الأربعاء، 1 أغسطس 2012

مشاهد من وحي رمضان

هي مشاهد كنت قد دونتها قبل عام من الآن، وأجدها  تتكرر كما كانت، قد يكون بعضها سلبياً يحتاج إلى وقفة متأنية، وقد يحمل الآخر الكثير من الإيجابية حتى لو ارتبط حدوثه برمضان،  ولكنها تبقى مظاهر جميلة ينبغي تشجيعها والحث عليها.

(1)
صلاة الفجر في أحد المساجد. المسجد ممتلئ برواده من مختلف الأعمار، وصوت قراءة القرآن يعلو على بقية الأصوات، الصبيان لهم حضورهم، إما  وحدهم أو برفقة آبائهم ،  وعجوز تسعيني يدخل المسجد متكئاً على يد أحد أحفاده. برغم ظروفه الصحية وكبر سنه، وبرغم عدم استطاعته الصلاة واقفاً، إلا أنه مصر على تسجيل حضوره الروحاني  اليومي، ربما لأن خير الأعمال الخواتيم ، وربما لكي يقدم لأولئك الصغار درساً في أهمية المحافظة على الصلاة باعتبارها ركن الدين قد يستفيدون منه في حياتهم اليومية وصلتهم بربهم.

(2)
بعد أيام قليلة يستعد أحد أقاربي للذهاب إلى الأراضي المقدسة لأداء العمرة.قد تكون المرة الثالثة التي يؤدي فيها هذه المناسك خلال هذا العام، كما أنه قد اعتاد تأديتها سنوياً في أيام الشهر الفضيل، وهناك الكثيرون ممن يحذون حذوه.
لن نختلف على أن تأدية العمرة هو  مطلب وحلم للكثيرين، وبالذات في مثل هذه الأيام المباركة، فبالإضافة إلى الأجر الكبير، فهناك الأجواء الروحانية الجميلة، وحالة الصفاء الفكري التي يعيشها المعتمر بالقرب من تلك المشاعر المقدسة، ولكن لنتخيل لو قرر أحد ممن اعتادوا الذهاب المتكرر إلى العمرة ، ألا يذهب هذه المرة، وأن يتبرع بمصاريف الرحلة كاملة لعائلة أو اثنتين من العائلات المعسرة، خاصة وأن هناك كثير من الأسر تعاني من تكالب الظروف الاقتصادية عليها، فما بالكم بتوالي مناسبات رمضان وعيد الفطر والعودة إلى المدارس تباعاً؟
أعتقد أن المولى- سبحانه وتعالى-  لن يحرمه أجر العمرة، وسيجزيه خير الجزاء عن تفريجه لكربة بعض إخوانه من المسلمين، وسيكون أكثر ايجابية ونفعاً للمجتمع.

 (3)
قبل المغرب بدقائق. صحون المساجد ممتلئة بعدد كبير من الصائمين، البعض يتوضأ، والآخر يقرأ القرآن، والثالث يتوجه إلى الله بالدعاء، أصناف الوجبات المختلفة تتوالى على المكان، سواء من البيوت القريبة، أو من صندوق وقف بعض المساجد، أو من تبرعات المحسنين طالبي الأجر والثواب، يرفع الأذان فيشترك الكل في الإفطار في حميمية عجيبة، دون تفرقة بين لون أو جنسية .
صورة  رائعة ومعبرة لمظهر من مظاهر التكافل الاجتماعي تتضح بشكل جلي خلال أيام الشهر الفضيل، وتؤكد على وجود استعداد فطري لدى الكثيرين للمساهمة  في الأعمال الخيرية بمختلف أشكالها، بشرط أن توجد الجهة التي تنظم هذا الأمر بشكل جدي ومناسب ومدروس.

(4)
الساعة العاشرة ليلاً. موعد عرض البرنامج التراثي المحلي (أماسي) لمقدمه المجيد الشاعر والصديق سالم البدوي. البرنامج جميل بفكرته ، ويقدم نماذج لبعض الفنون العمانية المغناة، ويتوقف عند محطات مهمة من الأسماء البارزة على مستوى الشعر الشعبي في السلطنة، كما يزيح الستار عن شخصيات أخرى ربما لم تصل إليها آلة الإعلام المحلية في فترات سابقة،ويحسب لمقدم البرنامج قدرته على أن يجعل  العديد من الشخصيات التي استضافها البرنامج أن يتفاعلوا بشكل جيد معه، و"يتجلوا" في استعراض إمكاناتهم المختلفة ، ولعل ذلك يعود إلى خبرته السابقة من خلال مشاركته كضيف أو كمقدم في  العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية الناجحة والقريبة من المتلقي. 
باختصار. يعد البرنامج وجبة رمضانية خفيفة ، وإضافة مهمة للخريطة البرامجية لتلفزيون سلطنة عمان في شهر رمضان المبارك، والدليل استمراره لأكثر من دورة رمضانية.

