الخميس، 6 أكتوبر 2011

مواقف حياتيــة (3)


جريدة عمان - الخميس - 6/10/2011
هذه مواقف حياتية نصادفها يومياً.. نعرضها ليس من باب النقد، ولكن من أجل أن تكون الرؤية أكثر جمالاً ووضوحاً.
(1)
ارتفعت حرارة ابنتي البالغة من العمر سنتين، فقمت بإعطائها دواءاً خافضاً للحرارة، واصلت بعده النوم في سكون.ترى كيف كان سيكون حالها لو كان هذا المشهد قبل أربعين عاماً من الآن؟
عندما أشاهد بيوت العزل الصحي التي كان الأهالي يقيمونها لعزل المرضى قبل عصر النهضة، وعندما أمر على بعض المقابر الفردية أم الجماعية  التي كانت مخصصة لدفن الأموات من جراء بعض الأمراض المعدية ، وعندما يحكي لي البعض  عمن فقدهم من أبناء وإخوة وأقارب بسبب أمراض  أصبحت اليوم في عداد الأمراض البسيطة،كل ذلك يجعلني  أدرك وأقدر مدى الجهود التي تبذلها الحكومة في مجال الرعاية الصحية، وغيرها من المجالات على مدى سنوات النهضة.
فارق كبير بين ما كان عليه المجتمع سابقاً ، وبين ما تحقق طيلة السنوات الإحدى والأربعين.
ملاحظاتنا وانتقاداتنا لبعض الأمور المتعلقة بالأداء في المجالات الخدمية المختلفة،  لا يجب أن تجعلنا نلغي أو نقلل من تلك الجهود الصادقة التي بذلت ، وتلك المنجزات الجبارة التي تحققت بفضل حب صادق وثقة متبادلة بين قائد عظيم وشعب مخلص.



(2)
سكن معلمات في قرية بعيدة من قرى المنطقة الوسطى.القاطنات هن معلمات من مناطق تعليمية أخرى  اضطرتهن ظروفهن المعيشية  إلى قبول العمل في مدرسة  هذه القرية التي تبعد مئات الكيلومترات عن مكان إقامتهن.
السكن يعاني من  نواقص عديدة أهمها الأمان، وليس أقلها تصدع الأبواب والنوافذ، و انتشار الزواحف والحشرات السامة. لا أثر لأي مظهر من مظاهر الحياة  في تلك القرية بعد الخامسة عصراً، فلا وجود لمحلات تجارية  أو جيران سوى بعض العمالة الوافدة.الرعب هي الحالة النفسية الوحيدة التي تعرفها المعلمات بعد عودتهن من المدرسة في نهاية اليوم الدراسي،  في إحدى الغرف كان هناك  طفل يبكي بسبب اضطرار أمه أن تربطه في لحاف بجوار الشباك عند ذهابها للمدرسة كل صباح  لأنها لم تجد من يعتني به في قريتها الأصلية .
ما سبق سرده  ليس من "فانتازيا" الخيال، ولكنها قصة واقعية حكاها لي ولي أمر إحدى تلك المعلمات.
متى ستنتهي معاناة المعلمات المعينات في المناطق البعيدة؟
 (3)
عندما أتجول بالقرب من قلعة آل حمودة  بجعلان بني بو علي وما حولها من شواهد أثرية تنتابني الحسرة، ويستبد بي الضيق.فهذا المعلم الأثري المهم قد تداعت أركانه، وأصبح مرتعاً للحيوانات السائبة، والكلاب الضالة.ترى كم سيستمر هذا التراث صامداً؟ وأين تكمن المشكلة؟ أليس هناك من عقول تعي أهمية مثل هذه الشواهد؟
(4)
يبدو أن بعض الشباب قد تحولوا بقدرة قادر إلى مختصين ومدربين  في البرمجة اللغوية العصبية، والإرشاد النفسي. لا تندهش عندما تجد شاباً لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره  ويقدم نفسه إليك على أنه مدرب معتمد ومرشد نفسي واجتماعي، ومتخصص في مجال التوجيه و الإرشاد الأسري ،وبرامج تعديل السلوك، ولا تستغرب إذا ما قرأت إعلاناً عن أحد المعاهد التي تقدم  دورات  لأحد هؤلاء بأسعار مبالغ فيها. 
لست ضد أن يهتم الشباب بمثل هذه المجالات المهمة، ولكن هل يكفي حضورنا لدورة أو اثنتين ، أو حصولنا على شهادة ما، كي نتحول إلى مدربين وخبراء، وأصحاب معاهد متخصصة في هذا المجال؟ ثم ألا يتطلب التحول إلى عملية الإرشاد والتوجيه أن يحمل المرء قدراً كافياً من الخبرة الحياتية والعملية الكافية كي يستطيع أن يتعاطى مع القضايا الأسرية والمجتمعية المختلفة؟ وهل لثقافة المجتمع بمؤسساته وأفراده دور في تنامي هذه الظاهرة؟باختصار: هل أصبح الموضوع نوعاً من "البيزنس" لدى البعض؟
 (5)
ندوة "السلامة المرورية" ليست الفعالية الوحيدة التي يعتزم مجلس صور العام إقامتها، بل سبقتها العديد من الفعاليات المجتمعية المتنوعة، لعل من بينها فعاليات التكريم لعدد من الفئات المجتمعية  كمحفظي وحفظة  القرآن الكريم، والعاملين في مجال غسل وتكفين الأموات، في إشارة إلى دورهم المجتمعي المهم، إضافة إلى تكريم بعض الفرق الرياضية بالولاية،  كما أن هناك عدداً من الفعاليات التي ينتوي القائمين على المجلس تنفيذها مستقبلاً  كالندوة الخاصة بتفعيل دور مجالس الآباء والأمهات في المجتمع .المجلس من خلال هذه الأنشطة والفعاليات المتنوعة يؤكد على أن دوره لا يقتصر فقط على استضافة المناسبات الخاصة بالأفراح أو الأتراح فقط، بل يتعداه إلى أدوار مجتمعية أخرى مهمة.
هذه هي الشراكة المجتمعية المطلوبة التي ننادي بها، فالشراكة الحقيقية بين الدولة والأفراد هي من الأمور المهمة لنجاح أي مجتمع،  وإذا لم نقم نحن أبناء هذا الوطن الذين نعمنا من خير التنمية،  بهذه الأعمال التطوعية،فلن ننتظر الآخرين كي يقوموا بها.شكراً لكل صاحب مبادرة تطوعية.




 (6)
من روائع ما قال شاعر اليمن عبد الله البردوني في الحكمة:
وحدي  أعيش على الهموم ووحدتي     
                                                    بـالـيأس مـفعمة وجـوّي مـفعم
لـكـنّني  أهـوى الـهموم لأنّـها      
                                              فـكـرٌ  أفـسّر صـمتها و أتـرجم
أهـوى  الـحياة بـخيرها و بشّرها  
                                        و  أحـبّ أبـناء الـحياة و أرحـم
و أصـوغ " فلسفة الجراح " نشائداً  
                                           يـشدو  بها اللاهي و يشجي المؤلم


د.محمد بن حمد العريمي
Mh.oraimi@hotmail.com

هناك تعليق واحد:

  1. مواقف نمر بها يوميا قد نلتفت اليها احيانا واحيانا لا نلقي لها ذلك الاهتمام ربما ظروف الحياة ومتطلباتها هي العائق وراء عدم الاهتمام بتلك اليوميات

    ردحذف

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.