الأربعاء، 2 مايو 2012

مشاهد وتساؤلات (2)


(1)
هاتفني صباحاً من صور. شاب مسقطي في منتصف العشرينات ، استهوته صناعة السفن ويريد أن يتعلمها، ويحلم أن تكون له ورشته الخاصة في المستقبل. قال لي كذلك إن جده كان صانع سفن ماهر، وهو يريد أن يستعيد أمجاد العائلة في هذه الحرفة.
يا صديقي .. إن صور التي أتيتها كي تجد من يعلمك صناعة السفن لم يتبق فيها من بقايا هذه الصناعة العريقة سوى ورشة واحدة فقط لم تكن لتستمر في العمل لولا إصرار صاحبها على الاحتفاظ بمهنته وتعليمها لأبنائه كي يكملوا المشوار من بعده، ولولا بعض الدعم المقدم من قبل هيئة الصناعات الحرفية  من حين لآخر.
تسألني لماذا؟ خذ معك يا صديقي : أولاً قامت الحكومة بإغلاق مصنع السفن الحكومي الوحيد بالمدينة والذي كان يعمل به كثيراً ممن تبقى من (الوساتيد) المهرة. تقول لي لم أغلقوه؟ ليتني أعرف إجابة لهذا اللغز.
تريد سبباً آخر؟ شجعت الحكومة استخدام سفن وقوارب الصيد المصنوعة من (الفايبر جلاس)، فأدى ذلك إلى شبه انهيار لصناعة القوارب الخشبية، الأمر الذي جعل كثيراً من صناع السفن يغلقون ورشهم إلى غير رجعة.
تريد أسباباً أخرى أم تكتفي بهذين السببين؟ 
تسألني كذلك عن مصير من تبقى من (الوساتيد)؟ إن حالهم كحال بقية شخصيات المدينة التي برعت في مجال الملاحة البحرية والفن والأدب وبقية المجالات  منزوية في صمت مؤلم تنتظر من يأتي لينهل من فيض خبرتهم وخلاصة تجربتهم الحياتية، وقصص متفرقة عن تاريخ زاخر بكثير من الأحداث التي تدل على براعة الشخصية العمانية أينما وجدت.
والحل أيها الشاب الطيب؟ أمازلت مصراً على تعلم هذه الحرفة؟ لا بأس. أعرف ورشاً في صناعية المدينة تملكها (من الباطن) بعض العمالة الوافدة ومتخصصة في صناعة نماذج السفن العمانية. ما رأيك أن تتلقى تدريبك على يديهم مقابل بعض المال؟ ليس لدي حل آخر سواه. ما رأيك؟
  
(2)
بعد أن دفع دم قلبه واستدان من (طوب الأرض) كي يستطيع جلب عاملة منزل تعين زوجته في القيام بأمور البيت المختلفة، حان وقت وصول العاملة بعد سلسلة متوالية من الإجراءات الروتينية المختلفة.
وصلت العاملة واعتقد صاحبنا أن الأمور انتهت عند ذلك الحد وأن زوجته ستهنأ أخيراً بوجود من يساعدها ويحمل عنها بعضا من المسئوليات المنزلية، ولكنه اكتشف أنه مازالت هناك إجراءات أخرى لابد من استكمالها ، فلابد من عمل فحص طبي لها في إحدى المستشفيات الاستثمارية الخاصة بمبلغ (20) ريال، دبر صاحبنا المبلغ وهو مستغرب من الإصرار على عمل هذه الفحوصات في مستشفيات خاصة بعينها وبهذه القيمة التي قد لا تتناسب وظروفه المادية.
قيل له بعدها أن عليه الذهاب مرة أخرى إلى أحد مكاتب تخليص المعاملات لطباعة بضعة أوراق بمبلغ (5) ريالات، ومن ثم الذهاب باكراً إلى الصحة العاملة لاستكمال بقية الفحوصات والتحاليل بقيمة (10) ريالات، ثم التوجه إلى مديرية القوى العاملة للقيام بإجراءات أخرى قبل أن يختتم المشوار في الأحوال المدنية التابعة لشرطة عمان السلطانية لاستخراج البطاقة والتي تتكلف مبلغ (10) ريالات.
بغض النظر عن الرسوم الكثيرة التي دفعها هنا وهناك، وعن ازدواجية الفحوصات الطبية وعدم عملها في جهة واحدة، إلا أن  تفكير صاحبنا الحالي منصب في أمر واحد مهم وهو: ترى هل ستكمل العاملة المدة المقررة للعمل في بيته أم ستفاجئهم بعد فترة من الزمن بهروبها أو رغبتها في العودة إلى بلدها؟

