أفرزت الإعتصامات السلمية التي قام بها عدد من الشباب في بعض المدن العمانية خلال الفترة القريبة الماضية عدداً من المطالب المتنوعة، لعل من بينها إنشاء مجالس بلدية في المدن والولايات تكون بديلاً عن كثير من اللجان المحلية الغير فاعلة من وجهة نظرهم، وتسهم في أدوار أكثر فاعلية من الأدوار الحالية التي تقوم بها بعض المؤسسات الخدمية.
وفي حقيقة الأمر فإن هذا المطلب يعد من المطالب البالغة الأهمية، والذي سيترتب على تحقيقه العديد من الإيجابيات المتنوعة سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، كما أنه سيسهم في إيجاد شراكة حقيقية بين المجتمع والحكومة، وذلك من خلال اشتراك الطرفين في تخطيط وتنفيذ المشاريع المختلفة، إضافة لدوره في ترسيخ المسئولية الاجتماعية للأفراد، وذلك من خلال إحساسهم بأنهم سيتمكنون من المشاركة الفعلية في بناء مجتمعهم المحلي.
وتتلخص فكرة المجلس البلدي، أو المجلس المحلي، أو المجلس الشعبي، أو أية تسمية أخرى مناسبة، في وجود مجلس يضم ممثلين عن كافة أطياف المجتمع المحلي في المدينة أو الولاية التي سينشأ بها، يتولى المساهمة في التخطيط و الإشراف على الأعمال التي من شأنها الارتقاء بمستوى الخدمات التي يتم تقديمها من خلال المشاريع المختلفة،بالتعاون مع المؤسسات الحكومية الخدمية ، وذلك من خلال عدة لجان فرعية تختص كل منها بجانب من جوانب التنمية المختلفة، ويتم اختيار أعضائه من خلال صناديق الانتخاب، لمدد معينة يتم تحديدها من خلال الهيكل التنظيمي الذي ينظم عمل هذه المجالس، وآلية اختيار أعضائها.
وهناك العديد من المهام التي يمكن لهذه المجالس أن تقوم بها من خلال لجانها المختلفة، فلجنة التخطيط يمكن أن تقوم باقتراح خطط التنمية للمجتمع المحلي ، واقتراح الموازنات المطلوبة، وذلك من خلال حصر المشاريع المهمة التي يتطلبها هذا المجتمع في كافة المجالات، من خلال أساليب عدة كالاستبيانات والمقابلات، وتحليل الخدمات والأوضاع المتعلقة بالأحياء والقرى التابعة للمدينة أو الولاية، والاطلاع على المشاريع المنفذة سابقاً، وطلب التقارير والبيانات والإحصاءات التي تحتاجها .
ويمكن للجنة الثقافية أن تخطط لإقامة العديد من البرامج والفعاليات التي من شأنها أن تساهم في الارتقاء بالمستوى الثقافي والفكري للمجتمع المحلي، كإنشاء مكتبة عامة في المدينة، وعمل موسم ثقافي يشتمل على عدد من الورش والندوات والمحاضرات المتنوعة، وتنظيم المهرجانات الثقافية كمهرجان القراءة، ومهرجان الطفل مثلاً، والاهتمام بالموروثات والشواهد التاريخية والثقافية للمدينة كالفنون المغناة، والحرف المختلفة، والمعالم الأثرية، واقتراح خطط للاهتمام بها والمحافظة عليها.
كما يتمثل دور اللجنة الاجتماعية في الاهتمام بالبرامج التي من شأنها بث روح التكافل في المجتمع، وتعميق القيم الدينية والخلقية ، كالاهتمام ببعض الفئات التي تحتاج إلى رعاية واهتمام كفئة المعوقين، وكبار السن، والأيتام وغيرهم، والتوعية بأهمية العمل التطوعي ، وتسليط الضوء على بعض القضايا الاجتماعية السلبية أو الايجابية المنتشرة في المجتمع، نحو الحد منها، أو التمسك بها، والاهتمام بإعطاء أدوار مهمة للمرأة كونها شريكة الرجل، والنصف الثاني في المجتمع.
ويتمثل دور اللجنة التربوية في الاهتمام بقضايا التعليم المختلفة، والتواصل مع القائمين على العملية التربوية في المجتمع المحلي بهدف الوقوف على بعض الإشكالات التي تواجه العملية التعليمية ، وتكون معيناً لهم في معالجة هذه القضايا، واقتراح مزيد من الحلول والخطط للارتقاء بهذه العملية، كون أن المجتمع هو المتأثر بمخرجاتها، كما سيكون لها دور في المشاركة في تنفيذ بعض البرامج والفعاليات التربوية كبرامج محو الأمية، وتكريم الطلبة المتفوقين وغيرها.
وتقوم لجنة الخدمات بالإشراف على تنفيذ الخدمات والمشاريع التي تم الاتفاق على إقامتها كرصف الطرق والإنارة، والتشجير، وتوزيع الأراضي، ومشاريع تجميل المدينة أو الأحياء المختلفة، وإنشاء الحدائق والمتنزهات، وغيرها من المشاريع الخدمية المتنوعة.
ويمكن اقتراح لجان أخرى أو أية لجان فرعية يقترحها مجلس الإدارة كلجنة البيئة التي يمكن أن تسهم في مراقبة التلوث الناتج عن بعض الممارسات السلبية، ومراقبة أعمال النظافة، واقتراح الحلول المناسبة لكي تكون المدينة أكثر نظافة وأقل تلوثاُ، وكذلك لجنة تنشيط السياحة التي ستقوم بدور مهم في التعريف بالمعالم السياحية المتنوعة التي يشتمل عليها المجتمع المحلي،وآلية النهوض بها، وتطويرها.
