"فشريكك
يا ولدي...مفقود"
بعد أن أفاق الرأي العام من الصدمة الكبيرة التي تلقاها
بعد أن أعلنت هيئة حماية المستهلك عن ضبط كميات كبيرة جدا تجاوزت في أعدادها المليون
وثمانمائة ألف سلعة منتهية الصلاحية ويتم إعادة تغيير تواريخ انتهائها وكتابة تواريخ
صلاحية جديدة تمتد لسنوات عدة وجميعها من علب وأكياس الحلوى والمنتجات المخصصة للأطفال،
كان السؤال الذي يدور (وما يزال) في أوساط المجتمع المحلي : أين الشريك العماني
للمستثمرين الوافدين المتهمين في هذه القضية، أو بالمصري " هو ابن مين في
البلد دي"، ولماذا لم يتم تقديمه للرأي العام بحجة أنه شريك في المؤسسة
المتهمة، كما تنص قوانين تنظيم الاستثمار في السلطنة من حيث ضرورة وجود شريك عماني
لأي مستثمر أجنبي يود الاستثمار في
السلطنة.
وعندما
تم ضبط مؤسسة تتلاعب في تواريخ صلاحية وجودة وسعر 31 الف كيس من الارز بولاية صحم،
تكرر نفس السؤال : أين الشريك.
وعندما
قامت مجموعة من العمالة الوافدة المخالفين لقانون العمل بصناعة الخبز العماني ( خبز
الرقاق) منزلياً وبصورة غير شرعية، تكرر السؤال ذاته ولكن بصورة أخرى هذه المرة:
أين الكفيل.
وعندما
نسمع يومياً عن مئات (البلاوي) التي تقوم بها هذه العمالة الوافدة بمستثمريها
وبسطاءها، والتي تستهدف أمن البلد الغذائي، وعاداته، ومعتقداته، وبيئته، وسلامة
أبناءه، يتردد صدى نفس السؤال المؤلم : أين الكفيــــــــــــــــــــل...أين
الشريـــــــــك.
وهي
أسئلة يبدو أننا سنظل نطرحها كثيراً في ظل عدم وجود تشريعات صارمة تتناسب وفداحة ما
يحدث من تجاوزات (صارخة) تنم عن لا مبالاة واستهتار واستغفال وضحك على الذقون
واعتبارنا مجموعة من السذج الذين ينطلي عليهم أي شيء، وفي ظل قوانين عتيقة بحاجة
إلى جهود برلمانية وتشريعية صادقة ومخلصة تتتبعها بمراجعة موادها، وإعادة النظر
فيها، وتعديلها، أو استحداث قوانين جديدة تتناسب وطبيعة المرحلة، وتكون أكثر قدرة
على جعل المجتمع أكثر أماناً وسلامة وصحة ونظافة وتكافؤ فرص بين أبناءه ، وفي ظل
جشع البعض وركضهم الملهوف وراء ريالات قليلة لا بأس من قبضها مادامت العملية سهلة
ولا تتطلب أي مجهود يبذل، وفي ظل انتظام وصول التحويلات المطلوبة إلى الحسابات
الشخصية للبعض في بنوك العالم المختلفة من قبل (اللوبي) الذي يدير المؤسسة الضخمة
لهذا أو ذلك من (الحيتان)، وفي ظل اشكالية كبيرة في تفسير مفهوم المواطنة لدى
البعض، وضعف الوعي والادراك لمفهوم خطير وكبير يدعى (الوطن).
لا
يهم أن تحترق (روما) بما فيها، فالمصلحة الشخصية أهم، وهذا الشريك أو المكفول سيظل
الأقرب إلى القلب ما دامت الجيوب عامرة، حتى ولو كان ذلك على حساب مصلحة وطن
بمؤسساته وأبناءه و.. فلذة أكباده.
