الثلاثاء، 15 مايو 2012

مشاهد وتساؤلات (4)


(1)
عتبي كبير على الهيئة العامة لحماية المستهلك، حيث يبدو لي أن هذه الهيئة تقوم بمحاربة التراث المادي، ولا تضع قيمة له برغم أننا في بلد اشتهر باهتمامه بالتراث الحضاري أياً كان نوعه، والحفاظ عليه، وإلا فماذا يعني قيام موظفيها بضبط ومصادرة بضائع تعود إلى حوالي عشرين سنة ماضية ؟
أبعد كل هذه السنوات من وجودها قريرة العين مطمئنة البال على أرفف بعض المحلات أو داخل مخازنها، تأتون للكشف عنها ومصادرتها؟ من كان مضطلعاً بالمهمة قبلكم لم يفعل ذلك ربما حرصاً على أهميتها وقيمتها التاريخية كشاهد على حقبة تجارية معينة، فلماذا تقومون أنتم بكسر القاعدة؟
 (2)
وبمناسبة الحديث عن الهيئة، فقد اطلعت في جريدة الرؤية قبل أيام على رسم كاريكاتيري معبر وواقعي، حيث شبه صاحب الكاريكاتير الهيئة بأنها لا تلقي بالاً للشكاوى التي تردهم من قبل المستهلكين، يعني بالمصري عاملين (ودن من طين وودن من عجين) ، وهذا أمر مطابق للحقيقة ، فالهيئة خلال شهر ابريل الماضي، استقبلت في محافظة مسقط لوحدها حوالي 287 شكوى، تم تسوية  157شكوى فقط، بينما بلغ عدد الشكاوى التي لم تتم تسويتها 4 شكاوى، أما بقية الشكاوى فإما أن أصحابها أهملوها، أو أنها ما زالت قيد البحث، أو أنه لم يحن موعد تسويتها، وذلك لحداثة عهدها.
تخيلوا.. أربعة شكاوى كاملة لم تتم تسويتها.. كم أنت مهملة أيتها الهيئة لشكاوي المستهلكين.

