الاثنين، 23 فبراير 2015

يا سائق السّيّارة


 (1)

صباح الأحد الماضي قطعت المسافة من بيتي في العامرات إلى مقرّ عملي في الغبرة في حوالي ساعة وربع، وهي المسافة التي كنت أقطعها في العادة في حوالي نصف ساعة، يعني نفس المدّة التي أقطعها في الطريق إلى صور التي تبعد حوالي 170 كم!!

في مرّات سابقة اقترحت عدّة حلول منها الجادّ ومنها السّاخر، فقد اقترحت الابتعاد عن المركزيّة، وتوزيع الخدمات على كافّة المحافظات بحيث لا نخلق قاهرة جديدة، وبحيث نحدّ من الهجرة الدّاخليّة بحجّة أنّ معظم الخدمات المهمّة تتوافر في العاصمة فقط، وعندما لم يجد هذا المقترح آذاناً صاغية اقترحت أن تقفل مسقط على ساكنيها الحاليّين لحين الانتهاء من مشاريع الطرق المختلفة، ولحين إعادة التخطيط من جديد.

   هذه المرّة أقترح على المؤسّسات الحكوميّة تخصيص حافلات خاصّة بنقل موظّفيها من وإلى المؤسّسة، أو انشاء مرافق سكنيّة ملحقة بمقارّ هذه المؤسّسات كي يتمكّن الموظّف من مباشرة عمله في التّوقيت المناسب، وكي نحدّ من زيادة الإصابة بأمراض الضغط والتجهّم والعبوس وضيق الصّدر التي يمكن أن تصيب الكثيرين في ظلّ توالي هجرات بشريّة داخليّة وخارجيّة إلى مسقط، وفي ظلّ اعتبار امتلاك السّيّارة حقّاً مكتسباً لكلّ طفل وشابّ وفتاة وعجوز ووافد ووافدة!!

(2)

تناولت كتب الأدب والتراث العربي كثيراً من أخبار الثّقلاء، بل وخصّصت لهم فصولاً كثيرة، وبرزت أسماء عديدة في عالم الثّقلاء والمزعجين يمكن أن تعود إلى أخبارهم في تلك الكتب.

وفي شوارعنا يمكن أن تلحظ نماذج من هؤلاء الثّقلاء الذين قد يتجاوزوا بثقل دمّهم وتصرّفاتهم السّمجة ما قام به كثير ممّن وردت أسماؤهم في أخبار الثّقلاء، ولعلّ من بين هذه النّماذج ذاك الذي تلحظه وأنت واقف في إحدى إشارات المرور صباحاً في طريقك للعمل، فبرغم الزّحمة الشديدة، والبطء المتناهي في الحركة، وبرغم أنّ صاحبنا يقف في حارة تسمح له بالذهاب للاتجاه الذي يرغب فيه، إلا أنّ أخينا يصرّ على الوقوف في منتصف المسافة بين حارتين متجاورتين مانعاً السيارات التي تقف خلفه من الحركة، بحيث تفوتهم الإشارة الخضراء، بسبب رغبته الساديّة في الانتقال للحارة المجاورة وتعذيب الآخرين، على الرّغم من أنّ الحارة التي يقف فيها تؤدّي لنفس المسار، ولكنه ثقل الدّم، والرغبة في رفع ضغط دم الآخرين منذ الصّباح الباكر!!

النّوع الآخر من الثّقلاء السّمجين الذين يمكن أن تراهم في شوارعنا هم من النوع الذي تكاد تقسم وأنت ترى ما يقومون به من تصرّف أنّهم قد وقّعوا بعد ولادتهم مباشرة على وثائق تجبرهم على القيادة طوال حياتهم بأقصى سرعة يمكن أن تصل إليها السّيارة التي يقودونها دون مراعاة لأيّة ظروف أخرى، فمثلاً لو كان صاحبنا يرغب في الانحراف يميناً أو يساراً نحو أحد المخارج التي تؤدّي إلى المكان الذي يريده، فهو لا يقوم بتهدئة السّرعة قبلها بمائة أو مائتي متر مثلاً وأخذ المسار الذي يؤدّي إلى ذلك المخرج كما يفعل بقيّة البشر، بل يستمر في سرعته الجنونيّة في المسار الذي يسلكه، ثم يلتفّ فجأة على شكل نص دائرة ليمرق من أمامك باتّجاه المخرج الذي يقع في المسار الأخير من الشّارع!!  

(3)

كلّ صباح، ورغبة في التخلّص من حالات الضغط والانفلات العصبي التي تسبّبها الزحمة الخانقة، وتراكم المركبات، وأعمال الإشغالات على الطّريق، أتسّلى بمراقبة السّيّارات التي تمرّ بجواري، والتي تكاد معظمها تشترك في خاصّيّة مهمّة ألا وهي خلوّها من ركّاب آخرين عدا سائقها، وأحياناً ابن أو ابنة يتم ايصالهم إلى مدارسهم القريبة، كما أن كثيراً من هذه السّيّارات هي من النّوع العائلي الكبير برغم عدم وجود ركّاب آخرين بها!

ترى هل امتلاك السّيّارة غاية أم وسيلة! وهل نقوم بتحديد نوع وطراز وسعة السيّارة التي نقوم بشرائها على أساس الحاجة الفعليّة أم لمجرّد التباهي الغير مبرر! ولماذا لا يشترك الزوجين، أو مجموعة من الأصدقاء أو الجيران في الذهاب إلى أعمالهم الصباحيّة في سيّارات محدّدة بدلاً من تباهي كلّ فرد منهم بسيّارته!!

وهل يمكن أن نقابل في المستقبل أناساً محترمين وهم يقرؤون جريدة الصّباح في إحدى وسائل المواصلات العامّة، أو واقفين في محطّة الباصات ينتظرون وصول أحدها، دون خجل أو خوف من أن يراهم أحد معارفهم فيقلّل من شأنهم، أو ينظر لهم نظرة دونية لمجرّد عدم وجود سيّارة فخمة بحوزتهم!!

(4)

يحدث أن تكون جالساً في أمان الله تتناول طعامك في أحد المطاعم، أو تقضي حوائجك في محل ما، وفجأة  يطلق أحدهم بوق سيارته بشكل هيستيري قد يصيبك بالصمم المؤقت، ويجعلك تكره المكان وقد تضطر لتركه، وكأنّه لا يوجد في المكان بشر غيره يحق لهم قضاء حوائجهم أو الاستمتاع بأوقاتهم في هدوء!!

ماذا سيحدث لو أوقف هذا الشخص سيارته ونزل ليأخذ الغرض الذي يريده! ألن يكون ذلك دليلاً على تواضعه ومدى احترامه للآخرين!!

على أمثال هؤلاء أن يعوا أنّ حريتهم تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين.

 (5)

يحدث أن تقود سيّارتك في شارع فرعيّ مظلم لا تتجاوز سرعة القيادة فيه 60 كم، ثم يمرق بجوارك صاروخ على هيئة سيّارة، ضارباً صاحبها بعرض الحائط قواعد المرور، والسّرعة المقرّرة، والسّيّارات القادمة من الاتّجاه الآخر، وكل ما له علاقة باحترام البشر، ليتوقّف في النّهاية أمام أحد المقاهي وكأنّ شيئاً لم يحدث!!

عادي.

 


د. محمد بن حمد العريمي

Mh.oraimi@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.