ تعداده تسعين مليونا وفي بلد متعدد الطوائف، وفي ظل شعب متلهف لحياة افضل.

لم يكن سهلاً على أي نظام جديد أن ينجح وسط كل هذه التركة، غامر الإخوان بالمنافسة على كرسي الرئاسة وشجعهم أتباع النظام السابق على ذلك، فلا حل لإسقاط الإخوان مستقبلاً سوى بإفشالهم في خطوة كهذه في ظل عدم وجود بديل آخر من الأحزاب الكرتونية الأخرى، وساعدهم الاخوان على ذلك بغباء سياسي، وبتلهف على حلم انتظروه طويلاً، وبعدم تعودهم على عمل سياسي كبير كهذا، وباختيارهم لشخصية طيبة بلا كاريزما فبدأت بعدها الازمات وتضخيم المشاكل بمساندة نخبة لا هم لها سوى اقصاء الاخوان، وبدعم من آلة اعلامية ضخمة مملوكة لرموز الحزب الوطني، إضافة إلى الصراع الخفي بين الاخوان وبين مؤسسات تخاف على مكانتها كالأزهر والقضاء، ومؤسسات لديها عداء خفي مع التيار الاسلامي كالكنيسة.

قاطعني: ولكنّ الدستور الحالي به من المواد والبنود ما يمهّد لمرحلة جديدة في حياة المصريين، ولحياة سياسيّة واجتماعيّة واقتصادية أفضل، والدليل نسبة الموافقة التي أذهلت العالم.

قلت له: مشكلة مصر ليست في دستورها، فدستور الاخوان لم يختلف كثيراً عن الدستور الحالي، ودستور1971لم يكن سيئاً، وبه مواد رائعة كثيرة. المشكلة في مدى وامكانية تطبيق هذا الدستور بشكل حقيقي أم لا. المشكلة في فساد رؤوس المؤسسات التي لم تستطع الثورة تطهيرها، في تزاوج المال بالسلطة وتوارث المناصب جيلاً بعد جيل،  في منظومة التعليم التي جعلت الطالب الجامعي لا يحضر سوى آخر يوم  لشراء مذكرات الاساتذة وحفظها، في المنظومة الصحية التي جعلت الشعب يستدين ليتعالج في المستشفيات والعيادات الخاصة بعد أن تردّى مستوى الخدمات الصحيّة الحكوميّة، في التفاوت الواضح في مستويات المعيشة بين طبقات مطحونة وسكان مقابر، وبين سكان الرحاب والقطامية وبورتو مارينا، في جيوش البلطجية الذين لم تتدخل الحكومة للقضاء عليهم. المشكلة في أشياء كثيرة لن تتقدم مصر دون حلها.

قال لي: أراك تدافع عن الإخوان وكأن عهدهم كان عهد خير ورخاء لا عهد انقسام وتفكك للمجتمع المصري.

أجبته: أنا لا أدافع عن الإخوان أو عن غيرهم، أنا أدافع عن معايير سبق وان انتقدت الاخوان عليها زمن حكم مرسي. القضية قضية مبدأ وليست قضية اخوان وجيش ومن الأفضل، علينا أن نضع معايير نحتكم اليها عند الحكم على أي قضية وأن ننحي مشاعرنا وصورنا الذهنية المرسومة مسبقاً جانباً، كل ما أخذه المعارضون على مرسي يطبق حالياً بشكل أوسع واوضح ولا أحد يتفوّه بكلمة. خذ معك مثلاً: لماذا أصبح الثوار الحقيقيين فجأة طابور خامس، ومن كان متفرغاً لتسجيل محادثاتهم ؟ ولماذا هؤلاء أنفسهم كانوا أبطالاً وثواراً في نظر الاعلام زمن مرسي ؟ ولماذا يوصف مرسي بالقاتل والديكتاتور وعدو الاعلام مع أن أسهل شيء يمكن فعله في عهده هو أن تسبّه في أي قناة او صحيفة ، ولماذا يقتل الناس الآن كل يوم وتقفل الصحف والفضائيات ولا أحد يتكلم؟ ولماذا وقف كبار القضاة والاعلاميين والفنانين ولاعبي الكرة ضد مرسي وأيدوا شفيق، ولماذا هم الآن أنفسهم يتركون شفيق ويؤيدون السيسي، ولماذا هؤلاء ذاتهم وقفوا مع مبارك لآخر لحظة مع أن عهده كان عهد فساد وأصبحوا ثواراً زمن مرسي؟ ولماذا كان الكل يتغنى بدور الاخوان في الثورة ويسعون لكسب ودّهم بل واشتركوا معهم في تكتل سياسي واحد والآن فجأة أصبحوا في عداد الإرهابيين؟ ولماذا قام السيسي بعزل مرسي في 3 يوليو ولم يعزله عندما أعطى حلايب للسودان وأجّر قناة السويس لقطر، أم ان الامر كان عبارة عن تهويل اعلامي؟ ولماذا تم انتقاد سد النهضة زمن مرسي ثم الاشادة به الآن بعد سقوطه؟ ولماذا يتم الان إعادة مشروع النهضة في قناة السويس بعد أن تم انتقاده زمن مرسي؟

