جريدة الرؤية - الأربعاء 8/2/2012م
تابع العالم بأسره "الفيتو" الروسي الأخير على مشروع القرار العربي الغربي لإقرار خطة الجامعة العربية، الداعية إلى تنحّي الرئيس السوري بشار الأسد، وتسليم سلطاته إلى نائبه، على خلفية أعمال العنف المستمرة في سوريا، والتي أودت بآلاف القتلى، وهو ليس "الفيتو" الأول الذي يتم استخدامه من قبل روسيا في هذه الأزمة، الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤلات حول الموقف الروسي تجاه ما يدور في سوريا، والانحياز الدائم على طول الخط إلى جانب النظام السوري على حساب مطالب الشعب السوري.
وبالعودة إلى العلاقات الروسية – السورية في العصر الحديث، نجد أنها تبدأ منذ عام 1944، أي قبل استقلال سوريا بعامين، وبحلول الخمسينيات تبنت سوريا النظرية الاشتراكية، وأصبحت تدريجياً من أهم شركاء الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط، ثم ازدادت أهمية العلاقة بعد قيام السادات بطرد الخبراء الروس قبل حرب أكتوبر وتصريحه بعد ذلك بأن 99% من خيوط اللعبة في يد أمريكا، حيث دعمت موسكو حليفها السوري في معركتها مع إسرائيل وساعدت في تعزيز نفوذها في لبنان.
وبرغم تراجع المصالح الروسية في الشرق مع وصول جورباتشوف إلى السلطة أواخر الثمانينات واستمرار هذا التراجع مع انهيار الاتحاد السوفيتي إلا أن العلاقة سرعان ما عادت قوية بين الطرفين، فسوريا بحاجة إلى الدعم الروسي في مواجهة العزلة الدولية والعداء مع إسرائيل، وروسيا تهمها محورية مكانة سوريا في المنطقة، وهو الأمر الذي عبر عنه الساسة الروس ﻋﻠﻰ أن اﻟﺘﻌﺎون ﻣﻊ ﺳﻮرﻳﺔ ﻳﻮﻟﺪ "ﻣﻜﺎﺳﺐ اﻗﺘﺼﺎدﻳﺔ وﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ﻣﻠﻤﻮﺳﺔ"،بحسب ما ذكره الباحث الروسي (أﻟﻜﺲ ﺧﻠﺒﻨﻴﻜﻮف) في دراسته "لماذا ﺗﻘﻒ روﺳﻴﺎ إﱃ ﺟﺎﻧﺐ ﺳﻮرﻳا".
وﻣﻨﺬ تولي بشار الأسد السلطة مع مطلع الألفية الثالثة، تعززت العلاقات أكثر فأكثر ، حيث تم عقد عدد من الاتفاقيات المشتركة في مجالات عدة،وتم إسقاط حوالي 73٪ ﻣﻦ الديون السورية المقدرة ب(13)مليار دولار، وتبع ذلك زيارات متبادلة على مستوى رؤساء الدولتين.
وعند محاولتنا تحليل الموقف الروسي من الأزمة في سوريا، نجد أن هناك عدداً من الأسباب الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي تمكن وراء هذا الموقف، فهناك علاقات اقتصادية مهمة بين البلدين، حيث أن حوالي 90% من السلاح السوري هو روسي الصنع، ويشكل 9% من إجمالي الصادرات الروسية، كما أن هناك صفقات عديدة تم عقدها بين الطرفين لتزويد سوريا بأسلحة حديثة تتضمن طائرات قتال ، وصواريخ مضادة للدبابات، وغيرها من الأسلحة، و تم توقيع العديد من العقود التجارية في مجال النفط والغاز، لعل من بينها مصنع للمشتقات النفطية قرب تدمر، وتشييد الجزء السوري من خط أنابيب الغاز العربي، كما أن هناك عدة شركات روسية تعمل في مجال الاستثمارات المعدنية المختلفة بسوريا، بالإضافة إلى وجود قاعدة بحرية روسية في مدينة (طرطوس) الساحلية التي تطل على البحر الأبيض المتوسط، تكمن أهميتها في أنها تمنح القوات الروسية الوصول السريع إلى البحر الحمر والمحيط الأطلسي.
