الأربعاء، 19 ديسمبر 2012

ليس دفاعاً.. ولكن


أطالع بين الفينة والأخرى عدداً من  الآراء والمقالات شديدة التشاؤم التي يبديها بعض من أبناء الوطن تجاه جهود الهيئة العامة لحماية المستهلك، لا تقف عند حدود النقد المباح، بل تتجاوز ذلك لتحكم بالفشل (المطلق) على أعمال موظفي الهيئة وجهودهم، محملة إياهم السبب في ارتفاع الأسعار، متهمة إياهم بأنهم يتقاضون الرواتب العالية مقابل لا شيء، آخذين على الهيئة قيامها بنشر أخبار الضبطيات والأحكام المختلفة على اعتبار أن ذلك جزءاً من عملهم.

ومع تقديري واحترامي لحرية الرأي وأهمية النقد والحوار في حل كثير من مشاكلنا وقضايانا المجتمعية، وأنه السبيل الأمثل لتحقيق كثير من الآمال والطموحات المختلفة التي نسعى إليها، إلا أنني آخذ على (بعض) تلك المقالات سوداويتها (القاتمة)، وعدم دقة كثير من المعلومات المطروحة، وتناقضها في بعض الأحيان، وعدم احتواءها على حلول أو رؤى أو نصائح أو توجيهات يمكن أن ترتقي بعمل الهيئة، وتساهم في تحقيقها للأهداف التي أنشأت من أجلها.

فهل الهيئة التي بدأت بعدد 22 موظفاً، وباشرت عملها الفعلي قبل نحو عام من الآن هي فاشلة بالفعل؟ وهل موظفوها الذين يتقاضون أعلى الرواتب (بحسب هذه المقالات) هم مجرد كمالة عدد لا غير؟ وهل القضايا والضبطيات والأحكام التي تنشر كل يوم هي مجرد (شو) إعلامي الهدف منه استعراض عضلات فارغة لا علاقة لها بالعمل الفعلي الذي يلامس المجتمع؟

لكي نجيب على هذا التساؤلات دعونا نتفق على أن عمل الهيئة يفترض أن  ينقسم إلى ثالوث متكامل بدونه لن تستطيع تحقيق أهدافها، وهذا الثالوث يتكون من جانب تشريعي، وآخر رقابي، وثالث توعوي. فهل الهيئة قامت بما يلزم في كل مجال من هذه المجالات الثلاثة؟

دعونا نبدأ بالجانب التشريعي وهو جانب مهم كون أن كثير من الممارسات التي تحدث بالسوق سببها عدم وجود تشريعات جادة تحد من عمليات الاحتكار، وتلزم التجار بضبط بعض ممارساتهم الخاطئة التي تؤثر سلباً على أوضاع السوق وبالتالي تأثر المستهلك بها.

وحسب علمي فقد عملت الهيئة على تأطير عدد من التشريعات المتعلقة بحماية المستهلك وتشجيع المنافسة ومنع الاحتكار المضر بمصالح المستهلكين، فقد تم الانتهاء من اقتراح تعديلات على قانون حماية المستهلك، وكذلك الانتهاء من إعداد ( قانون المنافسة ومنع الاحتكار)، وإقرارهما من قبل مجلس إدارة الهيئة، وإرسالهما إلى الجهات المعنية لإبداء رأيها فيهما ومراجعتهما تمهيداً لعرضهما على مجلسي الدولة والشورى.

كما بلغ عدد الأحكام القضائية خلال الستة أشهر الأولى من العام الجاري (142) حكماً قضائياً موزعة على مختلف محافظات السلطنة، كما حصلت الهيئة على عدد (21) أمر جزائي، واستردت غرامات مالية لصالح المستهلكين وصلت أكثر من  (42) ألف ريال عماني.

كما قامت الهيئة بإصدار (12) قراراً لصالح المستهلك تمثلت في حظر رفع أسعار عدد من السلع والخدمات، وحظر توريد أو استخدام عدد من المنتجات والمواد المضرة بالصحة.
كما إن قرار المدعي العام إنشاء دائرة خاصة بقضايا حماية المستهلك في الادعاء العام لهو دليل واضح على مدى الدور المهم الذي تقوم به الهيئة، وبلا شك سيعمل على توفير الحماية المتكاملة للمستهلكين.

نأتي إلى الجانب الثاني وهو الجانب الرقابي، فقد تم ضبط حوالي (17) ألف اسطوانة مقلدة وبرنامج مخالف لحقوق الحماية الفكرية، وجهاز حاسب آلي ، وضبط (64784) مخالفة خلال الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام في محافظة مسقط لوحدها ناهيك عن المحافظات الأخرى.
وفي مجال الشكاوى بلغ عدد الشكاوى والبلاغات التي تلقتها الهيئة خلال النصف الأول من العام الجاري (12697) بلاغاً وشكوى، ولهذا الرقم دلالة مهمة تعكس مدى الثقة الكبيرة التي يوليها قطاع عريض من المجتمع لدور الهيئة برغم حداثة إنشائها.