قال: لا حل لمشاكل مصر سوى أن يحكمها رجل من الجيش فهو القادر على توحيد الناس خلفه في ظل حب المصريين لهذه المؤسسة الوطنية.

أجبته: من ينادي بحكم الجيش فهو لا يقدم حلاً شافيا لمشاكل مصر، بل هو كمن يدفن رأسه في الرمال خوفاً من أي عاصفة قد تهب، فمصر دولة عريقة لها تاريخ طويل مع الديمقراطية لذا لا يليق بمكانتها أن يستمر الحكم العسكري بها لمجرد أنّه  لا توجد شخصية مدنيّة مناسبة تحكمها.

اعطني الخلاصة. كيف تلخّص الوضع في مصر؟

برأيي أن ما يحدث في مصر هو صراع مصالح يذهب ضحيته فقراء الشعب لصالح حفنة تعودت أن (تكوّش) على مقدرات الامور في ظل انقسام الشعب إلى أغلبية مطحونة وأقلية تعاني من التخمة، وفي ظل بقاء ابن الدكتور دكتور وابن القاضي قاضي، وابن البوّاب بوّاب. هي لعبة مصالح لا أكثر ، وما السيسي الا محطة عبور من واقع حالي ريثما تعود السطوة لتلك النخب.
هناك احتقان حقيقي في مصر وتغييب لصوت العقل فإما ان تكون مع أو ضد، وصراع المصالح سيبدأ قريبا لأن الفساد ينخر في كثير من المؤسسات، ومن ينتظر غنيمة ما ولن يجدها سيتحالف مع الشيطان نفسه ضد الطرف الآخر. وهناك دم سال، الذي قتل ابنه أو أخوه بدم بارد سيظل يحترق ويستغل أي فرصة للانتقام، والمواطن البسيط الذي تم افهامه أن الاخوان أخطر من اليهود سيستوعب مجريات الامور عندما يرى أن  الوضع كما هو لم يتغير، والمرأة البسيطة التي رقصت أمام لجنة التصويت هي ذاتها التي صوّتت لصالح دستور الاخوان قبل عام واحد، وفي كلتا الحالتين ربما لم تكن لتعرف شيئاً عن الدستور سوى اسمه، وسوى أن التصويت عليه بنعم قد يدخلها الجنّة في المرّة الأولى، أو قد يخلّص البلد من الاخوان الارهابيين الذين سيقتلون ابنها في المرة الثانية، أو قد تكون فعلت ذلك من أجل جنيه تأتي به ببضعة أرغفة تسدّ بها رمق أطفال أيتام.

كنت ولازلت وسأظل أقول أن مصر لا يمكن أن تتقدم مادامت تدار بالعاطفة دون أية معايير حقيقية، ومادام الاختلاف يتحول إلى تخوين، ومادامت المبادئ تغير في اليوم ألف مرة، وفي ظل غياب العدالة الاجتماعية.

لن تتقدم مصر وستظل على حالها مالم يغيّر المصريون أطباعهم الاجتماعية في علاقتهم مع السلطة والحاكم، ولن نفهم الواقع المصري إلا إذا فهمنا تفكير النخب وأرضية الحياة السياسية في مصر وواقع الحياة الاجتماعية فيها. 

