الأربعاء، 8 أغسطس 2012

مشاهد من وحي رمضان (2)


 (1)
ما إن يأتي الشهر الكريم إلا وتحل معه نفحات كثيرة لعل من بينها قيام عدد من المؤسسات الحكومية والرياضية والاجتماعية والأهلية بتنظيم مجموعة من الفعاليات والأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية المتنوعة كالمسابقات الثقافية (س.ج)، وخماسيات كرة القدم، ومهرجانات الإنشاد، عدا عن الندوات والمحاضرات والخيم الرمضانية المفتوحة، في ظل تهافت قطاعات كبيرة من المجتمع للاستفادة من هذه المناشط المتنوعة والتي يمتاز كثير منها بحسن التنظيم، وتظافر الجهود لإنجاحها، وبالتالي تحقيقها لكثير من الأهداف المرتبطة بها.
ومع كل التقدير لتلك الجهود المبذولة إلا أن السؤال الأزلي الذي أطرحه وطرحه قبلي كثيرون: لماذا تقتصر تلك المناشط على هذا الشهر الفضيل، بينما تكاد تختفي في بقية أيام العام؟ وأين هي الكوادر والإمكانات التي أسهمت في تنظيم هذه الفعاليات طوال أيام الشهر الكريم؟

 (2)
أمس الأول صادف يوم السابع عشر من رمضان، والذي ارتبط بحدث إسلامي عظيم، ألا وهو ذكرى موقعة بدر الكبرى، والتي شهدت انتصار المسلمين بقيادة الرسول الكريم على الكفار في أول مواجهة كبرى بينهم.
  ترى هل تذكرنا هذه المناسبة وغيرها من المناسبات الإسلامية المهمة؟ وهل قرأنا عن بطولات المسلمين وتضحياتهم بها؟ وهل استنتجنا العبر من عوامل الانتصار المهم الذي حققه المسلمون في هذه الموقعة،  أم  أننا كنا مشغولين بمتابعة أمور أهم  كملاحقة إسهال المسلسلات وبرامج المسابقات التي تبثها المحطات التلفزيونية المختلفة؟ وتجربة وصفات جديدة من المأكولات والأطعمة الرمضانية؟
من المهم أن نستعيد هذه المناسبات والأحداث العظيمة في تاريخ الأمة، ففيها الكثير من الدروس والعبر التي نحن بحاجة ماسة إليها في وقتنا الحاضر.

(3)
قال لي : أتمنى أن تكون كل أيام السنة رمضان، فبالإضافة إلى روحانيته ونفحاته الإيمانية الجميلة، فهو بالنسبة لي شهر التوفير وتنظيم أحوالي المادية التي قد تتعثر في بعض شهور السنة الأخرى، هل لك أن تتصور إنني  اعتدت كل عام أن أوفر حوالي  ربع مرتبي خلال هذا الشهر الفضيل؟
قلت له: كيف ذلك وكثير من الناس يقولون عكس ذلك، بل ويشتكون من المصروفات الرهيبة التي تلاحقهم خلاله.أجاب: في رمضان يقتصر الطعام على وجبتين رئيسيتين هما الإفطار والسحور، وبما إن معظم مكونات الوجبات الغذائية الرمضانية من أرز وطحين وسكر وزيت وغيرها هي في الأساس متوفرة في البيت لأننا نستخدمها طوال أيام السنة،  فإن ذهابي إلى الأسواق والمجمعات التجارية يقتصر على استكمال نواقص تلك السلع، وشراء بعض المستلزمات الغذائية الأخرى التي يقتصر تناولها على  هذا الشهر فقط، وهي مستلزمات يمكن أن تعد على أصابع اليد، وإذا أضفنا إلى ذلك قلة الارتباطات العملية والاجتماعية خلال نهار رمضان الطويل، والاستعاضة عنها بتنظيم الوقت المنزلي من حيث القراءة أو ممارسة أنشطة فكرية متنوعة، والرغبة كذلك في استغلال هذا الشهر في تنظيم برنامج رياضي صحي  فيمكن أن تستنتج سبب هذا التوفير.
لم أخبر محدثي عن النصف ساعة التي قضيتها منتظراً دوري في الطابور الطويل كي أصل إلى (كاونتر) المحاسبة في أحد المجمعات التجارية الكبيرة، قبل ليلتين من دخول الشهر الكريم، متأملاً العربات المتراصة جنبي، والمحملة بكل ألوان الطيف من مشتريات متنوعة، ولم أحدثه عن ما يفعله البعض من تغيير سنوي لأثاث بيوتهم مع حلول هذا الشهر، ولا عن الملابس الجديدة التي تقوم بعض النساء بتفصيلها احتفاء به، وكأن الشهر قد تحول إلى ساحة مباهاة واستعراض إمكانات اجتماعية في شهر تقوم حكمته على أساس الشعور بالآخر والإحساس بمعاناته.


