" أكثر من ١٨٠ أسرة من فئة الايتام والمعسرين على مستوى
ولاية بديّة استفادت من حملة توزيع المعونات الشتوية والتي اشتملت على 250 بطانية،
١٨2دفاية، 19 سخان"،" 36 مكيف ، 5 ثلاجات، 21غسالة هي نتائج حملة توفير
الأجهزة الكهربائية في المنترب"، "سطّر شباب بلدة الغبّي بولاية بدية ملحمة وطنية
رائعة وذلك من خلال مشاركتهم الأهالي في إصلاح
فلج الغبي الذي تأثر نتيجة جريان الأودية الأخيرة"، " توزيع 400 طرد رمضاني
ببدية وذلك بالتعاون مع الجمعيات الخيرية الوطنية"، "صندوق التكافل
الاجتماعي ببدية يقوم بدراسة إمكانية توفير
وجبات غذائية للطلاب المعسرين"، " الانتهاء فيه من صيانة وبناء غرف وتوزيع
أجهزة تكييف ومعدات كهربائية لعدد من الأسر بأكثر من 12 ألف ريال عماني"،
" صندوق التكافل الاجتماعي ببديّة يدشّن فريق (احسان) لصيانة وترميم منازل الايتام".
كانت هذه نماذج بسيطة لبعض الأعمال التي ينفذها صندوق
التكافل الاجتماعي ببديّة، وهو صندوق خيري لم تتجاوز فترة تدشينه السنتين، ولكنّه
حقق الكثير خلالها، لعل أبرزها حالة التوائم المجتمعي، وتغيير المفاهيم لدى شريحة
كبيرة من المجتمع المحلّي تجاه قيمة العمل التطوعي، وهو الأمر الذي انعكس ايجاباً
بكل صدق في مدى تجاوبهم مع برامجه المتنوّعة، وإقبالهم على المشاركة في تنفيذ هذه
البرامج.
في كل مرة أطالع أخباراً كتلك التي تصدّرت المقال أتساءل
مع نفسي: أي طاقة هذه التي يملكها شباب بدية، وأي قيم سامية يتحلون بها، وأيّ
إصرار عجيب يتملّكهم، وأيّ تفاءل يسكنهم. ألا يملّ هؤلاء؟ ألا يصيبهم الاحباط
عندما يعجزون أحياناً عن استكمال مشروع معين لأسباب مالية أو لتعقيدات بيروقراطية؟
وفي كل مرة أطّلع فيها على المشاريع التي يقوم بها صندوق
التكافل الاجتماعي بولايتهم، أو أيّة جهات شبابيّة أخرى لديهم أكاد أصاب بالذهول
كذلك، ليس لتشاؤمي المسبق من وتيرة العمل التطوّعي بالسلطنة، فأنا موقن تماماً بأن
الكثير من الجهود المخلصة التي تملأ أرجاء هذا الوطن، وأين ما وجد الإنسان العماني
وجدت معه قيمه ومبادئه ولكن مبعث ذهولي هو تلك العزيمة الصادقة، وذلك الجهد الهائل
الذي يقوم به أولئك الشباب، والذي ربّما لن
تستطيع مؤسّسة خاصّة أنشئت لهذا الغرض أن تقوم به كما يقوم به شباب ولاية بديّة.
ما يبهرني تجاههم ليس حجم الأنشطة والمساعدات التي
يقدّمها الصندوق فقط، ولكن في تنوّع هذه المشاريع وعدم اكتفائها بمبدأ (اعط الفقير
سمكة)، بل تعدّتها لتعلّمه الصّيد، فأم عبد الله مثلاً وهي إحدى المستفيدات من مشروع الأسر المنتجة التابع للجنة الأيتام تمكّنت
من خياطة ملابس لها ولابنتها وأخواتها، بل
خاطت فستان العرس لابنة أختها، ووفّرت مبالغ تعاني منها ميزانيّة كثير من الأسر
العمانيّة التي تجبرها العادات الاجتماعية على دفع مبالغ لا بأس بها من أجل فساتين
تلبس ليوم واحد في ظل تراجع الخياطة العمانيّة والزيّ العماني الأصيل لصالح وافدين
أوهمونا أن بضاعتهم هي الأجود، وأن جيوبهم هي أنسب مكان لوضع تلك المبالغ. كما أن
مبلغ الخمسة ريالات التي تقاضتها عن أول قطعة تبيعها كان له طعم مغاير لأنه اختلط
بالعرق الذي بذلته في حياكتها.
