الثلاثاء، 1 سبتمبر 2015

مشاهد وتساؤلات (26)

(1)
في ظلّ ما نراه من تجريف يومي لتراثنا المادّيّ من قلاع وحصون وحارات وبيوت ومحلات قديمة، ترى هل يوجد لدينا قوانين وتشريعات تتعلق بالحفاظ على هذا التّراث، وحمايته من يد العبث، كقوانين المنفعة العامة مثلا؟!
إذا كانت لدينا مثل هذه التشريعات فلماذا إذاً كلّ هذا العبث بتلك الشّواهد؟! ولماذا لا يهتم أحد بمدى تطبيقها؟! وإذا لم تكن لدينا أيّة تشريعات في هذا المجال فالسؤال هو: ألم يحن الوقت لسنّها وتشريعها؟! وهل هناك عضو شورى، أو مجلس بلدي، أو جمعيّة، أو صحفي، أو مثقّف واحد اهتم بشيء كهذا، أم أنّنا جميعاً نشترك في هذه اللامبالاة الغريبة في وقت تحرص فيه كثير من الدول والجمعيّات المهتمّة بالتاريخ والآثار على الاهتمام بهذا الأمر، على اعتبار قيمته الحضاريّة والعلميّة والاقتصاديّة، ويمكن بضغطة زر أن نستعرض العشرات من هذه التشريعات التي تهدف إلى الحفاظ على هذا التاريخ، والاستفادة الكاملة منه.

ومع أنّنا من أكثر الناس الذين نسافر في مهمّات رسميّة لسبب أو بدونه، ومع أنّه لا يكاد يمرّ شهر أو اثنين دون قيامنا بتنظيم ملتقيات فكريّة خارجيّة هنا وهناك، ومع أنّ معظمنا يقوم بالتقاط الصّور المختلفة له وهو يحتسي الشّاي في هذا المقهى الأثري، أو يشرب قهوة المساء في ذلك المطعم الذي تجاوز عمره مئات السنين، أو يبيت ليلته في ذلك (الخان) القديم، أو يشتري كتبه من تلك المكتبة التراثيّة إلا أنّنا في الوقت ذاته أبعد الناس عن الاستفادة ممّا وصل إليه الآخرين في هذا المجال، ونصرّ إصراراً عجيباً على السّكوت عن طمس وهدم مثل هذه الشّواهد التي يمكن أن تشكّل فارقاّ فكريّاً واقتصاديّاً بالنسبة لنا، وتفتح أبواب رزق للكثيرين، وتعزّز من مجالات التواصل الاجتماعيّ مع الآخرين من خلال البعثات العلميّة والإعلاميّة والسياحيّة المختلفة، وفي الوقت ذاته نحافظ على آثارنا من الضياع.

 من خلال هذه القوانين والتشريعات يمكن لنا أن نحدد نوعية التعامل مع هذه الشّواهد حسب أقدميتها، أو أهميتها التاريخية، أو قيمتها الفنية، أو مدى قابليتها للترميم، فليس كل أثر يصلح لأن يكون معلماً تاريخياً يمكن ترميمه ، وهنا يمكن التفاهم مع أصحاب هذه البيوت أو الورثة لتوضيح أهمية هذه البيوت، ورغبة الدولة في الاستفادة منها، كي تكون مراكز إشعاع ثقافي يمكن أن يضيف الشيء الكثير لتاريخ البلد، مع تقديم التعويض المناسب لأصحابها، كما يمكن لأصحاب البيوت أو حتى المحلات التي لا تشكل أهمية تاريخية كبرى بحسب تصنيفنا لها أن يحتفظوا بها أو يسكنوها، بعد أن يتم ترميمها بالشكل الملائم الذي لا يشوه جمالية تلك البيوت، ولا يقلل من تناسقها، وبالتالي يحفظ تاريخ المدينة والبلد بشكل عام.
(2)
في كلّ صيف أسمع كلاماً كثيراً وشكاوى متعدّدة من قبل عدد من الأصدقاء الذين لم تسمح لهم ظروفهم بقضاء بضعة أيّام جميلة خارج البلد، أو الذهاب إلى صلالة، فاتجهوا إلى الأشخرة كبديل سياحي ربّما لقربها المكانيّ، وربّما لعدم ارتفاع تكلفة الذّهاب إليها، ولما يسمعوه عن جوّها الجميل وانخفاض درجات الحرارة، ثم يتفاجئون بضعف الخدمات السياحيّة من قلّة أماكن الإيواء، وعدم توافر دورات المياة، أو المطاعم المناسبة، أو الاستراحات التي يمكن أن يقضوا بها سويعات قليلة قبل عودتهم، فيتركونها عائدين إلى ولاياتهم وقراهم متحسّرين على ذلك الجو الاستثنائي الذي لم يتم تهيئة الظروف المناسبة للاستفادة منه، ولكي يكون بديلا اقتصاديّاً رخيصاً مقارنة بتكلفة السّفر ومخاطره إلى أماكن أخرى في داخل وخارج السلطنة.

