تقوم الحكومات المتعاقبة على إدارة شئون أية دولة من الدول بتنفيذ عدد من السياسات والبرامج التي من شأنها أن تنعكس إيجابا على وضع تلك الدولة على المستويين المحلي والدولي.
وفي المقابل تسعى هذه الحكومات إلى معرفة مدى رضا المجتمع المحلي عن أدائها، وذلك من خلال رصد رأي أفراد هذا المجتمع حول هذه السياسات والبرامج، من خلال الدراسات البحثية، واستطلاعات الرأي المختلفة.
وقد أثبتت الأحداث الأخيرة التي مرت بها السلطنة، والتداعيات المتعلقة بها، وجود نقص معلوماتي مهم لدى الحكومة حول رأي أفراد المجتمع تجاه السياسات التي تتبعها في عدد من المجالات،وكذلك الخدمات المقدمة في القطاعات المختلفة، ولعل السبب في ذلك يعزو إلى عدم وجود مراكز بحثية تتبع الحكومة، وتقوم برصد مدى رضا الناس عن أداء الحكومة، ومعرفة جوانب النجاح والقصور المتعلق بهذا الأداء، طوال الفترة الماضية، سواء كانت هذه المراكز مستقلة، أو تتبع بعض الوزارات المختلفة .
وقد أثر هذا الأمر بشكل سلبي على بعض الجوانب المتعلقة بأداء الحكومة في المرحلة السابقة ، لعل من بينها استمرار تنفيذ بعض السياسات الخاطئة في بعض المجالات نتيجة لعدم وجود تغذية راجعة حول جدوى بعض هذه السياسات، أو مدى رضا أفراد المجتمع عنها ، وعدم تواكب بعض هذه السياسات مع التغيرات المتسارعة الحاصلة على الساحة المحلية والدولية،ووصول بعض المسئولين التنفيذيين إلى قناعة تامة بجدوى هذه السياسات وملائمتها للأوضاع الحالية، ووجود تباعد أو فجوة بين بعض هؤلاء المسئولين وبين المجتمع المحلي.
لذا.. فمن المهم من وجهة نظري أن يكون هناك مركزاً لدعم اتخاذ القرار وجمع المعلومات، يكون تابعاً لمجلس الوزراء، ويقوم بالعديد من البرامج والأنشطة التي من شأنها أن تتيح للحكومة معرفة أثر السياسات والبرامج التي تنفذها على المجتمع، والتوصل إلى مؤشرات حول مدى رضا المجتمع عن الخدمات المقدمة من قبلها، وكذلك التهيئة المسبقة وتوفير المعلومات الكاملة حول تنفيذ بعض السياسات والبرامج المستقبلية، وذلك أسوة بعدد من الدول التي لديها مثل تلك المراكز .
ويمكن لهذا المركز أن يستقطب عدداً من الكفاءات والخبرات الوطنية في كافة المجالات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ممن يملكون مهارات البحث العلمي، وأساليب التواصل الجماهيري، وذلك من أجل إعداد منظومة عمل متكاملة ، يمكن تنفيذها من خلال العديد من الأدوات كعمل استطلاعات الرأي المحددة حول قضايا أو موضوعات بعينها، أو من خلال القيام بعدد من الدراسات البحثية المتعلقة بموضوعات عامة تهم المجتمع، أو قضايا خاصة بجوانب معينة ، كما يمكن له إصدار كتب ومطبوعات دورية تشتمل على نتائج هذه الدراسات البحثية، واستطلاعات الرأي المختلفة.
كما أنه من المهم للمركز أن يكون لديه موقع الكتروني فاعل، وذلك من أجل التعريف بماهيته، وبرامجه وأنشطته، ومن أجل التواصل المباشر والفعال مع قطاعات المجتمع المختلفة، وكذلك لنشر آخر النتائج والإحصاءات والمعلومات التي يتم التوصل إليها، إضافة إلى عقد الندوات وورش التدريب المختلفة والتي تستهدف العاملين في المركز، وكذلك بعض المتطوعين وأفراد المجتمع، فيما يخص التوعية بأهداف المركز وسياساته، وكذلك التدريب على استخدام الأدوات البحثية المختلفة والتي من شأنها أن تمكن من الحصول على المعلومات والمؤشرات المطلوبة بشكل دقيق وواضح، وكذلك آلية التعامل مع البيانات والمعلومات التي تم التوصل إليها.
ومن شأن هذا المركز عند إنشاءه أن يحقق العديد من الأهداف المهمة التي ستنعكس إيجاباً على أداء الحكومة في المرحلة القادمة، والتي من أهمها دعم اتخاذ القرار في كثير من الأمور والقضايا المتعلقة بالتنمية في كافة المجالات، فمثلاً يمكن للحكومة قبل أن تفكر في تنفيذ خطة تنموية ما، أو إنشاء مشروع معين أن تستطلع رأي عينة ممثلة من المجتمع ، ثم تقوم بتحليل آراء تلك العينة، وبالتالي يمكن لها التوصل إلى مؤشرات حول جدوى تنفيذ تلك الخطة، أو ذلك المشروع، كما يمكن القيام بهذه العملية بعد تنفيذ هذه المشاريع والسياسات، وذلك من أجل الحصول على تغذية راجعة حول جدواها، والملاحظات المتعلقة بتنفيذها من قبل المجتمع.