د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com
 

الاثنين، 13 يناير 2014

بركاتك يا شيخ

يقول الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام المحلّيّة " بالتعاون مع المختصين في وزارة البلديات الاقليمية وموارد المياه ممثلة في بلدية البريمي، وبالتنسيق مع الادعاء العام وشرطة عمان السلطانية، تمكنت الهيئة العامة لحماية المستهلك من ضبط مجموعه من الوافدين تقوم بتصنيع وبيع عشرات الآلاف من  المستحضرات العشبية تستخدم لأغراض طبية مختلفة، في محل يحمل ترخيص بيع الاصباغ ومواد البناء،  منها 81311 من الكبسولات المعبئة، و20 الف كبسولة فارغه، و83 من الزيت المرقي، و19 عبوه من البخاخ، و60 علبه من الماء المرقي، و10 عبوات من مخلوط المسك، و 16 عبوه من نوع تحصين الجن، وبعض الأدوات القديمة والصدئة الخاصة بعمل خلطات العسل والأعشاب وغيرها من المستحضرات العشبية المختلفة ".

محلّ بيع أصباغ يبيع أعشاب طبّيّة! ألا يذكّركم ذلك بمحلّ الخياطة النّسائيّة الذي عثر فيه على (70 ) من زجاجات الويسكي المعّدة للبيع؟ ما السبب الذي يجعل أمثال هؤلاء للبحث عن أماكن كهذه لبيع بضائعهم الممنوعة؟  هل هو البحث عن مكان غير مألوف؟ هل لأجل تغليفها بمعطف جميل من الرقّة والجمال؟ أم هي الرغبة بتلوين الحياة بالوهم.

ويمضي الخبر ليقول "وبعد الجهود الحثيثة تمكن المفتشين المداهمين لموقع الحدث من اكتشاف صاحب هذه الاعشاب، وهو من جنسية عربية ويدعى "....." ويلقب بالشيخ الدكتور، وبعد البحث والتقصي تبين مزاولته لمهنة الرقية الشرعية، كما أنه صاحب هويّة إعلاميّة، وله زبائن كثر يلجؤون إليه لعلاجهم وطرد الجنّ من أجسادهم".

اذاً نحن هنا لا نتحدث عن بضائع مقلّدة أو مزوّرة وقع المستهلك المسكين في فخّها دون أن يدري عن كواليس ما يحدث. نحن نتحدث عن بضاعة يعرف المستهلك مسبقاً أنها مغشوشة، وأنها لا تعدو عن كونها وهماً كبيراً يضرّ بصحّته وسلامته وبجيبه، وبفكره كذلك، ومع ذلك فهو يصرّ على شرائها مهما كلّفه الأمر، ومستعد أن يذهب إلى آخر وثالث ورابع من نوعيّة هؤلاء المشعوذين. أو لم نقرأ (وما زلنا) عن أخبار يوميّة من شاكلة "القبض على مشعوذ إفريقي في السويق"، " الحكم على مشعوذ في السيب بالسجن 8 سنوات"، وغيرها من الأخبار المشابهة التي لا يكلفك عناء استحضارها سوى ضغطة زرّ على أحد محركات البحث الشبكيّة المتعدّدة، والتي يكون  القاسم المشترك فيها هي جنسيّة المشعوذ أو (الشيخ) التي غالباً ما تكون غير عمانية، والأدوات المستخدمة، ونوعيّة الخدمة المتعلّقة بتنمية مال، أو فكّ عمل، أو طرد جان، وغيرها من (الخوارق)، وهي أخبار ستظل وستتكرر في كل يوم مادام بعضنا يعتقد أن الوهم والإيحاء هو نصف العلاج.

