لا شك أن الشباب في كل أمة هم ذخيرتها وعدتها للمستقبل، ولا شك أنهم أغلى وأثمن الثروات.. بهم تتباهى الأمم على غيرها،وبهم تتقدم، ولم تقم الحضارات إلا بسواعد أبنائها الشباب، كيف لا وهم عماد الأمة وسندها.
ولا شك أن من أهم أهداف التربية قديماً وحديثاً هو إيجاد الفرد أو الشاب الصالح، النافع لنفسه وأمته، لذا أولت حكومات الدول المختلفة كل اهتمامها ورعايتها بقطاع الشباب، ومنها حكومتنا التي كان من أولوياتها الاهتمام بالشباب العماني للارتقاء به، وإخراج جيل صالح مفيد لنفسه، ولوطنه، وأمته.
وليس أدل على ذلك من المنطوق السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم في العيد الوطني السادس "إننا أصدرنا أوامرنا لوزرائنا بأن يولوا شبابنا عناية خاصة، وأن يتيحوا لهم كافة الفرص، لكي يؤدوا دورهم على الوجه المرضي في بلادهم"
لذا..تم تخصيص عام للشبيبة، و آخر للشباب، كما كان لهم جهات معينة تهتم بهم، حيث ألحق قطاع الشباب بوزارة الإعلام ، ثم بوزارة التربية والتعليم، كما تم إنشاء المجلس الأعلى لرعاية الشباب الذي تشرف برئاسة حضرة صاحب الجلالة له، ثم مع بداية التسعينيات من القرن الماضي تم إنشاء الهيئة العامة لأنشطة الشباب الثقافية والرياضية التي قامت بكثير من الجهود في المجالات الاجتماعية والثقافية والرياضية، من خلال الإشراف على أنشطة الأندية المختلفة، وإقامة معسكرات العمل المتنوعة، وتنظيم الفعاليات الأدبية التي تهدف إلى الكشف عن الإمكانات الإبداعية لدى الشباب العماني في مجالات الشعر والقصة والرواية وغيرها، إضافة إلى تفعيل الأنشطة الفنية في مجال الموسيقى والمسرح والفنون التشكيلية، وقد أسهمت هذه الجهود برغم بعض الملاحظات إلى ظهور نماذج من الشباب العماني المجيد في مختلف المجالات، وكانت هناك روزنامة متنوعة من الأنشطة والفعاليات الشبابية طوال العام.
كما أسهم مسرح الشباب في ظهور جيل تشكلت على يديه ملامح الحركة الفنية والإعلامية في السلطنة، وكان للنادي الثقافي جهوده الواضحة ، كما كانت المسابقات الثقافية والاجتماعية تجد صدى واهتماماً كبيراً من قبل طلاب المدارس، والشباب المنتسبين للأندية.
ثم فوجئنا بإلغاء هذه الهيئة، وإنشاء وزارة للشئون الرياضية، ولم تعد هناك جهة بعينها خاصة بالشباب، كما بدأت أنشطة الأندية غير الرياضية في الاضمحلال، بحجة عدم وجود جهة ترعى وتتابع وتهتم بهذه الأنشطة، وأصبح معظم الدعم المادي المقدم للأندية يصب لمصلحة الأنشطة الرياضية، وخاصة مجال كرة القدم، مما أدى إلى اختلال منظومة الأنشطة التي ينبغي أن تقدم إلى قطاع الشباب من خلال الأندية.
