الثلاثاء، 26 يوليو 2011

"قراءة في المشهد الانتخابي القادم لمجلس الشورى"

طالعتنا الصحف المحلية في يوم الخميس 7/7/2011 بنشر القوائم الأولية للمرشحين لعضوية مجلس الشورى في دورته السابعة (2011-2015)، والذين بلغ عددهم (1286) مرشحاً، من بينهم  (82) مترشحة، مقارنة ب(632) مرشحاً في الدورة الحالية، وهنا أقدم قراءة متواضعة للواقع الانتخابي الحالي، تتضمن عدداً من الملاحظات التي تعبر عن رؤية شخصية بحتة.


الملاحظة الأولى هو ارتفاع عدد المرشحين في هذه الدورة بأكثر من الضعف مقارنة بالدورة الحالية، بالرغم من أن عدد السكان لم يزد بنفس النسبة، وذلك بمعدل مرشح لكل (1500) نسمة تقريباً، ولو أتينا لتحليل أسباب هذه الزيادة فإننا يمكن أن نرجعها  لأحد سببين رئيسين هما: ازدياد الوعي السياسي ، وترسخ قيم المواطنة السياسية التي تدعو إلى أهمية مشاركة المواطن في المنابر البرلمانية باعتبارها عين الشعب على الحكومة، ورقيبة لأدائها، حيث أن بعض المطلعين على الشأن المحلي يرى أن الوعي السياسي لدى المواطن قد ازداد خلال الفترة الأخيرة ، خاصة بعد الأحداث التي مرت بها السلطنة ، وبرغم اعتقادي بتأثير تلك الأحداث على فكر البعض وثقافتهم السياسية، إلا أنني لا أجده مبرراً كافياً وواقعياً حتى لو حاول كثير من المرشحين تأكيده، فالوعي السياسي، وقيم المواطنة الحقيقية لا تتشكل في بضعة أشهر، فهي عملية معقدة بحاجة إلى برامج طويلة أمد، تلعب فيها المناهج الدراسية، والبرامج الإعلامية الحرة ، والحوارات المفتوحة، وجمعيات المجتمع المدني المختلفة دوراً كبيراً في تشكيلها.

والسبب الآخر هو الوصول إلى أحد المقاعد الوزارية، خاصة بعد اختيار عدد من أعضاء مجلس الشورى في دورته الحالية لتولي مسئولية بعض الحقائب ، واعتقاد البعض أنه يمكن أن يصبح وزيراً، واضعاً نصب عينه  حرص القيادة السياسية على عملية التوازن القبلي والمكاني في عملية تعيين بعض  الوزراء، أو اختيار بعض الأكاديميين و الحاصلين على مؤهلات دراسية عالية، وهو سبب لا يمكن تجاهله أو إهماله، خاصة مع وجود نماذج كثيرة من "عبده مشتاق" في مجتمعنا، وهي شخصية كاريكاتيرية فكاهية ابتكرها الكاتب الساخر أحمد رجب للتعبير عن رغبة البعض في الوصول إلى المنصب الوزاري بأقل مجهود.


ولأننا "عيال قريـــــه..وكل يعرف خويـﱠﱠــــه"  على قول إخواننا السعوديين، فلقد حرصت على الاطلاع على معظم الأسماء المرشحة علني أجد من أعرف عنه مساهماته المجتمعية الواضحة و المعروفة على المستوى الفكري والسياسي والاجتماعي ، فلم تشدني سوى بعض الأسماء، وقد أكون لم أطلع على مساهمات أسماء أخرى مرشحة، أما البقية فأراهم شخصيات عادية ربما لا تؤهلهم إمكاناتهم للحصول على عضوية مجلس يفترض فيه أن يحمل هموم شعب، ويناقش خططاً وبرامج تنموية مختلفة، ويشترك في سن قوانين قد تؤثر على وضع البلد من كافة النواحي، وهنا يطرح السؤال حول ماهية المجلس ودوره وأهميته في نظر هؤلاء.
كما أن من الملاحظات على هذا المشهد الانتخابي هو  وجود تناقضات واضحة وعدم تناسب بين أعداد المرشحين مع عدد السكان في كثير من الولايات، في واقع قد يقترب من الكوميديا المؤلمة،  فتجد مثلاً ولاية لا يتجاوز عدد سكانها (10) آلاف نسمة، بينما عدد المرشحين يتجاوز العشرين، وقد يصل إلى الثلاثين والأربعين، وقس على ذلك كثير من الأمثلة، وكذلك  نلاحظ ترشح عدد من أبناء البيت الواحد، أو العائلة الواحدة ، أو القرية الواحدة، مما يعني بديهياً تفتيت الأصوات بينهم، وهذا يؤكد ما أشرت إليه من ضعف الوعي السياسي لدى قطاع مهم من المجتمع في بلد ما زالت فيه الثقافة القبلية، و"التربيطات" الاجتماعية تؤثر على العملية الانتخابية بشكل كبير، فتغليب المصلحة العامة يستدعي التوافق على مرشح بعينه تراه العائلة أو القرية أنه الأنسب والأقدر على التمثيل المناسب، ولديه الإمكانات التي تؤهله للنجاح.


