الاثنين، 31 أكتوبر 2011

نحو استراتيجية وطنية للشباب


جريدة الرؤية الاثنين 31/10/2011م
كنت في إحدى الأمسيات الشعرية، والتي يحييها نخبة من الشعراء الجدد، مساء الخميس الفائت،  عندما وجدت من يربت على ظهري . التفت كي أرى من فعل ذلك،فوجدته هو، بابتسامته التي لا تفارقه، إنه أبو فاطمة، صديقي الذي أزعجتكم مراراً بالحديث عنه.

أبا فاطمة؟ أية رياح طيبة ألقت بك هنا يا صديقي العزيز؟ رد علي : كما ترى، أتيت لنفس السبب الذي أتيت أنت من أجله، الفراغ قاتل يا صاحبي، فقلت آتي للاستمتاع بالشعر، وفي نفس الوقت تشجيعاً لهذه المواهب الفتيـــــة.

مرت دقائق قبل أن ينظر إلي بابتسامته الجميلة وهو يقول لي: مبروك، وأخيراً تحقق ما كنت تنادي به وتكتب عنه مراراً. نظرت له بدهشة وأنا أسأله: ماذا تقصد بكلامك يا عزيزي؟ أجاب: أولم تسمع عن المرسوم السلطاني الذي يقضي بإنشاء اللجنة الوطنية للشباب وإصدار نظامها؟ أولم تكن تطالب بإنشاء هيئة أو جمعية أو لجنة أو وزارة تهتم بأمور الشباب؟ ها قد تحقق مطلبك، ولأجل ذلك فأنت مدين لي بعشاء الليلة.

قلت له: بالطبع سمعت به، وفرحت به كما فرح كل الشباب في هذا البلد، ولعلمك فهذا المرسوم ليس الأول ولن يكون الأخير، فاهتمامات جلالته بقطاع الشباب قد بدأت منذ الأيام الأولى لحكمه الميمون، أولم تسمع منطوقه السامي في أحد الأعياد الوطنية "إننا أصدرنا أوامرنا لوزرائنا بأن يولوا شبابنا عناية خاصة، وأن يتيحوا لهم كافة الفرص، لكي يؤدوا دورهم على الوجه المرضي في بلادهم". أولم تعاصر  تجربة تخصيص أعوام للشبيبة والشباب، وإنشاء المجلس الأعلى لرعاية الشباب في فترة زمنية معينة، ثم إنشاء الهيئة العامة لأنشطة الشباب الثقافية والرياضية؟

هنا قال لي: دعنا نتحدث بشفافية ، أنت وأنا وغيرنا يعرف أهمية الشباب وقيمته في كل مجتمع، وفي نفس الوقت يدرك التحديات الفكرية والاجتماعية والسياسية التي تواجه هذا القطاع الحيوي المهم. هل تتوقع أن تحقق هذه اللجنة شيئاً من طموحاتنا تجاه ما نصبو إليه؟

قلت له وأنا أتكئ على مسند الكرسي: هذا يعتمد على مدى الصلاحيات التي ستعطى لها، ونوعية العقليات التي ستديرها، ومدى إيمانهم بدور الشباب في المجتمع، لو تعاملوا معها بنفس الآلية المتبعة سابقاً والتي تركز على إقامة بعض المناشط الرياضية والثقافية والاجتماعية التقليدية، فلا أعتقد أنها ستضيف الشيء الكثير لهذا القطاع، وستكون نسخة مكررة من سابقاتها من اللجان.

قبل أن أنتهي من إجابتي السابقة كان سؤاله التالي حاضراً: وما تصورك أنت لهذه اللجنة لو أعطيت صلاحيات إدارتها؟
أجبته: هون علي من أسئلتك المتلاحقة يا صديقي، عموماً التصورات كثيرة، والكلام حولها سيطول، ولكني سأحاول أن أختصر لك تصوري لها في عدة نقاط:
أولاً: دعنا نتفق سلفاً أن الاهتمام بقطاع الشباب ليس مسئولية جهة واحدة بعينها، ولكنه مسئولية مشتركة بين عدد من الجهات الحكومية والأهلية، إذا فليكن لهذه الجهات ممثلين لهم في هذه اللجنة ، كأن يكون هناك ممثل لوزارة التربية والتعليم، وآخر لوزارة الصحة، وثالث للإعلام، ورابع للتنمية الاجتماعية، وهكذا، بحيث نضمن أكبر قدر من التنسيق وتكامل العمل.
ثانياً: يفترض في هذه اللجنة أن تترجم رؤية الدولة لقطاع الشباب، وتجيب على السؤال الهام: ما نوع المخرجات التي تبتغيها الدولة من هذه الفئة؟ لذا من المهم أن تكون هناك رؤية واضحة تركز على تنشئة  جيل من الشباب العماني الواعي  لذاته وقدراته، المنتمي لوطنه، القادر على المشاركة  في تنميته وتطوره ، والمتمكن من التعامل مع تغيرات العصر المتسارعة.

