الاثنين، 13 يناير 2014

بركاتك يا شيخ

يقول الخبر الذي تناقلته وسائل الإعلام المحلّيّة " بالتعاون مع المختصين في وزارة البلديات الاقليمية وموارد المياه ممثلة في بلدية البريمي، وبالتنسيق مع الادعاء العام وشرطة عمان السلطانية، تمكنت الهيئة العامة لحماية المستهلك من ضبط مجموعه من الوافدين تقوم بتصنيع وبيع عشرات الآلاف من  المستحضرات العشبية تستخدم لأغراض طبية مختلفة، في محل يحمل ترخيص بيع الاصباغ ومواد البناء،  منها 81311 من الكبسولات المعبئة، و20 الف كبسولة فارغه، و83 من الزيت المرقي، و19 عبوه من البخاخ، و60 علبه من الماء المرقي، و10 عبوات من مخلوط المسك، و 16 عبوه من نوع تحصين الجن، وبعض الأدوات القديمة والصدئة الخاصة بعمل خلطات العسل والأعشاب وغيرها من المستحضرات العشبية المختلفة ".

محلّ بيع أصباغ يبيع أعشاب طبّيّة! ألا يذكّركم ذلك بمحلّ الخياطة النّسائيّة الذي عثر فيه على (70 ) من زجاجات الويسكي المعّدة للبيع؟ ما السبب الذي يجعل أمثال هؤلاء للبحث عن أماكن كهذه لبيع بضائعهم الممنوعة؟  هل هو البحث عن مكان غير مألوف؟ هل لأجل تغليفها بمعطف جميل من الرقّة والجمال؟ أم هي الرغبة بتلوين الحياة بالوهم.

ويمضي الخبر ليقول "وبعد الجهود الحثيثة تمكن المفتشين المداهمين لموقع الحدث من اكتشاف صاحب هذه الاعشاب، وهو من جنسية عربية ويدعى "....." ويلقب بالشيخ الدكتور، وبعد البحث والتقصي تبين مزاولته لمهنة الرقية الشرعية، كما أنه صاحب هويّة إعلاميّة، وله زبائن كثر يلجؤون إليه لعلاجهم وطرد الجنّ من أجسادهم".

اذاً نحن هنا لا نتحدث عن بضائع مقلّدة أو مزوّرة وقع المستهلك المسكين في فخّها دون أن يدري عن كواليس ما يحدث. نحن نتحدث عن بضاعة يعرف المستهلك مسبقاً أنها مغشوشة، وأنها لا تعدو عن كونها وهماً كبيراً يضرّ بصحّته وسلامته وبجيبه، وبفكره كذلك، ومع ذلك فهو يصرّ على شرائها مهما كلّفه الأمر، ومستعد أن يذهب إلى آخر وثالث ورابع من نوعيّة هؤلاء المشعوذين. أو لم نقرأ (وما زلنا) عن أخبار يوميّة من شاكلة "القبض على مشعوذ إفريقي في السويق"، " الحكم على مشعوذ في السيب بالسجن 8 سنوات"، وغيرها من الأخبار المشابهة التي لا يكلفك عناء استحضارها سوى ضغطة زرّ على أحد محركات البحث الشبكيّة المتعدّدة، والتي يكون  القاسم المشترك فيها هي جنسيّة المشعوذ أو (الشيخ) التي غالباً ما تكون غير عمانية، والأدوات المستخدمة، ونوعيّة الخدمة المتعلّقة بتنمية مال، أو فكّ عمل، أو طرد جان، وغيرها من (الخوارق)، وهي أخبار ستظل وستتكرر في كل يوم مادام بعضنا يعتقد أن الوهم والإيحاء هو نصف العلاج.