وإذا أتينا إلى المجال الثالث المهم وهو الجانب التوعوي سنجد أن الهيئة قد قامت بنشر ما يقارب من (15) ألف مطوية توعوية في مختلف المجالات التي تهم المستهلك، كما تقوم من خلال الصحف المحلية اليومية بإصدار صفحة أسبوعية خاصة تعرض المناشط والفعاليات وبرامج التوعية التي تقوم بها، وأهم القرارات التي تتعلق بالمستهلك، وملحق شهري بعنوان (أين تتسوق)، كما يتم إصدار دورية ربع سنوية تحمل مسمى (المستهلك) تحتوي على العديد من الموضوعات والأنشطة والبرامج والفعاليات والضبطيات والأحكام التي تتعلق بالهيئة، إضافة إلى وسائل التواصل الإلكتروني كموقع الهيئة الرسمي، وصفحة الهيئة في مواقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك، تويتر)، ونافذة الهيئة في موقع (سبلة عمان)اللاتي يعتبرن من أبرز قنوات التواصل بين الهيئة والمستهلكين، وتمكن المستهلك من التعرف على آخر جهود الهيئة، وكذلك إبداء رأيه أو مقترحاته حول هذه الجهود وآلية تطويرها.

وفي مجال نظم المعلومات فقد تم تطبيق نظام معرفة الأسعار ومتابعة الأخبار وإرسال الشكاوي والبلاغات عن طريق الجهاز الكفي، كما سيتم تطبيق نظام من خلال الهواتف الذكية يتيح للمستهلك متابعة الأخبار والقرارات وإرسال الشكاوى والبلاغات وعرض لأسعار أكثر من 1000 سلعة مختلفة ومقارنة مستويات أسعارها .

كل هذه الجهود تأتي في ظل تحديات كبيرة تواجه الهيئة يكمن بعضها في ضعف الموازنات المعتمدة للبرامج التوعوية، وحاجة قانون حماية المستهلك إلى المزيد من القوة ووجود العقوبات الرادعة لكل المتلاعبين، وقلة عدد الكوادر الميدانية حيث أن عدد الأخصائيين والمفتشين لا يتناسب مع العدد الكبير جداً من المحلات التجارية والتي يبلغ عددها مئات الآلاف على مساحات ممتدة في كل أرجاء الوطن، إضافة إلى تحديات تتعلق بالمستهلك نفسه ومدى امتلاكه للوعي الاستهلاكي المناسب، كعدم اقتناعه باستخدام البديل الآخر من السلع في حالة ارتفاع سعر السلعة التي تعود شرائها سابقاً، والتهافت الكبير على الأسواق في المناسبات المختلفة ونهاية كل شهر مع عدم وضع أولويات شراء محددة، والانسياق وراء الإعلانات المضللة تحت دعوى توفير بعض المبالغ، والتساهل في حقوقه الأساسية كحق أخذ الفاتورة أو طلب شهادة الضمان على بعض السلع، واللجوء لشراء السلع الرديئة أو المقلدة أو المعاد بيعها بدعوى رخص سعرها.

إن حماية المستهلك هي عمل مجتمعي متكامل، تسهم تشريعات نوابنا، وبرامجنا الإعلامية، ومناهجنا وأنشطتنا التربوية، وكتابات مثقفينا، وفعاليات جمعياتنا المحلية، وخطباء مساجدنا في تحقيقه، وإذا اعتقدنا أن الهيئة( لوحدها) هي المنوطة بهذا العمل فلن نحقق ما نصبو إليه في ظل ثقافة استهلاكية سلبية وتحديات اقتصادية عالمية ومحلية مختلفة.

أختم مقالي باستعراض بعض الشهادات التي ذكرها عدد من مسئولي حماية المستهلك بدول مجلس التعاون في ختام أول اجتماع للجنة حماية المستهلك في دول مجلس التعاون الخليجي: "هي بالفعل تجربة زاخرة... ولا أستطيع سوى الإشادة والإفادة منها". "نحن مبهورون من الجهود الضخمة والبناءة التي ضختها الهيئة العامة لحماية المستهلك في فترة وجيزة منذ افتتاحها ونحن بلا شك استفدنا كثيرا من التجربة العمانية ونحاول الأخذ ببعض الأفكار"." إن النموذج الذي قدمته الهيئة العامة لحماية المستهلك لجيرانها هو نموذج يحتذى ويستحق التكرار في باقي دول مجلس التعاون الخليجي وبالمنطقة"" .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.