 (4)
وبمناسبة الشعور بالآخر والإحساس به،  ما رأيكم  لو فكر كل منا أن يتذكر جاراً أو إنساناً محتاجاً  يعرفه، فيجود عليه بمبلغ بسيط، أو يقدم له بعض المساعدات العينية الضرورية التي قد تعينه على بعض مصاعب الحياة.
ويمكن لنا كذلك أن نتذكر إخوة لنا في بلدان عربية وإسلامية مختلفة ابتلاهم الله بكثير من المحن خاصة ونحن نتابع ما  يحدث في سوريا أو اليمن أو بورما أو الصومال على سبيل المثال، وحجم المعاناة التي يشعرون بها، والمناظر المأساوية التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة في الوقت الذي لا يكاد بعضنا يطيق مشقة انقطاع التيار الكهربائي لمدة عشر دقائق، أو توقف تدفق الماء لثواني معدودة، ولا يكاد يتحمل صراخ طفله طالباً حليبه المفضل الذي قد يستغرق إعداده دقيقة واحدة فقط.
إن "بلال" عامل البناء السوري البسيط الذي يعيل أربعة من الأطفال،  والذي فقد إحدى رجليه مؤخراً بسبب الأحداث هناك، و"عبده" الطفل اليمني الذي لم يكمل الستة أشهر من عمره ويعاني من نقص شديد في التغذية  حتى ليكاد لا تفرق بينه وبين الهيكل العظمي، و"محمد" الصبي الروهينجي في بورما الذي فقد والديه نتيجة حرق بيتهم من قبل بعض المتطرفين، و"فاطمة" العجوز الصومالية التي خسرت كل ما تبقى لها من رؤوس غنم هزيلة بسبب المجاعة والقحط، هم في أمس الحاجة إليك وينتظرون إحساسك بهم في أقرب وقتك، فقد يقربك شعورك بمعاناتهم إلى الله أكثر مما سيقربك إليه "ناجي عطا الله وفرقته"، أو "البرشا" الذي تستعد لتجديد بطاقتك المشفرة من أجل عيون لاعبيه، أو "الجالاكسي3" الذي تفكر في شراءه مع أن آخر جهاز قمت بشرائه لم يمض عليه سوى شهرين.
الأمر لا يكلف سوى الرغبة أولاً، ومبلغ بسيط قد لا يتجاوز (5-10) ريالات، وهو مبلغ قد نصرفه يومياً في أمور ربما تكون أقل أهمية.

(5)
في إحدى صلوات الفجر في يوم من أيام هذا الشهر الفضيل، وبينما كان الإمام يقرأ دعاء القنوت بصوته العذب ويدعو لأهل سوريا بأن يفرج الله كربتهم، ويعينهم على محنتهم، أجهش ذلك الشاب السوري بالبكاء وعلا صوته بالنحيب.
لا أظن أن ذلك الشاب إخوانياً أو  من أتباع (العرعور)، ولا أعتقد أن له علاقة بأمريكا أو تركيا أو  قطر، وربما لم يسمع عن "الامبريالية" أو "المؤامرة الكونية" أو "خطة تقسيم المنطقة". هو فقط يعرف بلده أكثر مما يعرفها أصحاب "الجريدة" إياها، وبعض مدعي العروبة والقومية والممانعة وبقية مصطلحات الطقم التي تقال معاً .



د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.