(3)
مع ظهور الأزمة السورية ظهرت بعض الأقلام المحلية التي تتغنى بالدور الروسي في الساحة الدولية بحيث لا يكاد يمر يوم أو اثنان إلا ونطالع في (بعض) صحفنا المحلية، مقالات تتحدث عن دور روسيا في نصرة القضايا العربية، وعن أنها حامية حمى العرب والمهتمة بمصالحهم المختلفة، بل إن بعضهم أخذ يكتب في مدح الموقف الروسي ما لم يقله مالك في الخمر.
 برأيي أن الدور الروسي لا يقل سوءاً عن نظيره الأمريكي ، فكلاهما تحركه لعبة المصالح والتوازنات، وهم لا يفعلون شيئاً لوجه الله ، وعندما بدأ الاتحاد السوفييتي السابق منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي في الاهتمام بقضايا الشرق الأوسط ودعم بعض الأنظمة العربية ، فهو لاعتقاد ساسته أن العالم الثالث أصبح مستعداً لقبول الاشتراكية، وأن القوى الناشئة يمكن أن تقف ضد المعسكر الرأسمالي. إذا فقد كان الهدف هو قيام جبهة معادية للرأسمالية والامبريالية، وليس رغبة في تحرر هذه الشعوب وتقدمها.
للتذكير فقط.. الاتحاد السوفييتي السابق هو أول من اعترف بقيام دولة إسرائيل عام 1948 ودعمه مالياً وعسكرياً، ولم تتوقف هجرات اليهود الروس المنظمة منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى حتى الآن، وهو الذي احتل عدداً من الدول الإسلامية في وسط آسيا ومنطقة القوقاز لمدة سبعين عاماً وحاول بكل الجهود والسبل إلغاء الهوية الإسلامية لهذه الدول، وهو الذي غزا أفغانستان عام 1979 وحاول فرض النظام الشيوعي هناك بالقوة، وهو الذي ساند الصرب في حملات الإبادة التي قاموا بها في البوسنة والهرسك في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وفي عهده حدثت نكسة 1967 برغم الاعتقاد وقتها بأنه داعم للنظام الناصري، لذا فلم يكن غريباً أن يقوم السادات بطرد الخبراء السوفييت قبل حرب أكتوبر 1973 بحجة مماطلة الاتحاد السوفييتي في دعمه بالأسلحة الحديثة، فلم يشأ أن تتكرر النكسة مرة أخرى وهو العارف ببواطن الأمور.
فلنعتبر من التاريخ.

(5)
كانت مفاجأة جميلة (ومتوقعة) عندما تلقيت عبر بريدي الالكتروني دعوة كريمة من قبل أسرة جريدة الرؤية لحضور حفل تكريم كتاب الجريدة وأسرة تحريرها بفندق بارك إن.
جمالية مشهد التكريم بالنسبة لي كانت تكمن في لهفتي بالتعرف على كتاب ومفكرين طالما قرأت لهم وتمنيت يوماً أن ألتقي بهم، وكم كنت سعيداً وأنا أتنقل من طاولة لأخرى، أتعرف على هذا، وأسلم على ذاك، وأحاور الثالث، وأستعيد علاقة قديمة برابع.
من محاسن الأقدار أنني كنت أتمنى أن ألتقي يوماً بشخصية مهمة كالمفكر والمؤرخ والدبلوماسي  الحاج مال الله بن علي حبيب، والذي استهوتني كتاباته التاريخية صغيراً قبل أن أتعرف بعد ذلك على بقية جوانب شخصيته الثرية، فإذا بي أتعرف على ابنه رجل الأعمال والشخصية الاقتصادية الوطنية المرموقة علي مال الله حبيب والذي كان راعياً كريماً لهذه الإحتفائية الجميلة، وكم شدتني ثقافته الواسعة، وإلمامه الكبير بكثير من القضايا المجتمعية ، ولباقة حديثه، برغم الدقائق القليلة التي قضيتها في حضرته.فشكراً لك أبا حيان على كرم الضيافة، وشكراً لدعمك الواضح لكثير من الفعاليات المجتمعية المختلفة، وهكذا ينبغي أن يكون رجل الأعمال الوطني.
الطائي الرائع حاتم وكتيبته الصحفية يثبتون لنا كل يوم أن النجاح لا يحتاج إلى لكثير إمكانات بقدر ما يحتاج لشيء من وضوح الرؤية، والعمل الجماعي المنظم، وسيادة روح الفريق الواحد. ترى من هو المحظوظ بوجود الآخر؟
شكرا للرؤية، ويقيني أن الأيام القادمة ستحمل مزيداً من النجاحات المتوالية.
د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.