(3)
ومازلنا مع هذه الهيئة، والتي يبدو أن دورها لا يقتصر فقط على محاربة التراث المادي ومصادرته، بل تعدى ذلك إلى محاولة تقييد الحريات الفكرية ، وإلا فماذا يعني أن تتم مصادرة 7236 فيلم مرئي خلال الأشهر الأربعة الماضية في محافظة مسقط فقط؟ بحجة أنها منافية للآداب أو غير متوافقة مع حقوق الحماية الفكرية، و يتم تسويقها بطرق غير شرعية.
ماذا يعني أن يقوم أحد محلات بيع المصنفات الفنية بنسخ بعض هذه المواد وبيعها تخفيفاً على المستهلك الذي لا يستطيع شراء النسخة الأصلية، أو أن يقوم أحد الوافدين بالترويج لبعض هذه المواد ذات المحتوى (الثقافي) المهم بين أبناء جلدته رأفة بحالهم وتهويناً لمعاناتهم.
ألا يعني ذلك تضييقاً على الحريات ومصادرة للفكر؟ بصراحة ليس لكم حق فيما تفعلونه. 
 (4)
وبرغم أن سعر كيلو اللحم أصبح أغلى من جرام الذهب ، وبرغم رغبة بعض التجار والجزارين من أصحاب القلوب الرحيمة التهوين على المستهلكين بتوفير اللحم لهم بأسعار رخيصة ومناسبة، إلا أن الهيئة تقف بالمرصاد لهؤلاء ، فمرة تقوم بضبط بائع لحوم يقوم بخلط اللحم الصومالي مع اللحم النيوزيلندي لبيعه على المستهلك، ومرة تحيل جزاراً حاول ذبح ثور ميت في أحد الأماكن المخصصة للذبح في إحدى الولايات.
هذه الفئة تحاول مساعدة المستهلك البسيط في الحصول على اللحم بالسعر المناسب وأنتم تقومون بمحاربتهم والتصدي لهم؟ ألا تشعرون بمعاناة الناس؟
 (5)
وبعد أن كنا نستمتع برؤية الملاحق الصحفية التجارية، والتي تحوي إعلانات مشوقة لأعشاب ومنتجات ذات  مفعول (هائل)، تسهم في عودة الشيخ إلى صباه، أو تقضي على أمراض استعصت على الطب الحديث ، أو تجعلك تتخلص من كتل الشحوم والدهون التي تضجر منامك ، أبت الهيئة (كعادتها) إلا أن تحرمنا من هذه المتعة، فأصدرت قرارها الذي حظر تسويق أو توزيع أو الإعلان عن أي أعشاب طبيعية أو مستخلصات نباتية ذات استخدامات تغذوية إلا بعد الحصول على موافقة وزارة التجارة والصناعة، وكذلك حظر تسويق أو توزيع أو الإعلان عن أية أعشاب طبيعية أو مصنّعة ذات استخدامات طبية إلا بعد الحصول على موافقة وزارة الصحة.
ما ذنب المستهلك في حرمانه من  الحصول على بعض الحبوب أو الكبسولات أو المساحيق، أو المغذيات والمقويات بمختلف أنواعها لمجرد أنها تباع بدون ترخيص؟ وهل الهيئة أكثر حرصاً على صحتنا وحياتنا من أصحاب هذه الملاحق الصحفية التجارية أو أصحاب المحلات ؟
حتى بعض أنواع الكحل والزعفران تمت مصادرتهما تحت حجج واهية كاحتوائها على نسبة من الرصاص، أو ارتفاع نسبة الرماد فيها.
(6)
حتى الحريات الشخصية لم تسلم من تدخل هذه الهيئة، ففي شهر مارس فقط قامت الهيئة بضبط عدد 74 من صور الجماجم، و34 مخالفة خاصة بالملابس في محافظة مسقط لوحدها، هذا عدا العلب والهدايا والألعاب التي تحوي صوراً أو رسوماً لجماجم أو شخصيات فنية وسياسية عالمية يمكن لشبابنا أن يتخذوا منهم قدوة في المستقبل.
لا تحجروا على شبابنا حرياتهم، ماذا يعني أن يرتدي أحدهم قميصاً عليه صورة (جون سينا) ، أو شعاراً وثنياً معيناً ، أو أن يحمل (بودي) إحداهن صورة ( مادونا)، أو عبارة من تلك العبارات الهادفة التي تحملها ملابس البعض من شبابنا بدون أن يفهموا معناها، حتى ولو كانت هذه العبارة تدعو إلى ممارسة الرذيلة.
(7)
ومن الأشياء الطريفة التي أطالعها من فترة لأخرى عن انجازات هذه الهيئة، هي قيام موظفيها بمخالفة أحد التجار لأنه رفع السعر بنسبة 140% فقط ، ومخالفة أحد المحلات التجارية لمجرد أنهم وجدوا فرقاً بسيط في سعر سلعة معينة يختلف عما هو موجود على جهاز المحاسبة بحوالي 40 بيسة، من منطلق أن هذا تحايل على الأسعار.
 أي رياح سوداء ألقت بك أيها التاجر القنوع في وجه موظفي هيئة حماية المستهلك الذين لا يرحمون، وهل لمجرد 40 بيسة يقومون بمخالفة التاجر الآخر؟ نحن تعودنا سابقاً أن نجد فروقاً بالريالات ولا نحدث كل تلك الضجة، وبعضنا لا يهتم أساساً بالمقارنة بين الأسعار، أو حتى الحصول على فاتورة الشراء، أو حتى التوقف للحظة من أجل قراءة حقوق المستهلك المعلقة على مداخل المحلات المختلفة.

بعد كل ما ذكر أعلاه، هل ما زال لدى (البعض) شك في الجهود التي تقوم بها هذه الهيئة برغم عمرها القصير، وهل هو أمر عادي أن يحاول البعض نسف كل هذه الجهود بجرة قلم دون بحث أو استقصاء أو تروي برغم كل احترامي لحرية الفكر والتعبير، وأن الهيئة ليست فوق النقد.
مخطئ من يظن أو يعتقد أن دور الهيئة يقتصر على مراقبة وضبط الأسعار والمخالفات فقط، فدورها أكبر وأوسع من ذلك، وهو يتعداه ليشمل منظومة ثلاثية مترابطة الأبعاد، تشتمل على محاور رقابية وتشريعية وتوعوية، منطلقة من المبادئ العامة التي أقرتها هيئة الأمم المتحدة  كحق الأمان، وحق الحصول على المعلومات، وحق سماع رأي المستهلك، وحقه في الاختيار، والتعويض، والتثقيف، وحقه في إشباع حاجاته الأساسية، وكذلك حقه في العيش في بيئة سليمة. مستهدفة توفير السلامة المادية للمستهلك، وتعزيز وحماية مصالحه الاقتصادية، وضمان سلامة وجودة السلع التي يستهلكها، وتحقيق التوزيع العادل لهذه السلع، ووضع برامج متنوعة للتثقيف والاعلام، وهذا الجهد كله لن يتأتى تحقيقه إلا في ظل مناخ صحي محفز، يعي فيه المجتمع بكافة شرائحه أهمية هذا الدور المهم.

د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.