يزعم المتّهمين في هذه الضبطيّة بأن الأعشاب والكبسولات التي تمّ ضبطها ذات قدرة على علاج الامراض المستعصية كالإيدز والسرطان والسكري والقولون والبروتستات وأمراض الضعف الجنسي، والتخلص من اعمال السحر وطرد الجان وغيرها من الأمراض التي يقف حتى الطب الحديث عن ايجاد علاج لها. ألا يعلم روّاد بضائع كهذه أنه لو كان لهذا (الشيخ) قدرة على علاج كل هذه الأمراض، وجلب الرزق، و(توليد) الأوراق النقدية، لما كان موجوداً هنا، ولدفعت له أكبر المراكز الطبيّة في العالم الأموال الطائلة للفوز بخدماته، ولتلاشى كل أثر فيه للصلع أو للكرش وغيرها من المنغصات التي يدفع  البعض في سبيل التخلص منها بالغالي والنفيس، بل ولظل في بيته هانئاً قانعاً بالأموال التي تتوالد على يديه ، والتي تغنيه عن متاهات الأسئلة، و(شحططة) الأسفار.
ثمّ ماذا يريد هؤلاء (المشايخ) منّا!! هل ضاقت عليهم الأرض بما رحبت فلم يجدوا سوى عقولنا ليتكسبوا منها؟ ولماذا الذقن الطويل والعمامة والجلباب؟ ألا يمكن أن يغلّف هذا (الوهم) في زيّ عصريّ آخر؟ ولماذا نحن بالذات؟ لماذا لا يمارسوا هذا الأمر في بلدانهم التي أتوا منها، أم أن كرم الضيافة يلحّ عليهم أن يبادلونا بالمثل؟ أعرف شيخاً أوهم الناس بقدرته على حل كافة المشاكل النفسية التي يمكن أن تعاني منها أنت أو أحد أفراد عائلتك. تشعر بضيق معيّن؟ لديك خلافات مع زوجتك؟ ابنتك تعاني من مشاكل في النطق؟ نتائج ابنك الدراسيّة متدنيّة؟ لا تقلق، ولا ترهق نفسك بالبحث عن الأسباب الحقيقية لكل تلك المشاكل والهموم. فقط هي زيارة للشيخ الجليل وسيقرأ على رأسك بعضاً من الآيات والأدعية مقابل خمسة ريالات، وسيعطيك بعضاً من الماء مقابل عشرة ريالات، على أن تحضر إليه بعد عدّة أيام ليتأكد من حالتك، وستعطيه المعلوم كذلك، وستشعر بعدها بتحسّن كبير. صحيح أن مشاكلك المادّيّة مازالت على حالها، وصحيح أن خلافك مع زوجتك لم يحل، ومؤكّد أن ابنتك لم تتعافى من مشكلة النطق، ولكن مادام الشيخ قد قرأ عليك فكل ما سبق سيحل. متى؟ لا أعلم، ولكن ثق بأنه سيحل، ولا تفكر مرة في انتقاده أو وصفه بالدجّال، فالشيخ (سرّه باتع) كما يقول أحبابي المصريين، وعمل منه قد يؤدي بك إلى التهلكة.

يبدو أنه كتب علينا أن نقرأ  كل يوم رواية لفيلم رعب رديء، ولكنها هذه المرّة بصورة واقعية أبعد ما تكون عن الخيال، فأبطال الرواية، والبلاتوه، والديكور، والموسيقى التصويريّة كلها أشياء حقيقية تم تنفيذ خلطتها بطريقة يحسدهم عليها (الفريد هيتشكوك) نفسه.

إن كان في الخبر من شيء ايجابي فهو في التعاون المثمر الذي تم بين  الهيئة العامّة لحماية المستهلك، ووزارة البلديات، وهو تعاون ينبغي أن يتم ويستمر، ذلك أن السوق المحلّي ما زال يعجّ بالكثير من مرادم الفساد التي أزكمت الأنوف، والتي جاءت نتيجة تراكمات سابقة من اللا مبالة، والمحسوبية، والاحتكار، وعدم الرقابة الحقيقية، والاستخفاف بعقول المستهلكين، من قبل (بعض) من صوّرت لهم أنفسهم أن هذا الوطن رخيص لدرجة أنه لا يستحق أن يقوموا بخدمته وفق معايير تتطلبها وظائفهم، ويحثّ عليها دين أتى رحمة للعالمين، ويفرضها عليهم وطن احتضنهم وآوى شملهم، و قائد عمل الكثير كي يوفر لهم الأمان بعد خوف ومسغبة، وهي مرادم تحتاج لكثير من الوقت والجهد لإزالتها وتسوية الأرض التي كانت تفترشها.
د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