كما أن ما حدث في ليبيا ليس ببعيد عن أذهان الساسة الروس ، فهم يشعرون بأنهم تعرضوا للخداع في ليبيا، حيث "ذهب حلف الناتو في ليبيا إلى أبعد مما جرى الاتفاق عليه، الأمر الذي أثار مخاوفهم عن ترسيخ نموذج العالم الأحادي القطب تحت أمرة الولايات المتحدة"، بحسب رأي ( الكسندرا غينيستي ) من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، كما إن روسيا خسرت كل شيء، وحتى دعمها للنظام كان متأخراً ومنفرداً، وكان يهدف فقط إلى دفع الغرب إلى مراعاة روسيا في حساباته السياسية والاقتصادية. ثم بقي الموقف الروسي في ذاكرة الثورة الليبية مناوئاً له.
ولا يمكن تغييب الانتخابات الرئاسية الروسية المقبلة عن الموقف الروسي من الحدث السوري، حيث يسعى (فلاديمير بوتين) إلى كسب التأييد الشعبي من خلال إظهاره للرأي العام انه يعمل لإبقاء روسيا طرفاً مهماً في العملية السياسية الدولية، وانه لا يمكن تجاهل الدور الروسي في القضايا الدولية المختلفة.
وبحسب صحيفة "روسيسكايا غازيتا" الروسية،فإن روسيا تعتقد أن الرهان على المعارضة السورية والتخلي عن الأسد أصبح متأخراً، حيث أن المعارضة لن تسامح روسيا لاستخدامها حق الفيتو في أوقات سابقة، ففي حال تصرفت روسيا كما في ليبيا، فإنها ستفقد تأثيرها في المنطقة، إذ من الواجب أن تدافع عن استثماراتها، كأية قوة في العالم تثق بنفسها، وخصوصاً، عندما يتعلق الأمر باستثمارات ضخمة، تزيد عن أربعة مليارات دولار في القطاع العسكري وعشرين مليار في قطاعي النفط والغاز.
وترى صحيفة "الجمهورية" اللبنانية في تحليلها للموقف الروسي " أن التأييد الأوروبي والأميركي للتظاهرات وحركات الاحتجاج التي شهدتها موسكو اثر الانتخابات الأخيرة، دفع القيادة الروسية إلى التشدد في الموقف إلى جانب دمشق، في مواجهة ما يجري من تدخلات في الشأن السوري ومن دعم أوروبي وإقليمي وأميركي لمعارضي النظام، إلى حد أن موسكو تتهم الأميركيين والأوروبيين بتحريك التظاهرات في موسكو بقصد إضعاف الاتحاد الروسي ودوره على الساحة الدولية ".
كما لا يمكن تجاهل التخوف الروسي من إصابة الجمهوريات الإسلامية في داغستان ومناطق القوقاز الشمالية بعدوى الربيع العربي، وبالتالي المطالبة بالانفصال كما هو الحال في أزمة الشيشان، لذا فإن حرص القيادة الروسية على الإبقاء على النظام السوري الحالي هو من باب منع وصول هذه الثورات شمالاً إلى الحدود الروسية.
وبصفته يرى المحلل السياسي(علي حماده) في عموده الأسبوعي بجريدة"النهار" أن المسألة بالنسبة إلى القيادة الروسية لا يمكن تلخيصها بصفقات تجارية، أو تسليحية من هنا أو هناك، بل بالحوار الاستراتيجي الكبير بين موسكو وواشنطن: بعضه متعلق بالمدى الحيوي الاستراتيجي لروسيا الاتحادية في أوروبا وآسيا الوسطى، وبعضه الآخر بالدرع الصاروخية التي تنوي الولايات المتحدة نشرها في أوروبا الشرقية سابقا، وتركيا تحت بند حماية الغرب من الصواريخ الباليستية الإيرانية، أما العامل السوري البحت فيعتبر الذين اطلعوا أخيرا على الموقف الروسي أنه ليس في صلب المعادلة الكبرى إلا بمقدار ما يتم استخدام ورقة منع سقوط بشار الأسد رافعة في ملفات أخرى، وبهذا المعنى فإن بشار هو رهينة الحوار الاستراتيجي الكبير الحاصل اليوم بين موسكو وواشنطن"
في الختام يبقى التساؤل المهم : ترى هل يصمد الموقف الروسي، أم أن هذا الموقف يمكن احتواؤه في إطار تسوية تحصل منها موسكو على نصيبها من القسمة مستقبلاً؟
د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.