كما أن المطلع حالياً على الأنشطة التي توجه للشباب العماني، يجدها متفرقة ومتناثرة بين عديد من الجهات، دون وجود رابط حقيقي مشترك، أو تنسيق مبرمج بينها، فهناك أنشطة تقدمها وزارة التربية والتعليم، وبرامج أخرى تعنى بها وزارة الشئون الرياضية، وفعاليات تنظمها وزارة التراث والثقافة، ولكن يبقى السؤال الأهم: هل هناك أهداف مشتركة محددة سلفاً لهذه البرامج جميعها؟ وهل هناك لجنة مشتركة قامت باستعراض هذه البرامج المقدمة من تلك الجهات، وقيمت تلك البرامج ، وآلية تنفيذها، ووضعت لها روزنامة محددة للتنفيذ؟
كما أن كثيراً من الشباب، وخاصة في القرى والولايات البعيدة عن مراكز المناطق والمحافظات لا يجدون الأنشطة التي تخاطب إمكاناتهم، ومواهبهم، وتسهم في القضاء على وقت الفراغ لديهم بكل سلبياته، فلا مراكز شباب رياضية تصقل مهاراتهم في هذا المجال، ولا بيوت ثقافة بمسرحها ومرسمها وناديها العلمي وقاعات المطالعة الورقية والالكترونية بها، كي تنمي الملكات الثقافية والعلمية والابتكارية لديهم، ولا مكتبات تثري معلوماتهم العامة، وتربطهم بما درسوه، وبما يحدث من تسارع معلوماتي عالمي، ولا معسكرات عمل تركز على الجانب القيمي المتمثل في أهمية خدمة المجتمع المحلي والمحافظة على مكتسباته، ولا مسابقات متنوعة تخلق لديهم شيء من الإثارة والمتعة الهادفة، مما يجعلهم يكتسبون بعض الاتجاهات السلبية، أو يقومون بشيء من الممارسات الخاطئة من جراء الفراغ القاتل، أو يضطرون إلى إقامة أنشطة بإمكانات ذاتية متواضعة، وغير واضحة الأهداف والمعالم، أو يتيح الفرصة لبعض الجهات أو الأفراد في القيام بالدور البديل لدور الحكومة في هذا الجانب، وعلينا ألا ننسى أن كثيراً من الأفكار المتعارضة مع سياسات وأهداف الحكومات في بعض الدول، وبخاصة العربية والإسلامية، لم تظهر إلا عندما تخلت تلك الدول عن أدوارها تجاه فئة الشباب لصالح جهات أخرى.
لذا.. فإن إنشاء مؤسسة تعنى بالشباب سواء كانت وزارة، أم هيئة، أم مجلس، أم تخصيص قطاع ملحق بإحدى المؤسسات الحكومية ذات العلاقة، لهو من الأمور المهمة ، حيث أنه على عاتق تلك المؤسسة ينبغي أن تترجم رؤية الدولة لقطاع الشباب، وتوضع الأهداف الواضحة والقابلة للتحقيق من خلال البرامج التي سيتم تنفيذها، ويجيب على السؤال الرئيس الهام: ما نوع المخرجات التي تبتغيها الدولة من هذه الفئة؟
كما أن وجود هذه المؤسسة من شأنه أن يلملم كافة الأنشطة المقدمة للشباب في روزنامة مترابطة ذات أهداف واضحة قابلة للقياس،إضافة إلى أن تركيز هذه المؤسسة على قطاع الشباب مع توافر الإمكانات المادية الكافية قد يتيح لهم في كافة أرجاء الوطن الاستفادة من هذه البرامج المقدمة.
إن شبابنا في ظل التسارع المعلوماتي المتدفق، وتأثيرات العولمة المختلفة، بدءوا يفتقدون إلى كثير من القيم والاتجاهات الايجابية تجاه أنفسهم ومجتمعهم، لذا فإن العمل على استرجاع واكتساب هذه القيم لن يأتي إلا من خلال البرامج والفعاليات الموجهة والهادفة والمتنوعة، كما أن كثيراً من المشكلات الاجتماعية والفكرية المتعلقة بهم قد تتناقص متى ما وجدوا اهتماماً حقيقياً، و متنفساً يشغلون به وقت فراغهم بشيء مفيد، من خلال هذه المنظومة من البرامج ، وكل ذلك لن يحدث إلا إذا وجدت جهة بعينها يقوم على عاتقها هذا الأمر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.