وهنا أطرح رأيي وتصوّري الذي طرحته من قبل عشرات المرّات دون أن يلتفت إليه أحد سوى بإبداء التذمّر من النّقد دون تجاوز هذا التذمّر إلى ابتكار حلول أكثر نجاعة وفائدة، فبرأيي أن أفضل حلّ لهذه الإشكاليّة هو وجود جهاز إداري أو بلدي مستقل خاص بالنيابة، وفصلها عن بلدية جعلان بني بوعلي، وذلك لتواضع الإمكانات، وضعف الرغبة في التجديد والتطوير، ففي ظلّ الإمكانات المتواضعة لقطاع البلديّات الاقليميّة، وفي ظلّ البروقراطيّة السّائدة، وفي ظلّ عدم تفعيل صلاحيات المجالس البلديّة وكذلك عدم الاختيار المناسب لبعض الأعضاء فإن حركة السياحة في الأشخرة وغيرها من الأماكن السياحيّة الجميلة في السلطنة لن تحرّك ساكناً، وستظلّ على حالها كما هي الآن، فلماذا لا نجرّب أن نأخذ الأشخرة كنموذج تجريبي من خلال ايجاد جهاز اداري مستقل ماليّاً وإداريّاً يتبع مكتب وزير البلديّات مباشرة، وتخصص له ميزانيّة سنويّة تغطّي مشاريع البنية التحتيّة المطلوبة، ويمكن ادخال المستثمر الداخلي أو الخارجي كشريك في عمليّة التنمية من خلال تخصيص أراضي للاستثمار وفق شروط معيّنة، ويمكن بعد ذلك تقييم التجربة، ودراسة مدى امكانيّة تطبيقها في أماكن أخرى بشرط توافر كافّة الظروف المناسبة لنجاح التجربة. 

لو بيدي الأمر لقمت بتطوير مصنع السفن الحالي، وتجميل الواجهة العمرانية ابتداء من ميناء الصيد الجديد، وحتى ساحل الاستراحات، وإنشاء كورنيش عصري، واستزراع بعض أشجار المناطق الموسمية كالنارجيل النارجيل و(الفافاي) التي يتناسب جو النيابة مع نموها على امتداد الكورنيش، مع تخصيص مكان لوجود أسواق حرفية وشعبية تنهض بالسياحة، وتربط الحاضر بالماضي، وتوجد مصادر دخل لعدد من الحرفيين،إضافة لإحياء كثير من الفنون العمانية المغناة التي تشتهر بها النيابة كرافد مهم من روافد الحركة السياحية والثقافية.
تحقيق أمر كهذا ليس من الأمور المستحيلة وهناك مدن سياحيّة عربيّة وعالميّة كثيرة تطورت بفضل تجارب مقترحات كهذه.

(3)
أكثر من (300) مقال كتبتها خلال مسيرتي المتواضعة في عالم الكتابة تناول معظمها قضايا مجتمعيّة يهم كثير منها المؤسّسات الخدميّة الحكوميّة بالسلطنة كالتعليم، والصّحّة، والاسكان، والقوى العاملة، والزراعة والثروة السمكيّة، والتّجارة وغيرها.

وعلى الرغم من كل تلك المقالات التي حرصت على أن تحمل نقداً وحلولاً في الوقت ذاته إلا أنّي تمنّيت ولو لمرّة واحدة أن يرفع أحدهم هاتفه ليناقشني في قضيّة ما كتبتها تخصّ مؤسّسته، أو حتّى ليصحّح لي معلومة، أو ليضيف لي أخرى، وباستثناء جهتين هما الهيئة العامّة لحماية المستهلك، والمركز الوطني للاحصاء الذي تكّرم رئيسه مشكوراً بدعوتي لحضور اجتماع تم من خلاله عرض ملامح عمل المركز، فإن البقيّة لم يفعلوا مع علمي اليقين بأن دوائر الاعلام في معظم المؤسسات تقوم برفع الاخبار والمقالات التي تهم المؤسسة للمسئولين يوماً بيوم.

لا أدّعي أني كاتب مهم، ولكن ما أكتبه ينشر في صحف يوميّة لها قيمتها الفكريّة، وما نكتبه من نقد يتكرر كل يوم في عديد من الممارسات دون أن يقول لنا أحد إن كان ما نكتبه صحيحاً أم لا، أو أين الصواب، إنّني وغيري من الكتّاب لا نكتب لمجرّد النقد، ولكن لكي يكون هذا الوطن أكثر جمالاً وروعة من خلال تحقيق الشراكة المجتمعيّة، وتعاون المجتمع بكافّة أفراده في التوصّل إلى الحلول المفيدة، والتصدّي للتحدّيات المشتركة، وبدون التواصل بين الطرفين: الكاتب والمؤسّسة فلن تحقق كثير من كتاباتنا الفائدة المرجوّة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.