لقاء حول الجمعيات التعاونية الإستهلاكية


الثلاثاء، 7 يناير 2014

نحو مجتمع يشدّ بعضه بعضاً



" أكثر من ١٨٠ أسرة من فئة الايتام والمعسرين على مستوى ولاية بديّة استفادت من حملة توزيع المعونات الشتوية والتي اشتملت على 250 بطانية، ١٨2دفاية، 19 سخان"،" 36 مكيف ، 5 ثلاجات، 21غسالة هي نتائج حملة توفير الأجهزة الكهربائية في المنترب"،  "سطّر شباب بلدة الغبّي بولاية بدية ملحمة وطنية رائعة وذلك من خلال مشاركتهم الأهالي  في إصلاح فلج الغبي الذي تأثر نتيجة جريان الأودية الأخيرة"، " توزيع 400 طرد رمضاني ببدية وذلك بالتعاون مع الجمعيات الخيرية الوطنية"، "صندوق التكافل الاجتماعي ببدية يقوم  بدراسة إمكانية توفير وجبات غذائية للطلاب المعسرين"، " الانتهاء فيه من صيانة وبناء غرف وتوزيع أجهزة تكييف ومعدات كهربائية لعدد من الأسر بأكثر من 12 ألف ريال عماني"، " صندوق التكافل الاجتماعي ببديّة يدشّن فريق (احسان) لصيانة وترميم منازل الايتام".

كانت هذه نماذج بسيطة لبعض الأعمال التي ينفذها صندوق التكافل الاجتماعي ببديّة، وهو صندوق خيري لم تتجاوز فترة تدشينه السنتين، ولكنّه حقق الكثير خلالها، لعل أبرزها حالة التوائم المجتمعي، وتغيير المفاهيم لدى شريحة كبيرة من المجتمع المحلّي تجاه قيمة العمل التطوعي، وهو الأمر الذي انعكس ايجاباً بكل صدق في مدى تجاوبهم مع برامجه المتنوّعة، وإقبالهم على المشاركة في تنفيذ هذه البرامج.

في كل مرة أطالع أخباراً كتلك التي تصدّرت المقال أتساءل مع نفسي: أي طاقة هذه التي يملكها شباب بدية، وأي قيم سامية يتحلون بها، وأيّ إصرار عجيب يتملّكهم، وأيّ تفاءل يسكنهم. ألا يملّ هؤلاء؟ ألا يصيبهم الاحباط عندما يعجزون أحياناً عن استكمال مشروع معين لأسباب مالية أو لتعقيدات بيروقراطية؟

وفي كل مرة أطّلع فيها على المشاريع التي يقوم بها صندوق التكافل الاجتماعي بولايتهم، أو أيّة جهات شبابيّة أخرى لديهم أكاد أصاب بالذهول كذلك، ليس لتشاؤمي المسبق من وتيرة العمل التطوّعي بالسلطنة، فأنا موقن تماماً بأن الكثير من الجهود المخلصة التي تملأ أرجاء هذا الوطن، وأين ما وجد الإنسان العماني وجدت معه قيمه ومبادئه ولكن مبعث ذهولي هو تلك العزيمة الصادقة، وذلك الجهد الهائل  الذي يقوم به أولئك الشباب، والذي ربّما لن تستطيع مؤسّسة خاصّة أنشئت لهذا الغرض أن تقوم به كما يقوم به شباب ولاية بديّة.

ما يبهرني تجاههم ليس حجم الأنشطة والمساعدات التي يقدّمها الصندوق فقط، ولكن في تنوّع هذه المشاريع وعدم اكتفائها بمبدأ (اعط الفقير سمكة)، بل تعدّتها لتعلّمه الصّيد، فأم عبد الله مثلاً وهي إحدى المستفيدات  من مشروع الأسر المنتجة التابع للجنة الأيتام تمكّنت من خياطة  ملابس لها ولابنتها وأخواتها، بل خاطت فستان العرس لابنة أختها، ووفّرت مبالغ تعاني منها ميزانيّة كثير من الأسر العمانيّة التي تجبرها العادات الاجتماعية على دفع مبالغ لا بأس بها من أجل فساتين تلبس ليوم واحد في ظل تراجع الخياطة العمانيّة والزيّ العماني الأصيل لصالح وافدين أوهمونا أن بضاعتهم هي الأجود، وأن جيوبهم هي أنسب مكان لوضع تلك المبالغ.   كما أن مبلغ الخمسة ريالات التي تقاضتها عن أول قطعة تبيعها كان له طعم مغاير لأنه اختلط بالعرق الذي بذلته في حياكتها.