وبلا شك فإن تكوين هذه المجالس البلدية سيسهم بشكل ايجابي في الارتقاء بالخدمات المختلفة التي ينبغي أن تقدمها المؤسسات الخدمية في المجتمع، وذلك من خلال مراقبة أعمال تلك المؤسسات، وتفعيل مبدأ المساءلة، واقتراح أفكار تسهم في تطوير العمل في هذه المؤسسات .
كما إن إنشاء مثل هذه المجالس ، وتفعيل دورها بالشكل المطلوب، من شأنه أن يقضي على كثير من الاتجاهات السلبية التي تحملها شريحة من المجتمع تجاه بعض الخدمات البلدية التي تقدم حالياً، ذلك أن النظرة السائدة تجاه دور البلديات يكاد ينحصر في قيامها ببعض الأعمال الروتينية كمراقبة وتفتيش المحلات والمطاعم، وملاحقة الحيوانات السائبة، وإصدار تصاريح افتتاح المحلات التجارية المختلفة، ورصف بعض الطرق الداخلية، والإشراف على المرادم وأماكن التخلص من النفايات، دون الاهتمام الفعلي بالخدمات الثقافية والاجتماعية والتربوية التي قد يتطلبها المجتمع المحلي، كما هو دور البلديات الحقيقي في عدد من مدن العالم، والذي يتجسد في الاهتمام بتنفيذ المشاريع والبرامج التي من شأنها جعل المدينة أو البلدة أكثر جمالية ورقياً، وذلك من خلال سن القوانين البلدية والإسكانية المختلفة، والاهتمام بقضايا التشجير والتجميل، والاهتمام بالجوانب الثقافية المتمثل في إقامة المهرجانات والكرنفالات، ومعارض الكتاب، والندوات الفكرية المختلفة، والاهتمام بالجوانب الاجتماعية، والتركيز على حقوق المرأة والطفل، وكافة الشرائح الاجتماعية الأخرى، وتعزيز الجوانب السياحية في المدينة، وغير ذلك من الخدمات التي يصعب حصرها، والتي تدل على اهتمام بلدي حقيقي من جانب هذه الجهة المختصة.
كما أن النظرة للجان المحلية هي نظرة سلبية كذلك في عمومها، حيث ارتبطت هذه اللجان بالقيام بمهمة تخطيط وتوزيع الأراضي بمختلف أنواعها، وما يرتبط بهذه العملية من شبهات سوء إدارة تتمثل في محاباة البعض في سبيل الحصول على قطع أراضي مميزة، أو حصول بعض أعضاء هذه المجالس أو أقاربهم على امتيازات مختلفة قد لا يجيزها القانون، كما أن أعضاء هذه المجالس قد لا يكونوا هم الأصلح تمثيلاً في هذه اللجان، وفي الغالب يتم اختيارهم لاعتبارات قبلية أو مادية، مع إهمال واضح لشرائح أخرى في المجتمع قد تكون أكثر فكراً وتخصصاً ووعياً، وأكثر إلماماً بالقضايا المختلفة التي تهم المجتمع المحلي .
ومن شأن عملية الانتخابات المنظمة لاختيار رؤساء وأعضاء هذه المجالس أن تحقق العديد من الأهداف المهمة، فبالإضافة إلى أنها ستسهم في اختيار العناصر الأفضل ، وستتيح الفرصة لكافة أفراد المجتمع في المشاركة الاجتماعية الفاعلة، فإنها قد تسهم في الارتقاء بالوعي السياسي لدى هذه الشريحة، وذلك من خلال إدراكهم لأهمية العملية الانتخابية في إفراز العناصر التي ستتولى عملية النهوض بالمجتمع المحلي والمساهمة في صنع قراره، وبالتالي حرصهم على اختيار الأفضل، وهذا الأمر سيكون له أثره الايجابي في العمليات الانتخابية الأخرى، كانتخاب أعضاء مجلس الشورى، أو أية انتخابات أخرى قادمة.
ويمكن لهذه المجالس أن تعرف عن نفسها، وعن الأدوار التي تمارسها، وذلك من خلال أساليب عدة، لعل من بينها تخصيص مساحات وبرامج إعلامية في وسائل الإعلام المحلية للتعريف بهذه المجالس ، وانجازاتها خلال الفترات الزمنية المختلفة، وإصدار نشرات دورية ، وتأسيس مواقع الكترونية خاصة بها، والمشاركة في بعض الفعاليات الاجتماعية المختلفة على مستوى السلطنة للتعريف بأدوارهم المهمة في خدمة المجتمع.
ومن المهم استقلالية هذه المجالس البلدية عن التبعية لأية جهات خدمية أخرى كالبلديات أو الإسكان أو غيرها، ذلك أن من مهامه الأساسية مراقبة أداء تلك المؤسسات ، ومدى رضا المجتمع المحلي عن الخدمات التي تقدمها.
كما أنه من المهم تخصيص ميزانية مناسبة كي تقوم هذه المجالس بدورها الفعلي والحقيقي في النهوض بالمجتمع المحلي، وكي لا تكون أدوارها مجرد كتابات ورقية، ويمكن الاستفادة من حصيلة بعض الرسوم المالية التي تدفعها الجهات المختلفة مقابل الاستفادة من الخدمات المختلفة، في دعم ميزانيات هذه المجالس مما يمكنها من تنفيذ المشاريع والبرامج المختلفة.
إن بناء الوطن يستلزم التعاون الجماعي والمسئولية المشتركة، لذا فمن الضروري البحث عن حلول أكثر ديناميكية من شأنها تطوير العمل المجتمعي ، والارتقاء به، وذلك من خلال إعطاء الفرصة لكافة شرائح المجتمع في المساهمة في هذا العمل التطوعي المهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.