(5)
الساعة الواحدة ليلاً وبينما أقود سيارتي في الشارع الرئيسي لمدينتي  كدت أن أتعرض لحادث فظيع لولا ستر الله، والسبب كرة طائشة ركلها أحدهم بينما كان يلعب مع عدد من رفاقه الذين تتراوح أعمارهم بين العاشرة والخامسة عشر، في ساحة أحد المواقف المجاورة للشارع.
ترى لماذا يتخذ كثير من الصبية في هذا الشهر الفضيل وغيره من الشهور، ساحات بعض المساجد، والشوارع الفرعية كأماكن لممارسة هواياتهم المختلفة؟  هل هو التخطيط السيئ للحارات السكنية والذي لا يخصص أماكن مهيأة لممارسة الهوايات والأنشطة المختلفة؟ أم هو عدم وجود مراكز شبابية رياضية وثقافية توفر ممارسة هذه الأنشطة؟ وهل لغياب دور الأندية الحقيقي في هذا المجال، واقتصارها على ألعاب محددة ولأفراد بعينهم أثر  في ذلك؟ربما.

(6)
قد تجدهم يستقبلونك على الباب عند دخولك لفرع البنك الذي تتعامل معه، وقد يستوقفونك عند دخولك بعض المحلات التجارية الكبرى، ويمكن أن  يلاحقك بعضهم بعد انتهائك من استخدام إحدى آلات السحب المصرفي، وربما يعترضون طريق سيارتك عند رغبتك في تعبئة الوقود.
إنهم فئة من المجتمع ارتضت لنفسها طريق التسول كأسهل الطرق للكسب. ربما لا يكونون بتلك الكثرة، ولكنهم يتزايدون من عام لآخر، ويستغلون طيبة البعض، ورغبة البعض الآخر في نيل الثواب، ولامبالاة بعض ثالث.
ترى أين تكمن أسباب هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمع عرف طوال تاريخه بالتكافل الاجتماعي، وبأنفة أفراده وعزة أنفسهم وتعففهم عن السؤال؟
إذا ما استثنينا الأسباب المتعلقة بضعف بعض القيم المجتمعية التي تركز على التعاون والتكافل، فإنه بالإمكان  الاستفادة من كثير من أفراد هذه الفئة، وتحويلهم إلى منتجين حقيقيين، وذلك من خلال الاهتمام ببرامج التنمية الاجتماعية المناسبة، ومشاريع القرى المنتجة، وقوانين التأمينات الاجتماعية، خاصة أن بعضهم كانوا أصحاب حرف متنوعة، وفجأة لم يجدوا من يهتم بهم أو بإنتاجهم.جرب أن تحاور سيدة خمسينية في العمر تجدها في الأيام القادمة على باب أي بنك تمر بالقرب منه، في غالب الأحيان ستجد لديها تاريخاً طويلاً في العطاء الحرفي.هي فقط تريد من يشعرها بأنها من الممكن أن تنفق على عائلة بأكملها من خلال حرفتها.

(7)
بعد أن تابعنا الزحف المجتمعي المكثف على الأسواق والمجمعات التجارية المختلفة قبل بداية الشهر المبارك بشكل ينبئك أن البلد مقدمة على مجاعة رهيبة، أو كارثة طبيعية، ها نحن نستعد لمتابعة  مشهد مماثل. إنه زحف نسائي تجاه الأسواق في النصف الثاني من رمضان، وكل ذلك من أجل بعض الملابس والكماليات التي غالباً ما تنتهي صلاحية استخدامها بانتهاء أيام العيد.ملايين الريالات ستحول وجهتها خلال الأيام القادمة إلى بعض الدول الآسيوية، ولا عزاء لجيوب الأزواج.
للمرة المليون: أين هي الخياطة العمانية؟؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.