كذلك فالأنشطة والبرامج التي ينفّذها الصندوق قد نجحت في
جذب المجتمع المحلّي بالولاية للمشاركة في تنفيذها، وهذا تجسيد لمبدأ الشراكة
الاجتماعيّة الحقيقيّة التي يتم المناداة بها، فعندما يتبرّع أحد أبناء الولاية بـ ( 1,7 )طن من اللحوم للمعسرين، وعندما
يتبرّع صاحب مؤسّسة بعدد من الأجهزة الكهربائية، وآخر بكميّة من المواد الغذائيّة،
ورابع بأثاث منزلي، وخامس وسادس وهكذا، فهذا يعني أن المجتمع بدأ يستشعر أهميّة
أفكار ومشاريع كهذه، وأن أساس نجاح أي مجتمع يكمن في مدى تكافل أفراده وإحساسهم
بالآخر، وأنهم هم أنفسهم قد يكونون يوماً ما بحاجة إلى وقفة الآخرين معهم.
القائمين على الصندوق يبحثون عن أفكار مبتكرة لتوفير مصادر
لتمويل الصندوق، لعلّ من بينها تنفيذ مشروع إعادة تدوير الملابس القديمة التي يتم تجميعها
عبر حاويات وتسليمها لإحدى الشركات المختصة في إعادة التدوير التي تقوم بدورها بتوريد
مبالغ نقدية للصندوق حسب الاتفاق، علماً
بأن الصندوق يعتمد على تبرّعات أعضائه الشهرية بمقدار ثلاثة ريالات، إضافة إلى دعم المؤسّسات العامّة والخاصّة وبعض رجال
الأعمال.
أكثر من 120 شاباً قام الصندوق بتزويجهم خلال موسمين متتاليين
للعرس الجماعي، وعندما أتحدث عن عدد كهذا، فأنا أترك لك عزيزي القارئ العنان
لتتخيل حجم المصروفات، ولتقوم بعملية مقارنة حسابية بين حجم التجهيزات الماديّة
والعينيّة المطلوبة لعدد 120 عرساً فرديّاً، من حيث كمية المأكولات، وقيمتها،
والمستلزمات الأخرى من قاعات وفرق فنيّة وغيرها، وبين تكلفة هذه التجهيزات نفسها
من خلال عرسين جماعيين لنفس العدد. أعتقد أن الفرق سيكون شاسعاً، كما أن هناك كثير
من الرسائل الايجابيّة التي سيتوصّل إليها عقلك الباطن من خلال تساؤلات من مثل: كم
عدد الذين قاموا بالمشاركة في تجهيز أعراس جماعيّة كهذه سواء كانت مشاركة ماديّة
أم تنظيميّة وإشرافيه، وما حجم المبالغ التي تم توفيرها، وكم قسط ربويّ تم تأجيل
الحصول عليه فيما لو قام كل عريس بتنظيم عرسه بمفرده، وماذا لو احتجت لهؤلاء
العرسان مستقبلاً في عمل اجتماعي يخدم الولاية، وماهي الرسالة التي ستصل للحاضرين
لمناسبة كهذه أطفالهم قبل شيوخهم.
ستسألني أين الإعلام عن مشاريع كهذه بالعرض والتحليل لا
بمجرد تغطيات صحفية يتيمة؟ ستحاول اقناعي بأن أفكاراً كهذه يجب أن تدرس بعناية من
قبل الجهات المختصة وأن تقدم للآخرين كي يستفيدوا منها؟ ستتعجب معي حول أسباب ابتعاد
جوائز العمل التطوعي عن هذا الصندوق؟ أعتقد أن القائمين على هذا المشروع لا
ينتظرون شيئاً من الآخرين، فمن يطوّع ماله وجهده لخدمة الآخر لن ينتظر مقابلاً ما.
هناك أشياء كثيرة يمكن المقايضة بها إلا.. القيم.
بالمناسبة. سيكون لدى أم عبد الله مشغلاً بيتيّاً للخياطة عمّا قريب،
وقد نجد جزءاً من انتاجه في أحد المعارض الاستهلاكية. وقتها سيداخلني كثير من
التفاؤل لأن جزءاً من أموالنا بقي يدور دورته داخل البلد لا خارجه.
د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.