كذلك فالأنشطة والبرامج التي ينفّذها الصندوق قد نجحت في جذب المجتمع المحلّي بالولاية للمشاركة في تنفيذها، وهذا تجسيد لمبدأ الشراكة الاجتماعيّة الحقيقيّة التي يتم المناداة بها، فعندما يتبرّع أحد أبناء الولاية      بـ ( 1,7 )طن من اللحوم للمعسرين، وعندما يتبرّع صاحب مؤسّسة بعدد من الأجهزة الكهربائية، وآخر بكميّة من المواد الغذائيّة، ورابع بأثاث منزلي، وخامس وسادس وهكذا، فهذا يعني أن المجتمع بدأ يستشعر أهميّة أفكار ومشاريع كهذه، وأن أساس نجاح أي مجتمع يكمن في مدى تكافل أفراده وإحساسهم بالآخر، وأنهم هم أنفسهم قد يكونون يوماً ما بحاجة إلى وقفة الآخرين معهم.

القائمين على الصندوق يبحثون عن أفكار مبتكرة لتوفير مصادر لتمويل الصندوق، لعلّ من بينها تنفيذ مشروع إعادة تدوير الملابس القديمة التي يتم تجميعها عبر حاويات وتسليمها لإحدى الشركات المختصة في إعادة التدوير التي تقوم بدورها بتوريد مبالغ نقدية للصندوق حسب الاتفاق،  علماً بأن الصندوق يعتمد على تبرّعات أعضائه الشهرية بمقدار ثلاثة ريالات، إضافة إلى  دعم المؤسّسات العامّة والخاصّة وبعض رجال الأعمال.

أكثر من 120 شاباً قام الصندوق بتزويجهم خلال موسمين متتاليين للعرس الجماعي، وعندما أتحدث عن عدد كهذا، فأنا أترك لك عزيزي القارئ العنان لتتخيل حجم المصروفات، ولتقوم بعملية مقارنة حسابية بين حجم التجهيزات الماديّة والعينيّة المطلوبة لعدد 120 عرساً فرديّاً، من حيث كمية المأكولات، وقيمتها، والمستلزمات الأخرى من قاعات وفرق فنيّة وغيرها، وبين تكلفة هذه التجهيزات نفسها من خلال عرسين جماعيين لنفس العدد. أعتقد أن الفرق سيكون شاسعاً، كما أن هناك كثير من الرسائل الايجابيّة التي سيتوصّل إليها عقلك الباطن من خلال تساؤلات من مثل: كم عدد الذين قاموا بالمشاركة في تجهيز أعراس جماعيّة كهذه سواء كانت مشاركة ماديّة أم تنظيميّة وإشرافيه، وما حجم المبالغ التي تم توفيرها، وكم قسط ربويّ تم تأجيل الحصول عليه فيما لو قام كل عريس بتنظيم عرسه بمفرده، وماذا لو احتجت لهؤلاء العرسان مستقبلاً في عمل اجتماعي يخدم الولاية، وماهي الرسالة التي ستصل للحاضرين لمناسبة كهذه أطفالهم قبل شيوخهم.

ستسألني أين الإعلام عن مشاريع كهذه بالعرض والتحليل لا بمجرد تغطيات صحفية يتيمة؟ ستحاول اقناعي بأن أفكاراً كهذه يجب أن تدرس بعناية من قبل الجهات المختصة وأن تقدم للآخرين كي يستفيدوا منها؟ ستتعجب معي حول أسباب ابتعاد جوائز العمل التطوعي عن هذا الصندوق؟ أعتقد أن القائمين على هذا المشروع لا ينتظرون شيئاً من الآخرين، فمن يطوّع ماله وجهده لخدمة الآخر لن ينتظر مقابلاً ما. هناك أشياء كثيرة يمكن المقايضة بها إلا.. القيم.

بالمناسبة. سيكون لدى  أم عبد الله مشغلاً بيتيّاً للخياطة عمّا قريب، وقد نجد جزءاً من انتاجه في أحد المعارض الاستهلاكية. وقتها سيداخلني كثير من التفاؤل لأن جزءاً من أموالنا بقي يدور دورته داخل البلد لا خارجه.

د.محمد بن حمد العريمي

Mh.oraimi@hotmail.com