كما يمكن القيام بهذه الاستطلاعات بين الحين والآخر لمعرفة رأي المجتمع حول أداء قطاع معين من القطاعات الحكومية الخدمية، ومدى التطور الحاصل في أداء ذلك القطاع، وبالتالي تقف الحكومة على مستوى أداء قطاعاتها المختلفة، وتكون مواكبة لنبض الشارع وتطلعاته، وتحد من الفجوات الحاصلة في العلاقة بين الطرفين.
كما يمكن للمركز القيام بالعديد من الدراسات البحثية المتنوعة حول العديد من القضايا التي تهم عمل الحكومة، فمثلاً يمكن للحكومة قبل أن تقوم بتعديل بعض القوانين واللوائح المتعلقة بالأوضاع الوظيفية للموظفين التابعين لنظام الخدمة المدنية على سبيل المثال، أن تطلب من المركز القيام بدراسة بحثية حول الرضا الوظيفي لدى هؤلاء الموظفين ، ومن ثم يتم الاستفادة من نتائج وتوصيات هذه الدراسة عند القيام بتعديل بعض هذه اللوائح أو القوانين، ونفس الأمر ينطبق عند الحديث عن أية قرارات أو سياسات أو برامج حكومية في مختلف المجالات.
كما سيقوم هذا المركز بتوفير قاعدة بيانات معلوماتية شاملة للعديد من الموضوعات التي تمت دراستها، أو تم استطلاع الرأي حولها، ذلك إن نتائج هذه الدراسات البحثية، واستطلاعات الرأي المختلفة من شأنها أن توفر معلومات مهمة ومتنوعة، وبها قدر كبير من الدقة ، ويمكن إتاحة هذه المعلومات والبيانات للجهات الحكومية المختلفة، من أجل الوقوف على جدوى سياساتها، والاستفادة من هذه المعلومات المتعلقة بأدائها عند وضع السياسات والخطط القادمة، أو عند تقييم السياسات والبرامج الحالية، كما يمكن إتاحة هذه المعلومات للمراكز البحثية التابعة للمؤسسات الأكاديمية المحلية التي ترغب في الاستفادة منها، وللباحثين في مختلف المجالات، وذلك في إطار كامل من الشفافية .
كما سيوفر المركز الكثير من الجهد والوقت والمال المهدر حالياً من خلال استقدام بعض بيوت الخبرة التي تقوم بالدراسات الاستطلاعية التي ترافق تنفيذ بعض المشاريع، وما يصاحب ذلك من تأخير في تنفيذ هذه المشاريع، أو استقطاع جزء من ميزانية تلك المشاريع على هذه الدراسات الاستطلاعية، حيث أن نتائج دراسات هذا المركز، والقاعدة المعلوماتية التي سيوفرها، ستوفر على الحكومة كثيراً من هذه الدراسات ، ويمكن للمركز بمرور الوقت أن يتحول إلى بيت خبرة معتمد، وذلك من خلال توافر الكفاءات البحثية المختصة التي يضمها، ومن خلال قواعد البيانات والمعلومات التي ستوفرها أنشطته المختلفة.
كما أنه سيتيح الفرصة الحقيقية للمجتمع بمختلف أطيافه أن يشارك في عملية التنمية الشاملة، وذلك من خلال قياس اتجاهاتهم نحو العديد من الخدمات التي تقدمها الحكومة لهم، حيث أن رأيهم الحقيقي تجاه سياسات الحكومة المختلفة، وملاحظاتهم المختلفة، واقتراحاتهم المحددة، سيكون لها دور مهم في تعديل الكثير من السياسات المتبعة، وبالتالي ستحرص الحكومة على الأخذ بهذه الآراء المجتمعية وعدم إهمالها عند وضع السياسات القادمة، كما أنها ستوضح للحكومة بعض الجوانب التي كانت خافية عليها، بسبب عدم وجود مصادر معلوماتية دقيقة متعلقة بآلية توزيع الخدمات، ووضع بعض الشرائح المجتمعية.
ولا يقتصر عمل المركز على توفير البيانات أو المعلومات أو إشراك المجتمع في القرارات المتعلقة بالشأن الخدمي المحلي فقط، بل يمكن أن يشمل الأمر تقييم رأي المجتمع في السياسات الحكومية الخارجية، والقيام ببعض الدراسات التي يمكن للحكومة الاستفادة منها في تقييم علاقاتها مع القوى الإقليمية والدولية، أو تحديد رأيها تجاه بعض الأحداث الدولية المختلفة، إضافة إلى الدراسات المتعلقة بالجوانب النفسية والثقافية والاجتماعية المرتبطة بالمجتمع، وأثر ذلك على رسم السياسات المختلفة في مختلف المجالات .
ختاماً.. يمكن لمركز دعم اتخاذ القرار في حالة إنشاءه وتحديد أنشطته، أن يقوم بالعديد من الأدوار الايجابية التي من شأنها أن تحسن من أداء الحكومة، وأن تختصر الكثير من الوقت والجهد والمال ، وأن توفر البنية التحتية المعلوماتية الكافية، وأن تعزز من دور المواطن كشريك أساسي في عملية التنمية، وبالتالي ينعكس كل ذلك على استقرار المجتمع وتماسكه وتقدمه ونموه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.