ملاحظة أخرى يمكن أن نستقرئها  وهي أن بعض المرشحين يعتقد أن مجرد حصوله على مؤهل عال، واقتران اسمه بحرف"الدال"  يعطيه الحق في الترشح، مع أن هذا  الأمر من الممكن أن يكون مقبولاً  لو صاحبته انجازات مسبقة، ومشاركة مجتمعية واضحة يشعر بها أبناء ولايته ، أما الاعتقاد بأن "البرستيج" لن يكتمل إلا بالحصول على منصب أو مكانة اجتماعية توازي هذا المؤهل، فهو أمر مرفوض، فليس الغرض من الحصول على الشهادة هو تحقيق مكاسب اجتماعية أو المباهاة، بقدر ما تعني الإنجاز والعطاء في مجال التخصص بما يضيف للمجتمع الفائدة المرجوة، مع كامل تقديري لبعض الأسماء المرشحة ذات البصمات الواضحة في المجتمع.


ومن الملاحظات كذلك تكرار ترشح بعض الأسماء التي لم يحالفها النجاح في الدورات السابقة، ومع كل التقدير لعدم يأس هؤلاء، ومحاولاتهم الدءوبة للنجاح كل مرة، إلا أن السؤال المطروح هو : هل حاول هؤلاء تقييم الأسباب التي أدت إلى فشلهم في المرات السابقة، وتقديم أنفسهم بشكل يشعر فيه المجتمع أنهم يستحقون الوصول إلى المقعد البرلماني، أم أنهم تركوا الأمر لظروف الانتخابات القادمة


أيضاً يسعى البعض إلى الترشح أملاً منهم واعتقاداً بأن أدوارهم في الأحداث التي مرت بها السلطنة ، وما اشتملت عليها من عمليات حراك سياسي كالاعتصامات، قد تشفع لهم في الوصول إلى المجلس، وبعض هؤلاء لهم انتماءات سياسية معينة، والبعض الآخر بلا هوية سياسية معروفة، ومع التقدير والاحترام الكاملين لأشخاص هؤلاء ورؤيتهم وفكرهم ، ومع وجود أسماء تستحق بالفعل دخول المجلس،  إلا أنه لا يمكن المراهنة أو الاعتماد على أصوات المعتصمين لوحدها، أو أصوات القريبين من الفكر السياسي الخاص بالمرشح، وأحياناً قد لا يكفي الصوت المفوه، والفكر المتقد، والحماس العالي، فالانتخابات لعبة سياسية معقدة لها أساليبها وخباياها، وقطاع كبير من المنتخبين (بكسر الخاء)  هم من الأغلبية الصامتة، الذين قد يكون اطلاعهم السياسي ضعيف، ورؤيتهم للأحداث مختلفة، وقد لا تشغلهم العملية الانتخابية بالشكل الذي يجعلهم يبدون اهتماماً جدياً بها وبعملية اختيار المرشح المناسب.

   
توقعاتي الخاصة لشكل المجلس في دورته القادمة هي أنه لن يحصل ذلك التغيير الكبير في تشكيلته، وسيكون النجاح حليف عدد لا بأس به من الأعضاء الحاليين خاصة من مر على وجودهم بالمجلس أكثر من دورة انتخابية، ذلك أن خبرتهم الانتخابية السابقة، وتوافر الإمكانات المادية والاجتماعية لدى كثير منهم، وعملية تفتيت الأصوات التي ستحدث بين عدد كبير من المرشحين أبناء القرية أو العائلة الواحدة، وحداثة عهد كثير من المرشحين الجدد بأساليب العملية الانتخابية قد تكون عوامل رئيسة لنجاحهم، بالإضافة إلى النجاح المتوقع لعدد من الشخصيات الاجتماعية والاقتصادية المرموقة التي تدخل المجلس لأول مرة، وستكون هناك مقاعد محدودة لعدد من الشباب الذين أفرزتهم الأحداث الأخيرة.


ما زال الكثير لا يعي أهمية ومكانة دور البرلمان في المجتمع، وإلا لما وجدنا هذا العدد الهائل من المرشحين في بلد لا يتجاوز عدد سكانه المليوني نسمه، ولعله من المهم التذكير بأهمية إيجاد توعية وثقافة سياسية مناسبة في المرحلة القادمة تتواكب مع تغيرات العصر ، وإعادة تقييم شروط الترشح لمجلس الشورى، فشرط المكانة والسمعة الحسنة في الولاية، أو كونه في  مستوى مقبول من الثقافة ، وان يكون لدية خبره عملية مناسبة، هي شروط  وهمية، ومن الصعب قياسها، وغير كافية كمعايير لضبط عملية الترشح.


  إن مجرد الاعتقاد بكون الفرد مواطناً له حقوق سياسية تكفل له الترشح لا يعني قطعاً أحقيته في ذلك، فالحصول على العضوية البرلمانية يتطلب إمكانات وقدرات فكرية وسياسية واجتماعية تتناسب والدور الذي ينبغي أن يمارسه البرلمان، و في بلدان العالم المتقدمة والتي تلعب فيها البرلمانات دوراً واضحاً في الحياة السياسية والاجتماعية بها،  يتقدم المرشح متسلحاً بالعديد من الانجازات الخدمية المجتمعية ، ومجهزاً لبرنامج انتخابي واضح الملامح ودقيق الخطوات ، وقابلاً للتطبيق، ويكون ملتزماً بتطبيقه متى ما تحقق له النجاح، وأساس الانتخاب هناك هو البرنامج وليس الشخص، فمتى كان البرنامج الانتخابي ملامساً لواقع الدائرة الانتخابية، معبراً عن تطلعاتها واحتياجاتها، كتب له النجاح، وهذا الوعي لم يأت بين يوم وليلة، بل أتى بعد مخاضات عسيرة، وتجارب طويلة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.