ثالثاً: على هذه اللجنة وضع وثيقة تشتمل على إستراتيجية شاملة للشباب، يمكن تطبيقها خلال فترة زمنية محددة، يمكن تقديرها مثلاً بخمس سنوات، تحاول النهوض بالمستوى الثقافي والاجتماعي والسياسي لهم، وتضع الخطط والبرامج التي تحدد التي تعمل على ترجمة الرؤية العامة للشباب ، يشترك في وضعها الجهات التي يعنيها قطاع الشباب، بحيث تضع كل جهة خطتها في المجال المتعلق بها، فوزارة  التراث والثقافة تضع برنامجها في مجال التوعية الثقافية من خلال رزمة من الندوات والمؤتمرات والمحاضرات والورش الثقافية المختلفة التي تركز على الجديد، وتناقش قضايا حيوية تهم الشباب في المجالات المختلفة، و القوى العاملة تقدم خطتها في مجال العمل والتدريب وتعزيز المشاركة الاقتصادية للشباب، كبرامج التدريب المهني، وكيفية تنفيذ المشاريع الاقتصادية الصغيرة على سبيل المثال،  بينما تركز جهة كالتنمية الاجتماعية على المشاركة المجتمعية لهم من خلال حزمة من البرامج التي تهدف إلى تشجيع مساهمتهم  في أنشطة الخدمة العامة والأنشطة التطوعية مثلاً ،  ويساهم الإعلام في هذه الإستراتيجية بدور مهم من خلال إيجاد مساحات أكبر للشباب من خلال البرامج الحوارية، وتشجيع الحوار الفكري والثقافي بينهم حول قضايا التنمية الشاملة والتحديات الداخلية والخارجية والسياسات العامة المتبعة، بينما تطــــوع وزارة التربية والتعليم مناهجها وأنشطتها الصفية واللاصفية ، للتوافق مع ما أتت به الإستراتيجية  في مختلف المجالات، وقس على ذلك بقية الجهات.

رابعاً: تتخذ هذه الإستراتيجية  أساليباً عديدة في تنفيذها كالمؤتمرات، والمعسكرات العملية، والمحاضرات، والدورات التدريبية، والزيارات بأنواعها، والنشاطات بمختلف أشكالها.

قاطعني  قائلاً: ولكن كثيراً من الشباب، وخاصة في القرى والولايات البعيدة عن مراكز المناطق والمحافظات لا يجدون حالياً الأنشطة التي تخاطب إمكاناتهم، ومواهبهم، وتسهم في  القضاء على وقت الفراغ لديهم بكل سلبياته.
قلت له:من المهم مراجعة الإمكانات المادية المقدمة للشباب في الوقت الحالي، والعمل على توفيرها، كمراكز الشباب التي ينبغي أن تتواجد في كل قرية وحي بالتزامن مع المدرسة والمركز الصحي، مشتملة على  عدد من الخدمات الرياضية التي تتيح للشباب ممارسة هوايته المفضلة، وبالتالي تفريخ الكوادر المجيدة في هذا المجال، وكذلك بيوت الثقافة بمرسمها ومكتبتها ومسرحها ومعامل تصويرها وقاعات المطالعة وأنديتها العلمية، إضافة إلى المكتبات العامة في المدن والقرى، وبيوت الشباب، وغيرها من الخدمات.
هنا ابتسم صديقي أبو فاطمة وقال لي: الأمسية انتهت، وبقينا أنا وأنت لوحدنا بعد أن أخذنا الكلام.ماذا بقي لديك لم تقله في هذا الجانب أيها الصديق؟
قلت له: كلام كثير لم أقله بعد ، لم أتحدث عن دور اللجنة في التنشئة السياسية، هذا المطلب المهم والملح والمطلوب في الوقت الراهن، ولم أتناول أهمية الزيارات والمعسكرات  المختلفة، وورش العمل ، ودورها في تنمية الانتماء، وصقل المشاركة المجتمعية، وتشكيل القيادات الشبابية. كلام كثير لدي يا أبا فاطمة قد أتحدث عنه يوماً ما بعد أن ترى اللجنة النور. فلننتظر، فإن الغد لناظره قريب.

د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.