يزعم المتّهمين في هذه الضبطيّة بأن الأعشاب والكبسولات التي تمّ ضبطها ذات قدرة على علاج الامراض المستعصية كالإيدز والسرطان والسكري والقولون والبروتستات وأمراض الضعف الجنسي، والتخلص من اعمال السحر وطرد الجان وغيرها من الأمراض التي يقف حتى الطب الحديث عن ايجاد علاج لها. ألا يعلم روّاد بضائع كهذه أنه لو كان لهذا (الشيخ) قدرة على علاج كل هذه الأمراض، وجلب الرزق، و(توليد) الأوراق النقدية، لما كان موجوداً هنا، ولدفعت له أكبر المراكز الطبيّة في العالم الأموال الطائلة للفوز بخدماته، ولتلاشى كل أثر فيه للصلع أو للكرش وغيرها من المنغصات التي يدفع  البعض في سبيل التخلص منها بالغالي والنفيس، بل ولظل في بيته هانئاً قانعاً بالأموال التي تتوالد على يديه ، والتي تغنيه عن متاهات الأسئلة، و(شحططة) الأسفار.
ثمّ ماذا يريد هؤلاء (المشايخ) منّا!! هل ضاقت عليهم الأرض بما رحبت فلم يجدوا سوى عقولنا ليتكسبوا منها؟ ولماذا الذقن الطويل والعمامة والجلباب؟ ألا يمكن أن يغلّف هذا (الوهم) في زيّ عصريّ آخر؟ ولماذا نحن بالذات؟ لماذا لا يمارسوا هذا الأمر في بلدانهم التي أتوا منها، أم أن كرم الضيافة يلحّ عليهم أن يبادلونا بالمثل؟ أعرف شيخاً أوهم الناس بقدرته على حل كافة المشاكل النفسية التي يمكن أن تعاني منها أنت أو أحد أفراد عائلتك. تشعر بضيق معيّن؟ لديك خلافات مع زوجتك؟ ابنتك تعاني من مشاكل في النطق؟ نتائج ابنك الدراسيّة متدنيّة؟ لا تقلق، ولا ترهق نفسك بالبحث عن الأسباب الحقيقية لكل تلك المشاكل والهموم. فقط هي زيارة للشيخ الجليل وسيقرأ على رأسك بعضاً من الآيات والأدعية مقابل خمسة ريالات، وسيعطيك بعضاً من الماء مقابل عشرة ريالات، على أن تحضر إليه بعد عدّة أيام ليتأكد من حالتك، وستعطيه المعلوم كذلك، وستشعر بعدها بتحسّن كبير. صحيح أن مشاكلك المادّيّة مازالت على حالها، وصحيح أن خلافك مع زوجتك لم يحل، ومؤكّد أن ابنتك لم تتعافى من مشكلة النطق، ولكن مادام الشيخ قد قرأ عليك فكل ما سبق سيحل. متى؟ لا أعلم، ولكن ثق بأنه سيحل، ولا تفكر مرة في انتقاده أو وصفه بالدجّال، فالشيخ (سرّه باتع) كما يقول أحبابي المصريين، وعمل منه قد يؤدي بك إلى التهلكة.

يبدو أنه كتب علينا أن نقرأ  كل يوم رواية لفيلم رعب رديء، ولكنها هذه المرّة بصورة واقعية أبعد ما تكون عن الخيال، فأبطال الرواية، والبلاتوه، والديكور، والموسيقى التصويريّة كلها أشياء حقيقية تم تنفيذ خلطتها بطريقة يحسدهم عليها (الفريد هيتشكوك) نفسه.

إن كان في الخبر من شيء ايجابي فهو في التعاون المثمر الذي تم بين  الهيئة العامّة لحماية المستهلك، ووزارة البلديات، وهو تعاون ينبغي أن يتم ويستمر، ذلك أن السوق المحلّي ما زال يعجّ بالكثير من مرادم الفساد التي أزكمت الأنوف، والتي جاءت نتيجة تراكمات سابقة من اللا مبالة، والمحسوبية، والاحتكار، وعدم الرقابة الحقيقية، والاستخفاف بعقول المستهلكين، من قبل (بعض) من صوّرت لهم أنفسهم أن هذا الوطن رخيص لدرجة أنه لا يستحق أن يقوموا بخدمته وفق معايير تتطلبها وظائفهم، ويحثّ عليها دين أتى رحمة للعالمين، ويفرضها عليهم وطن احتضنهم وآوى شملهم، و قائد عمل الكثير كي يوفر لهم الأمان بعد خوف ومسغبة، وهي مرادم تحتاج لكثير من الوقت والجهد لإزالتها وتسوية الأرض التي كانت تفترشها.
د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.