ليست
حجة مقبولة أن لا يتم معاقبة الشريك أو الكفيل بحجة عدم علمه بما قام بها شريكه أو
مكفوله، وليست مشكلة الوطن أو مشكلة أبناءه البسطاء أن هؤلاء الشركاء قد تركوا
(الحبل على الغارب) لشركائهم ومكفوليهم في أن يمارسوا ما يحلو لهم، وأن يتخذوا منا
حقل تجارب في ظل (شبق) مادي باعتبارنا لا نبالي بما في جيوبنا، أو لا نهتم بما
نصرفه، أو كما لقنوهم في بيئاتهم الأصلية قبل أن يأتوا إلينا نحفاء ضامري البطون
سرعان ما تتحول وجناتهم المقعرة إلى كرات تضاهي (الجابولاني) التي استخدمت في نهائيات
كأس العالم الأخيرة من معلومات تتركز حول آبار النفط التي توجد في كل بيت من
بيوتنا، وكمية النقود التي نستخدمها أحيانا كوقود للطبخ من كثرتها. وعلينا أن ندرك
أنه لا كبير أو صغير ، فالمعيار هو الصواب والخطأ، وما دمنا نطالب بإثابة المصيب
والمخلص والمنجز، فإننا في الوقت ذاته نطلب عقاب المخطئ وتحمله للمسئولية مهما
كانت، ومهما كان وضعه ومكانته الشخصية، خاصة إذا كانت الجريمة بحجم الوطن وأبناءه.
ترى
هل سيقتنع (هواميرنا) الكبار أن شباب وطنهم لديهم من القدرة والكفاءة ما يجعلهم
يستطيعون الاعتماد عليهم في إدارة مؤسساتهم بدلاً من (لوبي) الوافدين الذي
يقنعونهم طوال الوقت بأن لا يشغلوا أنفسهم بأي شيء في ظل وجودهم ( وإخوانهم
وأقاربهم وسابع جار)، وهل ستعي تلك المرأة التي أبدت قدراً كبيراً من الذهول
والاندهاش والاستغراب بعد أن وصلها خبر ضبط العامل الأسيوي الذي تكفله بسبب متاجرته
في زيوت المحركات المغشوشة، أن نفس الوطن أكبر من حفنة ريالات تقبضها نهاية كل شهر،
وهل سيشعر خلفان أو سيف أو حمد أو أي مواطن آخر وجد في تجارة (الفيز)، أو في تسريح
العمالة الوافدة مقابل مبالغ معلومة، أن ما يقوم به يتنافى مع مفهوم المواطنة
الصالحة الذي أشك أن يكون قد سمع به، وهل ستعي كل تلك النماذج السابقة أن الوطن
ليس مزرعة نجرب فيها محاصيل رديئة، أو معمل مدرسي صغير نمارس فيه تجارب علمية ندرك
مسبقاً أن مصيرها هو الفشل مع بضعة فرقعات هنا وهناك قد تصل إلى حد إحراق المكان.
إن
المجتمع هو عبارة عن منظومة متكاملة الأركان، يمكن تشبيهها بالدولاب الخشبي المستخدم
في بعض العربات، لا يمكن أن تسير بانتظام طالما كان هناك خلل في أحد اركانها، لذا
فإن التأكد من سلامة المكونات، و(التشييك) على أجزائها المختلفة هو مطلب ضروري
وملح متى ما رغبنا في انتظام المسيرة بسلامة ويسر، وهذا لن يأتي سوى باستحضار قيمة
الوطن، وباستشعار أهميته، وبتكافل أبناءه، وبحرصهم على تذليل كل ما يواجهه من
عوائق ومطبات.
ختاماً..
علينا أن لا نركز عند تعاملنا مع القضايا المجتمعية المهمة على التعامل مع النتائج
فقط دون البحث عن المسببات، وألا تشبه ردة فعلنا الضجيج الذي سرعان ما يخفت صوته،
ثم ننسى كل شيء في زحمة الأشياء وتراكمها، وقتها سنردد متأخرين كلمات أغنية نجاة "يا
خسارة نسي".
د.محمد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.